منعطف استراتيجي للقضية الفلسطينية: القانون الدولي يتحدى الكنيست

منعطف استراتيجي للقضية الفلسطينية: القانون الدولي يتحدى الكنيست

منعطف استراتيجي للقضية الفلسطينية:

القانون الدولي يتحدى الكنيست

Директор Центру стратегічних досліджень Vision

доктор Саїд Саллам, директор Центру стратегічних досліджень Vision

تم النشر في مجلة الهدف – العدد 76 (1550) اكتوبر 2025

3\11\2025

شهدت الساحة الدولية تصعيدًا دبلوماسيًا وقانونيًا غير مسبوقا عقب مصادقة الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون يهدف إلى فرض السيادة على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة. هذا القرار لم يبقَ في إطار السجال الداخلي، بل تحوّل فورًا إلى قضية دولية معقدة تخضع لمعايير القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، وأطلق موجة واسعة من الإدانات من عواصم إقليمية ودولية، أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الأجندة الدبلوماسية والحقوقية العالمية.

وفي تطور قضائي بالغ الدلالة، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارًا بالإجماع يدين “إسرائيل” على خلفية انتهاكات جسيمة وممنهجة للقانون الدولي الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأكد القرار أن “دولة إسرائيل، بصفتها سلطة قائمة بالاحتلال، أخفقت في تنفيذ التزاماتها القانونية”، في إشارة واضحة إلى ممارساتها التي تتعارض مع المواثيق والاتفاقيات الدولية. وقد نص القرار، وبالإجماع، على أربعة محاور أساسية: أولًا، التأكيد على إخفاق “إسرائيل” في الوفاء بالتزاماتها القانونية كقوة احتلال؛ ثانيًا، الإدانة الرسمية لخططها الاستيطانية في الضفة الغربية؛ ثالثًا، الإدانة الصريحة باستخدامها القوة المفرطة ضد المدنيين؛ ورابعًا، الإدانة الواضحة باتباعها سياسة التهجير القسري بحق الشعب الفلسطيني.

هذه الإدانة تُضفي بعدًا قانونيًا صلبًا على المواقف الرافضة، وتؤكد أن الاحتلال أخفق في الوفاء بالتزاماته، ما يرفع كلفة المساءلة الدولية ويعيد تسليط الضوء على معاناة المدنيين الفلسطينيين، مع التأكيد على أن الأفعال المدانة قد تقع ضمن تعريف “جرائم الحرب” بموجب نظام روما الأساسي.

المواقف الرسمية الصادرة عن دول الإقليم والمجتمع الدولي لم تكن مجرد ردود فعل عابرة، بل عكست قلقًا استراتيجيًا وتحولًا في ميزان المصالح. هذا الإجماع يقوم على ركيزتين أساسيتين: الأولى، رفض مطلق لأي محاولة لفرض سيادة أحادية أو تغيير للحدود يتناقض مع القانون الدولي ومبدأ “عدم جواز اكتساب الأرض بالقوة”، وتحديدًا قرار مجلس الأمن رقم 2334. الثانية، إدراك عميق لحساسية الأوضاع الإقليمية والمخاطر المترتبة على أي خطوة أحادية قد تشعل فتيل الانفجار الأمني والسياسي.

Міжнародне правосуддя постає перед Кнесетом на тлі глобального неприйняття легалізації поселень.

وقد تجسد هذا الرفض في مواقف رسمية حاسمة. حيث اعتبرت Кувейт القرار انتهاكًا للقرار الأممي 2234 وللقانون الدولي ودعت إلى موقف دولي رادع. ووصف Йорданія الإجراءات بأنها لا شرعية ودعت المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته القانونية والأخلاقية. أما Туреччина فوصفت الخطوة بأنها عمل تخريبي يقوض وقف إطلاق النار الهش في غزة ويهدد الاستقرار الإقليمي. وشددت Саудівська Аравія على رفضها التام للإجراءات الاستيطانية وأكدت دعمها لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، واعتبرت Катар الخطوة تعديًا سافرًا على الحقوق الفلسطينية وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. بينما أشارت США إلى أن الضم قد يبدد خططًا إقليمية وأن واشنطن غير مستعدة لدعمه في الوقت الراهن. هذا التلاقي في المواقف، بما في ذلك التحفظ الأمريكي الذي يُعد تفكيكًا لـ “الحماية الدبلوماسية المطلقة”، يضيّق هامش المناورة أمام الاحتلال ويعزز من نطاق الرفض الدولي.

