سقوط ليسيتشانسك: هل يمتلك الجيش الروسي القوة الكافية لتحقيق الاختراق التالي؟

د. سعيد سلّام

6/7/2022

بعد أسبوع من مغادرة آخر مقاتلي الجيش الاوكراني لسفيرودونتسك، احتلت القوات الروسية مدينة ليسيتشانسك، آخر مدينة كبيرة في اقليم لوغانسك التي بقيت تحت سيطرة كييف مع بقاء بعض القرى في محيط المدينة، ضمن الحدود الإدارية للإقليم، تحت سيطرة القوات الاوكرانية.

استمرت المعارك في إقليم لوغانسك ما يقرب من 130 يومًا. الهدف التالي للجيش الروسي، على الأرجح، سيكون الجزء الذي تسيطر عليه أوكرانيا من إقليم دونيتسك، ولا سيما مدينتي سلافيانسك وكراماتورسك. ومع ذلك، يشكك عدد من الخبراء العسكريين في الإمكانات الهجومية للقوات الروسية، التي تكبدت خسائر فادحة في القوة البشرية والمعدات.

مستفيدة من حقيقة أن موسكو ركزت قواتها القتالية الرئيسية في الدونباس، فإن القوات الأوكرانية تنجح في العمليات الهجومية المضادة وتحقق نجاحاً موضعيا في أقاليم دونيتسك وزابوروجيا وخيرسون. وتمكنوا خلال الأسبوع الماضي من وقف تقدم القوات الروسية في شمال إقليم خاركوف، وكذلك إجبار القوات الروسية على الانسحاب من جزيرة زمييني – الثعبان، التي كانت منذ الأيام الأولى للحرب الجزء الوحيد تحت الاحتلال من إقليم اوديسا.

من انتصر في ليسيتشانسك؟

في 2 يوليو، بدأت القوات الأوكرانية مغادرة مدينة ليسيتشانسك، حيث انه بعد اختراق القوات الروسية بالقرب من توشكوفكا وانسحاب القوات الأوكرانية من بلدتي غورسكوي وزولوتوي، التي وجدت نفسهما في حصار عملياتي، أصبح إبقاء السيطرة على المدينة غير مجدي استراتيجيًا ويمكن أن يؤدي إلى خسائر فادحة بين القوات المدافعة عنها. ومع ذلك، أكدت القوات الأوكرانية رسميًا خسارة آخر مدينة كبيرة في إقليم لوغانسك مساء اليوم التالي، 3 يوليو، فقط.

في المقابل، لم يتجاهل الجانب الروسي تصريحات المنتصر. يوم 2 يوليو، أعلن رئيس الشيشان رمضان قديروف الحصار الكامل لمدينة ليسيتشانسك، وبعد ذلك بيوم، أبلغ وزير الدفاع سيرجي شويغو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن “تحرير جمهورية لوغانسك الشعبية”.

يبدو أن انسحاب القوات الأوكرانية المدافعة عن ليسيتشانسك قد اكتمل بحلول مساء يوم 3 يوليو، حيث أشار رئيس الإدارة العسكرية الإقليمية في لوغانسك، سيرجي غايداي، صباح ذاك اليوم أن “الروس يكتسبون موطئ قدم في ليسيتشانسك وفيرخنيكامينكا (إلى غرب المدينة). لا تزال البلدات مشتعلة، والمسلحون يقتلون الناجين من المدفعية”.

على الرغم من شدة وقع خسارة القلعة الأخيرة في إقليم لوغانسك، من الناحية الاستراتيجية، لم تخسر القوات المسلحة الأوكرانية. كانت أهمية سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك تتعلق بالسياسة أكثر – فقد سمح احتلالهما للقيادة الروسية بإعلان أن أحد الأهداف المعلنة للحرب قد تحقق.

من منظور أوسع، فإن النصر في معركة مدينتي سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك قد حققه الجيش الأوكراني، الذي كبد الجيش الروسي خسائر كبيرة في العدة والعتاد والأفراد على جبهة ضيقة بعرض 10-12 كيلومترًا لفترة طويلة وإبطاء تقدم القوات الروسية في محاولاتها لاحتلال المزيد من الأراضي (استراتيجية الدفاع المرن – المناور).

