سَيَقبَلان بالأمر!
حاتم استانبولي – كاتب ومحلل سياسي
7\2\2025
كلمتان تحملان معاني كثيرة إذا ما فسرت باللغة العربية البعض سوف يفهمها على أنهما سوف يَقبلان بالأمر، أي سيكون هناك عمل من أجل تنفيذ الأمر، والبعض سيفهم الأمر بأنه قرار عليهما تنفيذه. ولكن من الواضح أن كل التصريحات كانت موجه بشكل مباشر وبشكل فردي بالاسم وليس لدولتين أو حكومتين.
ولكن الأهم هو ما الذي جعل الرئيس الأمريكي ترامب يطلق هذه التصريحات بشأن الشعب الفلسطيني في غزة والضفة؟
من الواضح ان ترامب قد استخلص سريعا أن ٤٧٠ يوما من حرب الإبادة على غزة، استخدمت فيها كل الإمكانيات السياسية والعسكرية والإعلامية والاقتصادية، ولم تتمكن من كسر شوكة الإرادة الفلسطينية المقاومة.
يعني أن إدارة بايدن الأمريكية قدمت كل ما في جُعبَتِها من إمكانيات لتحقيق نصر مطلق، على حد تعبير نتنياهو، وأن اليوم التالي لحرب الإبادة سيكون يوما امريكيا واسرائيليا تُخضِع فيه غزة وشعبها.
ولكن جاء اليوم التالي لغزة يوما ربيعيا فلسطينيا انطلق شعبها ومقاومتها من بين الركام والأنقاض في مشاهد متعددة متنقلة تتلاحم فيه لتؤكد أن غزة هي وطن وليس عقارا للاستثمار من أجل الاستيطان.
ترامب أدرك أن تورط إدارة بايدن بحرب الابادة على الشعب الفلسطيني دون تحقيق نصر حاسم يُركِع فيه المقاومة سوف يرتد على المصالح الامريكية.
إدارة ترامب التي أطلقت صفقة القرن تريد ان تحول إخفاق إدارة بايدن وحكومة نتنياهو إلى فرصة لتنفيذ صفقة القرن بالطرق السياسية، عبر تحويل اتجاه التناقض، من تناقض مع الاحتلال الى صراع ما بين النظام الرسمي العربي والمقاومة الفلسطينية، كما يحدث في لبنان من ضغط لتحقيق تصادم بين المقاومة وخصومها الداخليين.
ترامب من خلال مخاطبته المباشرة للزعيمين يريد أن يظهر أنهما من يتحكمان بتنفيذ القرار السياسي وبذات الوقت لديه معطيات تؤكد أنهما سوف ينفذان ما طلب منهما.
الفترة المقبلة قد تشهد تصعيدًا غير مسبوق في السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين
في مقال سابق بعنوان ما الذي يجري في غرف التفاوض العبثي، أشرت فيه إلى أن المفاوض الاسرائيلي يتحدث بوضوح أن قرار التقسيم يتحدث عن دولتين عربية ويهودية وقد تم تحقيقه بإعلان الأردن الدولة العربية واسرائيل الدولة اليهودية وإن ضم الضفة للأردن كان تنفيذا عمليا لهذا القرار.
وفي هذا الصدد يظهر الخطأ التاريخي بإعلان قرار فصل الضفة بدون تحقيق اقامة الدولة الفلسطينية وفسح المجال امام انكشافها داخليا تحت عنوان انها استطاعت إذابة الهوية الفلسطينية في الصيغة الداخلية في محاولة معلنة للتلاعب في المكونات الداخلية للمجتمع وتحويل الصراع من صراع مع الاحتلال العنصري الإحلالي إلى صراع داخلي بين الهويتين.
أما فيما يتعلق بغزة فإن تخلي مصر عن دورها التاريخي وإنكِفائها وتخليها عن غزة، كعنوان للأمن القومي المصري، وحياديتها السلبية في كل مراحل الإبادة الجماعية على غزة، ورفض رئيسها الخجول للتصريحات الِترامبية، وسماحها لتظاهرات محدودة على معبر رفح، في حين لم تخرجها طيلة ٤٧٠ يوما من الإبادة، جعلها مكشوفة بدون دروع جماهيرية تحمي امنها القومي.
تصريحات ترامب المتتالية حول حكام المنطقة يهدف لاستفزاز الشعوب باعتبارها خاضعة لنظم فردية وعائلية. شعوب لا رأي وقيمة لها ولا تحظى باحترام لموقفها الرافض للعدوانية الأمريكية الإسرائيلية. هذه التصريحات المباشرة الخبيثة يجب أن يرد عليها من قبل الحكام والشعوب بقرارات سياسية واضحة لا لبس فيها، تحمل رفض وتصدي شعبي جمعي لها.
