الحرب التجارية بعد وصول ترامب الى البيت الأبيض
والانعكاسات على الاقتصاد العالمي
د. سعيد سلّام – مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية
12\11\2024
بعد عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، هناك توقعات باتباعه سياسات اقتصادية وتجارية قد تثير توترات عالمية من جديد. وقد تتخذ الحرب الاقتصادية والتجارية أشكالًا متعددة لها تأثيرات واسعة النطاق على الاقتصاد العالمي.
عودة دونالد ترامب الى البيت الابيض حاملا معه سياساته الحمائية تثير المخاوف بسبب التأثيرات السلبية المحتملة على الاقتصاد العالمي في ظل إمكانية اندلاع حروب تجاريه جديده وارتفاع التضخم العالمي وانخفاض النمو الاقتصادي، وهو ما بدا واضحا خلال الفترة الأولى من حكمه (2017 – 2021)، حين لجأ مرارا لفرض رسوم جمركيه عقابيه في اي نزاعات مع شركاء الولايات المتحدة التجاريين.
في حملته الانتخابية التي توج من خلالها رئيسا للولايات المتحدة تعهد ترامب بفرض رسوم جمركيه اضافيه على الواردات الصينية نسبتها 60% ورسوم اضافيه على السلع من باقي دول العالم بنسبه 20%. ومع اخذ الاجراءات الانتقامية المحتملة من قبل الصين والاتحاد الاوروبي في الاعتبار فإن تكلفة هذه المواجهة على اقتصاد الاتحاد الاوروبي ستبلغ 533 مليار دولار حتى 2029، وعلى الولايات المتحدة 749 مليار دولار، و827 مليار دولار على الصين.
ومن جانب اخر قدرت دراسة منفصلة لكلية لندن للاقتصاد أن التأثير المحتمل على الاسواق الناشئة، مثل الهند واندونيسيا والبرازيل، سيكون اقل من غيرها من الدول التجارية، إلا أن معهد بيترسون للاقتصاديات الدولية يشير الى إمكانية ارتفاع معدل التضخم في الولايات المتحدة أكثر من 2% خلال العام المقبل، بالإضافة الى ارتفاع نسبة التضخم في اوروبا بنسبه 0.1% و 0.6% في الصين.
أهم ملامح الحرب التجارية وتأثيراتها المحتملة:
بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في الفترة الرئاسية السابقة، شهدنا تغييرات كبيرة في السياسة التجارية والاقتصادية. ترامب اتبع سياسة تجارية انفصالية، مما أدى إلى تصعيد الصراع التجاري والحرب التجارية، خاصة مع الصين والاتحاد الأوروبي.
- تشديد السياسات الحمائية:
من المرجح أن يعمل الرئيس ترامب على التركيز لحماية الاقتصاد الأمريكي من المنافسة الخارجية، خاصة من الصين. سياسات كهذه قد تشمل فرض رسوم جمركية أعلى على السلع المستوردة أو تعزيز ضرائب الشركات التي تعتمد على سلاسل إمداد أجنبية. على المدى القصير، هذا قد يؤدي إلى تصاعد في الأسعار محليًا، ولكنه قد يحفز الإنتاج الداخلي في الولايات المتحدة. ويمكن أن تزيد هذه السياسات من تكلفة الإنتاج في الدول التي تعتمد على السوق الأمريكي، مثل المكسيك وكندا والصين، مما قد يدفعهم إلى إعادة التفكير في استراتيجياتهم التجارية.
- العلاقات مع الصين والتصعيد التجاري:
تلقي المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة الامريكية والصين بظلالها على الحالة الاقتصادية في كل منهما، اذ تُعدُّ الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي وسوقاً عالمية مهمة للولايات المتحدة. وتمثلُّ الصين بممارساتها التجارية والاستثمارية والتكنولوجية تحدياً للريادة الاقتصادية والتكنولوجية في الولايات المتحدة. وتتسم العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين بالأهمية، إلا أنها غير متوازنة، حيث تبلغ صادرات الصين إلى الولايات المتحدة ما يزيد عن ثلاثة أضعاف قيمة البضائع التي تصدرها الولايات المتحدة إلى الصين.