عمليًا، يُشكّل هذا الموقف الجماعي المُدعَّم بالإدانة الجنائية الدولية “صندوق أدوات دبلوماسي وقضائي” متنوع وذو ثقل، يمكن تفعيله بآلية مدروسة ومتدرجة. لا يقتصر هذا الصندوق على البيانات المشتركة القوية، بل يمتد ليشمل تحركات دبلوماسية حاسمة في الأمم المتحدة، سواء في الجمعية العامة أو مجلس الأمن للدفع نحو قرارات تحت الفصل السابع في حال استمرار التحدي للقانون الدولي. كما يتضمن هذا الصندوق دعمًا قانونيًا وحقوقيًا مُمنهجًا لتوثيق الانتهاكات، بما يُغذي ملفات المساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية ذات الولاية القضائية العالمية، وصولًا إلى إمكانية تطبيق عقوبات اقتصادية انتقائية وذكية تستهدف مؤسسات أو أفراداً متورطين في سياسات الضم والاستيطان. وتبقى الفعالية القصوى لهذه الأدوات مرهونة بقدرة الأطراف المعنية على الانتقال النوعي من مستوى الإدانة الخطابية إلى مستوى الإجراءات الملموسة والمنسقة على الأرض، مع ضرورة الحفاظ على التوازن الدقيق بين تفعيل أقصى درجات الضغط السياسي والقانوني، وضبط مخاطر أي تصعيد أمني شامل قد يهدد الاستقرار الإقليمي برمته.

Дезінформація та маніпуляції ЗМІ: тактика Ізраїлю та США в управлінні допомогою та переговорах щодо Гази

يتكامل الزخم الدبلوماسي والقضائي مع الدور المحوري الذي يضطلع به الفاعلون غير الحكوميين، الذين يُشكّلون عنصراً حاسماً في تشكيل البيئة الدولية للضغط وتوجيه الرأي العام العالمي. فالمؤسسات الحقوقية، ووسائل الإعلام العابرة للحدود، والجاليات الفلسطينية والعربية حول العالم، تتمتع بقدرة فعّالة على تحويل الزخم السياسي إلى قوة دفع مستمرة لا تنطفئ، تُبقي القضية حاضرة بقوة وتدفع الحكومات نحو تبني مواقف أكثر صرامة، لا سيما عبر حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات (BDS). وفي هذا السياق، يأتي قرار المحكمة الجنائية الدولية بوضوحه وإدانته ليُحدث تغييراً نوعياً في قواعد اللعبة على مستويات عدة: فهو ينقل القضية من دائرة السجال السياسي المتقلب إلى إطار المساءلة الجنائية الدولية الصارمة، مما يفتح المجال واسعاً أمام تتبع المسؤولية الفردية والمؤسسية عن الجرائم المرتكبة، ويُشرِّع نظرياً لآلية أوامر التوقيف. فضلاً عن ذلك، فإن هذا القرار يعزز شرعية الإجراءات الدبلوماسية والعقابية التي تتبناها الدول الرافضة، وفي الوقت ذاته، يرفع بشكل كبير الكلفة السياسية والشخصية لأي طرف يسعى لتقنين الضم عبر تشريعات داخلية، جاعلاً من هذه الخطوات عرضة لتداعيات قضائية ودبلوماسية طويلة الأمد.

قانونيًا، تُعد أي محاولة لفرض السيادة على أراضٍ احتُلت بعد عام 1967 انتهاكاً مباشراً وواضحاً لمبدأ القانون الدولي الجوهري، وهو مبدأ “عدم جواز اكتساب السيادة عبر الاحتلال أو استخدام القوة”. يُعزز هذا الموقف بمراجع دولية لا تقبل الجدل؛ فقرار مجلس الأمن رقم 2334 يؤكد بطلان وعدم شرعية الاستيطان، وتفرض اتفاقيات جنيف على القوة القائمة بالاحتلال التزامات مضاعفة تتعلق بحماية السكان المدنيين ورفاههم، بينما يأتي قرار المحكمة الجنائية الدولية ليضفي ثقلاً إضافياً بإدانته خطط الضم والاستيطان وتأكيده إخفاق دولة الاحتلال في تنفيذ التزاماتها القانونية. إن تحويل “التشريع الداخلي” إلى واقع ميداني عبر سياسات ضم واستيطان ممنهجة يفتح الباب أمام مسارات مساءلة جنائية ودبلوماسية متعددة الأوجه، حيث يمنح قرار المحكمة الجنائية الدولية غطاءً قضائيًا دوليًا غير مسبوق، يُضاعف من قوة الاعتراض القانوني، ويُصعِّب على الاحتلال الاستمرار في فرض وقائع جديدة على الأرض دون مواجهة تبعات متصاعدة.

