أبعاد تجنيد الأفارقة في الحرب الروسية على أوكرانيا وتكتيكات الاستغلال

أبعاد تجنيد الأفارقة في الحرب الروسية على أوكرانيا وتكتيكات الاستغلال

أبعاد تجنيد الأفارقة في الحرب الروسية على أوكرانيا وتكتيكات الاستغلال

Директор Центру стратегічних досліджень Vision

Доктор Саїд Саллам - директор Vision Center for Strategic Studies

15\11\2025

تُعدّ ظاهرة تجنيد المقاتلين الأفارقة للقتال في صفوف الجيش الروسي في الحرب ضد أوكرانيا واحدة من أبرز تجليات تدويل الحرب، حيث تتجاوز هذه الظاهرة كونها حالات فردية لتصل إلى مستوى الظاهرة المنظمة التي تمس عشرات الدول الأفريقية، ويكشف التوسع في هذا التجنيد عن استراتيجية روسية تهدف إلى تعويض النقص في القوى البشرية، مقابل استغلال نقاط الضعف الاقتصادية والقانونية للشباب الأفريقي.

تؤكد التقارير الصادرة عن مصادر أوكرانية ودولية أن أعداد المقاتلين الأفارقة الذين يشاركون في القتال في صفوف القوات الروسية قد تجاوزت 1400 مقاتلاً ينتمون إلى ما يزيد عن 36 دولة أفريقية مختلفة. وبالإضافة إلى إعلان كينيا عن وجود أكثر من 200 مواطن من مواطنيها في هذه الجبهات، فقد تطورت القضية إلى مستوى دبلوماسي رفيع، حيث أفاد الرئيس الكيني ويليام روتو بوجود بعض الكينيين المحتجزين في المعسكرات العسكرية الروسية بعد تورطهم غير المقصود في الصراع، واتفاقه مع نظيره الأوكراني على رفع مستوى الوعي بمخاطر هذه الممارسات. وكشفت التطورات الأخيرة عن انخراط دول أخرى بشكل رسمي أو عبر حالات فردية موثقة، فقد أعلنت جنوب أفريقيا عن فتح تحقيق في حالات مواطنيها الذين وصل عددهم إلى سبعة عشر شخصاً، تتراوح أعمارهم بين 20 و 39 عاماً، وذلك بعد تلقي نداءات استغاثة منهم إثر تعرضهم للخداع للانضمام لقوات المرتزقة بذريعة عقود عمل مربحة ليجدوا أنفسهم محاصرين في منطقة دونباس بأوكرانيا. كما ظهرت حالات موثقة لمقاتلين أسرى ينحدرون من دول مثل الصومال وسيراليون، الذين أُسروا غالباً خلال مهمتهم القتالية الأولى، مما يؤكد المصير المأساوي السريع الذي يواجهونه عبر إرسالهم فوراً إلى ما يُعرف بـ “هجمات الموجات البشرية” التي يستخدمها الجيش الروسي. إضافة إلى تحقيقات صحفية مستمرة في غانا حول مصير مواطنين غانيين قُتلوا أو علقوا في روسيا بعد سفرهم للبحث عن عمل.

Мир в Україні – Що об’єднує посередників з Ватикану, Туреччини, Саудівської Аравії, ОАЕ та Європи?

ولم يعد التجنيد يقتصر على مجرد تقديم الإغراءات المالية السخية، والتي تستهدف في المقام الأول الشباب الأفريقي العاطل عن العمل، بل تطور ليشمل حزمة متكاملة من المحفزات المادية التي تتضمن رواتب شهرية مجزية قد تصل إلى 2800 دولار، مصحوبة بالوعد القاطع بالحصول على الجنسية الروسية في فترة قياسية مقابل الخدمة العسكرية، وهو ما يُعد عامل جذب هائل للكثيرين، خاصة بعد أن منحت روسيا الجنسية لآلاف المقاتلين الأجانب، بل تطور ليشمل تكتيكات أكثر قسراً واستغلالاً للوضع القانوني للمهاجرين والطلاب الأفارقة المقيمين في روسيا، ومن أبرز هذه التكتيكات التي كشفت عنها تقارير استخباراتية أوروبية التهديد بعدم تجديد التأشيرات، حيث يواجه الطلاب والعمال الأفارقة الشباب تهديدات مستمرة بسحب تأشيراتهم وعدم تمديدها ما لم يوافقوا على الانضمام للجيش، وهي تكتيكات مشابهة لتلك التي كانت تستخدمها مجموعة “فاغنر” العسكرية سابقاً، إضافة إلى ذلك، يتم اللجوء إلى الاعتقال والإكراه على الاختيار، حيث يتم اعتقال بعض الأفارقة الذين يحملون تأشيرات عمل ليُجبروا على الاختيار الصعب بين ترحيلهم من روسيا أو الانضمام إلى الخدمة العسكرية والقتال على الجبهات، كما تستغل هذه الشبكات برنامج المنح التعليمية، حيث يتم استدراج الشباب بوعود بمنح دراسية مزيفة، ليجد الطالب نفسه مجبراً على الالتحاق بالجيش فور وصوله، كما حدث مع طالب توغولي شاب وقع في الأسر بعد إصابته في جبهة القتال. وتستمر عمليات التضليل الصريح بشأن طبيعة المهام الموكلة للمجندين، إذ يُوعدون بمهام إسناد ولوجستيات أو تجميع لطائرات مسيرة، بل ويتم استغلال برامج مثل “أكاديمية الابوغا ستارت” التي تستهدف طلاباً أفارقة، ليتم الدفع بهم لاحقاً إلى الخطوط الأمامية للقتال. ويُطلق على التكتيكات الروسية في القتال على نطاق واسع وصف “مفرمة اللحم” للدلالة على الخسائر البشرية الفادحة التي يتعرض لها المجندون الجدد الذين يُرسَلون في مناورات هجومية خطيرة لحماية الوحدات الأكثر تدريباً، الأمر الذي يضع مصيرهم وحياتهم على المحك في صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل.

