تداعيات مشاركة قوات من كوريا الشمالية في الحرب الروسية على أوكرانيا
د. سعيد سلام – مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية
25\10\2024
يتزايد التوتر والقلق العالمي مع تكشُّف معلومات ومعطيات إضافية عن دخول قوات كورية شمالية الى الأراضي الروسية لدعم روسيا في حربها على أوكرانيا. ويبدو أن التحالف بين موسكو وبيونغ يانغ يزداد قوة ويتطور إلى ما هو أبعد من مجرد دعم بالسلاح والعتاد. خصوصا بعد ان قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 14 أكتوبر/تشرين الأول، إلى مجلس النواب الروسي “الدوما” مشروع قانون بشأن التصديق على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وكوريا الشمالية. وقد صوّت “الدوما” بالإجماع لصالح المصادقة على “معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة”. هذا التحالف الإستراتيجي بعنوانه العريض سيكون طويل الأمد بين موسكو وبيونغ يانغ، مما يضع أوكرانيا، والولايات المتحدة، وحلفاءهما أمام تحديات جديدة في ساحة المعركة الأوكرانية وخارجها.
بعد العديد من التقارير الاستخباراتية الأوكرانية ونشر فيديوهات لطلائع القوات الكورية الشمالية في القواعد العسكرية الروسية في اقصى الشرق الروسي، ورصد الاستخبارات الأوكرانية نقل نحو 2600 جندي كوري شمالي الى مناطق غرب روسيا قرب الحدود مع أوكرانيا، ذكر جهاز الاستخبارات الكوري الجنوبي أن حوالى 3 آلاف جندي كوري شمالي يتدرّبون حاليا في روسيا ويرجّح أن يتم نشرهم على الجبهة في مواجهة أوكرانيا قريبا، فيما يتوقع بأن يتم إرسال المزيد من الجنود بحلول ديسمبر المقبل، ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تقريرًا مطوّلا عن “تحركات خطيرة” حذّرت منها الاستخبارات الغربية، تتحدث فيه عن رصد وصول عدد كبير من الجنود الكوريين الشماليين إلى روسيا للتدريب والمشاركة في القتال على الجبهات الأولى.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كان قد حذر بشدة مؤكدًا أن آلاف الجنود الكوريين الشماليين يستعدون للانضمام إلى الحرب الى جانب القوات الروسية، وقد وصف هذا التحالف الجديد بين موسكو وبيونغ يانغ بأنه “تطور عاجل” يجب أن يُؤخذ بجدية، واعتبر ان كوريا الشمالية قد انضمت بالفعل إلى الحرب ضد أوكرانيا إلى جانب روسيا.
فيما أكد الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، أن بلاده لن “تبقى مكتوفة الأيدي” بينما ترسل جارتها الشمالية آلاف الجنود للمساعدة في حربها على أوكرانيا، منددا بما وصفه “استفزازا”، وأضاف إن “كوريا الجنوبية لن تبقى مكتوفة الأيدي حيال ذلك”.
ورغم المحاولات الروسية لنفي هذه الانباء جاءت تصريحات وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن لتؤكد أن لدى واشنطن أدلة على وجود قوات كورية شمالية في الأراضي الأوكرانية المحتلة دون أن يُفصح عن هدف وجودها. وقال مسؤول أمريكي إن نشر قوات من كوريا الشمالية للقتال مع روسيا، في أوكرانيا، يعكس “محنة” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتفاقمة في حربه ضد كييف. وكشف أن “آلاف الجنود الكوريين الشماليين نشروا في روسيا للتدريب”، مضيفاً أن الولايات المتحدة “لا تعرف ما ستكون عليه مهمتهم أو ما إذا كانوا سيذهبون للقتال في أوكرانيا، وفي حال فعلوا ذلك (القتال في أوكرانيا)، فسيكون مؤشراً على محنة الرئيس بوتين المتفاقمة في حربه ضد أوكرانيا.
