هل ينجح اجتماع السعودية بوضع نهاية للحرب في اوكرانيا؟
د. سعيد سلّام – مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية
2/8/2023
أفادت عدة وسائل إعلام غربية هذا الأسبوع أن المملكة العربية السعودية ستستضيف في مطلع شهر آب اجتماع حول تسوية الحرب في أوكرانيا، والذي دُعي إليه دول “الجنوب العالمي” (المصطلح الذي يشير الى دول العالم الثالث والدول النامية).
وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” سيعقد الاجتماع في الفترة من 5 إلى 6 أغسطس في جدة. وقد بادر الى عقد الاجتماع الدول الغربية وأوكرانيا، ومن بين المدعوين البرازيل وجنوب أفريقيا والهند ومصر وعدد من الدول الأفريقية والآسيوية. من جانب المنظمين، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وأوكرانيا، ستحضر بولندا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي (ككيان منفصل).
وفقًا لـ “وول ستريت جورنال” سيعقد الاجتماع “كجزء من جهود الغرب لجذب دول الجنوب العالمي” لدعم أوكرانيا. وجاء في المقال أن “واشنطن وأوروبا تأملان في أن تؤدي المفاوضات التي تستبعد روسيا إلى دعم دولي لشروط السلام لصالح أوكرانيا”.
وكمتابعة لهذه الجهود، تخطط الدول الغربية في نهاية العام لعقد قمة على مستوى رؤساء وملوك الدول، يتم خلالها التوقيع على إعلان معين مع دول “الجنوب العالمي” حول دعم السلام بشروط أوكرانيا. ومن المقرر استخدامه في الغرب كحجة في مفاوضات مفترضة وممكنة حول تسوية سلمية مع روسيا.
وأكد أندريه يرماك، مدير مكتب الرئيس الاوكراني، العمل على عقد الاجتماع في جدة. وأشار إلى أنه خلال هذا الحدث “يجب أن تؤخذ خطة السلام الأوكرانية كأساس”. وذكر أيضًا أن أوكرانيا تستخدم هيكلًا من ثلاث مراحل لتنفيذ “صيغة السلام” الأوكرانية المكونة من عشر نقاط التي طرحها الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي. وحدد يرماك هذه المراحل كالتالي: “المرحلة الأولى هي اجتماعات مع السفراء المعتمدين في أوكرانيا، مكرسة لدراسة مفصلة لكل نقطة من نقاط صيغة السلام. المرحلة الثانية – تبدأ أوكرانيا اجتماعات مستشاري الأمن القومي بحثًا عن الصيغ والآليات المثلى لتنفيذ خطة السلام الأوكرانية. المرحلة الثالثة الاتفاق على صيغة السلام ستكون القمة العالمية التأسيسية على مستوى زعماء الدول والتي يمكن ان تعقد قبل نهاية العام “.
وقد لقيت المبادرة لعقد اجتماع حول السلام في جدة الترحيب والإشادة من قبل بعض الدول، على وجه الخصوص، حظي هذا الحدث بدعم من وزارة الخارجية الإيرانية.
هنا يجب التنويه ان اختيار السعودية لعقد هذا الاجتماع جاء باعتبارها دولة محايدة في الحرب وعلى علاقات جيدة مع الدول الغربية وروسيا والصين، مما سيساهم في حضور دول مثل الصين والهند وجنوب افريقيا والبرازيل، التي حافظت على علاقات جيدة اقتصادية وسياسية مع النظام الروسي. ويأتي عقد الاجتماع في جدة، في الغالب، في إطار توافق مسبق بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس الاوكراني فولوديمير زيلنسكي، والرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي قام بزيارة رسمية الى المملكة العربية السعودية قبل أيام قليلة من نشر المعلومات حول عقد الاجتماع. ان عقد هذا الاجتماع في المملكة العربية السعودية يشير بشكل واضح الى عمل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على ان تلعب السعودية دور أكبر في الملفات الدولية، وعلى رفع أسهمه ومكانته الدولية، خصوصا بعد توقيع الاتفاقية السعودية – الإيرانية برعاية صينية، وزيادة التوترات مع الكرملين بسبب عدم التزامهم بخفض صادرات النفط في إطار توافقات اوبيك بلس.
السؤال الأهم الذي يتم طرحه حاليا: هل سنشهد اختراقا يؤدي الى انهاء الحرب الروسية على أوكرانيا؟
انطلاقا من المعلومات المتوافرة حتى الان يمكن الوصول الى عدة استنتاجات:
الاستنتاج الأول والواضح أن الولايات المتحدة وأوكرانيا وحلفاؤها يسعون إلى حشد دعم دول “الجنوب العالمي” في المواجهة ضد روسيا وتحقيق النصر عليها في الحرب في أوكرانيا. والسيناريو المثالي هو أن تنضم دول آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية إلى العقوبات المفروضة على روسيا، وفرض حصار تجاري كامل على روسيا والتعبير عن دعمها المطلق لـ “صيغة السلام” الاوكرانية، والتي يمكن اختصارها بالمطالبة بالانسحاب الروسي الكامل وغير المشروط من الأراضي الأوكرانية المحتلة مع دفع تعويضات، لاحقا، للدولة الأوكرانية.
الاستنتاج الثاني، الذي لا يقل وضوحًا، هو أنه من غير المرجح أن تحقق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا هذا الهدف. خلال السنوات الماضية، وخصوصا خلال السنة والنصف الماضية من الحرب، لم نشهد ابتعاد دول “الجنوب العالمي” عن روسيا، بل على العكس من ذلك، شهدنا تقاربا معها.
