كيف دفع بوتين وبلاطه ترامب إلى فرض العقوبات

كيف دفع بوتين وبلاطه ترامب إلى فرض العقوبات

كيف دفع بوتين وبلاطه ترامب إلى فرض العقوبات

كونستانتين إيغرت

صحفي، كاتب عمود أسبوعي في دويتشه فيله (DW) ومُعدّ مشروع المقابلات “في الاتجاه (InTrend)” على القناة ذاتها.

ترجمة مركز “فيجن” للدراسات الاستراتيجية

24\10\2025

قد تتجاوز الأهمية السياسية والنفسية للعقوبات الأمريكية المفروضة على شركتي روس نفطو”لوك أويل” أهميتها الاقتصادية. ويرى كونستانتين إيغرت أن هذه الأهمية تتعلق بالدرجة الأولى بشركاء الرئيس بوتين.

لماذا ألغى دونالد ترامب لقاءه مع فلاديمير بوتين في بودابست؟ هذا هو بالنسبة لي اللغز الأكبر المتعلق بأسباب بدء سريان العقوبات الأمريكية الإضافية ضد الشركتين الروسيتين “روس نفط” و”لوك أويل”.

إيغور سيتشين تحت أنظار ترامب

قبل أيام قليلة فقط، كان كل شيء، كما يُقال، “ممهدًا”: كان من المقرر أن يناقش وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الجوانب التحضيرية للقمة العجولة بين رئيسيهما. وقد أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، على مضض، استعداده للحضور إلى هنغاريا، وهلل دعاة فيكتور أوربان المقربون منه بـ “انتصار دبلوماسي” لرئيس الوزراء الهنغاري.

في لحظة واحدة، تغير كل شيء حرفيًا. تحدث لافروف وروبيو بلا نتائج، واللقاء لم يُؤجَّل بل أُلغي تمامًا من قبل الرئيس الأمريكي. أما أوربان فقد “تأخر” عمدًا عن اجتماع مجلس الاتحاد الأوروبي كي لا يصوت على حزمة العقوبات الجديدة للاتحاد الأوروبي ضد روسيا، ولكن في الوقت ذاته، كي لا يعرقل تمريرها.

وبدلًا من مناقشة مصير أوكرانيا على طبق من الـ “غُولاش” الودّي، يُجبَر بوتين على قراءة رسائل، تلك القادمة من الهند على سبيل المثال، التي تفيد بأن مصافي التكرير الهندية ستمتنع بحلول 21 نوفمبر عن استيراد نفط إحدى أهم خزائن النظام الروسي – شركة “روس نفط” المملوكة لإيغور سيتشين (وهي، للتذكير، يوكوس السابقة لميخائيل خودوركوفسكي)، وكذلك نفط “لوك أويل”.

الحرب  الروسية الهجينة: استراتيجية التضليل أداة لتفكيك الأمن الأوروبي

الواقع الافتراضي لحاكم الكرملين

على الرغم من ذلك، لا نعرف ما إذا كان الدكتاتور الروسي يقرأ هذه الأخبار. من المحتمل، بل الأرجح، أن توضع أمامه ملفات تحمل معلومات أخرى – مفادها أن العقوبات، من المفترض، ستلحق ضررًا ضئيلًا بالاقتصاد الروسي، وأن الهنود سيواصلون شراء النفط عبر الوسطاء، وما لا يأخذونه ستشتريه الصين. من المرجح أيضًا أن يُقدَّم قرار الاتحاد الأوروبي بالتخلي عن الغاز الطبيعي المسال الروسي اعتبارًا من 1 يناير 2027 كإجراء غير ذي أهمية. ذلك أنه بحلول هذا التاريخ ستكون أوكرانيا قد هُزِمَت بالضرورة، وسيكون الاتحاد الأوروبي مضطرًا للتعامل مع روسيا جديدة وأكثر قوة.

ستحاول مصافي التكرير الهندية بالفعل توسيع مشترياتها من الوسطاء. لكن وزارة الخزانة الأمريكية، التي تراقب تنفيذ نظام العقوبات، تعلم ذلك جيدًا. ويمكن لرئيس جمهورية الصين الشعبية، شي جين بينغ، أن يأمر بشراء المزيد من النفط من روسيا (بخصم كبير بالطبع). أما مسألة ما إذا كان هذا سيعوض الضرر الناجم عن العقوبات، فتلك قضية لنقاش منفصل. ما لا يدع مجالًا للشك بالنسبة لي شخصيًا هو نظام اتخاذ القرار في القيادة الروسية العليا.

