من اتخذ قرار الحرب على إيران! ولماذا؟
حاتم استانبولي
24\6\2025
عُقد في العاصمة السويدية ستوكهولم بين ١٢- ١٥ حزيران الحالي الاجتماع السنوي لمجموعة بلدربيرغ التي تضم في عضويتها اقوى الشخصيات السياسية والاقتصادية والاعلامية والمالية.
مجموعة بلدربيرغ يمكن اعتبارها منظمة عالمية تحظى بحماية الحكومات الغربية، وهي أنشأت عام ١٩٥٤ من أجل تعميق التحالف الرأسمالي ما بين أوروبا وأمريكا الشمالية ومنع نشوب حرب عالمية جديدة ما بين الدول الرأسمالية ما بعد الحرب العالمية الثانية.
المدقق في أهدافها، من خلال مراجعة ما أمكن من معلومات متفرقة مسربة عن اجتماعاتها وأهدافها، فإنها تعتبر نفسها هي حكومة العالم السرية، وهي التي تضع السياسات العامة والأفكار للحكومات الغربية.
وتضم نواتها الصلبة ستة عشر عضوا من بينهم ديفيد روكفيلر وهنري كيسنجر وكارل بيلت (سياسي سويدي) وروبرت مردوخ مالك المجموعة الاعلامية الامريكية. والملفت للانتباه عند البحث عن أسماء تسعة من المدرجين تحت عنوان النواة الصلبة فلا تجد لهم اي أثر او معلومة خاصة بهم (من موقع ويكيبيديا).
ومن أهم متطلبات العضوية في هذه المجموعة أن تكون معادي للسامية ومؤيد للصهيونية.
الواضح من الإجراءات الامنية المشددة المتخذة عند انعقاد المؤتمر السنوي للمنظمة أنها تحظى بحماية من الحكومات الغربية بالرغم من أنها منظمة او مجموعة غير مسجلة بالمعنى القانوني ولا تصدر عنها أي وثائق رسمية أو تصريحات حول فحوى مؤتمراتهم أو نشاطاتهم بالرغم من أن هناك لجنة دائمة لها هي التي تقوم بالاتصال واختيار الحضور السنوي للشخصيات التي تشارك من خارج العضوية الاصلية.
فلسطين رأس الحربة في الدفاع عن الأمة: صمود أسطوري يواجه إبادة ممنهجة ومخططات تهجير خبيثة
وقد عُرف من بين المدعويين شخصيات من شركات مثل آي بي إم (IBM) وزيروكس ورويال داتش شل. كما ضم اجتماع 2009 الذي عُقد في أحد فنادق العاصمة اليونانية أثينا شخصيات مثل بياتريس ملكة هولندا، وصوفيا ملكة إسبانيا، ورؤساء وزراء اليونان وفنلندا ووزير الخزانة الأمريكي ورئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ورئيس البنك الدولي ورئيس المفوضية الأوروبية والسياسي العالمي سمير سفر. وقد تابع المذيع أليكس جونز العديد من اجتماعاتهم وصور لقطات للحاضرين ويؤكد هذا الشخص أن هيلاري كلينتون كانت من المدعوين لمؤتمر سنة 2009 في أحد الأفلام الوثائقية الخاصة به.
أوردت هذه المعلومات في المقدمة لفهم اهمية دور هذه المنظمة في تحديد السياسات الخاصة بالحكومات الغربية وتوابعها وملحقاتها من رؤساء وملوك موظفين من خارج العالم الغربي.
يبدو أن قرار الحرب على إيران اتخذ في هذا الاجتماع ونفذ بشكل مباشر من قبل حكومة نتنياهو.
قرار الحرب على إيران الذي نفذه نتنياهو هو قرار أبعد وأعمق وأوسع مما يشاع عنه بأنه يهدف الى احتواء او انهاء النظام في طهران.
انه مقدمة لإعادة ترتيب أوسع للنظام الرأسمالي العالمي وهو يسير بشكل تدريجي متصاعد بوتيرة فلنسرع ببطء في تقويض الجدران التي بنيت لِتُعيق السيطرة المطلقة للمنظومة الرأسمالية الغربية التي وضعت دعائمها ما بعد الحرب العالمية الثانية والتي بدأت تواجه تحديات جدية لتقويض هيمنتها من قبل تجمعات بديلة (بريكس) وسياسات شاملة وطنية تواجه النموذج الرأسمالي الصهيوني السائد.
إن ما تشهده الدول الغربية ما بعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ من انتقال تدريجي في الوعي الشعبي الذي بدأ يدرك الدور الإجرامي لإدارة الرأسمالية الصهيونية (اسرائيل) ويطالب بوقف دعم افعالها الاجرامية، في اشارة الى دور حكوماتهم التي تعمل بدرجة موظفين من الفئة الأولى في خدمة وتغطية الأفعال القذرة التي تنفذها إسرائيل وجيشها الصهيوني في فلسطين.
هذا التغيير في الوعي الشعبي كان أحد أبرز الاسباب للقرار المغامر الغير شرعي بإعلان الحرب على إيران، من أجل تحويل الانتباه عن ما يجري من مجازر وحشية في قطاع غزة والضفة الغربية.
السبب الرئيسي الثاني هو سبب متجدد يهدف الى إجهاض أية محاولات وطنية تحررية تهدف إلى الخروج من تحت العباءة الغربية عبر تطوير الإمكانيات الوطنية والاستثمار في عملية الإنتاج والتصنيع والتطوير التكنولوجي في كافة المجالات. فقد بدأوا بمصر التي أنشئت صناعة وطنية عامة في الفترة الناصرية، مرورا بليبيا التي حاولت أن تعمم الدينار الذهبي الأفريقي في خطوة كانت تهدف إلى إعادة بناء اقتصاديات الدول الافريقية وتخرجها من تحت السيطرة الاستعمارية الغير مباشرة، الى العراق الذي أسس لبناء دعائم معرفية وعلمية لنهضة وطنية في كافة المجالات، إلى سوريا التي كانت استثناء في البناء الصناعي والزراعي والعلمي الوطني.
اما عن إيران فان الحرب عليها كان لأهداف مركبة ومتداخلة بين الوطني والاقتصادي والسياسي والديني.
اقتصاديا شكلت إيران تحدي في ادارة اقتصاد الحرب في كافة المجالات وتجاوز كافة الصعوبات التي فرضت عليها عبر العقوبات الشاملة المتتالية منذ انتصار الثورة الايرانية وبنت اقتصادا وطنيا يعتبر نموذجا لاقتصاد المواجهة معزز ببنية علمية تكنولوجية وطنية.
سياسيا حددت إيران منذ انتصار الثورة أن عدوها الوحيد هو الكيان الصهيوني، رأس حربة الشيطان الأكبر، ونقلت موقف إيران من حليف للغرب واسرائيل الى عدو لدود لهم ونسجت جسور مع شعوب المنطقة التي تحمل ذات البعد السياسي في موقفها لعدوانية اسرائيل المدعومة من الغرب وفي مقدمتهم حكومة الولايات المتحدة. هذا التلاقي وضع الحكومات العربية في تصادم مع شعوبها وقرأت في الموقف الإيراني على أنه تحريض على مواقفها التطبيعية مع اسرائيل العدوانية المجرمة وكشفت العلاقة العضوية مع اسرائيل في إطار المنظومة الرأسمالية الصهيونية.
استمرار الموقف السياسي الإيراني الذي يحمل بعدا دينيا شكل عامل ضغط على الحكومات العربية التي تدعي الاسلام.
الموقف الديني الإسلامي للقيادة الايرانية أعطى بعدا وطنيا تحريريا لدور الدين الإسلامي وربط مفهوم المظلومية لأهل البيت بمظلومية الشعب الفلسطيني الذي يعاني من جرائم اداة الرأسمالية الصهيونية على مدى أكثر من مائة عام.
التضليل الذي يطلق من قبل الغرب أن الهدف من العدوان ليس تغيير النظام هو تلاعب وكذب تقوم به الادارة الامريكية وحليفاتها.
المواجهة الإسرائيلية الإيرانية المباشرة … تداعيات التصعيد ومستقبل العالم العربي والشرق الأوسط
الهدف النهائي للعدوان هو تغيير النظام السياسي في إيران بجوهره الاقتصادي الوطني السياسي لأنه بكل وضوح يعبر عن الشكل النقيض للنظم التابعة التي لا تملك اية سيادة وطنية او اقتصادية او دينية تعبر عن جوهر الدين الإسلامي المتعارض مع الاستغلال والاضطهاد والرَبَوية التي دَفَعَت وبكل وقاحة وزير المال الإسرائيلي الصهيوني المجرم ان يطالب انظمة الخليج في دفع تعويضات الحرب على إيران، هذه الدعوة تعبر عن مستقبل العلاقة مع دول الخليج. إذا ما تغير النظام في إيران ستصبح تابعة لتل أبيب بدلا من واشنطن وستدفع الإتاوات لحكومة الاجرام في تل أبيب التي ستمرر قسما منها لدعم أصدقائها في الولايات المتحدة لتشريع افعالها الاجرامية.
تصريحات نتنياهو التي توسعت من تغيير وجه الشرق الأوسط إلى تغيير وجه العالم يعني أن الدور سيكون ما بعد إيران على الجزائر ومن بعدها على الدول التي تساند عدالة القضية الفلسطينية. هذه التصريحات هي إعلان واضح لا لبس فيه على المهمة الموكلة لأداة الرأسمالية الصهيونية ومؤسساتها الاقتصادية والمالية والسياسية وموظفيهم في الحكومات الغربية وتوابعها وعملائها.
هذا التغيير الذي وضع أسسه ومهماته الاجتماعات السنوية لمنظمة بلدربيرغ، التي تَبِعَ اجتماعها السنوي ما بين ١٢-١٥ حزيران ٢٠٢٥ إعلان الحرب على إيران وتسارعت الدول السبع للاجتماع في كندا لِتطلق دعمها وتغطيتها السياسية والعسكرية لحرب أداتها على إيران في تحدي واضح للقانون الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة.
الواضح أن السياسة الرأسمالية الصهيونية بدأت منذ انهيار الاتحاد السوفييتي سياسة منهجية لتقويض دور الأمم المتحدة وميثاقها وتشكيل أُطر موازية لتشريع ممارساتها العدوانية مثل G20 وG7، والمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي ومؤسساته ومجلس التعاون الخليجي.
الإدارة الأمريكية وأداتها الوسخة إسرائيل يعملان على تنفيذ سياسات المركز الرأسمالي الصهيوني الممثل بالشركات العابرة للقارات التي تستخدم مقدرات الشعوب ودولهم من أجل بسط هيمنتها الاستغلالية العدوانية لتقويض قيم العدالة الإنسانية.
العربية 
Українська