السردية الفلسطينية في ظل التحول العالمي: من التهميش إلى مركزية العدالة

السردية الفلسطينية في ظل التحول العالمي من التهميش إلى مركزية العدالة

السردية الفلسطينية في ظل التحول العالمي:

من التهميش إلى مركزية العدالة

حمدان الضميري – ناشط فلسطيني في أوروبا

21\10\2025

على مدى عقود، هيمنت السردية الصهيونية على المشهد الدولي، حيث صُوّرت إسرائيل كدولة ديمقراطية محاطة بالأعداء، بينما جرى اختزال الفلسطينيين في صورة العنف والتهديد. نادراً ما استطاعت الرواية الفلسطينية اختراق هذا الجدار السردي، إلا أن السنوات الأخيرة – وخاصة منذ اندلاع حرب الإبادة في غزة – شهدت تحولاً نوعياً غير مسبوق في الوعي العالمي تجاه فلسطين.

ما جرى في غزة خلال العامين الماضيين لم يكن مجرد حرب، بل مشروع تطهير عرقي ممنهج، بدأ في القطاع ويُخطط له أن يمتد إلى الضفة الغربية. هذا المشروع ليس جديداً، بل هو جوهر العقيدة الصهيونية منذ نشأتها، والتي تأسست على كذبة تاريخية مفادها أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب، وأن من وجد فيها مجرد قبائل متنقلة من الجزيرة العربية. لقد دحض الشعب الفلسطيني هذه الرواية عبر نضاله المتواصل منذ مطلع القرن العشرين، وأسقطها بالحقائق والدم.

اليوم، تعود القوى الصهيونية الدينية المتطرفة لتفعيل هذا المشروع، مستغلة أدوات الإبادة الجماعية والتجويع والتهجير القسري كوسائل لتحقيقه. لكن الشعب الفلسطيني، الذي عاش نكبة 1948 وتهجّر منها نحو 800 ألف إنسان، لم يعد مستعداً لتكرار التجربة. سبعون بالمئة من سكان غزة هم من أحفاد المهجّرين، وهذه الحقيقة التاريخية تجعل من الصمود خياراً وجودياً لا رجعة فيه.

أمام مشاهد الدمار والقتل الجماعي في غزة، خرجت ملايين الشعوب حول العالم إلى الساحات لتقول: لا للإبادة، لا للتجويع، لا للتطهير العرقي. هذا الحراك الإنساني الأخلاقي أحدث انقلاباً في الصورة النمطية: لم يعد الفلسطيني هو المتهم، بل أصبح الضحية، بينما انكشفت إسرائيل كجلاد يمارس القتل والتدمير بلا رادع. هذا التحول جعل من فلسطين عنواناً للعدالة والحرية، وأعاد تموضعها في قلب منظومة العلاقات الدولية كقضية مركزية في معركة التحرر من الاستبداد والاستعمار.

الشباب في أوروبا وأمريكا باتوا يرون في دعمهم لفلسطين امتداداً لمعركتهم الداخلية من أجل أنظمة سياسية أكثر عدلاً وإنسانية. هذا التحول لا رجعة فيه، والكيان الصهيوني أصبح منبوذاً في أعين الكثيرين، حتى أن القضية الفلسطينية دخلت في صلب النقاشات الانتخابية في عدد من الدول الأوروبية.

في ظل هذا الواقع الجديد، أرى أن معركة عزل ومحاصرة الكيان الصهيوني يجب أن تكون في صلب استراتيجيتنا القادمة. علينا أن نستثمر النظرة العالمية المتجددة التي ترى في إسرائيل كياناً يمارس الإبادة والاحتلال، وأن نحوّل هذا الإدراك إلى أدوات عملية للعزل والمقاطعة على المستوى الدولي.

ولكي يكون خطابنا في المرحلة المقبلة فاعلاً ومؤثراً، يجب أن يُبنى على ما تحقق خلال العامين الماضيين، وأن يرتكز على ثلاث دعائم أساسية:

أولاً: محاسبة مجرمي الحرب

يجب أن تتحول قضية محاسبة المسؤولين عن جرائم الإبادة في غزة إلى مطلب عالمي. من رأس هرم الكيان إلى أصغر جندي شارك في القتل، هذه مسؤولية أخلاقية وسياسية تقع على عاتق المؤسسات الحقوقية وحركات التضامن، وعلى عشرات الآلاف من النشطاء حول العالم. ما جرى في غزة ليس جريمة محلية، بل جريمة ضد الإنسانية جمعاء.

ثانياً: عزل الكيان على كافة الأصعدة

يجب أن تصبح فكرة العزل جزءاً من تفكيرنا اليومي: كيف يمكن لكل فرد أن يساهم في عزل إسرائيل اقتصادياً، سياسياً، ثقافياً، أكاديمياً، فنياً، ورياضياً؟ يجب تصعيد معركة المقاطعة (BDS)، وتجريم بيع الأسلحة أو تمريرها عبر الموانئ والمطارات. لدينا نموذج ناجح في التاريخ: عزل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، الذي بدأ بمنظمات المجتمع المدني واستمر حتى وصل إلى الحكومات والأحزاب، وانتهى بسقوط النظام في نهاية الثمانينات. هذا النموذج قابل للتكرار مع كيان الإبادة الصهيوني.

Західні ЗМІ між ізраїльським наративом та зростанням палестинського голосу

ثالثاً: وضوح سياسي في المطالب الفلسطينية

المرحلة الماضية اتسمت بالضبابية والتراجع السياسي. آن الأوان لتقديم إجابة واضحة للعالم: ماذا نريد؟ وماذا نطلب؟ نحن شعب يخوض معركة تحرر وطني ضد الاحتلال ونظام الأبارتايد. يجب أن تتوحد القوى السياسية الفلسطينية حول خطاب سياسي واضح، يستند إلى الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف، ويحدد آليات استردادها وفق المنظومة القانونية والميثاقية للأمم المتحدة، التي تعترف بحق الشعوب في المقاومة من أجل التحرر.

خاتمة

هذه المرتكزات، في ضوء التحولات العميقة التي شهدها العالم، تشكّل مكونات معركتنا القادمة. نحن اليوم أمام فرصة تاريخية: العالم بدأ ينظر إلينا كشعب له حقوق، وفي مقدمتها حق تقرير المصير. علينا أن نُحسن استثمار هذا التحول، وأن نُبقي الرواية الفلسطينية حيّة، موحدة، ومؤثرة، حتى يتحول التعاطف إلى فعل، والغضب إلى تغيير.

Залишити відповідь

Ваша e-mail адреса не оприлюднюватиметься. Обов’язкові поля позначені *