بوتين في دور آل بوربون

على مدى ربع قرن من حكم بوتين، تشكَّل حول الشخص الأول ما يشبه البلاط، يكاد يكون مماثلًا لبلاط آل بوربون المتأخرين في فرنسا. ولم يتغير تكوينه من الكوادر لسنوات عديدة. مهمته بسيطة: إطالة أمد وجوده. ولتحقيق ذلك، يجب أن يكون القائد مقتنعًا بأن كل ما يُفعَل تحت قيادته يتم بشكل صحيح ويسير على ما يرام. بالإضافة إلى ذلك، من الواضح أن بوتين واثق من الأهمية الاستثنائية لـ “مهمته التاريخية” – إحياء العظمة الروسية. إن الجدال في هذا الأمر خطير ولا طائل من ورائه. لا يمكن للمرء سوى الموافقة بصوت عالٍ وبإحساس عميق. لذلك، يفعل حاشية البلاط ما فعله أسلافهم في البلاطات الأخرى. إنهم يقدمون لبوتين ما يبدو وكأنه حقيقة – ولكنه ليس كل الحقيقة. وما يبدو وكأنه تحليل – ولكنه تحليل مصقول. وما يبدو وكأنه توصيات، ولكنه في الحقيقة تملُّق سيئ الإخفاء. وقد جعل العدوان على أوكرانيا هذا الاتجاه نهائيًا ولا رجعة فيه.

يعتبر بوتين نفسه سياسيًا أكثر خبرة وبُعدَ نظرًا بكثير من ترامب، وكذلك من ستارمر، وماكرون، ومودي، وحتى “الصديق الذي لا غنى عنه شي”. إنه مقتنع بأن الرئيس الأمريكي يريد بشدة الحصول على جائزة نوبل للسلام، وأن مؤيديه يحبون روسيا كثيرًا بسبب تمسكها بـ “القيم التقليدية”، وبأن البيت الأبيض يمكن إطعامه لفترة طويلة بمزيج من الوعود الكاذبة والتلميحات المهددة. ولهذا السبب رفض الكرملين رفضًا قاطعًا وقف إطلاق النار قبل بدء اجتماع بودابست المعلن. بالإضافة إلى ذلك، ووفقًا لتقارير إعلامية عديدة، كرر لافروف لروبيو مطلب بوتين بـ “إزالة الأسباب الجذرية للصراع”، أي تغيير السلطة في أوكرانيا ووضعها فعليًا تحت السيطرة السياسية لموسكو.

الدعم الأوروبي لأوكرانيا بعد لقاء الرئيسين زيلينسكي وترامب

ماذا يفعل “المتفهمون لبوتين”؟

لم ينجح هذا الحساب، تمامًا مثل خطط السيطرة على كييف في ثلاثة أيام. أولاً، قد لا يكون ناخبو الجمهوريين مغرمين بأوكرانيا وزيلينسكي، لكنهم أيضًا لا يحملون أي مشاعر ودية خاصة تجاه روسيا. ثانيًا، يحلم ترامب حقًا بجائزة نوبل للسلام. لكن هذا لا يعني أنه مستعد لتحمل أكاذيب موسكو إلى ما لا نهاية، خاصة عندما تكون مختلطة بتهديدات بـ “حرب نووية”. ويبدو أن “إنذار بودابست” الذي وجهه بوتين قد أثار غضب ترامب – ودفعه إلى تفعيل العقوبات.

قد تكون الأهمية السياسية لهذه العقوبات أكثر خطورة من أهميتها الاقتصادية. “ترامب غاضب شخصيًا من بوتين” – هذه هي النتيجة التي سيتوصل إليها مودي وأوربان وغيرهم من “المتفهمين لبوتين وروسيا”. فالعلاقات الجيدة مع الرئيس الحالي للولايات المتحدة، بما في ذلك العلاقات الشخصية، مهمة بالنسبة لهم، كما هي مهمة للعديد من رؤساء الدول والحكومات الأخرى.

هل يمكن لترامب أن يغيّر غضبه إلى رضًا؟ نعم ممكن. لكن هذا يتطلب إما أن يغيّر بوتين نفسه ويوافق على الشروط الأمريكية، أو أن يشعر بلاط الكرملين بتهديد حقيقي لوجوده.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *