ماجد كيالي – كاتب فلسطيني
21/11/2022
ليس ثمة صراع أيديولوجي في العالم اليوم، ولا صراع بين نظامين اقتصاديين، فالصراع يدور داخل النظام الرأسمالي ذاته، وعلى نمط العيش والقيم السياسية، بين دول رأسمالية، تنتهج الديمقراطية الليبرالية، وحقوق الإنسان، ودول رأسمالية لا تبالي البتة بالديمقراطية والتمثيل وحقوق الإنسان، بل وتنتهج خطاً استبدادياً إزاء الداخل والخارج في آن معاً.
عندما شنّ فلاديمير بوتين الحرب على أوكرانيا حاول تبرير ذلك بذرائع كثيرة، لعل أهمها تعلق بطموحه خلق نظام دولي جديد، يتمكن عبره من تحقيق حلمه باستعادة مكانة روسيا كدولة عظمى، أو فرض احترامها كقطب دولي، إلا أن تلك الحرب المستمرة، منذ أشهر، أتت بعكس ما توخّى، بل إنها أضرّت بمكانة روسيا الدولية والإقليمية، كما قوضت مشروعية مجمل الادعاءات التي ساقها لغزو أوكرانيا.
مع ذلك فإن التداعيات الكبيرة الناجمة عن تلك الحرب قد تفضي، على ما يبدو، إلى نتائج مهمة، من شأنها ليس تغيير هيكل العلاقات الدولية، فقط، إنما أيضاً تغيير هيكل الاقتصادات الدولية، وفرض قواعد جديدة لعناصر القوة والهيمنة والنفوذ، في العالم، لكن ليس بحسب توقعات بوتين، أو توهّماته.
ولعل أهم تلك التغيرات تمكن ملاحظتها في المجالات الآتية:
أولاً، بينت تلك الحرب أن القوة العسكرية لوحدها (عدد الجيش وترسانته من الأسلحة)، ومساحة الدولة وعدد سكانها، لم تعد تشكل معياراً لقوة الدولة، في المجال الخارجي الإقليمي والدولي. فهذه روسيا، بجبروتها العسكري، وترسانتها الهائلة من الأسلحة، لم تستطع فرض املاءاتها على الشعب الأوكراني، برغم الفارق الكبير في المساحة وعدد السكان والقوة العسكرية. طبعاً تمكن إحالة ذلك إلى صمود الشعب الأوكراني، وإصراره على مقاومة الغزو، وتعاطف الغرب معه (حكومات ومجتمعات)، وتوفر قيادة له استطاعت إدارة موارده البشرية والعسكرية بطريقة جيدة. لكن مع أهمية كل ما تقدم، ثمة عاملان أخران أسهما، أو عززا، قدرة الأوكرانيين على عرقلة الغزو الروسي: الأول، تمكينهم من امتلاك سلاح متقدم، أو متفوق تكنولوجياً (بالقياس للسلاح الروسي)؛ الثاني، توفر شبكة اتصال ومعلوماتية قوية ومستدامة وناجعة (هذا ما ذكره الرئيس الروسي في خطاب إعلانه التعبئة الجزئية يوم 21/9)، فهذان هما العاملان اللذان حسما لمصلحة تمكين الأوكرانيين من استيعاب الهجمة الروسية، وردها، أو تحجيم نجاحاتها، بل واجبارها على التراجع في بعض المناطق، وآخرها خريستون.ثانياً، تلك الحرب بينت أن القوة العسكرية، أو امتلاك مواد خام (نفط وغاز)، أو قدرة صناعية ما، لا تعطي أي دولة، حتى وإن كانت بحجم روسيا، مكانة دولية، إذ إن عناصر القوة في العالم اليوم باتت تتأتى من مصادر أخرى، وهي القوة الاقتصادية، وتلك بات محركها تحديداً العلوم والتكنولوجيا، لا الصناعة وحدها، بدليل أن أكبر الشركات وأقواها في العالم اليوم تعتمد على العلوم والتكنولوجيا. وعليه فإن الولايات المتحدة