التحذير الروسي الأخير.. أوروبا تستعد لأسوأ سيناريو أمني منذ الحرب
عبد الهادي كامل – موقع “ارم نيوز“
13\10\2025
في مشهد يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة، صدر تحذير روسي صريح داخل ممر “منتدى الأمن والتعاون في أوروبا” في فيينا، بعدما أعلنت رئيسة الوفد الروسي، يوليا جدانوفا، أن شعوب أوروبا لم يعد أمامها خيار سوى الاستعداد لصراع مسلح واسع النطاق.
ووفقًا للمراقبين، هذا التصريح بدا أشبه بإنذار علني من موسكو بأن مرحلة “الردع الكلامي” قد انتهت، وأن القارة العجوز تقف بالفعل على حافة مواجهة قد تشعل واحدة من أخطر الحروب في القرن الحادي والعشرين.
وتأتي التحذيرات الروسية الأخيرة في وقت تتصاعد فيه مؤشرات ميدانية وعسكرية تؤكد أن التوتر بين موسكو وأوروبا بلغ مستويات غير مسبوقة، خاصة وأن فرنسا نشرت مراجعتها الاستراتيجية لعام 2025، متوقعة اندلاع صراع عسكري واسع في أوروبا بحلول 2030.
وفي المقابل، لم تُخف بعض العواصم الأوروبية، مثل بودابست، قلقها من هذا المسار، وهو ما أكده رئيس الوزراء المجري فيكتو اوربان أن معظم دول الاتحاد الأوروبي تدرك خلف الأبواب المغلقة أن القارة تنزلق نحو الحرب، رغم الخطاب العلني الداعي إلى الردع والحذر.
وفي ظل تصاعد المناورات وتبادل التحذيرات وغياب لغة الثقة، يبقى السؤال الأبرز، هل تتحول أوروبا فعلًا إلى ساحة مواجهة شاملة بين روسيا والناتو؟ وهو ما يكشفه الخبراء في الشأن الأوروبي والأوكراني خلال السطور التالية.
ويرى الخبراء أن التحذير الروسي الأخير من حتمية الصراع المسلح في أوروبا يعكس تصعيدًا ممنهجًا من جانب موسكو أكثر منه قراءة واقعية للوضع، خاصة وأن الكرملين يسعى من خلال هذه التصريحات إلى ممارسة “الردع النفسي” وتقويض الإرادة السياسية الأوروبية عبر بث الخوف من كلفة الحرب.
وأضافوا في تصريحات لـ”إرم نيوز” أن روسيا تحاول تبرير أي تصعيد محتمل بتصوير أوروبا وكأنها “تعسكر نفسها”، ما يسمح لها بتسويق تحركاتها العسكرية على أنها “دفاعية”، رغم أن سياساتها التوسعية هي التي دفعت القارة إلى حافة المواجهة.
وأوضح الخبراء أن موسكو تستخدم مزيجًا من الأدوات العسكرية والسيبرانية والإعلامية لإبقاء التوتر عند أعلى مستوياته، بدءًا من إرسال المسيرات واختراق الأجواء الأوروبية، وصولًا إلى عمليات تخريب وتضليل إعلامي تستهدف شق الصف الداخلي لحلف الناتو.
وأشار الخبراء إلى أن روسيا تسعى لتوسيع جبهة الصراع وإيصال رسالة بأنها قادرة على ضرب العمق الأوروبي، ما يهدد بانزلاق غير محسوب نحو مواجهة واسعة، في حال غياب تدخل سياسي فعال لاحتوائها، مؤكدين أن اللحظة الراهنة تتطلب توازنًا دقيقًا بين الردع والحكمة لتجنب اندلاع حرب لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
الاستعداد للصراع المسلح
قال مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية في أوكرانيا، الدكتور سعيد سلّام، إن التحذير الذي أطلقته رئيسة الوفد الروسي في منتدى الأمن والتعاون في أوروبا، حين قالت إن شعوب القارة لم يعد أمامها خيار سوى الاستعداد لصراع مسلح واسع النطاق، يجب أن يُقرأ في سياقه الاستراتيجي لا العاطفي.
وأكد في تصريحات لـ”إرم نيوز” أن هذا التحذير لا يعكس قراءة واقعية للوضع، بقدر ما يمثل محاولة لتزييف الحقائق وتحميل الأطراف الأوروبية، التي تسعى للدفاع عن أمنها، مسؤولية التصعيد المتفاقم.
وأشار سلّام إلى أن روسيا هي “المنبع والمحرك الأساسي للتوتر الراهن”، مشيرًا إلى أن سياساتها العدوانية حطمت منظومة الأمن الأوروبي، ودفعت المنطقة إلى حافة المواجهة الشاملة.
وأضاف أن هذا المسار التصعيدي بدأ مع العدوان على أوكرانيا عام 2014، وبلغ ذروته مع الغزو الشامل في 2022، ما أثبت أن موسكو مستعدة لاستخدام القوة لتغيير الحدود وفرض أنظمة تابعة لها.