Дипломатія стратегічної невдачі

أدت هذه الممارسات إلى تداعيات إنسانية مأساوية، حيث تُعد أعداد القتلى والجرحى والمفقودين من المجندين الأفارقة في تزايد مستمر، ما يخلّف أزَمات حادة لأسرهم التي تجد صعوبة بالغة في الحصول على معلومات رسمية حول مصير أبنائها من السلطات الروسية. وقد تجلى هذا المأزق الإنساني والدبلوماسي بوضوح في قضية مقتل الطالب الزامبي زاكي إيزاك، الذي كان يقضي عقوبة بالسجن في روسيا وتم تجنيده مقابل وعد بالحصول على العفو والحرية بعد ستة أشهر من الخدمة القتالية، وتسببت وفاته في أزمة دبلوماسية علنية.

وعلى الصعيد الحكومي والمؤسساتي، تزايدت المطالبات والتدخلات الدبلوماسية. فبالإضافة إلى التحقيقات التي باشرتها جنوب أفريقيا حول مواطنيها السبعة عشر ومساعي حكومتها لتأمين إعادة جثث من قضوا منهم، وجهود الإنقاذ التي قامت بها كينيا لمواطنيها الذين تم تضليلهم، أعرب الاتحاد الأفريقي на قلقه العميق إزاء استغلال الرعايا الأفارقة، وطالب بالتحقيق في قضية الطالب الزامبي وبإعادة جثمانه إلى بلاده. كما تطلق أوكرانيا تحذيرات متكررة للدول الأفريقية بأن هذه المعركة “ليست حربهم”، وتحث الحكومات على إصدار بيانات علنية تحذر مواطنيها وتدين استغلال الشباب الضعفاء من قبل الكيانات العسكرية الأجنبية. وفي مواجهة هذا الاستغلال، يسعى النشطاء والصحفيون الاستقصائيون الأفارقة إلى كشف ملابسات هذه الشبكات ومساعدة العائلات في استعادة معلومات حول مصير أبنائها الذين وقعوا ضحية لوعود كاذبة تحولت إلى مآسٍ شخصية وعائلية عميقة، الأمر الذي يضع تحدياً أخلاقياً وقانونياً كبيراً أمام المجتمع الدولي لوقف هذه الانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني.

إن ظاهرة تجنيد الرعايا الأفارقة للمشاركة في صراعات دولية بعيدة عن قارتهم هي قضية تتجاوز البعد الأمني لتلامس أبعاداً سياسية واقتصادية وإنسانية عميقة، وتتطلب يقظة مستمرة من الحكومات الأفريقية لحماية مواطنيها من شبكات الاستغلال والتضليل التي تستغل الظروف الاقتصادية الصعبة وتحول الشباب الأفريقي إلى وقود لصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل. هذه اليقظة يجب أن تتحول إلى استراتيجية قارية موحدة تتصدرها آليات الاتحاد الأفريقي لمواجهة هذه الظاهرة التي تهدد كرامة مواطني القارة وتهدر ثروتها البشرية، ويتعين على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية لضمان المساءلة الصارمة للجهات التي تمارس التجنيد القسري والتضليل، سواء كانت كيانات عسكرية لدول أو شبكات إجرامية منظمة، ويجب أن يرتكز التحرك الفاعل على معالجة جذور الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل الشباب الأفريقي فريسة سهلة للإغراءات الكاذبة، لكي لا يبقى الحلم بالحصول على تأشيرة أو راتب مرتفع هو الباب الخلفي للزج بهم في محرقة الحروب، إن صون كرامة وسيادة الدول الأفريقية يبدأ بحماية أرواح مواطنيها من أن تكون مجرد أثمان بخسة في صراعات وحروب لا تمثل مصالحهم القومية العليا، مما يفرض تحركاً دبلوماسياً وقانونياً حازماً وفورياً لضمان عدم تكرار هذا النمط المؤسف من الاستغلال البشري.

Залишити відповідь

Ваша e-mail адреса не оприлюднюватиметься. Обов’язкові поля позначені *