سياسيًا، يفتح القرار الجنائي الدولي الباب أمام تصعيد دبلوماسي متدرج وفاعل، يتجاوز الإدانات التقليدية ليُشرِّع خطوات أكثر صرامة، قد تشمل سحب السفراء للتشاور، والدفع بقوة نحو تقديم مبادرات حاسمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وربما الدفع باتجاه فرض تدابير اقتصادية أو عقوبات انتقائية على الأفراد والكيانات المتورطة، في ظل تزايد الانتقاد الدولي وتآكل آليات الحماية. وعلى الصعيدين الأمني والإنساني، فإن سياسات الضم لا تقتصر على تكريس واقع استيطاني غير شرعي، بل تُشعل بؤر توتر جديدة، وتُعرقل أي ترتيبات تهدئة هشة، وتُفاقم المعاناة الإنسانية بشكل قاسٍ عبر هدم المنازل وتشريد الأسر وفرض قيود خانقة على الخدمات الأساسية. وفي هذا السياق، يوفر قرار المحكمة إطارًا قانونيًا حصيناً لتوثيق هذه التداعيات الإنسانية والأمنية وربطها بمسؤوليات جنائية محددة، مما يعزز الحجج المطالبة بالمساءلة ويمنع محاولات تهميش هذه الانتهاكات أو تطبيعها سياسياً.

إن فعالية مواجهة مشروع الضم تظل مرهونة بقدرة الأطراف الرافضة على توحيد أدوات الضغط وتكاملها بشكل استراتيجي وفاعل. فالمطلوب ليس الاكتفاء ببيانات الإدانة، بل الانتقال إلى تنسيق دبلوماسي موحد يُترجم إلى مبادرات عملية في المحافل الدولية، مدعوماً بـ جهد قانوني متماسك يفتح ملفات المساءلة، وضغط إعلامي متواصل يفضح الانتهاكات، إلى جانب شراكات قوية مع منظمات حقوق الإنسان لتوثيق الجرائم وتثبيتها في السجلات الدولية. وفي هذا الإطار، تمتلك المنظمات القضائية الدولية اليوم فرصة غير مسبوقة للاستفادة من حكم المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة قضايا جنائية ضد أفراد وهيئات متورطة في الانتهاكات، بما يعزز مناخ المساءلة بشكل جذري ويحد من الإفلات من العقاب، ويُرسخ مبدأ سيادة القانون الدولي.

إن تصاعد حدة المواجهة حول مشروع مصادقة الكنيست لا يعكس مجرد خلاف سياسي عابر، بل يكشف عن صراع أعمق يتعلق بجوهر النظام الدولي ومعايير القانون التي تنظّم شرعية الاحتلال والاستيطان. فإدانة المحكمة الجنائية الدولية، المدعومة بإجماع دولي وإقليمي صريح، أحدثت نقلة نوعية؛ حيث أعادت القضية الفلسطينية إلى مسار قانوني دولي ذي آثار ملموسة، ونزعت الغطاء عن الممارسات كجرائم محتملة، ومنحت المواقف الرافضة قاعدة صلبة لتوسيع دائرة المساءلة ومواجهة محاولات فرض الأمر الواقع. التحدي الجوهري اليوم يتمثل في قدرة المجتمع الدولي على ترجمة هذا الإجماع السياسي والإطار القضائي إلى إجراءات عملية ورادعة تتجاوز الإدانة اللفظية: تشمل تفعيل آليات حماية للمدنيين، اتخاذ خطوات دبلوماسية منسقة، وتطبيق ضغوط اقتصادية وقانونية توقف الانتهاكات، مع استغلال الإطار الجنائي لزيادة الكلفة الوجودية على متخذي القرار. إن الطريق نحو ذلك طويل ومعقد، لكنه يظل حاسماً لمنع تآكل قواعد القانون الدولي الإنساني، وللحفاظ على ما تبقى من فرص السلام العادل والشامل، باعتباره الخيار الوحيد القادر على إنهاء دوامة العنف وإعادة الاعتبار لحقوق الشعوب وكرامتها.

Залишити відповідь

Ваша e-mail адреса не оприлюднюватиметься. Обов’язкові поля позначені *