تحديات داخلية وخارجية …
مبررات خطة زيلينسكي لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة
عبد الهادي كامل – موقع “ارم نيوز” – الامارات العربية المتحدة
26\6\2025
بدأت أوكرانيا مع دخول الحرب مع روسيا عامها الرابع، بمراجعة شاملة لأداء مؤسسات الدولة.
يأتي ذلك وسط إقرار واضح من الرئيس فولوديمير زيلينسكي بأن طبيعة المواجهة الحالية تتطلب تعديلات عميقة في مفاصل الجهازين الدبلوماسي والإداري للدولة.
وفي خطاب حمل نبرة تعبئة داخلية، أعلن زيلينسكي نيته إجراء تغييرات في السلك الدبلوماسي وعدد من المؤسسات الحكومية؛ كجزء من خطة تهدف إلى تعزيز صلابة الدولة ورفع كفاءتها في مواجهة تحديات متراكمة ومتسارعة.
وقال إن “المرحلة المقبلة تتطلب بنية إدارية أكثر مرونة، وسلكًا دبلوماسيًا قادرًا على ملاحقة التحولات الدولية وضمان استمرارية الدعم”.
ترميم الثقة الشعبية
وفقًا للمراقبين، فإن هذه التعديلات المرتقبة تشير إلى بُعدين متكاملين، داخليًا وخارجيًا.
داخليًا، “تسعى التعديلات إلى ترميم الثقة الشعبية في مؤسسات الدولة، وتحفيز الروح الوطنية في ظل طول أمد الحرب”.
أما خارجيًا، فهي “من خلال إرسال إشارة واضحة لحلفائها بأنها ما زالت تملك زمام المبادرة، وتُجدد نفسها باستمرار لضمان فاعلية الدعم الدولي وعدم تحوله إلى عبء سياسي”.
تعزيز فعالية الحوكمة
وأكد خبراء أن التعديلات التي يعتزم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تنفيذها في السلك الدبلوماسي والمؤسسات الحكومية تهدف إلى تعزيز فعالية الحوكمة ورفع كفاءة الاستجابة للتحديات الداخلية والخارجية، خصوصًا في ظل استمرار الحرب الروسية.
وقال الخبراء في تصريحات خاصة لـ”إرم نيوز” إن هذه التعديلات تشمل تعيينات دبلوماسية استراتيجية وإعادة هيكلة عدد من المؤسسات السيادية، إلى جانب إطلاق منصات رقمية لربط السفارات بمركز القرار في كييف، بهدف تسريع اتخاذ القرار ومكافحة البيروقراطية والتضليل الروسي.
وأضافوا أن كييف تسعى من خلال هذه الخطوات إلى تأمين دعم سياسي وعسكري مستدام من الحلفاء، وخاصة الولايات المتحدة والناتو، مع الحفاظ على التوازن في العلاقات الدولية وتوسيع التحالفات مع دول الجنوب العالمي.
وشددوا على أن هذه التغييرات تمثل استجابة واقعية لتراجع بعض مظاهر الدعم الغربي، وتهدف إلى رفع الثقل السياسي والدبلوماسي لأوكرانيا، وتحسين جاهزيتها لإدارة الأزمات والتفاوض من موقع أقوى في ظل تحوّلات المشهد الدولي.
إعادة هيكلة الدبلوماسية والحوكمة الأوكرانية في ظل الحرب وتغير المشهد الجيوسياسي
تعزيز موقع أوكرانيا
ويرى سعيد سلام، مدير مركز “فيجن” للدراسات الاستراتيجية في أوكرانيا، أن هذه الخطوة الاستراتيجية تهدف إلى تعزيز موقع أوكرانيا على الساحة الدولية ورفع كفاءة إدارتها الداخلية في ظل استمرار الحرب وتصاعد الهجمات إلى جانب التحديات الجيوسياسية المتزايدة مع الشركاء الرئيسيين.
وأكد سلام لـ”إرم نيوز” أن التعديلات تمثل استجابة حاسمة لواقع جيوسياسي معقد، خصوصًا فيما يتعلق بالتوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس ترامب، التي تضغط باتجاه تسوية دبلوماسية سريعة وسط تهديدات بتقليص الدعم.
وأشار إلى أن التعديلات ترتكز على تعزيز مرونة وفعالية الدبلوماسية والحوكمة الأوكرانية، وتشمل إعادة هيكلة السلك الدبلوماسي من خلال تعيينات استراتيجية تستهدف توطيد العلاقات مع الشركاء الأساسيين.
الأولويات الاستراتيجية
ومن أبرز هذه التعيينات، وفقًا لمدير مركز “فيجن” للدراسات، تعيين ألونا هيتمانشوك رئيسة لبعثة أوكرانيا لدى الناتو في 13 يونيو 2025، وناريمان جيليال سفيرًا لدى تركيا في مايو 2025، مع دراسة جارية لاستبدال السفيرة الأوكرانية في واشنطن، أوكسانا ماركاروفا، بوزير لزيادة الثقل السياسي في هذه العلاقة المحورية.