الأميركية، مثلاً، لا تحتل موقع القيادة في العالم من كونها تخصص لنفقات الدفاع بين 700 ـ 800 مليار دولار سنوياً (أكثر من 40 في المئة من الانفاق العالمي)، وهو مبلغ يقدر بنصف الناتج المحلي الإجمالي لروسيا (1.7 ترليون دولار)، وعشرة أضعاف إنفاقها العسكري السنوي (65 مليار دولار)، فإلى أهمية ذلك، ومع تفوق منظومات السلاح والإدارة لديها، وقوتها التصنيعية، فإن قوتها الأساسية، أو نقطة تميزها، تتأتى من كونها بمثابة القاطرة للتطورات العلمية والتكنولوجية في العالم (بما في ذلك في مجالات الفضاء والطب والطاقة والاتصالات). وهي تصرف 700 مليار دولار سنوياً على البحث العلمي، أي أن إنفاقها على البحث العلمي وعلى الدفاع، يساوي الناتج الإجمالي لروسيا تقريباً. هذا ينطبق على كل من ألمانيا واليابان، أيضاً، إذ إن قوة كل منهما لا تتأتى من قوة جيشيهما، وصناعتهما، وإنما أيضاً من الطاقة الإنتاجية- الاقتصادية التي يمتلكها كل منهما، ومن تقدمهما في مجال العلوم والتكنولوجيا. وبلغة الأرقام، فإن الناتج الإجمالي لروسيا يبلغ 1.7 تريليون دولار، وهي ليست من الدول العشر الصناعية في العالم، برغم أنها أكبر دولة من حيث المساحة في العالم (17 مليون كلم2)، ومع 143 مليون نسمة، وهي تحظى بثروات طبيعية هائلة ومتنوعة. في المقابل فإن الناتج الإجمالي السنوي لكل من اليابان يبلغ 5 تريليونات دولار (378 كلم2)، وألمانيا 4.2 تريليون دولار (357 كلم2)، برغم أن مساحة كل منهما أقل بكثير، ولا تملكان الموارد الطبيعية التي لدى روسيا، علما أن القوة التصديرية لألمانيا هي أربعة أمثال القوة التصديرية لروسيا (مع اختلاف نوعية الصادرات أيضاً). بل إن دولاً مثل إيطاليا وكوريا الجنوبية أقوى اقتصادياً من روسيا (1.8 ترليون دولار)، ولدى كل واحدة منهما تفوقاً في الصادرات، لا سيما أنها صناعية وليست مجرد مواد خام كحال روسيا.
الصين وروسيا وحرب الموازنات
ثالثاً، من جوانب كثيرة، فإن تلك الحرب التي أدت إلى تحجيم روسيا، وظهورها كقوة إقليمية فقط (بحسب تعبير الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما)، أدت أيضاً إلى تعزيز اعتماد روسيا على الصين، أو ارتهانها للصين، التي باتت أهم مستورد لإمدادات النفط والغاز من روسيا، الذي يشكل نحو 40 ـ 50 في المئة من إجمالي صادرات روسيا، و40 في المئة من موازنتها (يليها القمح والأسمدة الكيماوية والسلاح). أما في ما يخص الصين، التي تطمئن إلى كونها قطباً دولياً، بقوتها الاقتصادية والتصديرية، بغض النظر عن التوترات بينها وبين الولايات المتحدة، في مجالات نقل التكنولوجيا والتبادل التجاري وقضية تايوان، فتفترض ملاحظة أن لدى الصين عدد سكان كبيراً جداً هو 1.4 مليار نسمة، وأن متوسط نصيب الفرد من ناتجها الإجمالي (17.7 ترليون دولار) يبلغ 12500 دولار سنوياً، في حين أن متوسط دخل الفرد في الدول الصناعية الكبرى يتراوح بين 35 ألفاً (كوريا الجنوبية وإيطاليا) و70 