الأديب والمبدع والانسان والمناضل
غسان كنفاني في الذكرى الواحدة والخمسين على استشهاده
(٨ تموز ١٩٧٢ و 8 تموز ٢٠٢٣)
Вадіх Абу Хані
палестинський журналіст
6 /6/ ٢٠٢٣
ولد غسان كنفاني في 9 ابريل في مدينة عكا عام 1936.
استشهد في بيروت إثر تفجير صهيوني في 8 يوليو عام ١٩٧٢.
روائي وقاص وصحفي واديب ومناضل فلسطيني وطني وقومي وأممي. ويعتبر أحد أشهر الكتاب والصحفيين الفلسطينيين العرب في القرن العشرين.
وقد كانت اعماله الادبية من روايات وقصص قصيرة متجذرة في العمق الثقافي، في الثقافة العربية والفلسطينية وقد ترجمت اعماله لمعظم اللغات العالمية.
تزوج من آني هوفر عام 1961 حتى رحيله عام 1972. دنماركية الاصل وله من الابناء ليلى كنفاني وفايز كنفاني.
اما الوالدان فهم عائشة السالم وفايز كنفاني.
استشهد غسان كنفاني صباح يوم السبت ٨/٧/١٩٧٢ في الساعة 10:30 بعد ان فجرت عبوات ناسفه كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله مما ادى الى استشهاده مع ابنة شقيقته لميس حسين نجم (17 عام). وحدثت اضرار كبيرة في المنزل في منطقة الحازمية.
أشهر ما كتبه غسان كنفاني: كتاب “ثوره 36 – 39” في فلسطين، “ارض البرتقال الحزين”، “في الادب الصهيوني”، “عن الرجال والبنادق”، “اطفال غسان كنفاني”، “موت سرير رقم 12” وطبعا “رجال تحت الشمس”، “ادب المقاومة في فلسطين – دراسة مطولة”، رواية “العاشق”، رواية “الشيء الاخر”، “من قتل ليلى الحايك”، رواية “ام سعد” ورواية “ما تبقى لكم”. كذلك مسرحية “جسر الى الابد”، مسرحية “الباب”، مسرحية “القبعة والنبي”، وقصص “القميص المسروق”. اضافة الى العديد من المقالات السياسية التي كانت تكتب باسم مستعار (فارس فارس).
عمل غسان كنفاني في مجلة الحرية، ثم مجلة الراي، واخيراً في مجلة الهدف وترأس هيئة تحريرها، كذلك صمم شعار المجلة (الحقيقة – كل الحقيقة للجماهير).
بعد استشهاد غسان كنفاني نشرت معظم اعماله وترجمت عام 1980.
في لقاء آني كنفاني زوجة الراحل الشهيد غسان تقول: اتخيل غسان ما زال يجلس معنا.
هذه السيدة الدنماركية التي قضت جل عمرها من أجل فلسطين وشعبها، بعد ان استشهد زوجها غسان على يد الموساد الاسرائيلي في الثامن من شهر تموز عام 1972 مع ابن شقيقته لميس في تفجير سيارته امام بيته في منطقه الحازمية في العاصمة اللبنانية.
تعود قضية آني كنفاني مع غسان الى بداية تعرفها على القضية الفلسطينية في ستينات القرن الماضي، حين عقد ملتقى لطلبة فلسطينيين في مؤتمر طلابي في مدينه دبروفنيك في يوغسلافيا، فشرحوا لها عن القضية الفلسطينية عندما التقت بهم.
تقول آني: “لم يكن لدي أدني فكرة عما حدث، وبدأت اعرف من خلالهم مصير الفلسطينيين، وكيف اجبروا على مغادرة بلدهم، وكنت حقا حزينة لأنني لم اعرف شيئاً. على الرغم من انني اتيت من عائلة يسارية، فإنني شعرت بانه ينبغي أن أعرف شيئا. وبدأت من خلال الطلبة الفلسطينيين أحيط وأجمع المعلومات عن القضية الفلسطينية ونشأتها.
