كتب أسعد غانم
٢٣/ ٣/ ٢٠٢٢
حضرة رئيس جمهورية أوكرانيا السيد فولوديمير زيلينسكي
أكتب اليك بعد خطابك المخيب للآمال أمام الكنيست الإسرائيلي، الخطاب الذي اعتبره وصمة عار على النضال للحرية ولتحرر الشعوب، ويضع الغاصب مكان المحتل، والعكس بالعكس ويفقدك فرصة أخرى لإظهار عدالة قضيتكم، وقضية شعبنا الفلسطيني. من المهم ان تعرف بأنني كانسان، وكفلسطيني وكأكاديمي مهتم أتابع ما يصل من تقارير حول العدوان الروسي على شعبكم، وبلدكم. أشعر بالمرارة على لجوء روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، ولأسباب قومية وفاشية، الى القوة والسعي الى احتلال بلدكم وسحق حق الشعب الاوكراني في تقرير المصير والحرية، أشاهد عمليات الهدم والتطهير العرقي والتهجير التي تتعرض لها بلادكم، أفكر في مئات الأطفال والنساء والمسنين والرجال والنساء الذين قتلوا في العمليات الروسية، وأقدر عاليا صمود الشعب الاوكراني ومقاومته الباسلة، وأعتقد بوجوب تقديم كل دعم ممكن، لأجل دحر هذا العدوان الهمجي على بلادكم، بما في ذلك تنزيل أقصى العقوبات الاقتصادية والمقاطعة الثقافية والرياضية والأكاديمية لروسيا ومن يؤيدها. هنا أود التأكيد على رفضي لسياسات الولايات المتحدة وحلفائها، من ناتو وغيره.
وأثني على موجات الاحتجاج على هذه الحرب البوتينية الهوجاء والفاقدة لأي تبرير سياسي منطقي أو أخلاقي. كما أقدر رباطة جأشكم كقيادة، تتمسك بالبقاء في كييف لقيادة المعركة لتحرير بلادكم، وأقدر خطاباتك اليومية، التي لا تنزع الى التهويل، بل تقدم حق شعبكم بالنضال ضد هذا العدوان، باختصار تقدم شعبك للعالم بشكل بسيط وجذاب، ومقنع، ومتحد لهذا الاحتلال الغاصب. لذا اغبطكم على نجاحكم في بناء تحالف دولي كبير لدعم نضالكم وللوقوف في وجه الاعتداء الروسي – ليتنا كفلسطينيين نستطيع الوصول الى نصف انجازاتكم ، ليتنا ننجح في اقناع العالم في الكف عن ازدواجية المعايير والاستنفار المماثل لحالتكم، لأجل مؤازرة شعبنا واجبار إسرائيل على تنفيذ القرارات الدولية.
لكنني، يا سيادة الرئيس، وانما أراقب نضالكم المحق، وأغضب لبعض الأصوات الفلسطينية، والتي تبث مواقف جوهرها “ازدواجية” مؤلمة في المعايير من خلال تبني موقف المعتدي، روسيا بقيادة بوتين، فيما تقف ضد وبحق ضد إسرائيل وتعاملها معنا. كذلك اغضب لازدواجية المعايير لديك ولما يتملك مواقفك من خلل أخلاقي وسياسي، تجاه شعبنا ونضاله المشروع ضد الاحتلال والقمع والقتل والتمييز العنصري وسحق حق تقرير المصير والتهجير وضد حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وكلها جرائم تمارسها إسرائيل منذ أكثر من سبعة قرون ضد شعبي الفلسطيني.
لا يمكن الاسترسال هنا، لكنني في بعض الفقرات اود تذكيرك ببعض جرائم إسرائيل ضد شعبنا: تهجير قسري لحوالي نصف الشعب الفلسطيني خلال النكبة (1948)، بعد تنفيذ عمليات قتل مقصودة تمثلت في حوالي مئة مذبحة، والاعتداء على الناس في بيوتهم واجبارهم على اخلائها والهرب خوفا من القوات اليهودية التي نفذت الاعتداءات بعد قرار سياسي واضح من القيادة برئاسة بن غوريون، تم هدم واخلاء اكثر من خمسمئة مدينة وقرية بالكامل، وبعد ذلك محو غالبية ملامحها عن وجه الأرض، ومنع عودة أهلها اليها، ممن تحولوا الى لاجئين في الدول العربية المجاورة، وحتى من اللاجئين الفلسطينيين الذين بقوا داخل الدولة اليهودية – إسرائيل، بعد اعلان قيامها – هذا كله صحيح منذ 1948 وحتى اليوم.
