مشهدية غزة وحق عودتي المحتوم
نبيل السهلي – كاتب وباحث فلسطيني
4\3\2025
أبكتني كثيراً ألام أهالي غزة والتدمير المهول الذي خلفته آلة الحرب لدولة الإبادة الجماعية إسرائيل ، لكن ذرفت دموعي فرحاً لمشهدية عودة أهالي غزة إلى شمالها للسكن فوق ركام منازلهم وبمئات الآلاف يوم السادس والعشرين من كانون ثاني/يناير 2025، ويصرون في ذات الوقت على حق عودتهم إلى المناطق الذين هجروا منها عام 1948، الامر الذي دفعني للقول بأن العودة إلى قريتي، بلد الشيخ في قضاء حيفا، باتت محتومة جنباً إلى جنب مع عودة كافة اللاجئين الفلسطينيين، 7 ملايين لاجئ، إلى مدنهم وقراهم وليرفعوا أصوات الآذان وأجراس الكنائس بعد نحو 77 عاما من الطرد والتهجير والحرمان في فيافي الأرض.
ترانسفير ممنهج
نُعُوتٌ كثيرة لاحقت الفلسطينيين إثر نكبة 48 ونكسة 67، لاجئون ونازحون، ونازحون بينهم أعداد كبيرة من لاجئي عام 1948. تُعتبر عمليات طرد الفلسطينيين وتهجيرهم من وطنهم واحلال المهاجرين اليهود من دول العالم أحد ركائز الحركة الصهيونية ووليدها كيان الاحتلال “إسرائيل“، حيث يطلق مصطلح نازحين على المهجرين الفلسطينيين من الضفة والقطاع قسراً خلال عام 1967 وحتى العام الحالي 2024؛ لتمييزهم عن اللاجئين الفلسطينيين خلال عام 1948. وتجدر الإشارة إلى أن نسبة كبيرة من النازحين هم ذوو صفة مزدوجة، أي أنهم لاجئون ونازحون في الوقت نفسه. فقد كان بين نازحي 1967 أعداد من لاجئي 1948، ممن كانوا يقيمون في الضفة الغربية وقطاع غزة، من المخيمات من المنطقتين عشية التوسع الإسرائيلي في الخامس من حزيران /يونيو 67، واضطروا للهجرة للمرة الثانية؛ والغالبية منهم إلى الأردن، واعداد قليلة الى سورية، حيث بلغ عددهم هناك نحو 62 الف نازح حتى عام 2012، استطاع الكثير منهم العودة الى غزة بعد العام المذكور.
جريمة النكبة
تداعيات الاحتلال
في عام 1967 ونتيجة احتلال “إسرائيل” للضفة الغربية وقطاع غزة حصلت موجة نزوح كبيرة؛ حيث قام الجيش الإسرائيلي بطرد 460 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة، حسب معطيات الجامعة العربية وخاصة التقرير الصادر من صندوق النقد العربي في عام 1991، ونحو 230 ألفا منهم هم من لاجئي عام 1948، كانوا يقطنون المخيمات في الضفة والقطاع إبان احتلال إسرائيل للمنطقتين. اضطر معظمهم للنزوح إلى الأردن؛ وثمة 50% منهم من اللاجئين الذين كانوا يقطنون في مخيمات الضفة الغربية أو قطاع غزة، واضطروا للجوء مرة ثانية خلال أقل من عشرين عاما. وخلال السنوات التي أعقبت احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة استمرت عمليات النزوح إلى الأردن بسبب سياسات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي، فقد أدت أوامر الإبعاد العسكرية، وهدم المنازل والقرى الفلسطينية وغيرها من الممارسات، سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي إلى تهجير الآلاف من الفلسطينيين باتجاه الأردن خلال السنوات التي تلت الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في حزيران/يونيو 1967. كما أدت عمليات الطرد القسري إلى مجيء أعداد أخرى من الفلسطينيين إلى سوريا، ولا تتوفر معطيات إحصائية لأعداد هؤلاء المقتلعين الجدد؛ إلا أن بعض الباحثين الفلسطينيين قدروا مجموعهم في عام 2012 بنحو 62 ألف نازح فلسطيني كما اسلفنا؛ قدمت غالبيتهم إلى سوريا إثر الأحداث التي شهدها الأردن عام 1970، بين المقاومة الفلسطينية والحكومة الأردنية، ما لبث أن عادت أعداد غير موثقة منهم إلى قطاع غزة بعد عام 2012 نتيجة الحرب في سوريا وتدمير عدد كبير من المخيمات، وخاصة مخيم اليرموك عاصمة الشتات الفلسطيني. واستشهد منهم اعداد كبيرة خلال سنة ونصف من العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، ومنهم الصديق المؤرخ عبد الكريم الحشاش – أبو أحمد، وعائلة مراسل الجزيرة الصحفي مؤمن الشرافي.
وبناء على الإسقاطات الإحصائية فإن عدد النازحين من الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وصل إلى مليونين ونصف المليون نازح فلسطيني خلال العام الحالي 2025، نصفهم يحملون صفة لاجئ أيضاً؛ والنسبة الكبرى من النازحين الفلسطينيين يتمركزون في المدن الأردنية وثمانية مخيمات أنشئت في الأردن بعد عام 1967.
متى تنتصر الأمم المتحدة لآلام الفلسطينيين؟
قرارات دولية؟
يدخل ضمن مصطلح النازحين الفلسطينيين خمس فئات رئيسية هي:
الفئة الأولى: التي نزحت مع بدء العمليات العسكرية الاسرائيلية في حزيران /يونيو 67، وحتى بداية أول إحصاء إسرائيلي للسكان الفلسطينيين في شهر أيلول/سبتمبر من العام نفسه، وهي تشمل أيضاً سكان القرى الثلاث (عمواس، يالو، وبيت نوبا) التي أزالتها قوات الاحتلال من الوجود.
الفئة الثانية: وهي التي كان مكان إقامة أفرادها العادي والدائم في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وذلك لغاية ساعات الصفر في حرب 1967، ولكن كانوا لحظة وقوع العدوان خارج الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس بشكل مؤقت، لأغراض الدراسة أو العلاج أو العمل، ومنعتهم اسرائيل من العودة إلى وطنهم بعد احتلال الضفة والقطاع.
الفئة الثالثة: فتشمل جميع الأشخاص الذين حالت الأوامر العسكرية والإدارية الإسرائيلية دون عودتهم لمكان إقامتهم الدائم والشرعي في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وذلك رغم حصولهم على بطاقات الهوية الصادرة عن سلطات الاحتلال العسكرية، وخروجهم بتصاريح أو وثائق سفر إسرائيلية، انتهت مدتها دون أن يتمكنوا من العودة.
الفئة الرابعة: شملت كافة الأشخاص الذين أُبعدوا قسرًا إلى خارج الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، بأسلوب سافر ومعروف بحجج أمنية أو غيرها.
الفئة الخامسة والأخيرة: فتضمن ذرية وأنسال الفئات الأربع المشار إليها.
وأدارت إسرائيل ظهرها لكافة المطالبات بعودة النازحين من الضفة والقطاع رغم وجود قرارات دولية تدعو لعودتهم؛ ومنها القرارات رقم 262، و259، و258 وغيرها من القرارات التي في مضمونها تأكيد تام على تنفيذ قرار 237 الذي ينص على عودة النازحين وضمان أمنهم وسلامتهم، شأنها في ذلك شأن القرارات الدولية الداعية لعودة اللاجئين الفلسطينيين وفي مقدمتها القرار 194؛ ويتم التأكيد على تلك القرارات بشكل دوري، لكنها بقيت حبيسة رفوف المنظمة الدولية أسيرة ورهينة نظم الغرب وخاصة أمريكا.
ومن نافلة القول أن مشهدية غزة تؤكد بأن حق عودتي إلى قريتي بلد الشيخ في قضاء حيفا باتت امراً محتوماً جنباً إلى جنب مع كافة اللاجئين الفلسطينيين ولِيَعُد مستعمرو الوطن الفلسطيني إلى 110 دولة في العالم، هي أوطانهم الحقيقية في قارات العالم الأربعة.