ألفاً (الولايات المتحدة) في السنة. وإضافة إلى ما تقدم، فإن الصين هي بمثابة مصنع العالم، بسبب تميزها بالعمالة الرخيصة، وهي في هذا المجال لا يمكنها أن تفك ارتباطها بالغرب، فالدول الغربية تستورد أكثر من نصف صادراتها، ثم إن الصين تعتمد تكنولوجيا على الغرب (بخاصة الولايات المتحدة)، وهذا هو سر عدم حماس الصين لتأييد غزو روسيا لأوكرانيا، وسر علاقتها بإسرائيل، بعد الولايات المتحدة الأميركية، إذ تعتبر الصين ثالث شريك اقتصادي لها (بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي)، مع مبادلات تقدر بـ18 مليار دولار؛ هذا مع كل النجاحات، المثيرة للإعجاب التي تميزت بها الصين في صعودها، بالقياس للهبوط أو الجمود الحاصل في روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. مثلاً، في أعوام 2000 ـ 2010 ـ 2021 كان الناتج الإجمالي للصين 1.2، 6، 17 ترليون دولار، في حين كان في روسيا 1.1، 1.2، 1.7، برغم مساحتها الشاسعة وغنى ثرواتها الباطنية وامتدادها بين آسيا وأوروبا.
والفكرة هنا أن العالم في حال تعددية قطبية، أصلاً، لكن التعددية لا تعني المساواة بين غير متساوين، وحل ذلك ليس بالمغالبة العسكرية، وإنما التميز في الاقتصاد وإدارة المجتمع وفي العلوم والتكنولوجيا، وبما تقدمه دولة ما للبشرية، في مجال الطب وعلم الأحياء والهندسة، أي بما يعترف لك العالم به، وليس بما تحاول أن تفرضه بقوة الدبابات والمدافع.
بينت تلك الحرب أن القوة العسكرية لوحدها (عدد الجيش وترسانته من الأسلحة)، ومساحة الدولة وعدد سكانها، لم تعد تشكل معياراً لقوة الدولة.
رابعاً، أدّت الحرب إلى ضعضعة مسار العولمة، الذي انطلق أساساً بالتزامن مع هيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي، إثر انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، ومع الثورات العلمية والتكنولوجية، لا سيما في وسائل المعلوماتية والاتصال. لكن ذلك الضياع، على الأغلب، هو بمثابة انتكاسة موقتة، وطبيعية، ولا يقين الآن بحدودها، أو بانعكاساتها، على رغم محاولة روسيا إيجاد مجال مستقل لأنشطتها الاقتصادية ومبادلاتها المالية، لكن ذلك قد ينطوي على خسائر فادحة للأطراف المنخرطة فيه، ولا يبدو أن الصين ستعتمد هذا المسار، لأن معظم مبادلاتها الاقتصادية هي مع الغرب. وأقصد من ذلك أن الحرب عززت مسار العولمة، بدل أن تقوضه، وربما هذا يتضح من مسار العمل المشترك الذي انخرطت فيه الدول الأوروبية مثلاً، مع الولايات المتحدة، وحتى بالتضافر مع كندا واليابان واستراليا، وغيرها من الدول. ولنلاحظ حال العزلة التي أصيبت بها السياسة الروسية، فثمة 5 دول أيدت قرار الجمعية العمومية الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، وهي: بيلاروسيا وسوريا وكوريا الشمالية وأريتريا (أو الارغواي في التصويت التالي)، إضافة إلى روسيا ذاتها. كما يمكن تبين ذلك من عدم تعاطف الصين والهند مع الخطوة الروسية.