بالمقابل لم يسلم بقية الفلسطينيين ممن تحولوا الى مواطنين إسرائيليين من التمييز وقمع حريتهم ومصادرة املاكهم والتنكيل بقياداتهم. وكما تعرف، فان إسرائيل قامت باحتلال باقي أجزاء فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة) عام 1967، ووضعتهم تحت الاحتلال المباشر، بعد ان قامت بعملية تهجير ثانية لجزء من الفلسطينيين في هذه المناطق. وقامت -حتى الان- بفرض إجراءات قمعية ضدهم، وتجريم نضالاتهم للتحرر، وحتى بمحاولات مستمرة لنزع شرعية النضال الفلسطيني، والتنكر لقيادته الشرعية (منظمة التحرير الفلسطينية)، ومصادرة غالبية أملاكه من بيوت وأراض ومصادر مياه، واعتقال نشطاءه أو تصفيتهم، والتنكر للحق الأساسي في التنقل، وحتى في اختيار شريك حياتهم من خلال قانون “منع لم شمل العائلات” (2022)، وأخيرا في معاداة حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيرة، حتى على جزء من وطنه، وقوننة ذلك من خلال قانون “الدولة القومية” (2018). لا أريد المقارنة هنا مع ما تحدثه روسيا من خراب في بلادكم، لكنني على ثقة بأنك تستطيع الاطلاع على تفاصيل الجرائم الإسرائيلية ضد شعبنا من خلال المواقع الالكترونية المتاحة.
أود هنا ان أذكرك ببعض مواقفك ضد نضال شعبنا الفلسطيني، مما يقوض أخلاقية موقفك، ويضعف نضالكم وشرعيته ضد هذا الاعتداء الروسي الفظ. لقد قمت بعد فوزك برئاسة بلادك باتخاذ مواقف مساندة لإسرائيل المحتلة ولخطواتها القمعية ضد شعبنا في الضفة الغربية وغزة، كما استهدافها المدنيين، كما منع اللاجئين من العودة الى وطنهم. وامعانا في تأييد إسرائيل وخطواتها ضد شعبنا، فإنك قمت بسحب عضوية أوكرانيا من “لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف”. وقمت أنت وبعض أعضاء في حكومتك، قبل وبعد فوزكم بالانتخابات، في الاصطفاف ضد نضالات شعبنا للتحرر وممارسة حق تقرير المصير، وحتى انكم “اشدتم” بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وهي تمارس أقصى أنواع الاعتداء على شعبنا الذي يقع تحت احتلالها، المباشر وغير المباشر، في آن.
الأدهى هو خطواتك الأخيرة، بعد بدء الهجوم الروسي المعادي لبلادكم، واستمرارك في ممارسة “ازدواجية المعايير”. فرغم ان إسرائيل منعت دخول اللاجئين الاوكرانيين، من غير اليهود، الفارين من القصف الروسي، اليها، ويقوم سياسييها ومثقفيها واعلامها بمناقشة وتبرير ذلك، على الملا وبدون ادنى مستوى من الخجل، مدفوعين بقيمهم المعادية للإنسانية، والمتمسكة بالتشكيل الاثني الفوقي اليهودي، والذي ندفع نحن الفلسطينيين ثمن فاتورته يوميا، الا أنك تقوم بالاتصال يوميا برئيس وزرائها نفتالي بينيت – وهو قومي متشدد ومساند للاحتلال ولكل الخطوات والإجراءات المعادية للشعب الفلسطيني ولحقوقه، وتقوم الهيئات الأمنية في إسرائيل بممارسة جرائم ضد البشرية، بشكل يومي، وعلى مدار الـ 24 ساعة من كل يوم، بأوامر مباشرة منه أو من مركبات حكومته ووزراءه، الا أنك مصر على كونه وسيطا لتخليص بلادكم من محنتها! بالإضافة فإنك تقبل وبشكل فوري دعوته للقاء حليفه الروسي، بوتين، في القدس المحتلة لإدارة مفاوضات السلام في بلادكم؟ وبعض مجرمي الحرب في فلسطين تم ويتم استيعابهم في قوى الامن الأوكرانية، وبالطبع استمرارك انت في تبني مواقفك السابقة ودعم الممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
أعلم ان شعبنا الفلسطيني، في غالبيه الساحقة يراقب نضالكم العنيد، ويتمنى لكم الانتصار على هذا المعتدي الغاشم. يعرف شعبنا أين يقف في حرب تدميرية وفيها اعتداء على شعب بكامله، رغم أنه لا يغفل جرائم الناتو ولا الولايات المتحدة وحلفائها ويناهضها. كما أنه يقدر بأن انتصار روسيا المعتدية، سيكون هدية كبرى لإسرائيل المعتدية وللجدار الحديدي الناظم لتعاملها معنا حتى هزيمتنا الكاملة، انتصار روسيا سيعطي دعما قويا للقوى الفاشية التي تؤمن بفرض الإرادة القامعة للشعوب وحريتها. بالمقابل فان نضال شعبكم وانتصاره، حتى مع تدمير جزء كبير من بلادكم وتهجير عدد كبير من الاوكرانيين، سوف يبعث الأمل في نضال الشعوب ضد القمع وسياسات المحو، وسوف يعيد اشعال أمل العودة والتحرير لدينا كفلسطينيين، ويعيد الاعتبار الى جدوى النضال المشروع ضد المحتلين والمعتدين.
أتمنى لكم النجاح في نضالكم ضد الغزو الروسي، كما أنني اعارض بشدة سياسات الولايات المتحدة وحلفائها في قمع حقوق الشعوب الاصلية وخياراتها.
بالمقابل فإنني أمل أن تتنازل عن مواقفك ومراهناتك وازدواجية القيم والمعايير تجاه شعبنا ونضاله للتحرر ولممارسة حق تقرير المصير.