أمريكا وإسرائيل: من يحكم الآخر؟
نبيل السهلي – كاتب فلسطيني
1\8\2024
ثمة توصيفات يطلقها بعض المتابعين على العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، البعض منهم يشير إلى أن إسرائيل تحكم أمريكا في خطواتها السياسية تجاه إسرائيل، لكن الثابت تبعًا لقراءة متأنية يعتبر العلاقة بين أمريكا وإسرائيل استراتيجية في سياقها العام؛ وقد تكشفت تلك العلاقة أكثر من أي وقت مضى خلال العدوان الإسرائيلي الحالي والمستمر على قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس والداخل الفلسطيني منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقد تجلت تلك العلاقة بتبني إدارة بايدن للرواية الإسرائيلية حول المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وبذلك يعتبر الاحتلال الإسرائيلي الفتى المدلل لأمريكا بصرف النظر عن الإدارة الحاكمة وسيد البيت الأبيض.
انصياع لمصالح أمريكا
على الرغم من انحياز الإدارات الأمريكية لإسرائيل، لم يخلُ تاريخ العلاقات الأميركية – الإسرائيلية من تناقضات ثانوية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، عَبَّر الرئيس الأميركي “دوايت أيزنهاور” في عام 1956 عن غضب بلاده من استيلاء إسرائيل على شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة في حملة مع فرنسا وبريطانيا، بتهديده بتعليق الدعم المالي الحيوي لإسرائيل ما لم تنسحب، ولكن يجب فهم ذلك الموقف في سياق القلق الأميركي من ازدياد النفوذ البريطاني والفرنسي في منطقة الشرق الأوسط.
وعلى مدى العقود الأخيرة، شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل منعطفات كثيرة لكنها لم تثنِ واشنطن إطلاقاً عن دعمها لإسرائيل، ففي عام 1975، هدد الرئيس جيرالد فورد بإعادة تقييم هذه العلاقات إذا لم توافق إسرائيل على خطة فك الارتباط مع مصر، ما يؤدي إلى انسحاب إسرائيل الجزئي من سيناء. أما في عام 1981 فقد أدانت الولايات المتحدة قصف إسرائيل مفاعل أوزيراك النووي العراقي، ما سلط الضوء على فترة معقدة خلال الحرب الإيرانية العراقية. وفي عام 1990، أعرب وزير الخارجية جيمس بيكر، عن إحباطه إزاء التقدم البطيء الذي أحرزته إسرائيل في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين. وقد اعترف الرئيس جورج دبليو بوش، في رسالة أرسلها عام 2004 إلى رئيس الوزراء أرييل شارون، بتعقيدات العودة إلى خطوط هدنة عام 1949 في ضوء التعنت الإسرائيلي وزيادة المستوطنات بالضفة الغربية. أما في عهد الرئيس باراك أوباما، فنشأت التوترات بشأن المستوطنات الإسرائيلية والاتفاق النووي الإيراني، على النقيض من الموقف الأكثر إيجابية للرئيس دونالد ترامب تجاه السياسات الإسرائيلية، والذي يتضح من خطوات مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وقطع المساعدات عن الأونروا في عام 2018.
أمريكا تحكم إسرائيل
رغم ظهور بعض التناقضات في إطار العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، لكنها لم تَمَسَّ بجوهر تلك العلاقات الإستراتيجية، حيث لعبت وتلعب إسرائيل دورًا هامًّا في إطار المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وتؤكد ذلك على الدوام وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية على حد سواء.
وقد تجاوبت الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عام 1948 مع الإستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل كحاجة جوهرية في قلب المنطقة العربية، وتبعًا لذلك قامت الولايات المتحدة الأميركية بترسيخ علاقاتها مع إسرائيل في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية، وقد تجلى ذلك بالدعم الأميركي لإسرائيل في أروقة المنظمة الدولية واستخدام قرار النقض الفيتو ضد أي محاولة لاستصدار قرار يدين ممارسات إسرائيل العدوانية والتعسفية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وقد تجلى ذلك باستخدام أمريكا الفيتو في مجلس الأمن أكثر من مرة منذ بدء العدوان الماضي لتحبط إصدار أي قرار لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.
وذلك بالتوازي مع تقديم المساعدات العسكرية والمالية لإسرائيل لتمويل حربها الفاشية على الشعب الفلسطيني بغرض التقتيل والتهجير وتدمير البنى التحتية؛ وهي بذلك، أي أمريكا، شريكة بالعدوان وعملية الإبادة الجماعية التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل على مدار الساعة. ومن نافلة القول أنه خلال العدوان الإسرائيلي على غزة أشار قادة من المستويين العسكري والسياسي إلى ضرورة الإبقاء على العلاقة الاستراتيجية مع إدارة بايدن رغم وجود تناقضات ثانوية معها؛ وقد عزز ذلك تضمين بند في أجندة مؤتمر هرتسيليا 21 الذي عقد قبل أيام أكد خلاله تجنب المفاجآت والعلاقات مع أميركا الأمر الذي يؤكد أن أمريكا هي التي تضبط إيقاع إسرائيل وتشرف على إيقاع عدوانها واستمرارها كدولة احتلال للإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني. ومن نافلة القول أن الخارجية الأميركية السابقَة استطاعت الضغط على حكومة إسحاق شامير الإسرائيلية وإجبارها على حضور مؤتمر مدريد “للتسوية” في نهاية عام 1991، وهذه دلالة أخرى دامغة بأن أمريكا تتحكم بزمام أمور إسرائيل وليس العكس.