قرارات ترامب تحمل في الظاهر هجوما، ولكن في الجوهر تحمل هجوما عكسيا سياسيا على إخفاق سياسة سلفه بايدن ووزير الابادة الجماعية بلينكن في تحقيق نصراً حاسماً على الشعب الفلسطيني لتحقيق يهودية الدولة وصفائها لتكون وطنا من أجل المهلوسين المتطرفين الصهاينة.
الصهيونية الدينية الجديدة المختلطة ورؤوس أموالها، الذين تجمعوا في حفل تنصيب ترامب، أدركوا أن لا مستقبل لأداتِهم الصهيونية الرأسمالية الاحلالية الا بتحقيق الابادة الكاملة للشعب الفلسطيني باستعمال كافة الوسائل السياسية والاقتصادية والإعلامية. وبعد فشلها بعد ٤٧٠ يوما في غزة والضفة فقد اعلنت ادارة ترامب عن هجوم سياسي شامل على الشعب الفلسطيني من أجل تهجيرهم من الضفة وغزة.
سَيَقبَلان بالأمر (They will do it) لا يقصد فيه مواطني غزة، بل تحمل هجوما شاملا على الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده لإلغاء الجوهر الوطني التحرري لقضيته.
هجوما يريد من بالحد الأقصى تهجيراً شاملا من غزة والضفة باتجاه مصر والأردن، ويلحقهم فلسطيني ١٩٤٨ ستكون على أساس ديني ليزرعوا الفرقة بينهم.
ترامب الذي جاء في دورته الجديدة بعنوان أنه سيحقق السلام من خلال القوة الساحقة للولايات المتحدة عبر قرارات سيعيد لأمريكا قوتها واحترامها وسيادتها على العالم، من خلال أدواته السياسية والاقتصادية والإعلامية، سياسة تلغي دور المنظمات الأممية الدولية وتتعامل مع القانون الدولي بانتقائية شديدة الحساسية من خلال وضع فلترات لتمرير القرارات التي تخدم المصالح الأمريكية الإسرائيلية.
هذه السياسة الهجومية تخفي خلفها وضعا داخليا امريكيا مأزومًا اقتصاديًا، مثقلا بالديون الداخلية والخارجية، يريد حلها عبر هجوم سياسي شامل متعدد من حيث الشكل والأدوات على أعدائه وخصومه واصدقائه.
ترامب يدرك انه على طاولة مقامرة خاسرة يريد قلبها وتغيير اوراق اعدائه وخصومه واصدقائه لحل أزمات المنظومة الرأسمالية المغلفة بالصهيونية الدينية.
هجوم ترامب سيكون متدرج ومتنوع يضغط فيه على خصومه الأقوياء، ولكن في إطار إظهار الاحترام لمصالحهم وطرح خياران ما بين استمرار الحماية أو قلع واسقاط النظم التابعة، وبين اخضاع الاصدقاء لتغيير شروط الصداقة عبر رفع سعر تكلفتها.
أما عن أعدائه فإنه يُلَوّح بفتح ابواب جهنم عليهم من خلال ادوات الادارة الامريكية، ما بين مجموعاتها الارهابية التي تبين للقاصي والداني تبعيتها الكاملة لأجهِزته الاستخبارية، وبين الضرب المباشر لهم من خلال أداته العدوانية العنصرية الإسرائيلية، وقرار تزويدها بقنابل ٢٠٠٠ رطل هو إشارة للمدى الذي من الممكن أن تدفع به إدارته للعدوان على المقاومة من جهة وإيران من جهة أخرى. هذه العدوانية التي يحملها نتنياهو لإقناع ترامب بِضرورتها من أجل سيطرة كاملة على المنطقة وإخضاع حكامها وشعوبها ومدخرات وثروات بلدانها للمصالح الأمريكية الإسرائيلية ولتغطية فشله في حرب الابادة على الشعب الفلسطيني ووقف إجراءات محاكمته أمام المحكمة الدولية وملاحقة ضباطه وجنوده من قبل محكمة الجنايات الدولية والتحريض على المطالبة بحلها وإنزال العقوبات بحق قضاتها.
الخيارات للحكام محصورة بتنفيذ الأوامر الِترامبية. ولا خروج من هذا المأزق إلا بالتحول لاستخدام أهم سلاح لديهم وهو شعوبهم، التي هي الوحيدة التي تستطيع مواجهة ترامب وصفقته التي لن تستثني أحدا.
استمرار خضوعهم لن يكون عونا لهم، فهم ذاهبون ذاهبون، فإما تذهبون بكرامة او بإذلال. المسألة مسألة وقت، لأن متطلبات وأدوات المرحلة القادمة مختلفة، مرحلة تتطلب تغيير في الشكل وإحلال أدوات جديدة بعباءة وبحلة جديدة.
استمرار دعم القضية التحررية للشعب الفلسطيني باعتبارها قضية وطنية جمعية عربية عالمية تستند لشريعة القانون الدولي هي درع حماية شامل للمنطقة بكل مكوناتها، حماية من التفتيت والقرصنة والاستغلال والتبعية المطلقة.