هل أنهى الهجوم الروسي المضاد في كورسك معادلة “الأرض مقابل الأرض” مع أوكرانيا؟

الهجوم الروسي المضاد في كورسك

هل أنهى الهجوم الروسي المضاد في كورسك معادلة “الأرض مقابل الأرض” مع أوكرانيا؟

الحرة / خاص – دبي

14 سبتمبر 2024

أعلنت روسيا أن قواتها استعادت مؤخرا 10 قرى في إقليم كورسك الحدودي حيث شنت قوات أوكرانية الشهر الماضي هجوما واسعا، مما يطرح تساؤلات بشأن نجاح الهجوم الأوكراني في تحقيق أهدافه، ومنها تشتيت جهود قوات الكرملين.

وتلقي الهجمات المتبادلة الضوء على معادلة “الأرض مقابل الأرض”، وعلى إمكانية انسحاب قوات الطرفين، والعودة إلى حدود عام 1991، التي تشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

وكانت قوات أوكرانية قد توغلت بشكل مفاجئ في السادس من أغسطس في منطقة كورسك الروسية، حيث أعلن لاحقا أنها سيطرت على أكثر من ألف كلم مربع ونحو مئة قرية، وذلك في أول دخول لقوات أجنبية إلى العمق الروسي منذ الحرب العالمية الثانية.

وفي هذا السياق، ذكرت وزارة الدفاع الروسية، الخميس، في بيان نشر على منصة تيليغرام “خلال عمليات هجومية، حررت وحدات من جنود فرقة (الشمال) 10 قرى في يومين”.

وأظهرت مشاهد نشرها مدونون عسكريون روس في الأيام الأخيرة على الشبكات الاجتماعية، هجوما لمدرعات روسية على مواقع أوكرانية في منطقة كورسك ومجموعة من الجنود الأوكرانيين قيل إنهم أسرى، حسب وكالة فرانس برس.

من جانبه، أوضح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الجمعة، أن الهجمات الروسية المضادة لم تحقق حتى الآن “نجاحا كبيرا”، وفقا لوكالة رويترز.

وقال زيلينسكي في وقت سابق، الخميس، إن الرد الروسي “يتلاءم مع الخطة الأوكرانية”، من دون إعطاء تفاصيل إضافية.

منطقة عازلة لصد العدوان

وعن “النجاح” الذي حققته قوات روسية في استعادة بعض البلدات والقرى بإقليم كورسك، قال المحلل الروسي، أندريه أنتيكوف، في حديث إلى موقع “الحرة”: “علينا أن نعترف بأن هجوم قوات أوكرانية وتوغلها في كورسك كان مفاجئا جدا، خاصة وأن تلك القوات كانت تعاني على جبهات أخرى وغير قادرة على منع تقدم الجيش الروسي”.

وتابع: “ولكن يبدو أن موسكو قد استطاعت أن تستوعب الصدمة، خاصة وأنها أدركت أن الغاية من الهجوم هو تخفيف الضغط على الجيش الأوكراني في الجبهات الأمامية لاسيما بمناطق الاشتباك في دونباس”.

وشدد أنتيكوف على أن الكرملين “لم يكن ليقبل أن يستمر التوغل في أراضي البلاد بما يسمح بتطويق موسكو وإيقاف (العملية العسكرية الخاصة)” في إشارة إلى التسمية الرسمية الروسية لحربها على أوكرانيا.

من جهته، أوضح مدير مركز “فيجن” للدراسات الاستراتيجية بكييف، د. سعيد سلام، لموقع “الحرة” أن “الهجوم المضاد الروسي لم يؤد حتى الآن إلى نتائج واضحة بشأن استعادة السيطرة على المنطقة التي تسيطر عليها قوات أوكرانية في إقليم كورسك”.

وتابع: “علاوة على ذلك، لقد توقع الأوكرانيون هذا الهجوم المضاد وكانوا ينتظرونه، وفي جعبتهم العديد من الإجراءات المضادة، فقد فتحت قوات أوكرانية محورا آخرا بالفعل في جنوب إقليم كورسك، الواقع خلف قوات روسية تهاجم قوات أوكرانية، وتحاول طردها من المواقع التي سيطرت عليها”.

ولفت إلى أن “قوات أوكرانية قد اخترقت الحدود وتوغلت لمسافة نحو كيلومترين لمهاجمة قوات روسية من الخلف وإشغالها عن العمليات الهجومية”.

وفي نفس السياق، قال مسؤولون غربيون لصحيفة “تيليغراف” البريطانية إنه من غير المرجح أن تستعيد روسيا الكثير من الأراضي التي سيطرت عليها أوكرانيا في كورسك.

