كيف السبيل إلى محاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب الروسية؟

كيف السبيل إلى محاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب الروسية؟

من الصعب تحمّل وحشية الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا.

فهل من المُمكن تقديم الجناة إلى العدالة يوما ما؟

عدد من أبرز الخبراء يُجيبون عن السؤال.

من سويسرا 19/1/2023

لم يكن بِن فيرينش يتخيل أن يشهد مرة أخرى حرباً في أوروبا. يبلغ بن فيرينش 102 عاماً، وهو آخر من تبقى على قيد الحياة من المُدَّعين الذين شاركوا في محاكمات نورمبرغ سنة 1946. حيث سعى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كي يمثل المسؤولون في نظام الحكم النازي أمام القضاء. وولدى سؤاله عن رأيه في هذه الحرب العدوانية التي تشنها روسيا على جارتها أوكرانيا، أجاب: “من الصعب تعريف المجرم،  لكن مهاجمة دولة أخرى تُعتبر بلا ريب جريمة حرب”.

فهل يجب أن يمثل فلاديمير بوتين لهذا السبب أمام القضاء؟ “إن من يشن حرباً غير مشروعة، سواء كان ذلك بسبب جنون العظمة، أو لأي سببٍ كان، يستحق أن يُعامل كمجرم”، يرد السيد فيرينش.

إن تحمل الأعمال الوحشية التي تقع أثناء الحرب أمر في غاية الصعوبة. فهل تظل مثل هذه الجرائم دون عقاب؟ وهل يُمكن أصلاً القبض على الجناة؟ وكذلك: هل من الممكن أن يتحقق السلام يومٍاً ما، في ظل عدم تحقق العدالة اللازمة له؟ تم طرح هذه الأسئلة على باقة من ألمع قيادات وخبراء العدالة الدولية على مستوى العالم.

لقد ساهمت النائبة العامة الفدرالية السويسرية السابقة كارلا ديل بونته في تقديم ادّعاء بشأن جرائم الحرب التي ارتُكبت في كل من يوغوسلافيا ورواندا، وذلك أثناء تقلدها لمنصب كبيرة المُدَّعين في الأمم المتحدة. وهي تؤكد ما قاله السيد فيرينش. فأكبر جرائم بوتين تتمثل في غزو أوكرانيا في حد ذاته. “إنه مجرم حرب، نعم بالتأكيد”، تقول السيدة ديل بونته. لكنها ترى أن التمكن من إحضار الرئيس الروسي، ليمثل أمام القضاء يشكل تحدياً كبيراً. ذلك لإن حق الفيتو الذي تتمتع به روسيا في مجلس الأمن بالأمم المتحدة سوف يحول دون عقد محكمة أممية خاصة.

من جهتها، تشير بيث فان شاك إلى تحدٍ آخر. إذ تصرح هذه السيدة التي تشغل منصب السفيرة الأولى المسؤولة عن القضاء الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية: “إن مهندسي حملة الأهوال هذه، يقبعون في روسيا.” لذلك لا يمكن القبض عليهم، إلا إذا غادروا هذا البلد. وهذا الأمر يحتاج إلى وقت؛ وهو استنتاج أسفرت عنه جميع الحوارات مع خبراء القضاء: إذ تتطلب العدالة الصبر. ذلك لإن لب أي ادّعاء يكمن في الأدلة.

من جانبه يعبِّر المحامي فيليب كورات ابن مدينة جنيف عن هذا بقوله: “إن الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والإبادة الجماعية تعتبر كلها جنايات معقدة للغاية. فهي نتاج لعدد كبير من الأفعال التي ارتكبها عدد كبير من الأشخاص”.

جدير بالذكر، أن سويسرا تقوم منذ شهر يونيو من عام 2022 بجمع تقارير الشهود في حالة الأشخاص الذين هُجِّروا قسراً من أوكرانيا، كي تستعد بها، حالما رُفِعت قضايا جنائية أو قُدِمت طلبات للحصول على مساعدات قضائية في هذا الصدد. كما أن النيابة العامة الفدرالية السويسرية تُشرف على فريق عمل، مهمته دراسة شؤون أوكرانيا وروسيا، بالتركيز على القانون الدولي.

“بالطبع سيأتي الوقت الذي يقول فيه القانون كلمته، ولكن متى وأمام أي محكمة؟”، يتساءل فرانسوا تسيميراي، والذي تولى بصفته محامٍ في محكمة العدل الدولية بلاهاي النظر في قضايا تختص بجرائم حرب شتى. وهو بدوره لا يرى حالياً فرصة لتقديم ادّعاء على المستوى الدولي بشأن جرائم الحرب الرووسية في أوكرانيا. هذا بينما تحتفظ أوكرانيا نفسها بحقها الشرعي في ذلك، بل إن هذه المطالبة القضائية تعدُّ قدرها المحتوم.