رهانات وأهداف الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران

الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران

رهانات وأهداف الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران

مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية

د. سعيد سلام – مدير مركز “فيجن” للدراسات الاستراتيجية

19\1\2025

تُمثل الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا و إيران نقطة تحول هامة في العلاقات الدولية، لا سيما في ظل ظروف جيوسياسية معقدة، والتوترات المتصاعدة بين القوى الكبرى والتطورات المتسارعة على الساحة الدولية. وتحمل في طياتها العديد من الرهانات والأهداف التي تتجاوز العلاقات الثنائية بين البلدين لتشمل تأثيراتها على النظام الدولي بأكمله. حيث تأتي في وقت حرج يشهد تحولات كبرى في موازين القوى العالمية، خاصة مع اقتراب تسلم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلطة بعد أيام قليلة من التوقيع. هذا التوقيت الرمزي يضفي أهمية إضافية على هذه الشراكة، حيث يُنظر إليها على أنها رسالة واضحة من موسكو وطهران إلى واشنطن والعالم بأسره حول تشكل ملامح النظام العالمي الجديد.

في هذا التحليل، سنتناول بالتفصيل المضامين الاستراتيجية لهذه الشراكة، وموقع ودور الصين في هذه الاتفاقية، والرمزية الكامنة وراء توقيعها في هذا التوقيت بالذات، والآثار الجيوسياسية المتوقعة في ظل تعمق الاستقطاب بين الأقطاب العالمية الكبرى: الولايات المتحدة والصين وروسيا.

أهم مضامين الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران

تهدف الشراكة إلى تكثيف التنسيق في المجال السياسي ومواجهة التحديات المشتركة في المنطقة والعالم. كما تسعى الدولتان إلى تعزيز التعاون في المنظمات الدولية (التعاون السياسي). ويشكل التعاون العسكري ركيزة أساسية لهذه الشراكة، حيث تسعى الدولتان إلى تعزيز قدراتهما العسكرية المشتركة وتبادل الخبرات وتطوير تقنيات وتكنولوجيا في مجال الصناعات الدفاعية بشكل مشترك. كما تهدف الشراكة والتنسيق في المجال الاستخباراتي الى مواجهة التهديدات المشتركة ويشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريب العسكري المشترك (التعاون العسكري والأمني). الاتفاقية تشمل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين من خلال تطوير المشاريع المشتركة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والصناعة والتجارة. روسيا وإيران تسعيان إلى تعزيز مبادلاتهما التجارية وتطوير مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة والنقل والبنية التحتية. كما تهدف إلى تسهيل التبادل التجاري بالعملات الوطنية لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي (التعاون الاقتصادي والتجاري). كذلك تشمل الاتفاقية تعزيز التعاون في مجالات البحث العلمي والتكنولوجيا. حيث يسعى الطرفان إلى تطوير مشاريع مشتركة في مجالات الفضاء والتكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي (التعاون العلمي والتكنولوجي). وتشمل الشراكة تعاوناً في المجال النووي السلمي، حيث تسعى الدولتان إلى تطوير التكنولوجيا النووية وتبادل الخبرات في هذا المجال (التعاون النووي)، وتعزيز التعاون في مجالات الثقافة والتعليم. روسيا وإيران تسعيان إلى تعزيز التبادل الثقافي والتعليمي بين البلدين وتطوير برامج تعليمية مشتركة (التعاون الثقافي والتعليمي).

أبعاد الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران

  • الأبعاد الاقتصادية: تعتبر الشراكة الاقتصادية بين روسيا وإيران أحد الركائز الأساسية لهذا التحالف. فمنذ فرض العقوبات الغربية على إيران، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني (JCPOA) في 2018، سعت طهران إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الدول التي لا تخضع لنفوذ الغرب. روسيا، كواحدة من هذه الدول، قدمت لإيران بديلاً اقتصادياً قوياً.

التعاون في مجال الطاقة: تُعتبر روسيا وإيران من أكبر منتجي النفط والغاز في العالم. ومن خلال هذه الشراكة، تسعى الدولتان إلى تعزيز التعاون في مجال الطاقة، بما في ذلك تطوير حقول النفط والغاز المشتركة، وبناء خطوط أنابيب جديدة، وتنسيق السياسات النفطية في منظمة “أوبك+” لضمان استقرار أسعار النفط العالمية.