ولفت إلى أن هذا السلوك العدواني جعل من الاستعداد الأوروبي للحرب ضرورة وجودية لا خيارًا استفزازيًا، خاصة وأن الردع الذي يوفره حلف الناتو، وعلى رأسه مبدأ الدفاع الجماعي أصبح الحاجز الأخير أمام الانزلاق نحو كارثة كبرى.
تحذيرات روسية وحرب الرسائل
وأوضح مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية أن التحذيرات الروسية ليست عفوية، بل تعد جزءًا من استراتيجية اتصال ممنهجة ضمن “حرب الرسائل” التي تستخدمها موسكو كأداة ضغط لتحقيق أهداف متعددة.
وأكد أن أول هذه الأهداف هو تقويض الإرادة السياسية الأوروبية عبر ممارسة “الردع النفسي” وزعزعة الثقة في الخيارات الدفاعية، من خلال إثارة القلق بشأن التكلفة البشرية والاقتصادية لأي صراع واسع.
وتابع سلّام “الهدف الثاني يتمثل في تبرير أي تصعيد روسي مستقبلي، من خلال تقديم أوروبا وكأنها تُعسكر نفسها، وهو ما يسمح لموسكو بتسويق أي خطوة عسكرية لاحقة بوصفها ردًا دفاعيًا على تهديدات خارجية”.
واستطرد قائلًا: “الهدف الثالث هو تحميل الغرب مسؤولية التدهور الأمني، عبر محاولة إقناع الرأي العام بأن أوروبا هي من تدفع نحو المواجهة من خلال توسع الناتو واستمرار دعم كييف”.
وأكد سلّام أن روسيا تسعى لتكريس سردية مفادها أنها مجبرة على الحرب وهي في الحقيقة من يزرع بذورها عبر أعمال عدوانية وهجمات هجينة واسعة النطاق تستهدف الأمن الأوروبي بأكمله.
وشدد على أن احتمالية المواجهة المقبلة لا تنبع من نزعة عدوانية أوروبية، بل من “الاستراتيجية الروسية التوسعية” التي دفعت القارة بأكملها إلى موقع الدفاع الاضطراري، ووضعتها على حافة هاوية خطيرة.
صدام روسي أوروبي محتمل
ومن جانبه قال الأكاديمي والدبلوماسي المتخصص في شؤون أوروبا الشرقية، الدكتور ياسين رواشدي، إن التطور الخطير الحاصل على الساحة الأوروبية، والذي قد يمهد لصدام محتمل بين روسيا وحلف الناتو، جاء على خلفية تكرار حوادث إرسال طائرات مسيرة وأخرى حربية إلى أجواء دول تابعة للناتو وقريبة من الحدود الروسية.
وأشار رواشدي في تصريحات لـ”إرم نيوز” أن هذه الحوادث لم تعد تبدو عفوية أو رمزية كما قيل في البداية، موضحًا أن تكرارها واستهدافها لأربع دول مختلفة تشير بوضوح إلى أنها استفزازات روسية مقصودة.
وأضاف أن هذا التصعيد يدفع التيار العسكري داخل الناتو، المعروف بـ”العسكريتاريا الأوروبية”، إلى رفع وتيرة التحذيرات والمطالبة بمواقف أكثر صرامة في مواجهة موسكو.
وأشار إلى أن هذا التوتر دفع دولًا مؤثرة داخل الحلف، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إلى إرسال طائرات إلى أجواء بولندا “لحماية المجال الجوي هناك ومنع احتمال اختراقه من قبل طائرات روسية أو مسيرات مسلحة تحمل ألغامًا أو صواريخ أو أسلحة مضادة”.
وفي السياق ذاته، رأى رواشدي أن روسيا تسعى من خلال هذه الخطوات إلى توسيع جبهة الصراع، وإيصال رسالة مفادها أنها قادرة على ضرب العمق الأوروبي، وهو ما يعتبر تغييرًا استراتيجيًا خطيرًا في ميزان التهديد.
خطوات عدائية
وأضاف الأكاديمي والدبلوماسي المتخصص في شؤون أوروبا الشرقية، الدكتور ياسين رواشدي، أن روسيا بهذه الإجراءات الاستفزازية تقوض المبررات التي اعتادت تقديمها بشأن تهديدات الناتو لأمنها، موضحًا أن معظم الدول الأوروبية المجاورة لها لم تتخذ أي خطوات عدائية ضدها، بل إن روسيا هي من تبادر بالتحرش بهذه الدول.
وأشار إلى أن “الرأي العام في أوروبا الغربية بات مقتنعًا بأن موسكو هي الطرف الذي بدأ بالتصعيد”، وأنها “تسعى لتوسيع نطاق النزاع بما يهدد باندلاع حرب واسعة النطاق، من الصعب التحكم بمداها أو نتائجها”.
وأكد رواشدي أن الصراع حتى الآن ما يزال في الأجواء عبر الطائرات والمسيرات، إلا أن احتمالات تطوره إلى مواجهة عسكرية مباشرة تبقى واردة، ما لم تتدخل الحكمة السياسية لاحتوائه، وأعتقد أن الشخصية الوحيدة القادرة على التأثير الحقيقي في هذا المسار هي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبر تواصله المباشر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومحاولة تهدئة التمدد الروسي في القارة الأوروبية.