فسافرت الى العاصمة السورية دمشق سنه 1961، وهناك بقيت اسبوعين في كليات للبنات، وفي السكن الجامعي. والتقيت الكثير من الطلاب الفلسطينيين كان أحدهم احمد خليفه (باحث ومترجم أصبح لاحقا يعمل في مؤسسة الدراسان الفلسطينية)، الذي كان يعيش في دمشق، وكنت أخطط بعد دمشق الذهاب لبيروت ومنها للقاهرة، لأنني كنت أريد ان أفهم حقاً ما حدث للشعب الفلسطيني، وعندما ذهبت لبيروت اعطاني احمد خليفه مظروفاً كتب عليه “غسان كنفاني”، وأخبرني ان اطلب من سائق التاكسي ان يأخذني الى مكتب غسان كنفاني في مجلة الحرية كي اعطيه المغلف وكان ذلك يوم السبت.
ذهبت الى مكتبه الذي يقع في وسط المدينة بجوار مسرح بيروت. كان مشغولا جداً، اعطاني بعض المجلات واخذت وقتاً لقراءتها، وعندما انتهيت سألني: حسناً ماذا تريدين؟ قلت له انني لا املك التجربة وانني اريد ان افهم منك ما حدث واريد ان أزور المخيمات. فقال لي قبل ان تعرفي الخلفية لن يأخذك أحد الى المخيمات.
كان اللقاء الاول بيني وبين غسان في ايلول سبتمبر 1961 وكانت خطتي ان أبقى اسبوعين في بيروت قبل ان أكمل طريقي نحو القاهرة”.
تقول آني كنفاني: حينها بدأت انخرط بالقضية الفلسطينية!
وعن غسان قالت آني انه “كان شخصاً مثيراً للاهتمام وخاصة لدى المتحدث معه. كان جيداً ليس فقط لأنه سرد القصص”. كان من المفترض ان أبقي اسبوعين في بيروت، لكن غسان سألني لماذا لا تبقي فترة طويلة، وفعلا بدأت بعدها بالعمل في روضة للأطفال في بيروت. وتتابع قائلة: تعمقت العلاقة بيني وبين غسان ودعاني لرؤية عائلته ومنهم ابن عمه فاروق غندور وام فاروق وأخيه.
تقول آني كنفاني: كان غسان ناقداً قاسياً وقوياً بالنقاشات. لكنه كان رقيقاً ومبدعاً. يكتب ويرسم ولديه قدرة مدهشة على الكتابة القصصية والمسرحية. كان غسان يركز على الاحصنة في رسوماته.
بدأنا في بيروت بإنشاء الروضات وكان ذلك شيئاً مهماً، وبعد استشهاده انشأنا لجنة تذكارية لنشر اعمال غسان كنفاني وجمع القصص بين عام 1974 و 1982.
كذلك انشأنا وأسسنا المكتبات ومركز تأهيل للأطفال من ذوي الحاجات الخاصة في عين الحلوة وفي بيروت.
وتم انشاء ست روضات وبدأت المدارس الامريكية وعدد من المدارس الخاصة تدرج مؤلفات غسان ورواياته وقصصه في التعليم. وترجمت أعمال غسان للسويدية والنرويجية والانجليزية والبرتغالية والايطالية. وعرضت مسرحيات دمى للأطفال على مسارح دنماركية.
كان غسان قد تعلم في روضه الاستاذ وديع سري الواقعة في يافا في الثانية من عمره، حيث بدا تعلم اللغة الفرنسية والانجليزية اضافه للعربية، ثم انتقل الى مدرسه الفرير ومكث بها حتى النكبة، ثم انتقل الى دمشق وأنهى المرحلة الاعدادية وبعدها الثانوية، ثم التحق بكلية الآداب في جامعة دمشق بين عام 1954 و 1960، وعمل مدرساً في مدارس الأونروا في مادة الرسم. وبعدها انتقل الى الصحافة في بيروت ليعمل في مجلة الحرية ثم الراي والهدف.
جمع غسان بين صنوف وسمات الانسان والقائد المبدع والاديب والعاشق.