في عام 2022، كانت الصين رابع أكبر شريك تجاري للسلع الأمريكية بإجمالي تجارة يبلغ 690.3 مليار دولار، ورابع أكبر سوق للصادرات الأمريكية بقيمة 154 مليار دولار، وثاني أكبر مصدِّر للواردات الأمريكية بقيمة 536.3 مليار دولار. وقد تراجع الميزان التجاري بين كل من الصين والولايات المتحدة بحوالي 170% حتى أكتوبر عام 2023 مقارنة بالعام السابق عليه، حيث سجلت الواردات الأمريكية من الصين انخفاضاً من 462 مليار دولار إلى 357 مليار دولار. أما صادرات الولايات المتحدة إلى الصين فلم تتراجع كثيرا حيث سجلت 125 و122 مليار دولار خلال عامي 2022 و2023 على التوالي. وقد سجلت الصادرات السلعية الأمريكية إلى الصين في شهر أكتوبر 2023 أعلى نسبة لها منذ أكتوبر 2021 بلغت 16.7 مليار دولار. كذلك سجل الميزان التجاري السلعي مع الصين عجزاً في الربع الثالث من عام 2023 بحوالي 63.8 مليار دولار.
الحرب التجارية الأمريكية التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب اثناء فترة حكمه الأولى مثلت تحولاً حاداً في السياسة الاقتصادية الأمريكية تجاه الصين، إلا أن ذلك لم ينجح في إحداث تحوُّل كبير في عدم التوازن الثنائي نظراً للاختلافات الكبيرة في الادخار والاستثمار بين البلدين. وجاء استمرار إدارة بايدن في فرض الرسوم الجمركية مخيِّبا لآمال صانعي السياسات في الصين.
أهم الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة تشمل:
- الأجهزة الإلكترونية: مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية.
- الملابس والمنتجات الفاخرة: مثل الملابس الرياضية والمنتجات الفاخرة.
- الأدوات المنزلية: مثل الأدوات الكهربائية والأدوات المطبخية.
- الأدوات الطبية: مثل الأدوات الطبية والأجهزة الطبية.
- المنتجات الغذائية: مثل الأطعمة المجمدة والمنتجات الغذائية الأخرى.
العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد تشهد تصعيدًا أكبر، مع تهديدات الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية أو قيود على الصادرات التقنية. ترامب قد يدفع باتجاه المزيد من فصل الاقتصاد الأمريكي عن الصيني، وهي استراتيجية تسمى “الفصل الاقتصادي”، بهدف تقليل الاعتماد على المنتجات الصينية. هذا قد يدفع الشركات العالمية لإعادة تشكيل سلاسل الإمداد الخاصة بها، مما يخلق اضطرابات في الأسواق العالمية ويزيد تكاليف الإنتاج. كما قد يؤدي إلى انخفاض في الاستثمارات الدولية بين البلدين.
- العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي:
حجم التبادل الاقتصادي بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي يعتبر كبيراً، حيث يشمل التجارة بالسلع والخدمات، الاستثمارات، والمعلومات. الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في العالم، ويشكل حوالي 19% من الناتج القومي المحسوب للولايات المتحدة.
حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يُقدّر بحوالي 1.3 تريليون دولار أمريكي في عام 2022. من هذا المبلغ، كانت الصادرات الأمريكية إلى الاتحاد الأوروبي حوالي 592 مليار دولار، بينما كانت الواردات من الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة حوالي 723 مليار دولار.
بالنسبة للتبادل مع ألمانيا وفرنسا، فإنهما أيضاً من الشركاء التجاريين الأساسيين للولايات المتحدة في الاتحاد الأوروبي. تجارة الولايات المتحدة مع ألمانيا تشكل حوالي 5% من الناتج القومي الأمريكي، بينما تجارة الولايات المتحدة مع فرنسا تشكل حوالي 2.5%.
أهم الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة تشمل:
1- السيارات: السويد وألمانيا تعد من أكبر مصدري السيارات للولايات المتحدة.
2- المنتجات الكيميائية: ألمانيا تقدم معظم المنتجات الكيميائية.