التجارة الثنائية: تشير التقارير إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا وإيران قد شهد نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، حيث بلغ حوالي 4 مليارات دولار في عام 2022. ومن المتوقع أن تشهد هذه الأرقام زيادة كبيرة في ظل هذه الشراكة، خاصة في مجالات مثل الزراعة، والصناعة، والتكنولوجيا.

التعاون المالي: تسعى الدولتان إلى تعزيز التعاون المالي من خلال إنشاء آليات دفع بديلة عن نظام SWIFT، بسبب العقوبات الأمريكية. كما تدرس الدولتان إمكانية استخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية، مما يقلل من الاعتماد على الدولار الأمريكي.

  • الأبعاد العسكرية والأمنية: تعتبر الأبعاد العسكرية والأمنية من أهم جوانب هذه الشراكة، حيث تسعى روسيا وإيران إلى تعزيز التعاون في مجال الدفاع والأمن لمواجهة التهديدات المشتركة.

التعاون العسكري: تشير التقارير إلى أن روسيا وإيران تعملان على تعزيز التعاون العسكري من خلال تبادل الخبرات، وتدريب القوات، وتطوير الأسلحة بشكل مشترك. كما أن روسيا قدمت لإيران أنظمة دفاع جوي من طراز S-300، مما يعزز من قدرات الدفاع الجوي الإيراني (رغم فشلها في التصدي للهجوم الصاروخي الذي شنته إسرائيل على بنيتها العسكرية). وفي المقابل زودت إيران روسيا بطائرات مسيرة انتحارية من طراز “شاهد 131\136″، وساعدتها أيضا في انشاء مصانع لتجميع هذه الطائرات في روسيا، لتستخدمها في استهداف البنية المدنية والعسكرية الأوكرانية.

التنسيق الأمني: تسعى الدولتان إلى تعزيز التنسيق الأمني في مناطق النفوذ المشتركة، خاصة في سوريا والعراق واسيا الوسطى. فمن خلال هذه الشراكة، يمكن للدولتين تعزيز نفوذهما في الشرق الأوسط، ومواجهة النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة.

  • الأبعاد السياسية والدبلوماسية: تأتي هذه الشراكة في إطار تعزيز التنسيق السياسي والدبلوماسي بين روسيا وإيران على الساحة الدولية.

مواجهة العقوبات الغربية: تسعى الدولتان إلى تعزيز التعاون في مواجهة العقوبات الغربية، خاصة تلك المفروضة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فمن خلال هذه الشراكة، يمكن للدولتين تعزيز قدرتهما على مقاومة الضغوط الاقتصادية والسياسية.

التنسيق في المحافل الدولية: تعمل روسيا وإيران على تعزيز التنسيق في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس. فمن خلال هذا التنسيق، يمكن للدولتين تعزيز نفوذهما على الساحة الدولية، ومواجهة الهيمنة الغربية.

الرئيسين الروسي و الايراني بعد توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية

الرمزية الكامنة وراء توقيع الشراكة قبل ثلاثة أيام من تسلم ترامب للسلطة

يُعتبر التوقيت الذي تم فيه توقيع هذه الشراكة رمزياً بامتياز، حيث يأتي في لحظة انتقالية في السياسة الأمريكية، قبل ثلاثة أيام فقط من تسلم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلطة، رسالة واضحة من روسيا وإيران إلى واشنطن. فمن خلال هذه الخطوة، تسعى الدولتان إلى إظهار أنهما قادرتان على التحرك بسرعة وحسم في ظل التغيرات السياسية العالمية وتعزيز تحالفهما الاستراتيجي بغض النظر عن التغيرات السياسية في الولايات المتحدة، ويعكس رغبة البلدين في تعزيز قدراتهما الدفاعية والاقتصادية لمواجهة الضغوط الدولية.