رغم الادانات اللفظية للحرب الروسية على أوكرانيا واتخاذهم موقف المحايد، لكن الأقرب الى روسيا، والمواقف الداعمة لأوكرانيا خلال التصويت في الأمم المتحدة، وفي ظل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، أصبحت الهند أكبر مستورد للنفط الروسي، حيث تقوم بشرائه بتخفيضات كبيرة، لتتحول الى مصفاة للنفط الروسي. والصين، وفقًا لكثير من وسائل الإعلام والتأكيدات الروسية، بالإضافة الى شرائها كميات كبيرة من النفط الروسي، تقوم بتزويد روسيا بالإلكترونيات وغيرها من المواد اللازمة لتصنيع المعدات العسكرية. اما إيران فهي تزود روسيا بالطائرات الانتحارية المسيرة من طراز “شاهد”، وتقنيات إنتاجها، حيث تم انشاء مصنع لتجميع هذه الطائرات في تتارستان. اما دول الـ “بريكس” فهي تعمل على إنشاء وحدة نقدية مشتركة (بما في ذلك مع روسيا) من اجل التبادل التجاري الدولي بديلا عن الدولار، في محاولة منها لتوجيه ضربة قوية لهيمنة الدولار الأمريكي. اما البرازيل فقد دعت أوكرانيا للتنازل عن بعض أراضيها لروسيا لإيقاف الحرب. والسعودية، التي من المفترض أن تستضيف اجتماع السلام، تتفاوض وتنسق مع روسيا في إطار “اوبيك بلس” حول شروط الإنتاج والتصدير التي تسمح بالحفاظ على الأسعار العالمية للنفط مرتفعة، رغم وجود بعض الخلافات بينهما.
كل هذا تفعله دول “الجنوب العالمي”، بالطبع، ليس بدافع “الحب الكبير” لروسيا، ولكن فقط لأسباب تتعلق بالفوائد الاقتصادية والسياسية التي تجنيها.
هذا هو السبب في أنه سيكون من الصعب جدا، او المستحيل عمليا، إقناعهم بمواقف الغرب في مسألة الدعم المطلق لأوكرانيا. قد يكون الاستثناء الوحيد هو بعض الدول الأفريقية الصغيرة وأمريكا اللاتينية، حيث يمكن للولايات المتحدة ببساطة أن تهدد بعدم تقديم قرض جديد من صندوق النقد الدولي. وهذا بعيد كل البعد عن الواقع، لأنه يمكنهم اليوم الحصول على قرض من الصين.
في الواقع، هذا هو السبب في أن الاجتماع السابق في كوبنهاغن، بصيغة مماثلة، انتهى بدون تحقيق نتائج ايجابية. وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، فقد “تم الكشف عن خلافات خطيرة بين مواقف أوكرانيا ودول الجنوب حول قضية التسوية السلمية”. تطالب كييف بدعم لا لبس فيه وغير مشروط لـ “صيغة السلام الاوكرانية”، في حين أن جميع خطط السلام العديدة التي اقترحتها الصين والبرازيل وجنوب إفريقيا ودول أخرى تتضمن خيارًا أو آخر لتجميد الصراع على طول خط الترسيم الحالي.
وأخيراً، فإن السبب الرئيسي الذي يجعل اجتماع السلام في السعودية مهماً، من ناحية، ومحكوماً عليه بعدم التوصل الى نتائج حاسمة بشكل شبه مؤكد، من ناحية أخرى، هو المصلحة الموضوعية لبلدان ما يسمى “الجنوب العالمي” في إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، وهو ما تدعو له روسيا عبر دعايتها الإعلامية الموجهة نحو دول العالم الثالث، التي خضعت سابقا لاحتلال الدول الغربية، و تعاني حاليا من هيمنتها الاقتصادية و السياسية. حيث تنظر الكثير من هذه الدول الى الحرب بين روسيا وأوكرانيا من منظار حرب الغرب من أجل الحفاظ على القطبية الأحادية. وينظرون الى مطالب الغرب، من الصين أو جنوب إفريقيا أو البرازيل دعم أوكرانيا والمساعدة في هزيمة روسيا، بالشكل التالي: “ساعدونا في التعامل مع روسيا اليوم حتى نتمكن من الحفاظ على الهيمنة على العالم، وغدًا سنتعامل مع كل واحد منكم على حدة في نفس الطريقة”. الجنوب العالمي يفهم هذا جيدًا. لذلك هو يتخذ خطوات يسعى من خلالها للحصول على أكبر قدر من الفائدة السياسية والاقتصادية. وأيضا تسعى الصين الى استغلال الحرب لاستنزاف جميع الأطراف، ومنع انتصار طرف على اخر، في ظل مطامعها في ضم تايوان مستقبلا.
انطلاقا من كل ما ذكر أعلاه فإن فرص نجاح “اجتماع السلام” السعودي، في حصول اختراق نوعي يؤسس الى جلوس الطرفين الى طاولة المفاوضات، خادعة. لكن هذا الاجتماع مهم أيضا من اجل تبادل الآراء والتباحث، مما قد يؤدي مستقبلا للوصول الى صياغات تسمح بإحداث توافق عالمي لعقد “قمة السلام” نهاية هذا العام.
وحتى ذلك الوقت فان الحوار الحقيقي الوحيد الذي سوف نسمعه هو صوت المدافع على الجبهة في ظل الهجوم الاوكراني المضاد.