كذلك أكد حلف شمال الأطلسي (ناتو) أن الجنود الكوريين الشماليين يتلقون التدريبات في روسيا، وحذّر من أن مشاركتهم في حرب أوكرانيا سيشكّل تصعيدا خطيرا في الحرب الروسية التي بدأتها مطلع العام 2022.
من الجدير بالذكر ان هذا التعاون العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية ليس وليد اللحظة، فقد توّج باتفاقية دفاع مشترك بين الرئيسين بوتين وكيم جونغ أون هذا الصيف، ويُعتقد أن ما يزيد على 260 ألف طن متري من الذخائر (يتم الحديث عن نحو 5 ملاين قذيفة مدفعية من عيار 152مم) أرسلتها كوريا الشمالية إلى روسيا، مما مكّن موسكو من الحفاظ على معدلات إطلاق نيران المدفعية مرتفعة خلال الأشهر الأخيرة من الحرب، وقد بدأت كذلك منذ عدة اشهر بإطلاق الصواريخ الكورية الشمالية من طراز “N23″، المعادلة للصواريخ الروسية من طراز “إسكندر – م”، لاستهداف مواقع في الأراضي الأوكرانية.
كوريا الشمالية لم تُخفِ دعمها الكامل لموسكو منذ بداية الحرب، لكنها، الآن، تستغل ظروف الحرب لتحقيق أهداف إستراتيجية عديدة أبرزها، طبعا، اختبار أحدث أنظمتها الصاروخية وتقنياتها العسكرية مما سيعزز قدراتها العسكرية المستقبلية بشكل كبير، ومن جهة أخرى من المتوقع أن تحصل كوريا الشمالية من روسيا على تكنولوجيا متقدمة في مجالات الصواريخ والفضاء مما يساعدها على تطوير برامجها النووية.
المشاركة المحتملة لقوات كوريا الشمالية في الحرب الروسية على أوكرانيا تمثل تطوراً بالغ الأهمية وتحمل في طياتها تداعيات عميقة ومعقدة على الصعيد الدولي والإقليمي، وسيكون له تأثيرات عميقة على موازين القوى وتداعيات استراتيجية على كل من أوكرانيا وحلفائها.
بداية، يجب أن نفهم أن إرسال قوات كوريا الشمالية لدعم روسيا سيعزز من القدرات العسكرية الروسية. كوريا الشمالية معروفة بجيشها الضخم والتدريب الصارم، لكن ليس لديها تجربة طويلة في العمليات العسكرية، حيث لم يخض الجيش الكوري الشمالي أي حروب منذ انشائه. لكن إذا ما أضيفت هذه القوات إلى الجبهات المشتعلة في أوكرانيا، يمكن أن تزيد من كثافة المعارك وتقلل من قدرة القوات الأوكرانية على صد الهجمات الروسية. ويرى بعض الخبراء أن نشر الجنود الكوريين الشماليين قد يكون خطوة لتمكين الروس من الاستفادة من خبراتهم في استخدام الأسلحة الكورية.
كذلك مشاركة قوات من كوريا الشمالية ستعزز من معنويات قوات الجيش الروسي والقوات من الشركات العسكرية الخاصة التي تقاتل تحت قيادة الاركان الروسية، حيث سيشعر الجنود أن لديهم دعماً دولياً وأنهم ليسوا وحدهم في هذه الحرب.
ومن ناحية أخرى، قد يؤدي هذا إلى تراجع معنويات القوات الأوكرانية، مما سيزيد من الضغط على كييف للبحث عن حلول فعالة وسريعة. ومن شأن تدخل قوات جديدة، مهما كان حجمها، أن يؤدي إلى تصعيد كبير في حدة الصراع، وزيادة الخسائر البشرية والمادية، لذلك فان إدخال قوات جديدة من كوريا الشمالية سيزيد من تعقيد العمليات العسكرية بشكل كبير. القوات الأوكرانية ستكون مضطرة للتعامل مع قوات جديدة غير مألوفة لها وليست على معرفة بتكتيكاتها العسكرية، وسوف يتعين عليها تعديل استراتيجياتها وتكتيكاتها. هذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة الفوضى وصعوبة التحكم في سير المعارك.