هذا التوقيت يحمل دلالات سياسية عميقة، حيث يمكن تفسيره على أنه تحدي صريح للهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، حيث تسعى روسيا وإيران إلى بناء محور قوة جديد يوازن النفوذ الأمريكي. كذلك يمكن اعتبار هذه الشراكة رداً على السياسات الأمريكية العدائية تجاه روسيا وإيران، والتي تمثلت في فرض العقوبات الاقتصادية والتدخل في شؤون الدولتين. وتشير هذه الخطوة إلى أنهما لن تتراجعا عن مواقفهما في مواجهة السياسة الأمريكية، خاصة في ظل توقعات بزيادة الضغوط الأمريكية على الدولتين في عهد ترامب، المعروف بسياساته المتشددة تجاه إيران وروسيا. ويؤكد توقيع الشراكة على استقلالية القرار السياسي والعمل على تعزيز استقلاليتهما عن النفوذ الأمريكي، وإظهار أنهما قادرتان على بناء تحالفات استراتيجية دون الاعتماد على الغرب، ورفضهما الخضوع للإملاءات الأمريكية، ويرسل رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بأنهما مستعدتان لمواجهة التحديات الدولية وتعزيز تحالفهما لمواجهة الضغوط الأمريكية والأوروبية.

قراءة في رهانات واهداف الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وايران

دور الصين في الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران

دور الصين في هذه الشراكة معقد ومتعدد الأبعاد، اذ أن الصين هي شريك استراتيجي لكل من روسيا وإيران، وتسعى إلى تعزيز العلاقات مع كليهما. وتنسجم الشراكة بين روسيا وإيران مع مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث تسعى الصين إلى ربط آسيا بأوروبا عبر شبكة من البنية التحتية، وتعتبر روسيا وإيران دولتين محوريتين في هذه المبادرة. وتسعى إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع روسيا وإيران، خاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية. كذلك تسعى الصين، مثل روسيا وإيران، إلى تحدي الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، وبناء نظام عالمي أكثر عدالة ومتعددة الأقطاب. وتعتبر الصين الشراكة بين روسيا وإيران بمثابة تحوط استراتيجي، حيث تسعى إلى تنويع شركائها وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة.

لكن من غير المرجح أن تسعى الصين إلى الانضمام رسمياً إلى المحور الروسي الإيراني، بل ستفضل الحفاظ على علاقة متوازنة مع كلا الطرفين. لذا قد تشهد الفترة المقبلة تعاوناً ثلاثياً بين الصين وروسيا وإيران في بعض المجالات، خاصة الاقتصادية والبنية التحتية. لكن ستبقى المصالح الوطنية الصينية هي الدافع الرئيسي لسياساتها الخارجية، ولن تتردد في تعديل تحالفاتها إذا اقتضت الضرورة ذلك.

وهناك عدة أسباب لعدم انضمام الصين بشكل صريح، اهمها ان الانضمام الصريح إلى المحور قد يؤدي إلى زيادة التوترات مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام. وتسعى الصين إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع أكبر عدد ممكن من الدول، وتجنب الاعتماد المفرط على أي تحالف. وتعول الصين إلى أن تكون قوة عالمية مؤثرة، وتدرك أن الانضمام إلى أي محور قد يقلل من نفوذها وقدرتها على التأثير في الأحداث العالمية.باختصار، الصين تلعب دوراً محورياً في الشراكة بين روسيا وإيران، ولكنها تفضل الحفاظ على مسافة معينة وتجنب الانضمام بشكل صريح إلى هذا المحور.

الصين … تنسيق مع ايران وروسيا وانفتاح على الجميع

التحديات التي تواجه التعاون الثلاثي بين الصين وروسيا وإيران:

