اليوم 333
الدكتور محمد زيدية
22/1/2023
تقترب الحرب العدوانية الروسية الشاملة على أوكرانيا من نهاية عامها الأول. فأحد عشر شهرا من القتال والقصف المكثف والصمود الأسطوري للجيش والشعب الأوكراني كان بمثابة المفاجأة للعالم أجمع، بما فيهم المعتدي الذي أعتقد أن رحلته إلى كييڤ لن تستغرق أكثر من أيام معدودة، لتتبخر أحلامه وأمانيه ويعود أدراجه مذيلا بالخيبة والفشل، ليراجع حساباته ويتفقد ثغراته ويؤنب قادته. كيف هذا وهو القيصر وجيشه الثاني عالميا، وقد استعد لهذه الحرب سنوات، نعم سنوات، أقلها ثمانية منذ عام 2014، عندما قضم جزيرة القرم وأشعل فتنة الإنفصال في إقليمي دونيتسك ولوغانسك الاوكرانيين. لقد إستعد بإختبار سلاحه وجيشه في سوريا على مرأى العالم وسمعه، قتل وشرد ودمر وغير قواعد اللعبة حتى إنتشى غرورا وعنجهية. إستعد عندما هيأ إقتصاده ورتب داخله، متجاوزا حزم العقوبات الأمريكية والأوربية عليه، وهذا ما نراه حتى بعد كل هذه الشهور من الحرب. إستعد عندما فكر بشركة الحرب الخاصة ڤاغنر كذراع عسكري داعم، وإختبر نموذجها في ليبيا وإفريقيا الوسطى وسوريا وغيرها من الأماكن.
وفاجأ الأوكرانيون حتى حلفائهم والعالم أجمع بمقاومتهم للعدوان و استعدادهم للدفاع عن وطنهم وقيمهم وحريتهم وإنحيازهم للعالم المتحضر.
كل هذا أخذنا اليوم لواقع جديد وحرب مفتوحة وخيارات كثيرة لم تعد حربا روسية أوكرانية بل حربا عالمية ثالثة بإمتياز، إنعكس ذلك مبدئيا على الاقتصاد والأمن الغذائي العالمي ومازالت آثارها وارتداداتها تتسع شرقا وغربا، وفتحت شهية الحلفاء على دعم عسكري واسع النطاق لأوكرانيا لإستعادة أراضيها ودحر المعتدي.
الحرب اليوم مصيرية لبوتين، لا يمكنه التراجع، وخسارتها تعني تدمير المنظومة البوتينية التي بنى فلسفتها منذ بداية الآلفية الجديدة على عودة الحلم الروسي الكبير وإرث (روسيا القيصرية).
وحتى نكون منصفين كان لبوتين دورا كبيرا بتجاوز روسيا للآثار السلبية الكبيرة التي رافقت إنهيار الإتحاد السوفياتي وحقبة بوريس يلتسين، حيث بدأ المجتمع بالتعافي منها تدريجيا بالتزامن مع تقليم أضافر الأوليغارشية الناشئة وتدويرها في فلك سيد الكرملين الجديد، وكل هذا على حساب الديمقراطية والحريات .
الحرب مصيرية أيضا لنا في أوكرانيا لأسباب تعجز الكلمات عن رسمها.
فأنا هنا منذ إستقلالها في العام 1991 ، وكنت شاهدا على مراحل التطور والنمو الإجتماعي والسياسي والإقتصادي. تغيرت أشياء كثيرة هنا لكن لم تتغيير طيبة وسماحة أهلها .
الولايات المتحدة ومعها بريطانيا وبولندا ودول غربية أخرى تدعم صمود الجيش والشعب الأوكراني. فأوكرانيا تقف سدا أمام هذا الجنون القادم من الشرق.
يخاف العالم اليوم من النصر ومن الهزيمة في آن معا لأي من طرفي النزاع، وقد تعجز أكبر مراكز الدراسات والبحوث عن رسم سيناريو الحلقة الأخيرة من مسلسل الدمار. فروسيا وعلى لسان مسؤوليها (المرضى النفسيين) لا تنفك تذكرنا بأنها دولة نووية، ولن تقبل الهزيمة، وإن كانت جهنم فلتكن نارا (لا تبقي ولا تذر). هذه التصريحات نسمعها كلما أحرز الجنود الأوكران أي تقدم على جبهات القتال .
الشعب الأوكراني يثق بجيشه ويدعمه بحب منقطع النظير، المئات من المبادرات والجمعيات والنشاطات من شراء لباس إلى شراء دواء إلى مسيّرات وناقلات جند، ولسان حال الناس معنا الله والحقيقة ولا بد أن ننتصر.
هناك محاولات يقوم بها زعماء وقادة دول للدفع بإتجاه التفاوض وإيجاد حلول تجنب الطرفين الخسائر الكبيرة بالأرواح والبنى التحتية والإقتصادية قد تكللت بنجاحات جزئية، كتبادل للأسرى وتأمين ممرات آمنة لخروج المدنيين من المناطق الساخنة وتصدير الحبوب وليس أبعد من ذلك…
الكثير من الأزمات والنزاعات التي تحدث في عالمنا قد لا تكون الولايات المتحدة ورائها، ولكن بلا شك لا حل بدون أمريكا، وأمريكا اليوم ليست في عجلة من أمرها.