قرار المحكمة الجنائية الدولية وإمكانية عزل إسرائيل
نبيل السهلي – كاتب فلسطيني
3\12\2024
وأخيراً، بعد أكثر من ستة وسبعين عاماً من إنشاء إسرائيل أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في يوم الخميس 21 /11/2024 مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، وقالت إن هناك “أسبابا منطقية” للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة. وأضافت المحكمة أن “هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت أشرفا على هجمات على السكان المدنيين”. وأوضحت أن جرائم الحرب المنسوبة إلى نتنياهو وغالانت تشمل استخدام التجويع سلاحا للحرب، كما تشمل جرائم ضد الإنسانية والمتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرهما من الأفعال غير الإنسانية.
المواقف الدولية
تبعاً لعمليات الإبادة الجماعية مكتملة الأركان التي قامت بها إسرائيل بحق أهالي قطاع غزة منذ تشرين الأول /أكتوبر 2023، سقط خلالها أكثر من مائة الف فلسطيني بين شهيد وجريح ومغيب قسرياً، نجحت دعوة جنوب افريقيا المدعومة من عدة دول غير عربية بإصدار الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، ومنذ اللحظة الأولى أكدت غالبية الدول في العالم وخاصة الغربية منها (باستثناء امريكا والمانيا) التزامها بقرار الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وغالانت؛ حيث الغى وزير الخارجية الهولندي زيارته لإسرائيل المقررة يوم الاثنين 2\12\2024، وأكد التزام بلاده بقرار الجنائية الدولية اذا حضر كل من نتنياهو وغالانت الى بلده هولندا.
وأشارت أوساط مختلفة في إسرائيل الى تخوفها من اتساع دائرة الملاحقات من الجنائية الدولية لتشمل ضباط وجنود في الجيش الإسرائيلي ارتكبوا مجازر بحق الفلسطينيين، الامر الذي يزيد من فرص وامكانية عزل إسرائيل رغم تلقيها دعماً امريكياً كبيراً وعلى كافة المستويات العسكرية والمالية والدبلوماسية.
الجنائية الدولية وقرارها
هي محكمة أُسست بصفة قانونية في الأول من تموز/يوليو من عام 2002 بموجب “ميثاق روما” الذي دخل حيز التنفيذ في 11 نيسان/ابريل من السنة نفسها، وتعمل على وقف انتهاكات حقوق الإنسان عبر التحقيق في جرائم الإبادة وجرائم الحرب. وقد وافقت 120 دولة في 17 يوليو/تموز 1998 خلال اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة في إيطاليا على “ميثاق روما”، واعتبرته قاعدة لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة، وعارضت هذه الفكرة 7 دول، وامتنعت 21 عن التصويت. في 20 أيار/ مايو الماضي طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات توقيف لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على خلفية الحرب على غزة. ووصف نتنياهو حينها الطلب بأنه “سخيف” والمدعي العام كريم خان بأنه أحد “أبرز المعادين للسامية في العصر الحديث”.
وفق ما جاء في موقع المحكمة الدولية على الإنترنت، فإن نتنياهو وغالانت متهمان بـ”جريمة الحرب المتمثلة في استخدام التجويع وسيلة للحرب، والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية”. ورأت المحكمة أن “ثمة أسبابا معقولة للاعتقاد بأن المتهمين حرما عمدا وعن علم السكان المدنيين في غزة من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم – بما في ذلك الطعام والماء والأدوية والإمدادات الطبية، وكذلك الوقود والكهرباء – من الثامن من تشرين اول / أكتوبر 2023 على الأقل إلى 20 ايار/ مايو 2024”. وأضافت “من خلال تقييد أو منع وصول الإمدادات الطبية والأدوية إلى غزة، ولا سيما مواد وآلات التخدير، فإن الرجلين مسؤولان أيضا عن إلحاق معاناة كبيرة عن طريق أعمال غير إنسانية بالأشخاص الذين يحتاجون إلى العلاج”. كما حمّلت المحكمة نتنياهو وغالانت المسؤولية عن الأعمال التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية تحت قيادتهما، بما في ذلك حالات التعذيب والعنف الوحشي والقتل والاغتصاب وتدمير الممتلكات.
حرب إسرائيل السرية ضد المحكمة الجنائية الدولية: تسع سنوات من المراقبة والتدخل
الوحشية الإسرائيلية
ثمة حقائق ماثلة للعيان تؤكد حصول متغيرات نوعية في صورة إسرائيل الراهنة، فعلى رغم قدرة الدبلوماسية الإسرائيلية على بناء علاقات متشعبة مع دول العالم بدعم أمريكي وغربي مطلق، وخاصة بعد عقد مؤتمر مدريد في نهاية عام 1991؛ يلحظ المتابع بوضوح تفشي ظاهرة العنصرية الإسرائيلية وارتكاب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطينية في كافة اماكن تواجده على مدار الساعة منذ تشرين أول/أكتوبر الماضي، وهي امتداد لعمليات الابادة التي تقوم بها إسرائيل منذ إنشائها عام 1948، وقبل ذلك العصابات الصهيونية .
أدت عمليات تقتيل الجيش الاسرائيلي للأطفال وتدمير المدارس والمشافي والمساكن على رؤوس ساكنيها في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، وكذلك عمليات الاغتيال الممنهجة، أدت بمجملها إلى اتضاح صورة الاحتلال وفاشيته المتوحشة بشكل جلي، الأمر الذي دفع الكثير من شعوب العالم إلى التظاهر والاحتجاج في عدد كبير من مدن العالم دعماً للحق الفلسطيني ومناهضة الإرهاب الإسرائيلي؛ وذلك على الرغم من تبنِّي النظم الغربية وخاصة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا للروايات الإسرائيلية، وما تحمله من محاولات لشيطنة كل ما هو فلسطيني. اللافت هنا أنه بات للإعلام بشكل عام ووسائل التواصل الاجتماعي أهمية فائقة ودور محوري للفلسطينيين ومناصريهم في المهجر، لإيصال رسائل الحق الفلسطيني جنباً إلى جنب مع التأكيد على أهمية احترام القوانين والآليات والضوابط القانونية لكل بلد. ولذلك، فإن اعتماد آلية التواصل والانفتاح على المجتمعات كإستراتيجية تعتبر أمراً ذا أهمية بالغة لعزل الدولة المارقة إسرائيل.