رغم أن التعاون بين الصين وروسيا وإيران يمثل قوة جيوسياسية متزايدة، إلا أنه يواجه عدة تحديات قد تؤثر على استمراريته وفعاليته. تختلف الأنظمة السياسية في الدول الثلاث، مما قد يؤثر على سرعة اتخاذ القرارات وتنفيذ المشاريع المشتركة، وعلى الرغم من وجود مصالح مشتركة بين الدول الثلاث، إلا أن هناك أيضًا اختلافات في الأولويات والأهداف الاستراتيجية، حيث تختلف أولويات الصين عن أولويات روسيا وإيران في بعض القضايا الإقليمية والدولية. بالإضافة الى ذلك قد تتدخل قوى خارجية في العلاقات بين الدول الثلاث، سعياً إلى تقويض التعاون بينها، حيث تواجه الدول الثلاث ضغوطًا شديدة من الولايات المتحدة وحلفائها، والتي تسعى إلى عزل هذه الدول وتقويض نفوذها. العقوبات الاقتصادية والحملات الإعلامية هي من أهم الأدوات التي يستخدمها الغرب في هذا الصدد. وبالتالي تواجه الدول الثلاث تحديات اقتصادية مختلفة، مثل تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا وإيران. هذه التحديات قد تؤثر على قدرة هذه الدول على الاستثمار في المشاريع المشتركة. ناهيك ان تنفيذ المشاريع المشتركة بين دول تمتد على مساحات جغرافية واسعة يتطلب تخطيطًا دقيقًا وبنية تحتية متطورة، وهو ما قد يمثل تحديًا كبيرًا. والاهم في الامر ان بناء الثقة المتبادلة بين الدول الثلاث يتطلب وقتًا وجهدًا. وهناك تاريخ من التنافس والتوجس بين هذه الدول، مما قد يؤثر على عمق التعاون. كذلك توجد اختلافات ثقافية كبيرة بين الصين وروسيا وإيران، مما قد يعقد عملية اتخاذ القرارات وتنفيذ المشاريع المشتركة.

الآثار الجيوسياسية للشراكة في ظل تعمق الاستقطاب العالمي

الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران تحمل آثارًا جيوسياسية كبيرة في ظل تعمق الاستقطاب بين الأقطاب العالمية الكبرى (أمريكا، الصين، روسيا):

تعزيز التحالف الروسي-الإيراني-الصيني: الشراكة تعزز التحالف بين روسيا وإيران والصين في مواجهة النفوذ الأمريكي والأوروبي. هذا التحالف يعكس رغبة الدول الثلاث في تعزيز قدراتها الدفاعية والاقتصادية لمواجهة الضغوط الدولية.

تأثيرات على النزاعات الإقليمية: الشراكة تحمل تأثيرات كبيرة على النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى. التعاون الدفاعي بين روسيا وإيران يمكن أن يؤثر على النزاعات في سوريا وأوكرانيا ويزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة.

تأثيرات على الاقتصاد العالمي: الشراكة تحمل تأثيرات كبيرة على الاقتصاد العالمي. تعزيز التعاون الاقتصادي بين روسيا وإيران يمكن أن يؤثر على أسواق الطاقة والتجارة العالمية ويزيد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية.

تأثيرات على العلاقات الدولية: الشراكة تحمل تأثيرات كبيرة على العلاقات الدولية. تعزيز التحالف بين روسيا وإيران يمكن أن يؤدي إلى زيادة التوترات بين الأقطاب العالمية الكبرى ويزيد من تعقيد الأوضاع الدولية.

تأثيرات على الشرق الأوسط: تؤثر الشراكة على موازين القوى. قد تساهم هذه الشراكة في تعمق النفوذ الروسي والإيراني في الشرق الأوسط، خاصة في سوريا والعراق ولبنان واليمن. فمن خلال هذه الشراكة، يمكن لروسيا أن تلعب دوراً أكبر في دعم هذا المحور وتعزيز نفوذهما في المنطقة، ومواجهة النفوذ الأمريكي والإسرائيلي.

تأثيرات على النظام العالمي: تشكل الشراكة تحدياً للنظام الدولي القائم على الهيمنة الأمريكية، حيث تأتي هذه الشراكة في إطار تعمق الاستقطاب الدولي بين الأقطاب العالمية الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، وتساهم في زيادة حدته، حيث تزيد من التوترات بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وروسيا وإيران وحلفائهما من جهة أخرى. فمن خلال هذه الشراكة، تسعى روسيا وإيران إلى تعزيز تحالفهما الاستراتيجي في مواجهة الهيمنة الغربية، وقد تفتح فرصاً جديدة للتعاون بين الدول النامية، حيث يمكن أن تشكل نموذجاً للتعاون جنوب-جنوب.

التوقعات المستقبلية للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران

من المتوقع أن يستمر التعاون الاقتصادي بين روسيا وإيران في المستقبل القريب. البلدين يسعيان إلى تعزيز مبادلاتهما التجارية وتطوير مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة والنقل والبنية التحتية. كذلك من المتوقع أن يستمر التعاون الدفاعي بين روسيا وإيران في المستقبل القريب، لأن البلدين يسعيان إلى تعزيز قدراتهما الدفاعية وتطوير تقنيات عسكرية مشتركة. ومن المتوقع أن يتم تكثيف التعاون العلمي والتكنولوجي بين روسيا وإيران، لانهما يسعيان إلى تطوير مشاريع مشتركة في مجالات الفضاء والتكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي. ويسعيان إلى تعزيز التبادل الثقافي والتعليمي بين البلدين وتطوير برامج تعليمية مشتركة.

التحديات التي تواجه الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران

هذه الشراكة الاستراتيجية تواجه تحديات كبيرة بسبب الضغوط الدولية المتزايدة على روسيا وإيران. العقوبات الاقتصادية والسياسية المفروضة على البلدين يمكن أن تؤثر على تنفيذ الاتفاقية وتحد من قدراتهما على التعاون. كذلك تواجه تحديات كبيرة بسبب التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، حيث أن النزاعات المسلحة والتوترات السياسية يمكن أن تؤثر على تنفيذ الاتفاقية وتزيد من تعقيد الأوضاع. أيضا هذه الشراكة تواجه تحديات كبيرة بسبب التحديات الاقتصادية التي تواجهها روسيا وإيران، وبالتالي فان العقوبات الاقتصادية والتحديات الداخلية يمكن أن تؤثر على تنفيذ الاتفاقية وتحد من قدراتهما على التعاون.

لتجاوز هذه التحديات، يجب على الدولتان (بالإضافة الى الصين)، تعزيز الحوار والتفاهم بينها، وتحديد الأهداف المشتركة وبناء الثقة المتبادلة، والتركيز على التعاون الاقتصادي، وتنفيذ المشاريع المشتركة التي تعود بالفائدة على جميع الأطراف، والعمل معًا لمواجهة الضغوط الغربية، وتطوير آليات دفاعية مشتركة. بالإضافة الى أن تكون قادرة على التكيف مع التغيرات السريعة في البيئة الدولية، وتعديل استراتيجياتها وفقًا لذلك.

الموقف الاوكراني من الاتفاقية الاستراتيجية بين روسيا وطهران

يرى بعض المحللين السياسيين الاوكرانيين أن روسيا، بهذه الطريقة، تعزز تحالف الديكتاتوريات على طول خط موسكو – طهران – بيونغ يانغ، بعد ان دخلت معاهدة مماثلة بشأن الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية حيز التنفيذ في ديسمبر 2024. وتحتاج موسكو إلى هذا التحالف لجذب موارد عسكرية إضافية من اجل استمرار حربها ضد أوكرانيا: طائرات إيرانية بدون طيار، وصواريخ ومشاة كورية شمالية، إلخ. حيث ان إيران وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية تشارك بنشاط في الحرب الروسية ضد أوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، تحاول موسكو بهذه الطريقة تعزيز مكانتها في العالم، حيث وجدت روسيا نفسها في عزلة دولية بعد غزوها الشامل لأوكرانيا. ويشكل تعميق التعاون العسكري بين روسيا وإيران تهديداً ليس فقط لأوكرانيا، بل أيضاً للاستقرار للشرق الأوسط، تماماً كما يهدد التقارب بين موسكو وبيونغ يانغ الأمن في المنطقة الآسيوية. إن حقيقة توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع إيران قبل ثلاثة أيام من تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة هي إشارة لا لبس فيها من موسكو إلى الولايات المتحدة. ومن الواضح أن موسكو ستتصدى إلى حد ما لخطط الإدارة الأمريكية الجديدة لزيادة الضغط على إيران لوقف برامجها النووية والصاروخية. وبالتالي، فإن الاتفاق الجديد بين موسكو وطهران يزيد من التحديات التي تواجه أوكرانيا وحلفائها وشركائها.

حول مخاطر ارسال إيران قوات عسكرية للمشاركة في الحرب ضد أوكرانيا، على غرار ارسال كوريا الشمالية نحو12 ألف جندي بعد توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية مشابهة بين البلدين، يرى مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في أوكرانيا، إيغور سيميفولوس، أن إيران لن تقدم على هذه الخطوة، لأن إيران أولاً وقبل كل شيء تعول حقاً على استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة. على الأقل أوضح الرئيس الإيراني بيزشكيان ذلك منذ فترة طويلة، ومن غير المرجح أن تكون إيران على استعداد لتغيير موقفها.

ايغور سيميفولوس - مدير مركز دراسات الشرق الاوسط
ايغور سيميفولوس – مدير مركز دراسات الشرق الاوسط

وأضاف سيميفولوس، ان النقطة الثانية المهمة أيضا هي عدم وجود بند خاص بالدفاع المشترك وضمان أمن البلدين في هذه المعاهدة، أي أن روسيا ليست مستعدة لضمان أمن إيران، وبالتالي فإن إيران لا تلتزم بالدفاع عن روسيا. وهذه نقطة مهمة جداً تم البحث فيها والجدال حولها لفترة طويلة، لأنها كانت إحدى النقاط الرئيسية الإشكالية. وأكد سيميفولوس أن إيران لا تعترف بضم روسيا للأراضي الأوكرانية المحتلة، وتعلن ذلك على الملأ، وهذه أيضًا إشارة معينة إلى أن إيران ليست مستعدة للذهاب إلى ما ذهبت إليه كوريا الشمالية على سبيل المثال.

وأوضح سيميفولوس أنه بالنسبة للاتفاقية بشكل عام، فإن الجانب الرئيسي للاتفاقية هو بلا شك الجانب الاقتصادي والطريق بين الجنوب – الشمال – الجنوب، والذي سيسمح لروسيا في حالة تنفيذه بشكل نهائي بالوصول إلى ساحل المحيط الهندي وبالتالي تقليل التكاليف المحتملة المرتبطة ببحر البلطيق وقناة السويس، أي المرور عبر مناطق تعتبر غير صديقة لروسيا. وفي الواقع، هذه هي المهمة الرئيسية، وهي ليست جديدة، بل ظهرت منذ وقت طويل، منذ أيام الحرب العالمية الثانية، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية على الأقل كان هناك الكثير من الحديث عن هذا الموضوع، ويجري بناء سكة حديدية، والآن يجري تنفيذ جزء معين من الإمدادات من إيران عبر بحر قزوين، وتم إنشاء بنية تحتية جديدة هناك، وخاصة في الموانئ الإيرانية على بحر قزوين، ولكن المفتاح هو، بالطبع، السكة الحديدية. ولم يتم إنجاز أي شيء على هذه السكة الحديدية حتى الآن، لأنه ينقصها الجزء الذي يمر عبر أذربيجان، وحاليا يتم إنجاز بعض الأعمال هناك، ولكن لا يوجد خط سكة حديد. والشيء الوحيد الذي يمكن أن تقدمه روسيا في هذا الصدد هو الاستثمارات، وبالنظر إلى الوضع في إيران، والوضع الاقتصادي المتردي في روسيا والتراجع الكبير في الاقتصاد الصيني، من الصعب توقع استثمارات كبيرة في الاقتصاد الإيراني من روسيا أو الصين. وهم أيضاً بحاجة إلى أذربيجان. وأذربيجان صعبة للغاية حتى الان في هذه المفاوضات. فمن ناحية، هي مهتمة بالطبع بأن تصبح مركزاً للنقل، ولكن من ناحية أخرى، تدرك باكو المخاطر المرتبطة بزيادة التفاعل بين إيران وموسكو، بما في ذلك على الأراضي الأذربيجانية.

لذلك، يؤكد سيميفولوس، يبدو أن الطرفان حصلا على اتفاق، وهو بالطبع، من ناحية، يرمز إلى تعزيز العلاقات بين موسكو وطهران، ومن ناحية أخرى لا يتضمن تهديدات مباشرة للجانب الأوكراني، والتي يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على الوضع على الجبهة الأوكرانية.

وحول امكانية تحرك الولايات المتحدة لتقليل التعاون بين روسيا والصين وإيران، حيث من المتوقع إقامة حوار مع كل من هذه الدول، كل على طريقته الخاصة، بعد تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإلى أي مدى يمكن لهذا الحوار أن يقلل فعلياً من التعاون، بين هذه الدول، يرى سيميفولوس انه إذا كانت الولايات المتحدة تدرك خطر تقوية العلاقات بين هذه الدول، فيجب أن تعمل على منع تقوية هذه العلاقات. ويضيف انه حتى الآن لا يوجد أي بوادر لأي فرصة للأمريكيين لكسر هذا التحالف. ويلاحظ مدير مركز دراسات الشرق الأوسط ان إيران هي الحلقة الضعيفة في هذا المثلث، ومن المنطقي العمل مع إيران. مثل مبدأ العصا والجزرة. أي أنه من ناحية، من خلال الترهيب يمكن زيادة الضغط على إيران، وفي ظروف الحالة الاقتصادية الصعبة، قد تجد إيران نفسها في وضع يكون فيه النظام في خطر حقيقي. وكذلك من خلال أسلوب الترغيب، أي عندما يكون من الواضح أن القيادة الإيرانية ستكون مستعدة للسير في طريق الاتفاقات، من المتوقع أن تكون هذه الاتفاقات أكثر صرامة بكثير مما كان عليه اتفاق 2015. ومن ثم، من حيث المبدأ، سيتعين على إيران أن تختار من بين مجموعة ضيقة أو صغيرة إلى حد ما من الخيارات. وهذا يعني أن يكون الأمر في الأساس استعدادًا للتعاون الكامل مع الولايات المتحدة، مع السيطرة الكاملة على البرنامج النووي الإيراني وما إلى ذلك. أو تعزيز العقوبات وتهيئة الظروف لزعزعة الاستقرار في الداخل. وليس هناك خيار آخر.

ويختتم سيميفولوس انه يجب الا ننسى أن هناك علاقات استراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة. ومن المحتمل أن تؤثر إسرائيل أيضًا على موقف الولايات المتحدة من إيران. ومن المحتمل أن تنسق واشنطن مع تل أبيب في تحركاتها، أو على الأقل في بعض جهودها. وبشكل عام، قد يؤدي ذلك أيضًا إلى زعزعة استقرار الوضع في إيران نفسها. كما أن الرئيس الإيراني على وجه الخصوص لا يملك خيارات كثيرة. ولكن هذا فقط إذا كانت سياسة الولايات المتحدة مفهومة وواضحة. لأنه إذا تذبذب الأمر مرة أخرى من العقوبات إلى التهديدات إلى إمكانية التوصل إلى نوع من الاتفاق المنفصل، سيكون الأمر أكثر صعوبة. و خلص سيميفولوس الى أن إيران ستبقى بالتأكيد في قلب سياسة الولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة.

الاستنتاجات

في ختام تحليلنا هذا نصل الى نتيجة ان هذه الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران تُمثل حدثاً مفصلياً في العلاقات الدولية، حيث تحمل في طياتها العديد من الرهانات والأهداف التي تتجاوز العلاقات الثنائية بين البلدين، وتشكل تحولاً جيوسياسياً مهماً في ظل تعمق الاستقطاب بين الأقطاب العالمية الكبرى والتطورات الدولية المتسارعة، وتحمل في طياتها العديد من الأبعاد السياسية والاقتصادية والجيوسياسية. فمن خلال هذه الشراكة، يتعزز التحالف بين روسيا وإيران والصين وتعاونهم في هذه المجالات في مواجهة النفوذ الأمريكي والأوروبي ومواجهة التحديات المشتركة، ويمكن لهذه الشراكة أن تساهم في تشكيل ملامح النظام العالمي الجديد، حيث تلعب روسيا وإيران دوراً محورياً في مواجهة الهيمنة الغربية. من المتوقع أن يستمر التعاون الاقتصادي والدفاعي والعلمي والتكنولوجي بين روسيا وإيران في المستقبل القريب، ولكن الشراكة تواجه تحديات كبيرة بسبب الضغوط الدولية والتوترات الإقليمية والتحديات الاقتصادية. كما أن التوقيت الرمزي لتوقيع هذه الشراكة، قبل تسلم ترامب للسلطة، يضفي عليها أهمية إضافية، حيث يُنظر إليها على أنها رسالة واضحة إلى واشنطن والعالم بأسره، ويعكس تحديًا واضحًا للسياسات الأمريكية ورغبة البلدين في تعزيز تحالفهما قبل مواجهة الضغوط الدولية المتوقعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *