إسرائيل: اختفت التهديدات الخارجية فحضرت التناقضات الداخلية
ماجد كيالي
30/7/2023
لا يوجد مخرج حاسم لإسرائيل من هذه الأزمة، أما المخارج الممكنة للتخفف من هذه الأزمة، فتتمثل بالذهاب نحو استفتاء، أو انتخابات مبكرة، وربما صوغ دستور ناظم، وهو ما تفتقده إسرائيل، فيما تترقب ما سيحصل في الأيام التالية وانعكاسات التطورات على الدولة وشكل وجودها ودورها في الشرق الأوسط.
لم تشهد إسرائيل أزمة سياسية داخلية على النحو الذي تشهده، منذ تشكيل حكومة ائتلاف اليمين القومي والديني (أواخر العام الماضي)، برئاسة بنيامين نتنياهو، والتي عرّفت في الأوساط الإسرائيلية والدولية باعتبارها أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل، منذ قيامها قبل 75 عاماً، والتي بات ينظر إليها عدد من قادة إسرائيل، وأصحاب الرأي فيها، باعتبارها الحكومة التي تأخذ المجتمع الإسرائيلي نحو التفكك أو نحو “حرب أهلية”، وتأخذ الدولة نحو الدكتاتورية والفاشية والانهيار.
مثلاً، هذا يائير لابيد، (زعيم المعارضة ورئيس الحكومة السابق)، يرى أن نتنياهو أسقط دولة إسرائيل، تلافياً لسقوط حكومته، بالنظر إلى التهديد الذي لوحت به التيارات الدينية، التي وجدت فرصتها في هذه اللحظة التاريخية لتعزيز وضعها في إسرائيل مقابل التيارات الأخرى. أما ايهود باراك (رئيس وزراء أسبق) فكتب مقالاً عنوانه: “إنذار للإسرائيلي… نتنياهو وشركاؤه… مصممون على دهورة إسرائيل إلى دكتاتورية فاسدة وعنصرية تعمل على تفكيك المجتمع وتعزل إسرائيل وتهدد مستقبلها…حكومة فاسدة تسحق استقلالية المحكمة العليا وتغيّر طريقة الحكم.”(“هآرتس”، 7/7/2023).
يرى إيهود أولمرت (رئيس وزراء أسبق أيضا) أن إسرائيل إزاء “تهديد جدي للغاية، كما لم يحدث أبدا من قبل، ونحن في طريقنا إلى حرب أهلية”. (24/7) في حين يؤكد عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان “لن نسمح بتحويل إسرائيل إلى دولة شريعة”.
لا ينبغي الاستنتاج مما سبق أن حكومات إسرائيل السابقة كانت أقل تطرفاً، بالنسبة إلى الفلسطينيين، وفي رؤيتها لطبيعة إسرائيل ودورها في المنطقة، فالتمييز هنا يتعلق بأن تطرف الحكومة الحالية إزاء الفلسطينيين بات يشمل الإسرائيليين، أيضاً، أو قطاعات واسعة منهم.
ما يميز تلك الحكومة، أيضاً، أنها تتوخّى حسم التناقضات، التي نشأت مع إسرائيل، منذ قيامها، بين المتدينين والعلمانيين، والشرقيين والغربيين، واليمين واليسار، والمستوطنين القدامى والجدد، وهي التناقضات التي تم التخفف منها، أو طمسها، فيما مضى بدعوى مواجهة التهديدات الوجودية الخارجية، وبدعوى صياغة هوية إسرائيلية، ووحدة المجتمع الإسرائيلي، وكل ذلك بدعوى حيازتها الأغلبية في الكنيست.
يقول يوسي كوهين (رئيس سابق لجهاز الموساد): “في سنوات سابقة… شهدنا خلافات، أزمات وطنية، خارجية وداخلية، شروخاً ومنازعات، لكننا عرفنا أن دولة إسرائيل ووجودها فوق كل خلاف… وعملنا جميعا بموجب ذلك. تجادلنا في مواضيع جوهرية…أحيانا توصلنا إلى توافقات، وأحياناً بقينا منقسمين… إنما هناك أمران لم نلمسهما بشكل قاطع وأبقيناهما دائماً خارج الخلاف والجدال: أمن دولة إسرائيل ومواطنيها، ووحدة الشعب بكل أطيافه… وجود دولة إسرائيل بكل أطيافها، طوائفها، أساليبها، وأنواعها لا يمكنه أن يتحقق إلا بفضل الفهم المتبادل… بيننا نحن الإسرائيليين جميعاً”. (“يديعوت”، 24/7/2023).
في أي حال فإن خطوة الحسم، التي ذهب إليها الائتلاف الحكومي، مستغلاً سيطرته على السلطتين التنفيذية والتشريعية (الكنيست)، لإزاحة السلطة القضائية، بتقويض صلاحيات المحكمة العليا، والتحرر من أي رقابة على عمل الحكومة، لا يمكن تفسيرها إلا بتعمد الانقضاض على جوهر النظام السياسي القائم على الفصل بين السلطات، والطابع العلماني للدولة، الذي يحفظ للمتدينين حقوقهم وزيادة، وذلك بتغليب طابع إسرائيل كدولة يهودية ودينية، على حساب طابعها كدولة ديمقراطية وعلمانية (نسبة لمواطنيها اليهود)، من دون مبالاة بأن ذلك سيؤدي إلى تصدع وحدة المجتمع الإسرائيلي، وانقسام الإسرائيليين، بشكل عمودي، على النحو الذي تشهده إسرائيل هذه الأيام.
وفوق ذلك فإن هذا التطور سيؤدي إلى تصعيد مكانة اليهود المتدينين على حساب الفئات الأخرى، الأكثر فاعلية في إسرائيل، مع علمنا بأن منتسبي التيارات الأصولية الدينية لا يخدمون في الجيش ولا يدفعون الضرائب، وفوق ذلك فهم يتمتعون بامتيازات على حساب اليهود الآخرين (العلمانيين)، الذين يخدمون في الجيش ويدفعون الضرائب، وهم الأكثر تأثيراً وفاعلية في إسرائيل.
وبغض النظر عن التناقضات الداخلية في إسرائيل، وهي عميقة وحقيقية ومؤثرة، فإن حكومة نتنياهو ما كانت لتلجأ نحو الحسم لولا توفر البيئة الداخلية والإقليمية والدولية المناسبة لها. وبالإمكان ملاحظة ذلك في الجوانب الآتية.
بدايةً شعور إسرائيل بأنها تعيش في واقع من الاحتلال المريح والمربح، سيما منذ إقامة السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو، بحيث لم يعد ثمة صراع وجودي مع الفلسطينيين، إذ الصراع يدور فقط على مصير الأراضي المحتلة (1967)، وبوجود اتفاقات التنسيق الأمني، بل إن إسرائيل مع وجود تلك السلطة، عززت من وجودها الاستيطاني في القدس والضفة الغربية، كما إنها عمقت من سيطرتها على الفلسطينيين، إداريا وأمنيا واقتصاديا.
يضاف إلى ذلك رؤية إسرائيل لنجاحها في إقامة علاقات تطبيع مع بعض الأنظمة العربية، حتى من دون ربط ذلك بانسحابها من الأراضي المحتلة عام 1967، ومن دون تقديم الاستحقاقات المطلوبة منها في التسوية مع الفلسطينيين.
نهاية هناك سيولة الوضع الدولي، فالصراع الدائر حاليا بين الأقطاب الدوليين، شكّل الفرصة المناسبة، ربما في اعتقاد نتنياهو وأطراف حكومته، للإفلات من الالتزامات السياسية، ولو الشكلية، التي تفرضها الدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية.
لا يوجد مخرج حاسم لإسرائيل من هذه الأزمة، أما المخارج الممكنة للتخفف من هذه الأزمة، فتتمثل بالذهاب نحو استفتاء، أو انتخابات مبكرة، وربما صوغ دستور ناظم، وهو ما تفتقده إسرائيل، فيما تترقب ما سيحصل في الأيام التالية وانعكاسات التطورات على الدولة وشكل وجودها ودورها في الشرق الأوسط.