السلام في أوكرانيا: هل هو مفتاح لتغيير موازين القوى في سوريا؟

السلام في أوكرانيا

السلام في أوكرانيا: هل هو مفتاح لتغيير موازين القوى في سوريا؟

أوكرانيا وسوريا: صراعان متشابكان وتوازن قوى متغير

أحمد الجابر – موقع 963+

9\9\2025

في إطار العمل على جهوده في الحرب الروسية الأوكرانية. يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي نقل مؤخراً إلى نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وإلى قادة أوروبيين عرضاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب، يشمل تخلي أوكرانيا عن إقليم دونباس والأراضي التي تسيطر عليها روسيا في شبه جزيرة القرم ومنطقتي خيرسون وزاباروجيا. وقد رفض زيلينسكي هذا الطلب. وفقًا لمصادر ديبلوماسية.

وعُقدت قمة بين ترامب وبوتين في ألاسكا تحت عنوان “السعي لتحقيق السلام”، حيث أكد ترامب لاحقًا على ضرورة توصل أوكرانيا إلى اتفاق لإنهاء الحرب مع روسيا، مشيرًا إلى التفاوت في القوة بين البلدين. وذكر ترامب أنه اتفق مع بوتين على السعي لتحقيق اتفاق سلام دون شرط وقف إطلاق النار المسبق.

ونقلت تقارير إعلامية عن مصادر مطلعة أن بوتين طالب خلال القمة بأوكرانيا التخلي عن فكرة الانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والحد من توسع الحلف شرقًا، بالإضافة إلى اعتراف الولايات المتحدة بضم المناطق الأربع المتنازع عليها وشبه جزيرة القرم إلى روسيا. كما أشارت تقارير إلى انفتاح بوتين على التفاوض بشأن منطقتي سومي وخاركيف.

وبحسب وسائل إعلام، أبلغ ترامب القادة الأوروبيين بانفتاحه على تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، تشمل دعماً عسكرياً ومالياً، دون الالتزام بنشر قوات أميركية على الأرض، على أن يتم تفعيل هذه الضمانات في حال قامت روسيا بغزو جديد لأوكرانيا بعد أي اتفاق سلام. وأكدت التقارير أن هذه الضمانات لن تمنح أوكرانيا عضوية في الناتو.

وجرت مناقشة “الضمانات الأمنية لأوكرانيا” و”تبادل الأراضي” خلال لقاء ترامب وزيلينسكي في واشنطن.

وعقد القادة الأوروبيون والأمين العام لحلف “الناتو” اجتماعًا مع ترامب قبل القمة، حيث أكدوا على ضرورة عدم الاستخفاف ببوتين، ورفض التنازل عن الأراضي الأوكرانية، وأهمية وقف إطلاق النار كبداية لأي اتفاق، وحصول أوكرانيا على ضمانات أمنية.

ويأتي هذا في إطار مخاوف أوروبية من أن تؤدي أي تسوية لا تراعي المصالح الإستراتيجية الأوروبية إلى تهديد الأمن القاري المستقبلي وتغيير التوازنات الجيوسياسية في المنطقة. وفي ظل ذلك ماذا عن سوريا في هذا الصراع؟

استنزاف متواصل وعقبات تعيق السلام

يقول سعيد سلّام، مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية في أوكرانيا، كييف، لـ”963+”، إن الحرب الروسية على أوكرانيا، التي بدأت في عام 2014 وتحولت إلى غزو شامل في 22 شباط/فبراير 2022، لا تزال مستمرة دون بوادر واضحة لتوقفها في المدى القريب.

ويضيف أن القوات الروسية تمتلك حالياً المبادرة العسكرية، لكنها تحقق تقدماً بطيئاً، حيث استطاعت احتلال حوالي 25 كيلومتراً مربعاً فقط خلال الأسبوع الماضي. وبالمجمل، تمكنت روسيا من احتلال ما يقارب 1% من مساحة أوكرانيا خلال عام 2025، وذلك على حساب خسائر هائلة في المعدات وأعداد القتلى والجرحى من الجنود.

وفي المقابل، تواصل القوات الأوكرانية الهجمات المتبادلة، وتوجه ضربات قوية جداً للقدرات اللوجستية العسكرية والاقتصادية الروسية في عمق الأراضي الروسية، في إطار حرب غير متناظرة تخوضها، بحسب سلام.

ويشير إلى أنه على الرغم من المحاولات الديبلوماسية التي قادتها الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، إلا أن هذه الجهود لم تثمر عن تقريب المواقف بين البلدين. يرفض الكرملين تقديم تنازلات حول أهدافه الأساسية المتمثلة في اعتراف أوكرانيا والمجتمع الدولي بالأراضي التي ضمتها روسيا عبر استفتاءات غير شرعية على أنها روسية، ويتهم أوكرانيا بعدم الرغبة في التوصل إلى سلام دائم.

من جهتها، تضع أوكرانيا شرطاً أساسياً لأي اتفاق سلام دائم وعادل وهو إنهاء احتلال كافة أراضيها والانسحاب الكامل للقوات الروسية. كما يضع الطرف الروسي عقبات أمام عقد مفاوضات مباشرة بين الرئيس بوتين ونظيره الأوكراني زيلينسكي، حيث يطالب باتفاق مسبق على شروط السلام، وهو ما لم يتحقق حتى الآن. هذا الوضع يعكس التعقيدات الكبيرة أمام إنهاء الحرب وصعوبة التوصل إلى حل سياسي في الوقت الراهن، وسط استمرار التصعيد العسكري والتوترات الإقليمية.

تأثير الحرب وإعادة تشكيل النفوذ في سوريا

يقول سلام إن الغزو الروسي لأوكرانيا أدى إلى تدهور حاد في العلاقات بين واشنطن وموسكو، حيث فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى عقوبات سياسية واقتصادية مشددة على روسيا، زادت من عزلتها الدولية. وكان لهذا التدهور انعكاسات واضحة على ديناميكيات الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا.

ويضيف أن استنزاف الموارد العسكرية والاقتصادية الروسية في الحرب الأوكرانية أضعف قدرتها على الحفاظ على نفوذها في سوريا، وهو ما ساهم بشكل مباشر في سقوط نظام بشار الأسد في عام 2024. هذا التحول قلص بشكل كبير من الدور الروسي في المنطقة، التي كانت تعتبر فيها الداعم الأساسي للنظام السوري منذ تدخلها العسكري المباشر عام 2015.

ويتابع: “في المقابل، استغلت الولايات المتحدة هذا الضعف الروسي لتعزيز تحالفاتها الإقليمية بهدف مواجهة النفوذ الإيراني، الذي كان يعتمد بدوره بشكل كبير على الدعم الروسي في سوريا. ودعمت واشنطن القوى المعارضة لنظام الأسد، مما ساهم في تغيير موازين القوى في سوريا”.

ومع وصول الرئيس ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة مطلع عام 2025، والتغيرات الجذرية في الأولويات والسياسات والاعتماد على منهجية “الصفقات السريعة” في إدارة الشؤون السياسية والاستراتيجية الدولية، ظهرت محاولات دبلوماسية للتقارب بين واشنطن وموسكو، خاصة في سياق مناقشات استقرار منطقة الشرق الأوسط. إلا أن هذه المحاولات بقيت محدودة بسبب التوترات المستمرة بين الطرفين والناجمة أساساً عن حرب روسيا على أوكرانيا، وفقاً لسلام.

ويشدد على أن “بشكل عام، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا وسقوط نظام الأسد إلى إعادة تشكيل النفوذ الإقليمي، لتصبح الولايات المتحدة في موقف أقوى في سوريا، بينما تواجه روسيا تحديات كبيرة في استعادة نفوذها ودورها السابق”.

كيف يؤثر مصير أوكرانيا على سوريا؟

يرى سلام أن إيقاف الحرب الروسية على أوكرانيا من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على الملف السوري، نظراً للترابط بين الصراعات الإقليمية والدولية التي تشارك فيها روسيا. في حال توقفت الحرب، ستتمكن روسيا من إعادة تخصيص مواردها العسكرية والاقتصادية المستنفدة في أوكرانيا، مما قد يمكنها من محاولة استعادة نفوذها في سوريا. وقد يعني ذلك أيضاً تعزيز تحالفها مع إيران، التي لا تزال تلعب دوراً رئيسياً في المنطقة رغم تراجع دورها في سوريا، أو حتى محاولة إعادة بناء علاقات مع “الفصائل” السورية المختلفة لاستعادة موطئ قدم لها. مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى تصعيد جديد مع الولايات المتحدة، التي عززت وجودها في سوريا عبر دعم القوى المناهضة لإيران وروسيا.