لذلك من المتوقع ان تقوم أوكرانيا بتعزيز دفاعاتها على جميع الجبهات. هذا سيشمل طبعا زيادة عدد الجنود وتكثيف التدريبات العسكرية، وكذلك تعزيز الدفاعات الجوية والبرية لحماية المناطق الحيوية من الهجمات المحتملة.
ومن اجل تلبية الاحتياجات المستقبلية ستسعى كييف لزيادة التعاون مع حلفائها الغربيين، وخاصة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو). هذا يمكن أن يتضمن طلب مساعدات عسكرية إضافية، مثل الأسلحة والمعدات المتقدمة، بالإضافة إلى تكثيف التدريب والدعم اللوجستي.
طبعا ستعمل القيادة الأوكرانية على تعزيز التعاون الدولي لمواجهة هذا التهديد وزيادة الضغط الدبلوماسي على المجتمع الدولي لإدانة تدخل كوريا الشمالية وفرض عقوبات إضافية عليها، بهدف عزلها دوليًا. هذا يتضمن استغلال المنابر الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لحشد الدعم ضد هذا التدخل، وستعمل أوكرانيا وحلفاؤها وتشكيل تحالف دولي واسع لمواجهة روسيا وكوريا الشمالية.
من المتوقع أن يستمر حلفاء أوكرانيا في تقديم الدعم العسكري، وربما يتم تكثيفه وزيادته. هذا يمكن أن يتضمن إرسال أسلحة ومعدات أكثر تقدما مما يتم تقديمه حاليا، بالإضافة الى إمكانية السماح للقوات الأوكرانية باستخدام الصواريخ الغربية المتوسطة المدى (اتاكامس وستورم شادو) لاستهداف مواقع عسكرية داخل الأراضي الروسية وتكثيف الدعم التدريبي للقوات الأوكرانية. الولايات المتحدة وحلفاؤها قد يكثفون أيضاً مساعدات لوجستية واستخباراتية لتحسين قدرة أوكرانيا على مواجهة التهديدات المتزايدة، مما يساعدها في التعرف على التحركات العسكرية لروسيا وكوريا الشمالية والتخطيط للتصدي لها بفعالية. هذا يمكن أن يشمل تقديم صور الأقمار الصناعية المباشرة والمعلومات الاستخباراتية الحيوية.
حلفاء أوكرانيا، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في الغالب سيقومون بفرض عقوبات إضافية على كوريا الشمالية وروسيا. هذه العقوبات يمكن أن تستهدف القطاع العسكري والاقتصادي، مما يزيد من الضغوط على موسكو وبيونغ يانغ. سيؤدي دخول قوات من كوريا الشمالية الحرب الى جانب روسيا إلى تغيير الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، ويعزز الانقسامات الدولية، ويزيد من التوتر بين القوى العظمى، وقد يتسبب في توسيع نطاق الحرب الجغرافية، ويشمل مناطق جديدة، ويدفع الصراع نحو العالمية.
لذلك من غير المستبعد ان يسعى الناتو لتعزيز تواجده العسكري في شرق أوروبا لردع أي محاولات تصعيدية من جانب روسيا وكوريا الشمالية. هذا يمكن أن يتضمن زيادة عدد القوات والمعدات في الدول الأعضاء المجاورة لأوكرانيا، وتنفيذ تدريبات عسكرية مشتركة لتحسين التنسيق والاستعداد.
ان مشاركة كوريا الشمالية في الصراع ستزيد من تعقيدات الأوضاع الجيوسياسية. الصين قد تجد نفسها في موقف صعب حيث ستكون مضطرة للتوازن بين دعم حليفيها روسيا وكوريا الشمالية والتعامل مع الضغوط الدولية المتزايدة. الولايات المتحدة وحلفاؤها قد يجدون أنفسهم مضطرين لاتخاذ مواقف أكثر صرامة وتكثيف تحركاتهم الدبلوماسية.
على سبيل المثال، من المتوقع أن تتصرف كوريا الجنوبية بحذر واستراتيجية في مواجهة أي تصعيدات أو تحديات. حيث ان الحكومة الكورية الجنوبية تعتمد على التفاوض والدبلوماسية لحل النزاعات وتجنب الصراعات العنيفة. كما تعتمد على التعاون الدولي والعلاقات الاقتصادية لتعزيز استقرارها وتنميتها. لكن يمكن ان تقوم بزيادة المساعدات العسكرية والاستخباراتية لأوكرانيا، على سبيل المثال يمكنها تقديم دفاعات جوية حديثة قصيرة المدى بالإضافة الى تزويد أوكرانيا بالدبابات.
النقطة الأهم في هذا التصعيد الجيوستراتيجي هو ان كوريا الشمالية معروفة ببرنامجها النووي المتقدم، ومشاركتها في الصراع يمكن أن يزيد من مخاطر استخدام الأسلحة النووية أو التهديد بها. هذا السيناريو يمكن أن يدفع الدول الأخرى في المنطقة مستقبلا إلى تعزيز قدراتها النووية والدفاعية، مما يزيد من التوترات الإقليمية والعالمية.
ومن المحتمل أيضا ان يؤدي التصعيد العسكري وزيادة التدخلات الدولية إلى تأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي. ارتفاع أسعار النفط والغاز، تقلبات الأسواق المالية، وزيادة التوترات التجارية يمكن أن تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة الضغوط على الدول النامية.
بعد ان قمنا بتحليل مخاطر المشاركة المباشرة للقوات الكورية الشمالية في الحرب الى جانب روسيا، علينا أيضا تحليل إمكانيات هذه القوات وتأثيرها على الجبهة.
على الأرجح، الجنود من كوريا الشمالية الذين سيتم نقلهم إلى منطقة القتال سيكونون في الخطوط الخلفية للقوات الروسية، أو في الأراضي المحتلة مؤقتًا في القرم. وفي الغالب سيأتي من كوريا الشمالية متخصصين للقيام بعمليات نزع الألغام وبناء التحصينات، ومن غير المحتمل أن تصل آلاف المدفعية أو كتائب المشاة من كوريا الشمالية. حيث لم تلاحظ أي من مجموعات المراقبة التي تتابع إمدادات الذخيرة من كوريا الشمالية إلى روسيا في الآونة الأخيرة تحركات عشرات الالاف من الجنود مع الدبابات والمدفعية.
كذلك يجب الاخذ بعين الاعتبار أن القوات الروسية تفقد حوالي 35 ألف جندي شهريا، بينما تقوم روسيا بتعبئة حوالي 40 ألف، ومع ذلك، يتم تعويض 25-30% من الخسائر البشرية من خلال الجرحى. لذلك فإن استقدام 10 -20 ألف جندي كوري شمالي لن يحلوا مشكلة القوات الروسية. لذلك فان الاحتمال الاكبر أن الجنود من كوريا الشمالية يمكن أن يحلوا محل الجنود الروس في الأراضي الأوكرانية المحتلة، مثل القرم، أو في جنوب أوكرانيا، حيث يمكنهم أداء وظائف الشرطة العسكرية. ومن المستبعد ان يكونوا قوات اقتحام، لأن التواصل مهم في هذه الوحدات، والجنود من كوريا الشمالية على الأرجح يعرفون لغتهم فقط.
في الختام، مشاركة كوريا الشمالية في الصراع الأوكراني إلى جانب روسيا تمثل تصعيداً خطيراً يمكن أن يكون له تداعيات بعيدة المدى على موازين القوى في المنطقة والعالم. كييف وحلفاؤها سيكونون مضطرين لاتخاذ خطوات حاسمة لتعزيز الدفاعات والتعاون العسكري والدبلوماسي لمواجهة هذا التهديد. المجتمع الدولي يجب أن يبقى متيقظاً ومستعداً للتعامل مع هذه التحديات لضمان السلام والأمن العالميين.