أيضاً، في ما يخص بالعولمة، فإن تلك الحرب بينت ضرورة تصحيح أو ترشيد أحد مسارات العولمة، القائمة على الاعتماد المتبادل، وسلاسل الإنتاج والتوريد، إذ بدأت دول كثيرة تعيد النظر باعتمادها على تايوان في أشباه الموصلات، من خلال تأسيس بنية تحتية قوية لتلك الصناعة الاستراتيجية، وهذا حصل في الولايات المتحدة وفي ألمانيا، إذ خصصت الإدارة الأميركية 280 مليار دولار لدعم تلك الصناعة. وقامت شركة “إنتل”، مثلاً، باستثمار 20 مليار دولار لهذا الغرض (في أيلول/ سبتمبر الماضي) في افتتاح مصنع لها في ولاية أوهايو، ضمن خطة استثمارية تقدر بـ100 مليار دولار.
خامساً، سلطت تكاليف الحرب الأضواء على الأرباح الهائلة التي تجنيها الشركات الخاصة، وضمنها شركات الطاقة المتجددة والنووية والعاملة في مجال صناعات النفط والغاز والفحم والتكرير، ما دفع الاتحاد الأوروبي لدراسة إمكانية فرض ضرائب على تلك الأرباح، في محاولة للتخفيف على المواطنين، وتوزيع أكلاف الحرب، وهو تطور مهم في الجانب الاقتصادي في تلك الدول التي تعتمد الاقتصاد الحر، ربما يكون لها امتدادات أخرى مستقبلاً. وكدلالة على تأكيد هذا التوجه، ربما يجدر تذكر أن قمة الدول الصناعية السبع (حزيران/ يونيو 2022 كورنوال إنكلترا)، أقرت التوافق على فرض حد أدنى عالمي للضرائب على الشركات الكبرى متعددة الجنسية، في تحول لافت نحو زيادة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، ما يتناسب مع توجه داخل الولايات المتحدة بتخصيص مبالغ من ميزانيتها لدعم قطاع الأعمال التكنولوجي، لمواجهة صعود الصين، التي لا تشتغل وفق قواعد الاقتصاد الحر.
الطريق إلى الطاقة النظيفة
سادساً، سرعت الحرب، وضمنها الحرب على إمدادات الطاقة، التحول الدولي نحو الطاقة النظيفة، وربما سيكون ذلك التحول الحامل الأساسي لمجمل البنية الصناعية في المستقبل، بعد الانتقال من الآلة البخارية إلى الآلة الكهربائية، ومن الميكانيك إلى الاوتوماتيك، فيبدو أن الطاقة الخضراء، وضمنها الطاقة الهيدروجينية، ستكون هي الأساس، وقد خصصت الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية مئات مليارات الدولارات لحث السير في هذا الاتجاه، وتسريعه، وتوسيعه، للتحرر نهائياً من الارتهان للطاقة الأحفورية.
سابعاً، عززت، تلك الحرب، أيضاً، التوجه نحو امتلاك الفضاء، والحروب السيبرانية، والاهتمام بفضاء الإنترنت، في الصراع على الرأي العام، وهو ما تجلى في التوجه نحو تحرير الانترنت من قوننة الدول بإتاحته عبر الأقمار الاصطناعية. في هذا المجال مثلاً، يعتزم إيلون ماسك إطلاق عشرات آلاف الأقمار الاصطناعية في الفضاء، ضمن مشروع «ستارلينك» التابع لشركة «سبيس إكس»، بهدف توصيل الإنترنت لجميع أنحاء العالم عبر إطلاق أقمار صناعية مدارية قريبة من الأرض، خلافاً للأقمار التقليدية، وهي منذ 2015 حتى الآن نشرت نحو 1800 قمر صناعي، وبدأت في نشر الخدمة في بعض الأجزاء من الكرة الأرضية (الولايات المتحدة وكندا وبعض دول أوروبا، ضمنها أوكرانيا بالطبع)، بما يغطي 32 دولة حتى الآن، وهذا سيشمل إيران أيضاً بحسب تصريح لإيلون ماسك، على ما شهدنا في الفترة الأخيرة.
امتلاك الفضاء
مع ذلك يجدر لفت الانتباه إلى أن أبحاث الفضاء، وامتلاك الفضاء، ليسا بجديد، ما يذكر بـ”مبادرة الدفاع الاستراتيجي لعسكرة الفضاء” أو ما سمي حينها “حرب النجوم” (إبان إدارة رونالد ريغان في الثمانينيات) لاستخدام الأرض والنظم الفضائية وحماية الولايات المتحدة من هجوم بالصواريخ الباليستية النووية. ومعلوم أن تلك الحرب كانت استنزفت الاتحاد السوفييتي، وشكلت أحد عوامل انهياره. كما أن الإدارة الأميركية السابقة (إدارة ترامب) ركزت على هذا الجانب، إذ كانت أعلنت عن برنامج تطوير لنظام مضاد للصواريخ الباليستية (صيف 2018)، وتشكيل “قوة فضائية”، بحيث تصبح الذراع السادسة في الجيش الأميركي، وتطوير أجهزة استشعار في الفضاء، يمكنها رصد إطلاق الصواريخ، وتدميرها لحظة إطلاقها، من أي مكان في العالم، وليس فقط في مسارها، كاشفاً في كل ذلك سعي الولايات المتحدة لجعل الفضاء بمثابة المفتاح لتكريس هيمنتها وترسيخ تفوقها العسكري، على دول العالم، سيما أنها تملك الوسائل التي يمكنها أن تفعل ما تقوله، لجهة توفر الموارد المالية، والإمكانيات التكنولوجية والعلمية، والكوادر البشرية، والمجال الحيوي، في الأرض والفضاء. وبحسب تعليق لوكالة الأنباء الصينية، في حينه، فقد “نجحت الولايات المتحدة في تطوير أسلحة يمكن أن تطلق من قواعد فضائية، من بينها بعض الأسلحة التي تفوق الخيال مثل (Rods from God)، وهي بمثابة عصا مصنوعة من معدن التنجستن، أو التيتانيوم، أو اليورانيوم، تبلغ زنتها أطناناً، وتستطيع عند إطلاقها من منصة على قمر اصطناعي يدور في الفضاء، إصابة أي هدف على الكرة الأرضية في أي وقت وبقوة مماثلة للقنبلة النووية”. (شينخوا، آب/ أغسطس 2018). على ذلك فإن الحرب الروسية في أوكرانيا أعطت دفعة جديدة لهذا القطاع، إذ أطلق البيت الأبيض في نيسان/ أبريل (2022) إستراتيجية وطنية بعنوان “الإستراتيجية الوطنية للصيانة والتجميع والتصنيع في الفضاء” (الجزيرة نت 7/8/2022). بيد أن ما يحصل في ما يتعلق بأبحاث الفضاء لا يتعلق بحروب المستقبل، فقط، إذ إن ذلك يتضمن فتوحات كبيرة في العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد، تفيد البشرية في مجالات الطب والمناخ والبيئة والاتصال، وهو اقتصاد يناهز مئات مليارات الدولارات، من حيث التكاليف والأرباح، ومن الصعب التكهن الآن أين سيصل الأمر في هذا المجال.
في الختام، ليس ثمة صراع أيديولوجي في العالم اليوم، ولا صراع بين نظامين اقتصاديين، فالصراع يدور داخل النظام الرأسمالي ذاته، وعلى نمط العيش والقيم السياسية، بين دول رأسمالية، تنتهج الديمقراطية الليبرالية، وحقوق الإنسان (رغم كل الثغرات والنواقص)، ودول رأسمالية لا تبالي البتة بالديمقراطية والتمثيل وحقوق الإنسان، بل وتنتهج خطاً استبدادياً إزاء الداخل والخارج في آن معاً. والدول من النمط الأول، برغم كل المآخذ على ديمقراطيتها وسياساتها (بخاصة الخارجية)، هي التي تبدو مرنة وعقلانية، وهي المنتج الأكبر للعلوم والتكنولوجيا في العصر الحديث، وبالتالي هي قاطرة التطورات الاقتصادية والاجتماعية في هذا العصر.