ويضيف: “من ناحية أخرى، إذا استمرت الحرب، فإن روسيا ستواجه صعوبات جمة في الحفاظ على أي دور فعال في سوريا، مما سيترك المجال مفتوحاً أمام الولايات المتحدة وتركيا لتوسيع نفوذهما. حيث يمكن لتركيا، بدعم أميركي، أن تعمل على تعزيز سيطرتها على مناطق شمال سوريا، بينما تحاول الولايات المتحدة الحد من النفوذ الإيراني. وبالتالي، فإن استمرار أو توقف الحرب الروسية على أوكرانيا سيؤثر مباشرة على توازن القوى في سوريا، مع تأثيرات متباينة على جميع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية”.

الرؤية من موسكو

يرى الدكتور محمود الأفندي، الأكاديمي والمحليل السياسي في موسكو، في نفس السياق، أن الحرب الروسية الأوكرانية هي في جوهرها حرب استنزاف بين القوة الروسية والقوة الغربية، وأنها لن تنتهي إلا بحل عسكري. ويشير إلى أن الحلول السياسية التي يحاول ترامب فرضها لإنهاء الحرب لن تجدي نفعاً. لكنه يلفت إلى أن الغاية الروسية من انسحاب أميركا من الصراع تحققت، وهي ما بددت المخاوف من اندلاع حرب عالمية ثالثة.

ويؤكد لـ”963+” على أن الحل العسكري هو وحده القادر على إنهاء هذه الحرب، خاصة أن أوكرانيا تتعرض للاستنزاف. ويتوقع أن تنتهي الحرب خلال الأشهر المقبلة باستسلام أوكرانيا. ويعتقد أن الحرب “لن تحل في الأروقة السياسية وما يؤدي لإيقافها هو الميدان وحده” في ظل وجود ما وصفه بـ”نخبة أوروبية وأوكرانية تنتهج العسكرة وليس السياسة”.

وعلى عكس التحليل السابق، يرى الأفندي أن الحرب الروسية الأوكرانية لن تؤثر سلباً على العلاقة بين موسكو وواشنطن في ظل انسحاب الأخيرة من الصراع، مشيراً إلى أن تصريحات إدارة ترامب تكون قريبة من الرؤية الروسية. بل يذهب إلى أن “الحرب تقرب وتزيد العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة”. ويشير إلى أن اجتماع ألاسكا بين البلدين كان “لقاء للتفاهم على صفقات بين الرئيس الأمريكي ونظيره الروسي، وجزء منها يحتوي على تفاهمات في الشرق الأوسط، لا سيما سوريا”.

ويضيف أن الحرب الروسية الأوكرانية “لن تؤثر على الملف السوري”، مبرراً ذلك بأن القوات الروسية الموجودة في سوريا “تعتبر خارج العملية العسكرية ضد أوكرانيا”. ويشير إلى أن موسكو اعترفت بالسلطات السورية الجديدة وبدأت تعمل على تطوير العلاقات بين البلدين.

ويلفت إلى أن روسيا تبني علاقات مع الحكومة السورية الجديدة ولن تغير موقفها السياسي من دمشق، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن الحكام الجدد أمام “تحد كبير لبناء دولة”. ويخلص إلى أن الأمر “يتعلق بدمشق وليس بموسكو فيما يخص العلاقات بين البلدين، والتي ترتبط بشكل أو بآخر بوجود وبناء الدولة التي لا زالت غير واضحة المعالم”. ويختم بالقول: “ثم أن روسيا ستقيم العلاقات مع هذه الحكومة أو غيرها بما يخدم مصالحها”.

 

Залишити відповідь

Ваша e-mail адреса не оприлюднюватиметься. Обов’язкові поля позначені *