وأضاف أن اجتماعًا طارئًا سيُعقد في يوليو المقبل لجميع السفراء الأوكرانيين، لتوحيد الرؤى وتحديد الأولويات الاستراتيجية الجديدة.
وأوضح أن التعديلات تشمل أيضًا إعادة هيكلة إدارية لخمس مؤسسات حكومية رئيسية – لم يُعلن عنها بعد – لتحسين استجابتها للطوارئ، إلى جانب إنشاء خلية أزمات دبلوماسية معنية بمراقبة التحركات الروسية وتنسيق الردود السريعة، والتصدي للتضليل والعمليات النفسية الروسية الموجّهة ضد أوكرانيا والمجتمع الدولي.
مواجهة التحديات الوجودية
ولفت إلى أن تنفيذ هذه التعديلات سيتم عبر إعلانات متدرجة للتعيينات، وإطلاق منصة رقمية تربط السفارات بكييف لتسريع اتخاذ القرار، إلى جانب وضع مؤشرات أداء رئيسية تتيح التقييم المستمر لفعالية هذه الإصلاحات.
وشدد على أن هذه الإصلاحات تقع في صلب الاستراتيجية الأوكرانية لمواجهة التحديات الوجودية وتحقيق الأهداف الجيوسياسية العليا.
وأشار إلى أن كييف تسعى من خلالها لتعزيز الدعم الدولي، وضمان الحصول على ضمانات أمنية من الناتو والدول الأوروبية، إضافة إلى توسيع تحالفاتها مع دول الجنوب العالمي بهدف تعميق عزلة روسيا دوليًا.
وبيّن سلام أن هذه التعديلات تهدف أيضًا إلى تعزيز مرونة الدولة داخليًا، ورفع قدرتها على الاستجابة السريعة للأزمات، عبر تحسين كفاءة الحوكمة، وإعادة هيكلة المؤسسات، ومكافحة الفساد والبيروقراطية، بما يعزز الشفافية والمساءلة.
وأكد على سعي أوكرانيا لتحصين روايتها الوطنية في مواجهة الدعاية الروسية، وتعزيز قدراتها في التصدي للمعلومات المضللة التي تروّج لها موسكو.
واعتبر هذه التعديلات محاولة جريئة من كييف للتكيّف مع واقع عالمي سريع التغيّر، ولضمان الصمود والانتصار في حربها الوجودية.
رفع كفاءة الهيئات الحكومية
من جانبه، قال إيفان يواس، مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، إن تفاصيل التعديلات التي يخطط لها الرئيس فولوديمير زيلينسكي في السلك الدبلوماسي والمؤسسات الحكومية لم تُكشف بالكامل بعد.
وأضاف يواس: “لكنها جاءت عقب تصريحات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد فيها نية بلاده السيطرة على مزيد من الأراضي الأوكرانية”.
وأشار يواس لـ”إرم نيوز” إلى أن الهدف المرجح من هذه التعديلات هو رفع كفاءة وفعالية الهيئات الحكومية والدبلوماسية وتعزيز قدرتها على الاستجابة لاحتياجات أوكرانيا في ظل ظروف الحرب.
ورأى أن هذه التعديلات قد تشمل تغيير بعض الكوادر، واستبدال عدد من السفراء والدبلوماسيين بشخصيات أكثر كفاءة، خصوصًا في الدول التي تسعى كييف إلى تعزيز وجودها فيها دبلوماسيًا أو التي تُعد محورية في الحصول على دعم سياسي وعسكري.
وأضاف أن من بين الخيارات المطروحة إعادة هيكلة السلك الدبلوماسي، بما ينسجم مع الأولويات الاستراتيجية للدولة، وتعزيز القدرة على تنسيق المساعدات الإنسانية والدفاع عن السياسات الوطنية في المحافل الدولية.
وشدّد مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني على وجود توجه لتفعيل برامج تدريبية تستهدف رفع كفاءة الدبلوماسيين في مواجهة التحديات المتزايدة في العلاقات الدولية، خاصة في ظل الحرب المستمرة.
وفي ما يخص المؤسسات الحكومية، لفت إلى أن الحكومة قد تلجأ إلى تبسيط الإجراءات البيروقراطية، لتسريع عملية اتخاذ القرار، وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
التحول الرقمي
واعتبر أن التحول الرقمي سيكون أحد محاور الإصلاح؛ عبر استخدام التكنولوجيا الحديثة لتحسين الاتصال وتسهيل تقديم الخدمات، مع التركيز على مجالات ذات أولوية مثل الدفاع، والمساعدات الإنسانية، والتعافي الاقتصادي.
وأكد أن الهدف الأساسي من هذه الإصلاحات هو ضمان جهوزية المؤسسات الأوكرانية لمواجهة التحديات الحالية واغتنام الفرص المستقبلية؛ بما يشمل تعزيز الشراكات الدولية، وتعبئة الدعم المالي والعسكري، وتحسين إدارة المساعدات الإنسانية، ودعم إعادة الإعمار والنمو الاقتصادي من خلال إصلاحات مدروسة.