الجزائر وسيط بين روسيا وأوكرانيا؟

الجزائر وسيط بين روسيا وأوكرانيا؟

د. سعيد سلام

مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية

17/5/2023

أظهر الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، مؤخرا نشاطا سياسيا خارجيا كبيرا، وفي اتجاهات مختلفة – من تصريحات مشتركة مع رئيس إيران، إبراهيم رئيسي، حول جبهة مشتركة ضد الصهاينة إلى مقترحات للعمل كوسيط في الحرب بين روسيا وأوكرانيا. إذا كانت المحادثة الهاتفية مع الرئيس الإيراني والتصريحات مبنية على التمني التقليدي لهذا النوع من التصريحات، فإن عرض الوساطة بين روسيا واوكرانيا، مهما بدا غريباً، يستحق الاهتمام به.

قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في 22 مارس الماضي، أن بلاده مؤهلة للقيام بدور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا، مضيفاً أن “الجزائر من الدول القليلة التي لها مصداقية كافية، لإجراء وساطة في الأزمة الأوكرانية”. يعتقد البعض ان الجزائر تُضيف خطوة أخرى في “التوازن” الذي تحاول تكريسه إزاء الموقف من الوضع المتأزم في أوكرانيا، حيث كانت الخطوة السابقة لها هي إعادة افتتاح سفارتها في العاصمة الأوكرانية كييف. ويبدو أن مثل هذا “التوازن” الذي يتم الحديث عنه، يُثير التساؤل حول الدوافع الجزائرية وراء السعي للقيام بالوساطة، فهو، في الوقت نفسه، يأتي ضمن محاولة تحقيق “خطوة استراتيجية”، تخدم مصالح الجزائر، وتُفعِّل من النهج المرن الذي تتبعه في سياستها الخارجية، لا سيما قبيل زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس تبون إلى موسكو، في مايو القادم. فهل تستطيع الجزائر لعب دور الوسيط بين الطرفين المتحاربين؟

للإجابة على هذا السؤال، يجدر النظر عن كثب في: موقف الجزائر الفعلي من الحرب الروسية على أوكرانيا.

مع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير 2022، أعلنت الجزائر أن “سياستها الخارجية تقوم على عدم الانخراط في أي نزاع”، مُتهمةً بعض الأطراف التي لم تُسمها “بمحاولة إقحام البلاد في النزاع”، مؤكدةً أن “أولويتها تتمثل في حماية رعاياها بالخارج”، في محاولة لتبني “نهج متوازن” بين المحاور الدولية المختلفة، خصوصاً مع ارتباط الجزائر بعلاقات استراتيجية بطرفي النزاع، سواء المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة والدول الأوروبية، أو روسياويبدو أن هذه المقاربة حاولت التمسك بالنسق الخاص للسياسة الخارجية الجزائرية على مدار عقود، لكنها لم تَحُل دون سعي الجزائر لتحقيق بعض المكاسب الاستراتيجية التي تخدم مصالحها وتُحيي تحالفاتها الخارجية وتُعظم مكاسبها.

أثناء التصويت في الجمعية العامة على القرارات حول الحرب الروسية على أوكرانيا، امتنع ممثلو الجزائر تقليديًا عن التصويت أو تغيبوا عن التصويت. وبرر ممثل الجزائر بالأمم المتحدة قائلاً إن “هذا الموقف يأتي انطلاقاً من مواقف الجزائر المبدئية فيما يتعلق بتعزيز النظام المتعدد الأطراف والحفاظ عليه، وتماشياً مع التزامها بتطوير العلاقات الودية بين الدول، على أساس التعايش السلمي والتسوية السلمية للنزاعات والاحترام المتبادل للالتزامات الدولية والضمانات الأمنية”.

أظهرت الجزائر، وهي الدولة العربية الوحيدة، بخلاف سوريا الأسد الخاضعة للسيطرة المسلحة الروسية والإيرانية، ما يعتبره البعض “ضبط النفس” او “توازن”، في حين تصوت بقية الدول العربية في الغالب لصالح القرارات المؤيدة لأوكرانيا بإيجابية. في ذات الوقت تنتشر الدعاية الروسية بنشاط في الجزائر، وتدعم وسائل الإعلام المحلية، في الغالب، روسيا في الحرب ضد أوكرانيا. واتساقاً مع موقفها المعلن من الحرب، تجنبت الجزائر الانضمام إلى منظومة العقوبات الغربية على موسكو، وهو ما كشف عن رفض ممارسة العزلة الدولية على روسيا.

بالإضافة الى ذلك فقد قدمت الجزائر طلبا للانضمام الى منظمة “بريكس”، التي تضم كل من البرازيل وروسيا والهند والصين بالإضافة الى جنوب افريقيا، والتي تم تأسيسها عام 2006 في ظروف عالمية مختلفة تمامًا، اذ كانت روسيا آنذاك جزءًا من الاقتصاد العالمي، ودعمت الصين علاقات جيدة تمامًا مع الولايات المتحدة، وكانت الهند والبرازيل تحاولان دخول أسواق جديدة. حينها كانت الصين والهند تخططان كي تصبحا الموردين الرئيسيين للسلع والخدمات الصناعية، في حين تكون البرازيل وروسيا – المورّدون المهيمنون للمواد الخام في الاقتصاد العالمي. نظريًا ينبغي إدراج الجزائر، أحد المُصدِّرين الرئيسيين للنفط والغاز، في قسم المواد الخام في مجموعة الـ “بريكس”، أي في مجموعة فرعية تشمل البرازيل وروسيا. على الرغم من أن السياسيين والخبراء يذكرون في كثير من الأحيان أن دول الـ “بريكس” تحتل ربع مساحة الكوكب، حيث يتركز 40 ٪ من السكان، إلا أن هذه الإمكانات الهائلة لم تتحقق بعد.

بناءً على هذه الاعتبارات، يبدو اقتراح الجزائر غريبًا بالنسبة للأوكرانيين. كيف وبأي طريقة يمكن لدولة تتعاون بشكل وثيق مع موسكو أن تعمل كوسيط؟ لذا في الغالب فان هناك اعتبارات أخرى تدفع الجزائر للسعي الى طرح إمكانية لعب دور الوسيط في الأزمة الأوكرانية، يتمثل أبرزها في:

الصراع الجزائري المغربي:

الجزائر في صراع دائم مع المغرب، ويتنازعون على ملكية الصحراء الغربية. هذا صراع قديم يعود إلى زمن الاتحاد السوفيتي، عندما قام السوفييت ببناء القوات المسلحة الجزائرية وتدريب الضباط. في السنوات الأخيرة، شاركت وحدات من الجيش الجزائري في مناورات عسكرية في روسيا، وحتى وقت قريب كان يتم تزويد هذه الجمهورية الشمال إفريقية بالأسلحة الروسية، حيث وقعت الجزائر في العام 2021 صفقات سلاح تجاوزت قيمتها 7 مليارات دولار مع روسيا، فضلاً عن أن روسيا اختصت الجزائر ببعض المقاتلات التي لم تُصدرها لأي دول أخرى مثل “سوخوي 57”. وفي ظل اهتمام الجزائر، لاعتبارات استراتيجية وأمنية عديدة، بالتطورات التي تشهدها الدول من الأزمات، لا سيما تلك التي تقع في نطاق جوارها الجغرافي، على غرار ليبيا ومالي. فان هذا ينعكس في الجهود التي شاركت فيها من أجل الوصول إلى تسويات لهذه الأزمات بهدف تعزيز حالة الأمن والاستقرار في تلك الدول.

لذا في الغالب فان الجزائر تسعى إلى استقطاب الدعم الدولي لها في قضية الصحراء الغربية واطروحاتها في الازمات الاخرى، خاصة في ظل تعدد الاطروحات التي يتم تداولها، نتيجة تباين رؤى ومصالح القوى المعنية بهذه الأزمات. لذلك يبدو ان الجزائر تحاول استثمار موقفها بين روسيا والدول الغربية لتحقيق ذلك، لا سيما في ظل ما تكتسبه التطورات في ليبيا ومالي من اهتمام خاص من جانب تلك الأطراف.

قطاع الطاقة الجزائري

بالنسبة للجزائر، يبدو أن مجموعة “بريكس” مثيرة للاهتمام كهيكل منفصل يدعم تواجدها في السوق العالمية، حيث أن الانخراط في الاقتصاد العالمي صعب على الجزائر. على مدار 60 عامًا من الاستقلال، شكلت الدولة نظامًا بيروقراطيًا صارمًا للإدارة الاقتصادية مع وجود قطاع عام مهيمن، وبنية تحتية ضعيفة، وأنظمة مصرفية وضريبية متخلفة. لكن يمكن للجزائر الاعتماد على التخفيضات والتفضيلات في تصدير النفط والغاز، وهو أمر واقعي تمامًا في سياق العقوبات المفروضة على روسيا.

من ناحية أخرى ساهمت تداعيات الحرب في أوكرانيا على أسواق النفط والغاز، في توجه الأنظار الدولية، خصوصاً الأوروبية، إلى ضفة البحر الأبيض المتوسط الجنوبية، وهو ما زاد من أهمية الجزائر الاقتصادية لأوروبا، ليس فقط بصفتها مورداً للغاز إلى إيطاليا وإسبانيا ودول جنوب أوروبا؛ ولكن أيضاً باعتبارها طرفاً رئيسياً في سوق الغاز، كونها تحتل المركز الثالث في إمداد أوروبا بالغاز، وأصبحت الجزائر، اعتباراً من 26 مايو الماضي، “الموزع الحصري للغاز الجزائري في أوروبا”، وحققت خلال العام الماضي ارباحا فاقت 50 مليار دولار من تصدير موارد الطاقة، مما دفعها الى التفكير في طرح نفسها كـ “قوة متوسطية ذات نفوذ”، مستندة في ذلك إلى علاقاتها الجيدة مع الأطراف الأوروبية الفاعلة. لذلك من الواضح أن الإجابة على سؤالنا يجب البحث عنها في اتصالات الجزائر المتنامية مع الاتحاد الأوروبي.

اذ بدأ اهتمام الاتحاد الأوروبي بتطوير العلاقات مع الجزائر، باعتبارها مصدراً آمناً للحصول على الطاقة، جلياً في الزيارة التي قام بها رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، في 5 سبتمبر الماضي، إلى الجزائر، والتي التقى خلالها الرئيس تبون وبحث معه العديد من الملفات، أهمها إمكانية توريد الجزائر المزيد من الغاز إلى أوروبا. والملاحظ، أن هذه الزيارة جاءت بعد 10 أيام من زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبعد أسابيع من زيارة قام بها رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراجي، وقد كررت رئيسة الوزراء الإيطالية الحالية جورجيا ميلوني الزيارة، في 24 يناير الماضي، وقد كان ملف الحرب الأوكرانية وملف أزمة الطاقة محور المباحثات التي أجريت خلال هذه الزيارات.

في 13 مارس الماضي، زار الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، العاصمة الجزائر والتقى مع الرئيس الجزائري. وكان الموضوع الرئيسي للمفاوضات بين الرئيس الجزائري ورئيس الوزراء والسياسي الأوروبي يتعلق بشكل أساسي بنقل الغاز الى أوروبا. علاوة على ذلك، نحن لا تحدث فقط عن شراء الغاز الجزائري، ولكن أيضًا عن إمكانية الاستثمارات الأوروبية في نقل الغاز عبر خط أنابيب الغاز عبر الصحراء من نيجيريا والنيجر. على خلفية التهديدات الحالية من الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الجزائر بسبب دعم الأخيرة لروسيا في الحرب، تمنح زيارة بوريل السياسيين الجزائريين فرصة للاعتماد على موقف الاتحاد الأوروبي في مناقشاتهم السياسية حول عدد من القضايا. من الواضح أنه خلال الزيارة، ناقش الطرفان الوضع في أوكرانيا. وحسب المعلومات المتوفرة فإن جوزيب بوريل اهتم بموقف الجزائر من الحرب واقترح عليهم التفكير في موقف أكثر توازناً، ودعا الجزائر في تصريحاته إلى “الرمي بكل ثقلها للمساهمة في حل أزمة الحرب الروسية – الأوكرانية”. من الواضح أن بوريل ليس المسؤول الأوروبي الأول وليس الوحيد الذي دعا الجزائر إلى التدخل للعب دور الوساطة، وإن كان الأكثر علانية في هذا الصدد.

علاقة الجزائر مع الدول الغربية

يجد المتابع للسياسات الجزائر في عهد الرئيس عبد المجيد تبون انها تستهدف بشكل رئيسي “تنويع التحالفات الخارجية” للجزائر، وتجاوز فكرة التبعية للمحور الغربي وخصوصاً فرنسا، وهو النهج الذي ساد خلال حقبة الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة. وقد سعت الجزائر في هذا السياق إلى زيادة التقارب العسكري مع روسيا، وهو التقارب الذي كانت آخر تجلياته متمثلةً في التمارين التكتيكية التي عقدتها بحرية البلدين خلال شهر أكتوبر الماضي، تمهيداً لعقد مناورات مهمة تحت مسمى “درع الصحراء” في شهر نوفمبر بالقرب من الحدود مع المغرب. وكانت الجزائر قد شاركت أيضا بنحو 100 جندي في مناورات “فوستوك 2022” العسكرية، التي جرت في أقصى الشرق الروسي، وهي تمارين سنوية يشارك فيها حلفاء موسكو المقربون.

كذلك يلاحظ البعض ان الجزائر كانت تسعى دائما الى الابتعاد عن محور الولايات المتحدة الأمريكية في الساحة الدولية، وخصوصا فيما يخص القضية الفلسطينية و ثورات الشعوب العربية التي يطلق عليها اسم “الربيع العربي”، إلا أن تحسن علاقات الجزائر مع الدول الغربية، وتحديداً مع الولايات المتحدة الأمريكية، قد جاء عبر التعاون مع الاستخبارات الامريكية وتوفير معلومات استخباراتية، وتقديم المساعدة في العمليات ضد تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، ولاحقاً تنظيم “داعش”، مما أدى الى حدوث ارتدادات إيجابية عديدة عليها، مثل المشاركة في تدريبات عسكرية مشتركة مع بعض تلك الدول، على سبيل المثال التدريب البحري الذي نفذته بالمشاركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، في 19 سبتمبر الماضي، والذي نظم بمقتضى برنامج التعاون العسكري بين الدولتين للعام الماضي.

يأتي هذا التحسن في العلاقات مع الغرب بشكل عام، في ذات الوقت الذي تسعى فيه السياسة الخارجية الروسية الى جذب القارة الافريقية الى جانبها وتشكيل محور عالمي مضاد لتوجهات الولايات المتحدة ودول “الغرب الجمعي” وما تسميه روسيا “الهيمنة الغربية” على العالم، في ذات الوقت الذي يتزايد فيه النفوذ الروسي الأمني والعسكري في عدة دول افريقية عبر ميليشيات شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة. لذلك تبدي روسيا اهتماماً خاصاً بتطوير علاقاتها الثنائية مع الجزائر، لا سيما في ظل الدور الإقليمي الذي تمارسه، خاصة على مستوى منطقة الساحل والصحراء، وهو ما يبدو جلياً في استعداد روسيا لاستقبال الرئيس تبون خلال الزيارة التي سيقوم بها في مايو القادم، مما يسمح بتوسيع حرية الحركة المتاحة أمام الجزائر على الساحة الدولية وربما يساعدها في استقطاب دعم لمبادرتها الجديدة إزاء الأزمة.

لا يمكن عزل التحركات الجزائرية في الملف الأوكراني عن معادلة العلاقات الجزائرية الغربية، إذ يبدو أن الجزائر تستخدم الملف الأوكراني وتداعياته، وكذلك العلاقات مع روسيا، من أجل إدارة العلاقات مع الدول الغربية، وخصوصاً مع التوترات التي شهدتها هذه العلاقات خلال السنوات الأخيرة. ولعل النموذج الأبرز على ذلك العلاقات الجزائرية – الفرنسية.

كما تعد روسيا ورقة مهمة بالنسبة للجزائر في علاقاتها مع الولايات المتحدة، وخصوصاً أن الجزائر تعتقد أن واشنطن اتخذت سياسات منحازة للمغرب خلال السنوات الأخيرة، كما تواجه الجزائر بين الحين والآخر انتقادات من قبل السياسيين الأمريكيين، فعلى سبيل المثال، تقدم 27 عضواً من أعضاء الكونجرس الأمريكي بقيادة العضوة الجمهورية ليزا ماكلين، في 29 سبتمبر 2022، برسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يطالبونه فيها بتفعيل قانون “مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات”، الذي أقره الكونجرس في عام 2017، وذلك من أجل فرض عقوبات على الجزائر بسبب تعاونها العسكري مع روسيا.

كيف يمكن ان يكون الموقف الروسي؟

في الوقت الذي يبدو فيه أن روسيا لا تمانع في قيام الجزائر بممارسة دور الوسيط، خاصة في ظل النهج الذي تلتزم به الأخيرة منذ بداية اندلاع الحرب، فضلاً عن أن هذا الدور يمكن أن يساعد، في رؤية تصورات جديدة، في الوصول إلى تسوية تستوعب مصالح موسكو، خاصة أن ذلك يتوازى مع تصاعد حدة الضغوط التي تتعرض لها الأخيرة بسبب العقوبات التي فرضتها الدول الغربية عليها بعد شنها حربا شاملة ضد جارتها الأوكرانية بعد احتلال شبه جزيرة القرم ومحاولة احتلال إقليمي دونيتسك ولوغانسك عبر انفصاليين مدعومين من طرفها في عام 2014.

كيف يمكن أن يكون موقف أوكرانيا في هذه الحالة؟

خلال الحرب، عرض العديد من السياسيين خدمات الوساطة الخاصة بهم، لكن لسوء الحظ، لم يكن لدى معظم هذه المقترحات أفكار حقيقية غير الفكرة التقليدية – وقف الأعمال العدائية. مثل هذه المقترحات تعمل لصالح روسيا، حيث أن الحرب مستمرة على الأراضي الأوكرانية وأي تجميد للنزاع سيؤدي إلى تثبيت الاحتلال. يعاني الأوكرانيون في الأراضي المحتلة من معاملة غير إنسانية، ويتم إعدامهم دون محاكمة أو تحقيق، ومصادرة ممتلكاتهم. أطفال أوكرانيون مخطوفون. إذا كانت الجزائر تريد حقًا المساعدة وفي نفس الوقت تحسين وضعها على الساحة العالمية، يجب على هذا البلد أن يختار جانبًا ويعارض بشكل قاطع استمرار الحرب. الاقتراح الحقيقي الوحيد هو انسحاب القوات الروسية إلى الحدود المعترف بها دوليًا عام 1991. لا توجد خيارات أخرى امام الجانب الاوكراني، وليس هناك إمكانية للتراجع عن الأهداف التي وضعتها القيادة السياسية الأوكرانية في تحرير جميع الأراضي الأوكرانية والعمل في إطار مبادرة “النقاط العشر” للسلام التي طرحها الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي، وصوتت عليها فعليا الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 فبراير 2023 بأغلبية 141 صوتا.

خاتمة:

تسعى الجزائر الى تفعيل دورها إقليمياً ودولياً، حيث تحاول الاستفادة من علاقاتها مع موسكو في القضايا الإقليمية المهمة بالنسبة لها، وذلك على غرار قضية الصحراء المغربية! فالجزائر تحاول استدعاء الدور الروسي كدور موازن لأدوار الدول الغربية المختلفة في قضية الصحراء، وخصوصاً أن الشهور الماضية شهدت تعبير بعض الدول، مثل إسبانيا، عن دعمها الموقف المغربي، كما يبدو أن ثمة تقارباً في وجهات النظر بين موسكو والجزائر حول ضرورة إعادة دمج النظام السوري في السياق العربي.

كذلك يمكن القول إن الجزائر احدى القوى الدولية التي تستثمر الحرب الروسية على أوكرانيا من أجل تعظيم دورها في المشهد العالمي، خصوصاً مع تحول الجزائر إلى مصدر طاقة آمن ومحتمل بالنسبة للدول الغربية، في ضوء ما تملكه البلاد من احتياطات طاقة كبيرة، تمثل بديلاً للغاز الروسي. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *