سوريا، روسيا، أوكرانيا، تأثيرات مباشرة وغير مباشرة

سوريا - روسيا - أوكرانيا

سوريا، روسيا، أوكرانيا، تأثيرات مباشرة وغير مباشرة

اعداد مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية

7\12\2024

في السنوات الأخيرة، تعرضت سوريا لتصعيدات متزايدة بسبب الدخول الفعال لروسيا في الصراع بين الفصائل السورية المسلحة والنظام السوري، حيث قامت بتقديم الدعم لقوات الحكومة السورية بالتقنيات العسكرية والدعم اللوجستي، بالإضافة الى التدخل العسكري المباشر في الصراع.

من ناحية أخرى، تورط الكثير من الدول الأخرى بشكل مباشر في النزاع السوري، وهناك تأثيرات مباشرة وغير مباشرة من قبل بعض الدول الغربية والمنظمات الدولية التي تدعم فصائل المعارضة او الداعمة للحكومة السورية.

الدوافع والمصالح للتدخل في الصراع السوري كانت مختلفة ومتناقضة بشكل كبير، حيث سعت بعض الدول، مثل روسيا و إيران، إلى حماية النظام الحاكم الصديق لها في المنطقة، بينما كان دعم المعارضة السورية دافعا للآخرين، ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أحد الدوافع الرئيسية لتدخل بعض الدول في الصراع (الولايات المتحدة و بريطانيا وفرنسا وتركيا). وقد ساهم التنافس الإقليمي بين الدول الكبرى والاقليمية في تعقيد الأزمة وتأجيج الصراع. اذ كان حماية الأمن القومي أحد أهم الدوافع وراء تدخل بعض الدول، مثل تركيا والأردن.

لذلك يعتبر الصراع في سوريا واحدا من أبرز الصراعات في العصر الحديث، والتي تتقاطع و تتداخل فيها المصالح الإقليمية والدولية. وقد أدت هذه التدخلات المتعددة إلى تعقيد الأزمة وتطويل أمدها، مما تسبب في معاناة إنسانية هائلة.

هذا التدخل الكبير أدى الى تفاقم الصراع وظهور العديد من الجماعات المتطرفة والإرهابية (بين جماعات المعارضة والنظام) في ظل الفوضى التي سادت، وإلى تدمير واسع النطاق للبنية التحتية في سوريا، وتشريد الملايين بين نازحين ولاجئين (نحو 7 مليون، أي ثلث سكان سوريا، لاجئين في الأردن ولبنان وتركيا وأوروبا). بالإضافة الى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل كبير، حيث يعاني ملايين السوريين من نقص الغذاء والدواء والمأوى.

في الآونة الأخيرة شهدت الاحداث في سوريا تطورات متسارعة حيث تقدمت المعارضة السورية المسلحة بسرعة وسيطرت، حتى كتابة هذا المقال، على مدن حلب وحماة وتدمر ودرعا والسويداء والقنيطرة وعلى مساحات واسعة من ريف دمشق، وباتت على بعد بضع كيلومترات من العاصمة دمشق، وسط انهيار كامل لدفاعات الجيش السوري انسحابه من جميع مواقعه تقريبا دون مقاومة.

وأضافت الاتهامات الروسية لأوكرانيا حول تورطها في التصعيد الأخير في سوريا بعدًا جديدًا من التعقيد في المشهد السوري والإقليمي. هذه الاتهامات أثارت جدلاً واسعًا على المستويين الإقليمي والدولي، وأدت إلى طرح العديد من التساؤلات حول حقيقة هذا التورط ودوافعه، وأثره على مسار الصراع في سوريا.

حيث اتهمت روسيا بشكل صريح أوكرانيا، في مقال تم نشره على موقع وكالة الانباء الروسية الرسمية “ريا نوفوستي”، بالتورط في التصعيد الأخير في سوريا، مدعية تقديم كييف دعماً لوجستياً للمعارضة المسلحة، وتزويدها بالأسلحة والخبرات. وزعمت أن أوكرانيا تتدخل بشكل مباشر في الصراع السوري عبر تدريب المعارضة المسلحة وتزويد أجهزة الأمن الأوكرانية للمعارضة السورية بالمسيرات وتدريبها على استخدامها.

وقد رفضت أوكرانيا بشكل قاطع الاتهامات الروسية بدعم المعارضة السورية المسلحة، واعتبرتها محاولة لتشويه صورتها وصرف الانتباه عن استمرار غزوها لأوكرانيا واستمرار ارتكابها جرائم حرب عبر محاولاتها المستمرة لتدمير البنية التحتية المدنية. وأكدت كييف على التزامها بحل الأزمة السورية عبر الحوار السياسي، ونفت أي تورط لها في التصعيد الأخير. وللتذكير فقد أعلنت أوكرانيا قطع العلاقات الدبلوماسية رسميا مع النظام السوري بعد اعترافه بعمليات الاستفتاء المزعومة التي أجرتها روسيا، في الأقاليم الأربعة التي احتلت أجزاء واسعة منها، حول انضمامها الى الاتحاد الفيدرالي الروسي. وكان لافتا خلال السنوات الماضية قيام بعض وسائل الاعلام الأوكرانية لتطورات الازمة في سوريا، طبعا بحكم الوجود الروسي في سوريا ونفوذها في المنطقة العربية.

وقد نفى غيورغي تيخي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية، الاتهامات الروسية قائلًا في الإحاطة الإعلامية للوزارة يوم 6\12\2024: “أوكرانيا ترفض بشكل قاطع وحازم أي اتهامات لا أساس لها من الصحة ضد أوكرانيا حول تورطنا المزعوم في تفاقم الوضع الأمني في سوريا”. وأوضح المتحدث أن أوكرانيا، على عكس روسيا، تلتزم بمعايير القانون الدولي وحرمة السيادة ووحدة أراضي الدول الأخرى، ولا تتدخل في شؤونها. وأضاف “إن موسكو وطهران هما اللتان تتحملان المسؤولية الرئيسية عن تدهور الوضع الأمني في سوريا منذ سنوات. والنظامان في موسكو وطهران هما المسؤولان عن ذلك. وبشكل عام، فإن سبب الوضع الذي نعيشه اليوم في سوريا منذ سنوات عديدة هو جرائم نظام الأسد. ومن الضروري عدم تغيير اللهجات”. وأشار بشكل خاص الى “جرائم نظام بشار الأسد” ضد شعبه وعدم رغبته في ضمان حوار عادل وشامل داخل البلاد مما أدى إلى تهديد بقاء سوريا كدولة موحدة.

الدوافع التي قد تكون دفعت روسيا إلى توجيه هذه الاتهامات لأوكرانيا متعددة، في استمرار المحاولات لتضليل الرأي العام الدولي وتشويه صورة أوكرانيا، حيث تسعى روسيا إلى صرف الانتباه عن الحرب التي تشنها ضد أوكرانيا، وتوجيه اللوم إلى طرف ثالث في انهيار قوات الجيش السوري، ومحاولة لتقويض العلاقات الأوكرانية الغربية، وقد تستخدم روسيا هذه الاتهامات لتبرير أي تدخل عسكري مباشر محتمل في سوريا، رغم انه مستبعد حاليا. بالإضافة الى إمكانية اتخاذ الكرملين هذه الاتهامات كمبرر، امام جماهيره وداعميه، للانهيار السريع لقوات النظام السوري الذي قام بدعمه على مدى 8 سنوات تقريبا، وللمزيد من التصعيد ضد أوكرانيا وحلفاءها.

هذه الاتهامات الروسية تترك آثارًا عميقة على الأزمة السورية، إذ تؤدي إلى تعقيد المشهد السوري بشكل كبير، وتزيد من حدة الصراع وتساهم بشكل أكبر في تدويله وجعله جزءًا من الصراع بين روسيا والغرب. بالإضافة الى انها قد تؤدي إلى عرقلة جهود الحل السياسي للصراع في سوريا وتحميل القوى الغربية المسؤولية عن تدهور الأوضاع الإنسانية، في محاولة لتعميق الانقسامات الدولية حول الأزمة السورية، مما قد يؤدي الى تصعيد عسكري كبير في سوريا يؤدي الى تغيير موازين القوى في سوريا قبل ان تدفع التطورات على الأرض الأطراف المعنية إلى البحث عن حل سياسي للصراع في سوريا.

تصاعد الصراع في سوريا والحرب الروسية على أوكرانيا لهما تأثيرات مترابطة ومعقدة. من ناحية، الصراع في سوريا يشكل تحديًا كبيرًا لروسيا وجيشها، مما يقلل من قدرتهم على التركيز بشكل كامل على الحرب ضد أوكرانيا. ومن ناحية أخرى الحرب الروسية في أوكرانيا تؤثر بشكل كبير على دعم روسيا للنظام السوري في سوريا.

ومن ناحية أخرى، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا يؤثر بشكل كبير على الوضع في سوريا، حيث يعزز التوترات السياسية بين الدول الغربية وروسيا، مما يؤثر على السياسات الخارجية والداعمة للفصائل المعارضة في سوريا. بينما الحرب في أوكرانيا تجعل من الصعب على روسيا توفير الدعم العسكري للحكومة السورية بنفس القدر السابق، مما يؤدي إلى تغييرات في الوضع العسكري في سوريا. بالإضافة الى ان العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الروسي وتشكل تحديات مالية واقتصادية كبيرة، مما يؤثر بالتالي على قدرتها على تقديم الدعم المالي والعسكري للحكومة السورية. ناهيك عن ان الحرب في أوكرانيا وحرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تشغلان اهتمام الدول الغربية والمنظمات الدولية، مما يقلل من التركيز على الأزمة الإنسانية في سوريا.

باختصار، بينما لم تتورط أوكرانيا بشكل مباشر في التصعيد الأخير في سوريا، حيث أن الاتهامات الروسية غير مدعومة باي ادلة، فإن هذه الاتهامات لها آثار عميقة على الأزمة السورية، وتزيد من تعقيدها.

التأثيرات الغير مباشرة والتوترات السياسية بين أوكرانيا وحلفاءها من جهة، وروسيا وحلفاءها، من جهة أخرى، تؤثر بشكل كبير على تطورات الوضع في سوريا. وتتطلب هذه التطورات تحليلاً دقيقًا ومتعمقًا لفهم دوافع الأطراف المختلفة وآثارها على مستقبل سوريا والمنطقة، ويجب تعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، حيث يجب العمل على تقديم المساعدات الإنسانية للنازحين واللاجئين السوريين، والعمل على وقف إطلاق النار في سوريا وحماية المدنيين وتشجيع جميع الأطراف على الدخول في حوار سياسي جاد لحل الأزمة السورية وفق تطلعات الشعب السوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *