بناء الإنسان الجديد وهندسة الواقع

بناء الإنسان الجديد وهندسة الواقع

بناء الإنسان الجديد وهندسة الواقع

Вадіх Абу Хані

Вадіх Абу Хані - палестинська медійна особа

16\11\2025

إنَّ مصطلح “بناء الإنسان الجديد وهندسة الواقع” الذي شاع تداوله في العقود الأخيرة ليس سوى نتاج استعماري أمريكي خالص، يراد من خلاله التدخل السافر في شؤون الدول والشعوب، وإحكام السيطرة على مفاصل قرارها وثرواتها ومستقبل أجيالها، وهو ما لا يطال إلا الكيانات التي تفتقر إلى السيادة الوطنية الحقيقية، وقد ارتبط هذا المفهوم تحديداً باسم الجنرال الأمريكي “ريتشارد دايتون” الذي باتت ترجماته ونظرياته محط تداول واسع في سياقات متعددة.

لقد تجلى هذا المفهوم لأول مرة في صلب “اتفاقية دايتون” التي وضعت نهاية لحرب البوسنة والهرسك عام 1995، حيث كرست تقسيم البلاد إلى كيانات، ومنها “اتحاد البوسنة والهرسك” و”جمهورية صرب البوسنة”. ورغم ما حملته تلك الاتفاقيات من وعود ظاهرية بإعادة بناء المجتمع وتجاوز تداعيات الصراع، فإن المضمون الحقيقي لـ “ثقافة دايتون” كان موجهاً نحو صياغة “إنسان جديد” يذعن للواقع المفروض عليه ويقبل العيش تحت مظلة الترتيبات الجديدة، متحدثاً عن إنسان مستكين ومسالِم لا يملك سوى الرضوخ للاتفاقيات التي خطت له مسار وجوده.

لاحقاً، وعندما تسلَّم دايتون مهامه كمنسق أمريكي بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية بدءاً من عام 2005، قاد فريقاً عابراً للأطلسي لتقديم الدعم اللوجستي والتدريبي لقوات السلطة. وفي محاضرة له بمعهد واشنطن بتاريخ 7 أيار 2009، صرّح علناً عن استراتيجية تغيير الواقع من خلال فرض وقائع جديدة وبناء ثقافة “الإنسان الجديد” المبتغى. حيث يرى أن هذا التغيير يتحقق عبر فرض منظومة من الوقائع السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية المتضافرة، التي تسهم في “بناء” هذا الإنسان عن طريق عملية ممنهجة لـ “كيّ الوعي” وتزوير السرديات التاريخية واختراق النسيج الثقافي عبر أدوات الإغراء الناعم بدلاً من اللجوء إلى الإكراه المباشر.

Флот стійкості: Голос совісті перед обличчям блокади!

إن هذا المفهوم غربي الطابع، أمريكي بامتياز، ومُصمم لخدمة المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها، وفي مقدمتهم كيان الاحتلال الإسرائيلي، ويهدف إلى قلب موازين القوى وفرض توازنات جديدة قسرًا. ويمكن تتبع الأصول الاستراتيجية لهذا المخطط وصولاً إلى اتفاقيات التطبيع العربية-الإسرائيلية المتعاقبة، بدءاً من “كامب ديفيد” ثم “وادي عربة” وانتهاءً بـ “أوسلو”. وقد ظهرت لاحقاً مساعي تحديث هذه الترتيبات عبر ما أُطلق عليه زوراً “الاتفاقيات الإبراهيمية” ومبادرات كـ “صفقة ترامب”، التي دعت إلى إعادة هندسة شاملة للمشهد الفلسطيني، شملت رؤية لإعادة إعمار قطاع غزة وفق شروط تهدف إلى تحويله إلى منطقة “للسياحة والسلام والرفاهية” خالية من أي فعل مقاوم أو وجود لحركات مثل حماس.

وتكشف المؤشرات الميدانية عن دعم أمريكي-إسرائيلي حثيث لمشاريع كيانية بديلة في غزة، تشمل تمويل مجموعات محلية عميلة لإنشاء مظلة حكم بديلة، وذلك بتسهيل من أطراف إقليمية محددة، ويؤشر ذلك بوضوح إلى خطورة تشكيل مليشيات أمنية بصبغة غير وطنية، يتم استخدامها كأداة للفصل أو جسر للتواصل مع قوى الاحتلال، الأمر الذي قد يُفضي إلى تفجير صراعات داخلية أو حرب أهلية في القطاع، وربط هذه الكيانات المستحدثة بهياكل احتلال إسرائيلية رسمية. إن هذه الرؤية لغزة “الجديدة” المخطط لها هي في جوهرها مشروع مضاد لقوى المقاومة ومواجهة صريحة للمشروع الوطني الفلسطيني، مما يستوجب موقفاً وطنياً موحداً وحاسماً في التصدي له.

تتضمن الاستراتيجية العدوانية سعيًا حثيثاً لإعادة صياغة المناهج التعليمية والمنظومة الثقافية كأحد بنود التطبيع المبطنة، عبر تزوير متعمد للتراث الفلسطيني والطعن في الفولكلور والهوية الوطنية، وصولاً إلى محاولة لتصفية القضية والحقوق الوطنية تحت لافتات وشعارات زائفة. وفي ظل الانسداد التام لأفق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، يتم توظيف اتفاقيات التطبيع كأداة قسرية لفرض وقائع سياسية جديدة تخدم الأجندات والمصالح الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية على حساب الحقوق المشروعة للشعوب.

7 жовтня: Крах старої ідеї «Ізраїлю»

إن الرد الوطني الحاسم على مثل هذه المشاريع التصفوية يكمن في إرساء دعائم وحدة وطنية راسخة، وتشكيل مرجعية سياسية وطنية وحكومة إنقاذ تكون مهمتها الأساسية الدفاع عن المصالح العليا للأمة وقطع الطريق أمام أي بدائل عميلة محتملة، سواء كان ذلك عبر آليات حكم محلي مُضللة من خلال إعادة استنساخ مشروع “روابط القرى” او المدن، الذي رفضه شعبنا الفلسطيني في ثمانينيات القرن الماضي، أو من خلال تنظيم سياسي، فالهدف الجوهري للمشروع الغربي-الصهيوني هو خلق “إنسان عربي جديد” يقبل بالتبعية ويهادن الاحتلال ويرفع راية الاستسلام، وهو نموذج يتناقض جذرياً مع قيم الفداء والمقاومة، التي تبقى حقاً مشروعاً ومكرساً في وجه الاحتلال والجور.

وتبرهن التجارب الحية والوقائع الماثلة، ممثلة في صمود غزة ولبنان واليمن، على إمكانية الصمود والرفض للمخططات، كما أن عملية “طوفان الأقصى” وتجربة غزة على مدى السنوات الأخيرة قد أكدت بشكل قاطع قدرة الشعوب على المضي في مسار المقاومة ورفض كافة أشكال التطبيع مهما عظمت التضحيات، وذلك رغم جرائم الإبادة الجماعية المستمرة في القطاع وعمليات الضم والاستيطان المتصاعدة في الضفة والقدس، ويبقى الصراع في منطقتنا العربية صراعاً بين إرادتين متنافستين: إرادة الشعوب في التحرر والكرامة والتنوير، وإرادة المحتل في فرض أجنداته بالقوة الغاشمة، ويبقى القول المأثور بليغاً في دلالته: “ما يضل بالوادي إلا حجارته”.

Залишити відповідь

Ваша e-mail адреса не оприлюднюватиметься. Обов’язкові поля позначені *