غسان كنفاني الذي استخلص دروس فشل اضراب عام وثورة 36 في وجه الانجليز بسبب قيادتها الاقطاعية وضعف الوعي وعدم وضوح الخط السياسي والعدو الرئيسي، وهم الانجليز اضافة للواقع الرسمي العربي الرديء وتدخلاته.
غسان كنفاني ركز على سلاحين مهمين للتعريف بالقضية الفلسطينية، أهمية الحلقة الاممية، وكسب الراي العام العالمي وسلاح الاعلام لإيصال عدالة القضية للعالم.
غسان كنفاني النموذج الغرامشي والمثقف العضوي، نموذج المناضل المنصهر والمشتبك، لا المثقف المشتبه، المأجور، بل المثقف الذي يدافع عن قضايا الفقراء وشعبه.
غسان الذي رفع شعار بالدم نكتب لفلسطين واستشهد بسببه، ليصبح هذا الشعار لاحقاً شعار الاتحاد العام للكتاب والصحفيين والمثقفين.
غسان كنفاني الذي كان يؤكد على أهمية التجديد والديمقراطية ودور الشباب.
ففي شهر آب عام 1968 في دار الندوة في بيروت بعد الهزيمة ألقى محاضرة بعنوان (اللغة العمياء)، التي ركز فيها على اسباب هزيمة ٦٧ ومسؤولية النظام الرسمي العربي وتغييب الجماهير، وأكد على اهميه بناء الحزب الثوري، واهمية التكنولوجيا في مواجهة عدونا المتفوق، واهمية الديمقراطية، ودور الشباب.
غولدا مائير (رئيسة حكومة الاحتلال السابقة) كانت تقول ان غسان كنفاني بوزن كتيبة وجيش مدجج ويجب التخلص منه.
غسان كنفاني الذي تحدث عن دور الجماهير الحاسم وجسد شعار “كل الحقيقة للجماهير” من خلال مجلة الهدف التي اسسها ورأس تحريرها.
غسان الذي تحدث عن موضوع العودة الى حيفا وعن جماهير شعبنا في اراضي 48.
وتحدث عن الادب الصهيوني وأظهر عدد من كتاب الارض المحتلة.
غسان الذي تحدث عن ابو الخيزران برمزية الهزيمة والقائد المهزوم في رواية رجال تحت الشمس والذي تحول لاحقاً الى فيلم سينمائي باسم المخدوعون.
غسان الذي تحدث عن اهميه الفرز بين معسكر الاصدقاء والاعداء وأهمية وضوح الخط السياسي وبين تشابك المصالح الامبريالية الاستعمارية مع الصهيونية والرجعية.
يقول الاستاذ المفكر اللبناني محمد دكروب أن غسان كنفاني قاتل على ثلاثه جبهات:
- القتال على جبهة فلسطين.
- القتال على جبهة المرض (السكري).
- جبهة الابداع الفني وتنوع اشكاله.
غسان الذي أبدع في رسم صورة الحصان المتمرد.
وصمم شعار الجبهة وسهم تحرير فلسطين من الخارج الى الوطن.
غسان الذي كان يقول تسقط الاجساد لا الفكرة.
اما عن الشهداء قال لدينا أمرا واحداً، لدينا قضية يقاتل من اجلها الشعب الفلسطيني ويفضل الموت واقفا على ان يخسر قضيته.
في هذه الايام وفي ذكر استشهاده، نستذكر روح الشهيد غسان وعطائه وانتاجه من اجل فلسطين وشعبه،
من أجل ايصال رسالته الى الراي العام العالمي، عن عدالة القضية وشرعية النضال، ودور الجماهير، وموقع المثقف الثوري.
الوفاء لغسان كنفاني في ذكرى استشهاده، هو باستمرار التمسك بالأهداف التي ناضل واستشهد من اجلها.
من اجل فلسطين حرة متحررة وديمقراطية ومستقلة وسيدة، وعاصمتها القدس، وتقرير المصير، وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها عام 1948.