3- المنتجات الغذائية: فرنسا وإيطاليا تعد من أهم مصدري الأطعمة الطازجة والمنتجات الغذائية.
- المنتجات الإلكترونية: هولندا وألمانيا تعد من أكبر مصدري الأجهزة الإلكترونية والأدوات الكمبيوترية.
بينما تشمل أهم الصادرات الأمريكية إلى أوروبا:
1- النفط والغاز: الولايات المتحدة تعد من أكبر مصدر للنفط والغاز إلى أوروبا.
2- السلع الصناعية: تشمل الآلات، المعدات الصناعية، والمنتجات الكيميائية.
3- المنتجات الزراعية: مثل الحبوب، اللحوم، والمنتجات الأليافية
4- الخدمات: تشمل الخدمات المالية، الاستشارات، والتكنولوجيا.
الانعكاسات على الاقتصاد الأوروبي سوف تؤثر على العديد من الصناعات الأوروبية بسبب الحظر التجاري والضرائب الجديدة المتوقع فرضها. وهذا يعني تعرض الشركات الأوروبية لتحديات جديدة كبيرة في الوصول إلى الأسواق الأمريكية، مما سيؤدي إلى تقليل الأرباح والنمو الاقتصادي. كما سوف تؤثر هذه السياسات على العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما سيؤدى إلى تعقيد العمليات التجارية والاستثمارية.
- التأثير على المؤسسات العالمية:
من المتوقع أن ينتقد ترامب المؤسسات الاقتصادية العالمية مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، وقد يسعى إلى تقليص دورها أو إعادة تشكيلها وفقًا للمصالح الأمريكية. سياسات كهذه قد تقلل من فعالية هذه المؤسسات في حل النزاعات التجارية. الدول النامية قد تكون الأكثر تضررًا بسبب تراجع الدعم الدولي لها، وقد تؤدي هذه السياسة إلى تصاعد النزاعات التجارية.
- التأثير على العلاقات مع الحلفاء التقليديين:
ترامب قد يتخذ نهجًا صارمًا تجاه الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وكندا، ويدعوهم لتحمل مسؤوليات اقتصادية أكبر ويقلل من الشراكات التجارية التي قد لا تكون ذات فائدة واضحة للولايات المتحدة. هذا النهج، مع فرض ضرائب حمائية جديدة، قد يؤدي إلى توتر العلاقات الاقتصادية مع حلفاء الولايات المتحدة وزيادة التنافس التجاري، خاصة إذا حاولت أوروبا وآسيا تعزيز اتفاقياتها الاقتصادية بعيدًا عن السوق الأمريكي.
- التأثير على أسعار الطاقة والمواد الخام:
ترامب قد يدعم سياسات تركز على زيادة إنتاج الطاقة المحلي مثل النفط والغاز الطبيعي، الأمر الذي قد يؤدي إلى انخفاض أسعار الطاقة عالميًا إذا ترافق مع انخفاض الطلب. كما قد تتغير السياسات تجاه إيران وروسيا، ما قد يؤثر على أسواق النفط والغاز. انخفاض أسعار الطاقة قد يفيد بعض الدول المستوردة للنفط، ولكنه قد يكون ضارًا للاقتصادات المعتمدة بشكل كبير على صادرات الطاقة.
- النتائج المحتملة على الاقتصاد العالمي:
هذه السياسات سيكون لها تأثيرات متفاوتة على الاقتصاد العالمي، ومنها:
تقلبات في الأسواق العالمية: تصاعد الحروب التجارية قد يؤدي إلى تقلبات في الأسواق المالية وأسعار السلع.
زيادة التوترات السياسية: يمكن أن يؤدي التصعيد الاقتصادي إلى زيادة التوترات السياسية التي قد تؤثر على الاستقرار العالمي.
إعادة توجيه الاستثمارات: قد تسعى الشركات متعددة الجنسيات إلى تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة والصين، مما سيؤدي إلى تحول كبير في أنماط الاستثمار العالمي.
وهكذا نرى أن عودة ترامب إلى السلطة قد تدفع العالم نحو اقتصاد أكثر تشتتًا، مع تصاعد الصراعات التجارية والحمائية، مما قد يؤدي إلى تغييرات طويلة الأمد في النظام التجاري العالمي.