أسطول الصمود.. صوت الضمير في مواجهة الحصار..
د. سعيد سلام – مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية
نشر في مجلة مسارات – السودان، بتاريخ 3\10\2025
في عرض البحر، حيث يلتقي الأفق الواسع بعناد الأمواج، يبحر أسطول الصمود العالمي ليحمل للعالم رسالة تتجاوز حدود المساعدات الإنسانية. فهو ليس مجرد قافلة بحرية محمّلة بالغذاء والدواء، بل حركة احتجاج سلمية تجسّد الضمير الإنساني في أبهى صوره، وتضع العدالة الدولية في مواجهة آلة الحصار الجائر المفروض على غزة.
لقد انطلقت هذه السفن من موانئ متعددة وبعيدة، محملةً بنشطاء وأطباء وبرلمانيين وإعلاميين من مختلف القارات، ليؤكدوا أن قضية غزة ليست شأناً محلياً أو إقليمياً، بل قضية كونية تخصّ كل من يؤمن بالحرية والكرامة الإنسانية.
إن دخول الأسطول إلى “المنطقة البرتقالية” في عرض البحر متحدياً الرقابة العسكرية والتهديدات يمثل نقطة تحول رمزية ورسالة صريحة لا يمكن القبول باستمرار الصمت الدولي المذل ولا بالحصار كعقوبة جماعية خارج القانون. إنهم يرفعون صوت الحياةفي وجه من يريد فرض الموت، وصوت الحرية في وجه من يصر على العزلة والظلم.
تتقدّم في الصفوف سفينة “جنين” وسفينة “شيرين أبو عاقلة”، تحملان أسماءً ترمز للذاكرة والمقاومة، لتؤكد أن هذه الرحلة ليست مجرد عبور بحري، بل امتداد لمسيرة طويلة من النضال المدني والمقاومة السلمية.
في هذا المشهد تتجلى الدبلوماسية الشعبية بجرأتها ووضوحها في وقت تبدو فيه الدبلوماسية الرسمية مقيدة وعاجزة.
هنا يظهر صوت الضمير الإنساني باعتباره السلطة الأعلى التي تحكم العالم حين تتعطل القوانين وتخون المؤسسات مبادئها.
إن رسالة الأسطول للعالم واضحة:
إنهاء الحصار ليس تفضيلا سياسياً أو إنسانياً، بل واجب قانوني وأخلاقي لا يقبل المساومة.
وإذا قصّرت الحكومات فإن الشعوب ستظل قادرة على كسر الصمت وفرض حضورها في معركة العدالة.
إن مصير هذا الأسطول سيكشف مجدداً حقيقة التزام المجتمع الدولي تجاه حقوق الإنسان: فإما أن ينتصر صوت الإنسانية على أسوار الحصار، أو يتحوّل الصمت إلى شراكة في الجريمة. وفي كل الأحوال فقد كتب الأسطول بالفعل سطوراً جديدة في تاريخ المقاومة المدنية، ورفع راية الضمير عالياً فوق أمواج البحر، شاهداً أن الشعوب حين تتحرك تستطيع أن تغيّر المعادلة.