وأضافوا أن الهجوم البري الروسي استغرق وقتا طويلا حتى بدأ، وذلك بسبب وجود صعوبات جمة في تحريك أعداد كبيرة من القوات العسكرية نحو تلك الجبهة.

ولمحت تلك المصادر إلى أن قوات روسية ربما تسعى إلى “تقسيم” القوات الأوكرانية التي تسيطر على الأراضي في كورسك، حيث تهدف إلى قطع خطوط الاتصالات الأرضية بين الوحدات العسكرية في الإقليم.

وعن الغاية من عمليات الجيش الأوكراني في الإقليم الروسي، أوضح الدبلوماسي الأوكراني، إيفان سيهيدا، في حديثه إلى موقع “الحرة” أن “قوات مسلحة تقوم بعمليات عسكرية هناك كجزء من خطة دفاعية عامة لحماية البلاد، وتهدف هذه العمليات إلى حماية سكان منطقة سومي الأوكرانية”.

وأضاف: “منذ بداية هذا الصيف، تعرض سكان سومي لأكثر من ألفي هجوم من منطقة كورسك الروسية، باستخدام مختلف أنواع الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ والمدفعية والطائرات المسيرة، وبالتالي فإن إنشاء منطقة عازلة في ذلك الإقليم يأتي كإجراء ضروري لحماية مواطنينا من العدوان المستمر”.

خيار ممكن

وفيما إذا كانت كييف تسعى إلى أن تطبق معادلة “الأرض مقابل الأرض” من خلال سيطرتها على مساحات شاسعة في إقليم كورسك، أكد الدبلوماسي الأوكراني في الكويت، إيفان سيهيدا، أنه ليست هناك أي نوايا لبلاده لـ “احتلال مناطق روسية بشكل دائم”، على حد قوله.

وأضاف: “بالنسبة لمفهوم (الأرض مقابل الأرض)، نؤكد أن هدفنا الأساسي هو ضمان أمن وسلامة أوكرانيا ومواطنيها، وذلك عبر تحقيق السلام العادل والدائم على أساس القانون الدولي واحترام ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك وحدة أراضي الدول، وكل ذلك وارد في صيغة السلام التي طرحتها كييف”.

أما مدير مركز “فيجن” للدراسات الاستراتيجية، سلّام، فرأى في حديثه إلى موقع “الحرة” أن ذلك الخيار ممكن من الناحية النظرية، موضحا: “لا يمكن تجاهل هذا الأمر، لكن لن أقوم بتقييمه كأولوية بالنسبة للقيادة الأوكرانية، حيث أن العملية العسكرية الأوكرانية في إقليم كورسك لا تزال تكتسب إلى حد كبير أهمية سياسية”.

وتابع: “كييف بتلك الخطوة توضح لحلفاء أوكرانيا أنه لا توجد تلك الخطوط الحمراء التي يخشونها، خصوصا فيما يخص الحديث عن استخدام السلاح النووي، والذي هو مجرد خدعة تلوح بها موسكو”.

وتابع: “كذلك فإن عملية كورسك تهدف إلى زعزعة استقرار الوضع داخل روسيا نفسها، لأن ذلك التوغل يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة للروس ولزعيم الكرملين، فلاديمير بوتين، في المستقبل، وذلك على الرغم من أنهم يحاولون التغطية على هذا الوضع بطريقة ما، أو على الأقل إبقائه هادئاً”.

وفيما إذا كان تزويد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى والسماح باستخدامها في العمق الروسي يمنح كييف خيارات أفضل من التوغل في كورسك، أجاب سيهيدا: “نؤكد أن لنا الحق في الدفاع عن أنفسنا ضد العدوان المستمر، وإذا قرر شركاؤنا الغربيون رفع القيود وتزويدنا بهذه القدرات، فسيساعد ذلك في تدمير البنى التحتية العسكرية التي تُستخدم لشن هجمات على بلادنا، مما قد يقلل الحاجة إلى إنشاء مناطق عازلة على الأراضي الروسية”.

ولفت إلى أنه “من الأفضل تدمير مستودعات الصواريخ الروسية قبل إطلاقها ضد أوكرانيا، ما سيقلل من الإمكانيات العسكرية الروسية في مواصلة الحرب، فالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يفهم لغة القوة فقط”.

وفي نفس المنحى، أوضح سلّام أن الحلفاء الغربيين قد زودوا كييف بـ “صواريخ (أتاكامس) ذات مدى 165 كم، ويمكن تزويدها مستقبلا بفئة يصل مداها إلى 300 كم، كما حصلت أيضا على منظومة صواريخ (ستورم شادو) بمدى 270 كم، ويمكن مستقبلا تزويدها بصواريخ يبلغ مداها 560 كم من نفس الطراز”.

وأردف “كما يمكن للولايات المتحدة أن تزود أوكرانيا بصواريخ جو – أرض من طراز JASSM التي يتم إطلاقها من طائرات أف- 16، بمدى يبلغ نحو 370 كم”.

ورأى سلّام أنه يمكن لأوكرانيا عبر ذك العتاد “استهداف المطارات والمواقع التي تشن منها قوات روسية هجماتها على مدن أوكرانية بالصواريخ والقنابل الجوية الموجهة”، مضيفا: “فحسب التقديرات يبلغ عدد المواقع العسكرية الروسية في مدى صواريخ أتاكامس (300 كم) 246 موقعا، من ضمنها 16 مطارا عسكريا، بالإضافة الى العديد من الثكنات ومستودعات الأسلحة والوقود”.

وأكد أن ذلك “بالطبع لن يؤدي الى انتصار أوكرانيا مباشرة في الحرب، لكن سوف يؤدي إلى ضرب الإمكانيات اللوجستية للقوات الروسية التي تحارب داخل الأراضي الأوكرانية المحتلة، مما سيؤدي إلى تراجع إمكانياتها الهجومية بشكل كبير، وعليه فإن ذلك سوف يسمح للجيش الأوكراني بشن عمليات مضادة لتحرير الأراضي التي احتلتها القوات الغازية”.

وتابع: “بالإضافة إلى ذلك سوف تساهم تلك الضربات في زعزعة استقرار نظام الرئيس الروسي” على حد قول الباحث المقيم في كييف.

وفي المقابل أكد المحلل الروسي، أندريه أنتيكوف، أنه لا يمكن التنبؤ بردة فعل موسكو في حال قررت واشنطن وأوروبا السماح لكييف باستخدام أسلحة بعيدة المدى لضرب أهداف عسكرية داخل العمق الروسي.

وأضاف: “يمكن لروسيا أن ترد بشكل غير مباشر من خلال تزويد بعض القوى في الشرق الأوسط بأسلحة متطورة ودقيقة وبعيدة المدى بما يسمح لها بتهديد المصالح الأميركية والغربية هناك”.

وأردف: “تستطيع موسكو على سبيل المثال أن تعطي الكثير من الأسلحة لحزب الله في لبنان، وجماعة الحوثي في اليمن، بالإضافة إلى العديد من الميلشيات داخل العراق”.

وعلى المقلب الآخر، رأى الدبلوماسي الأوكراني، إيفان سيهيدا، أن بلاده تدرك “المخاوف المتعلقة بالتصعيد الذي قد ينجم عن استهداف العمق الروسي بصواريخ بعيدة المدى”.

وأضاف: “ثمة مخاوف غربية بشأن لجوء موسكو إلى الخيار النووي، ولكن ينبغي أن يكون واضحًا أن التهديدات لا يجب أن تمنع أوكرانيا والمجتمع الدولي من دعم الحق والعدالة، فروسيا لا تواجه قيودًا في استخدام أسلحة حصلت عليها من إيران وكوريا الشمالية ضد بلادنا”.

وتساءل “فلماذا تُفرض قيود علينا في الدفاع عن أنفسنا، خاصةً وأن أوكرانيا تنازلت عن الأسلحة النووية التي كانت بحوزتها مقابل ضمانات أمنية واحترام وحدة أراضيها من قبل أميركا وبريطانيا وروسيا، وفقًا لاتفاقية بودابست عام 1994”.

وختم بالقول: “نحن نؤمن بأن الاستقرار والأمن في المنطقة سيتحققان فقط عندما تحترم روسيا القانون الدولي وتوقف أعمالها العدائية”.

وفيما يتعلق بإمكانية أن تخسر موسكو حربها، خاصة إذا جرى استهداف العمق الروسي، أجاب سلّام: “هناك أمثلة كثيرة في التاريخ عندما خسرت قوى نووية كبرى الحروب، فالاتحاد السوفييتي، والذي كان أيضًا قوة نووية كبيرة هزم في أفغانستان، والولايات المتحدة خسرت الحرب في فيتنام”.

واعتبر أن الزعم بأن روسيا لن تخسر حربها الحالية هو مجرد دعاية سياسية ترددها موسكو متذرعة بأنها دولة عظمى وقوة نووية كبيرة، مضيفا: “ولكن قوات الكرملين هزمت في السابق، وسوف تتجرع مرارة الخسارة في المستقبل”.

Залишити відповідь

Ваша e-mail адреса не оприлюднюватиметься. Обов’язкові поля позначені *