الغارة الإسرائيلية على الدوحة ومحاولة اغتيال قادة “حماس”
تصعيد عابر للحدود يعيد تشكيل معادلات الصراع الإقليمي
Центр стратегічних досліджень Vision
9\9\2025
في تطور غير مسبوق، نفّذ كيان الاحتلال والإرهاب الإسرائيلي مساء الثلاثاء 9 سبتمبر 2025، في تمام الساعة 05:34 مساءً بتوقيت الدوحة، غارة جوية دقيقة استهدفت مقرًا سكنيًا في منطقة كتارا بالعاصمة القطرية، حيث كان عدد من قيادات المكتب السياسي لحركة حماس مجتمعين لمناقشة مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار في غزة. العملية، التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم “قمة النار”، تمّت باستخدام ذخائر دقيقة، وأسفرت عن مقتل شخصين مقربين من القيادي البارز خليل الحية، دون تأكيد رسمي حول إصابة القيادات المستهدفة.
هذا الحدث يُعدّ نقطة تحوّل استراتيجية في قواعد الاشتباك، ويطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الوساطة الخليجية، حدود الردع الإسرائيلي، وموقع الولايات المتحدة في معادلة التهدئة.
بحسب مصادر إسرائيلية، جاءت الغارة بعد معلومات استخبارية دقيقة من جهاز “الشاباك”، تفيد بانعقاد اجتماع لقيادات حماس في الدوحة لمناقشة بنود المبادرة الأمريكية الجديدة. من بين المستهدفين:
- خليل الحية، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس.
- زاهر جبارين، مسؤول ملف الأسرى.
- خالد مشعل، الرئيس السابق للمكتب السياسي.
- موسى أبو مرزوق، حسام بدران، غازي الحمد، ومحمد درويش.
العملية لم تُسفر عن استشهاد أي من القيادات السياسية، لكنها أدت الى استشهاد همام الحية، نجل خليل الحية، وجهاد لبد، مدير مكتبه.
الرسالة الإسرائيلية كانت واضحة: لا حصانة للقيادات السياسية خارج غزة، ولا خطوط حمراء في استهداف من يُدير ملفات التهدئة أو التفاوض.
أثار الهجوم الإسرائيلي على الأراضي القطرية إدانات واسعة وفورية من عواصم عربية وعالمية ومنظمات دولية، مما يؤكد خطورة هذا التطور على استقرار المنطقة وجهود التهدئة.
حيث أدانت وزارة الخارجية القطرية الهجوم بشدة، واعتبرته “انتهاكًا صارخًا للسيادة الوطنية”، مؤكدة أن إسرائيل استهدفت مقرات سكنية يقيم فيها أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس.
كذلك أدانت مصر بشدة “العمل العدواني”، ووصفته بـ”سابقة خطيرة” تقوّض المساعي الدولية للتهدئة، مؤكدة تضامنها الكامل مع قطر. كما أعلنت كل من الجامعة العربية وسلطنة عُمان عن إدانتهما للهجوم، حيث اعتبرته عُمان “انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي”.
من جهتها، وصفت المملكة العربية السعودية الهجوم بـ”الإجرامي”، وأكدت دعمها الكامل لدولة قطر. في حين وصفت الإمارات العربية المتحدة العملية بـ”الغادرة”، في موقف يُعدّ متقدماً في سياق علاقات التطبيع المتقدمة مع إسرائيل. وطالب الأردن بتحرك دولي فوري لردع إسرائيل، محذراً من تداعيات أمنية إقليمية خطيرة.
على الصعيد الدولي، كان الموقف أكثر تعقيداً، حيث وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الهجوم بأنه “انتهاك خطير للسيادة القطرية”. وأكد أن قطر تلعب دوراً إيجابياً وفعالاً في جهود وقف إطلاق النار، مشدداً على أن “جميع الأطراف يجب أن تعمل من أجل تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، لا تدميره”. بينما لم تصدر الولايات المتحدة إدانة صريحة للهجوم. وبدلاً من ذلك، ذكرت تقارير إسرائيلية أن واشنطن أُبلغت مسبقاً بالهجوم. هذا الموقف يعكس التنسيق العميق في العلاقة بين الحليفين، رغم ادعاء البيت الأبيض التركيز على تهدئة التوترات في المنطقة.
في المقابل كانت المواقف الأوروبية متباينة. فبينما أعربت فرنسا وإيرلندا عن قلقهما العميق، اتخذت ألمانيا موقفاً أكثر انحيازا لإسرائيل، حيث أبدت قلقها من التصعيد، لكنها أكدت في نفس الوقت على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وهو موقف يتماشى مع محاولات اظهار التوازن الذي تحاول برلين الحفاظ عليه مع اعلان تفهم ضمني لهذا الاعتداء. ولم تُدن بريطانيا الهجوم بشكل مباشر، إذ أفاد متحدث باسم رئيس الوزراء بأن بريطانيا لم تكن على علم مسبق بالعملية، مؤكداً أن “الأولوية القصوى هي إنهاء المعاناة المروعة في غزة”، ومشيراً إلى أن بريطانيا لا ترغب في رؤية المزيد من التصعيد.
إن هذا التباين في المواقف الدولية، من الإدانة الصريحة إلى الحذر والتفهم الضمني، يعكس حجم الأزمة الدبلوماسية التي أحدثها الهجوم، ويزيد من الضغط على الجهود الدبلوماسية الرامية لتهدئة الأوضاع.
يُعدّ هذا الهجوم أول عملية عسكرية إسرائيلية معلنة داخل قطر، ويُشير إلى أن إسرائيل باتت ترى أن المعركة مع حماس تشمل كل من يحتضنها سياسيًا أو دبلوماسيًا، وليس فقط داخل غزة أو الضفة. كذلك استهداف قيادات حماس أثناء مناقشة مقترح أمريكي يُفسَّر على أنه محاولة لإفشال جهود الوساطة وضرب الوسطاء والضغط على الحلفاء، وتقويض الدور القطري في ملف التهدئة، ما يضع واشنطن في موقف حرج أمام شركائها الخليجيين. بالإضافة الى أن العملية تطرح تحديًا مباشرًا لمفهوم الأمن في الخليج، وتُجبر الدول الخليجية على إعادة تقييم علاقتها بإسرائيل، خاصة في ظل اتفاقيات التطبيع التي أُبرمت في السنوات الأخيرة. ويُعيد هذا الهجوم التأكيد على أن الحرب لم تعد محصورة في فلسطين المحتلة، بل باتت تمتد إلى العواصم التي تحتضن الفاعلين السياسيين، ما يمكن ان يُسرّع من عزلة إسرائيل دبلوماسيًا، ويُعزز من المطالبات الدولية بوقف التصعيد.
من المرجح أن تشهد المرحلة المقبلة تنسيقًا خليجيًا لفرض ضغوط دبلوماسية جماعية على إسرائيل، وربما إعادة تقييم العلاقات التطبيعية، خاصة من الدول التي فتحت قنوات اتصال أمنية وسياسية معها.
كذلك من المتوقع ان تطلب قطر عقد جلسة طارئة في مجلس الأمن، مدعومة بمواقف عربية وأوروبية، للمطالبة بإدانة رسمية لإسرائيل، وربما فرض إجراءات رمزية أو عملية لردع التصعيد.
اما فيما يخص حركة المقاومة الإسلامية “حماس” فقد تُعيد توزيع قياداتها بين عواصم أكثر تحصينًا، أو تعتمد نماذج قيادة لا مركزية لتقليل المخاطر، مع تعزيز إجراءات الحماية الشخصية والاستخباراتية.
هذا الهجوم سوف يُعطل المسار التفاوضي مؤقتًا، ويُعيد الأطراف النظر في جدوى التفاوض، خاصة إذا شعرت حماس أن الوسيط الأمريكي غير قادر على ضمان الحد الأدنى من الحماية السياسية. بالإضافة الى ان هذه العملية قد تُشعل موجة غضب شعبية في العالم العربي، وتُعيد تسليط الضوء على ملف السيادة الوطنية في ظل التطبيع، ما يُجبر بعض الحكومات على إعادة ضبط علاقاتها مع إسرائيل، وقد تُعيد النظر في منظوماتها الأمنية، وتُعزز من قدراتها الدفاعية الذاتية، وربما تُعيد تقييم تحالفاتها العسكرية، خاصة مع الولايات المتحدة، التي لم تصدى للهجوم رغم وجود اكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، و علمها المسبق به.
إن الغارة الإسرائيلية على الدوحة، في توقيتها ومكانها وطبيعة أهدافها، ليست مجرد حادث أمني، بل مؤشر على تحوّل نوعي في قواعد الاشتباك الإقليمي. إسرائيل توسّع نطاق الاستهداف ليشمل العواصم الخليجية، وتُعيد رسم حدود “الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي”. الرد القطري، والموقف العربي والدولي، سيحددان ما إذا كان هذا التصعيد سيُواجه بردع حقيقي، أم يُكرّس واقعًا جديدًا تُصبح فيه العواصم الآمنة ساحات محتملة للصراع.