لم تكن سيفيرودنيتسك وليسيتشانسك من المدن ذات الأهمية الاستراتيجية، بل امتلكت أهمية تكتيكية فقط من حيث الدفاع وموازنة خط الجبهة لصد القوات الروسية. والان القوات الأوكرانية تتراجع بشكل منظم إلى خط دفاع سيفرسك – سوليدار – باخموت، إنه ذو موقع ملائم ومحصن جيدًا.

ومع ذلك، يتم سماع المزيد من الأصوات المعنية في فضاء المعلومات في أوكرانيا. على وجه الخصوص، يلفت الانتباه إلى حقيقة أن أوكرانيا فقدت مدينة كبيرة إلى حد ما في ثلاثة أيام فقط، وخلال الأسبوع الماضي – أكثر من 600 كم مربع من أراضيها. يعود هذا إلى حقيقة أن تسليح القوات الأوكرانية لا يزال أدنى من تسليح الجيش الروسي في المعدات التقنية – هناك نقص حاد في المدفعية والراجمات الصاروخية، وكذلك الطائرات المقاتلة الحديثة.

الروس عند مفترق الطرق

على خارطة الحرائق التابعة لـ NASA FIRMS، والتي تسمح بتحديد مواقع أكثر الأعمال القتالية نشاطًا، يمكن رؤية أنه تقريبًا لم تكن هناك حرائق في ليسيتشانسك نفسها مساء يوم 3 يوليو. كان هناك العديد من نقاط الحرائق الكبيرة في منطقة قرية سبورنوي، على بعد 12 كيلومترًا من سيفيرسك، حيث تقوم القوات الروسية الآن على الأرجح بعمليات هجومية. المعلومات تشير أنهم يستخدمون أنظمة قاذفة اللهب الثقيلة “Solntsepek”.

إن الهدف التالي ذي الأولوية للهجوم للقوات الروسية في الغالب سيكون مدينة سيفرسك، وليس مدينة باخموت، ويدعم هذا التوقع أن القوات الروسية عبرت نهر سيفرسكي دونيتس بالقرب من قرية بريفولي إلى الشمال من ليسيتشانسك، مما سيحسن بشكل كبير إمداداتها اللوجستية إذا لم يتم تدمير المعبر من قبل القوات الأوكرانية. في ذات الوقت يجذب الانتباه العديد من الحرائق شمال مدينة روبيجني وبالقرب من قرية ديبروفو على الضفة الشمالية لسيفرسكي دونيتس – على الأرجح بسبب عمل المدفعية الأوكرانية واستهداف المواقع الروسية.

ومع ذلك، لا تتخلى القوات الروسية عن محاولاتها لاقتحام باخموت، حيث أعلنت مصادر روسية الاستيلاء على قرية كلينوفو، على بعد 8 كيلومترات من حدود المدينة، وهناك حرائق قوية في الضواحي الغربية للقرية – ربما هذا هو المكان الذي يكمن فيه الخط الأمامي للجبهة حالياً.

مازالت القوات الأوكرانية تسيطر على قرية نوفولوغانسكوي على الشاطئ الغربي لخزان مياه محطة توليد الكهرباء أوليجورسكايا. كتبت مصادر روسية قبل أسبوع عن سقوطها الحتمي في الأيام المقبلة. ومع ذلك، فإن القرية صامدة، والجيش الأوكراني الذي يدافع عنها يقوم بهجوم مضاد تجاه قرية دولوميتنوي. مفتاح ثبات القوات الأوكرانية هو السيطرة على قرية سيميجوري، على بعد 5 كيلومترات إلى الشمال، والتي يدور القتال من أجلها الآن.

فعالية المساعدة العسكرية للجيش الأوكراني

تتعرض مدينتي سلافيانسك وكراماتورسك لقصف روسي مستمر. نتيجة للقصف الروسي منذ 3 أيام من راجمات الصواريخ اوراغان وسميرتش على هذا التجمع، الذي أصبح واحدًا من أقوى المناطق الدفاعية في الآونة الأخيرة، قُتل وجُرح العشرات من المواطنين، كما أفادت السلطات المحلية عن دمار واسع النطاق.

ومع ذلك، لا تزال احتمالية الوصول الى معارك شوارع داخل المدن بعيدة. الهجوم الروسي من الشمال، جانب مدينة ليمان ممكن فقط بعد نجاح عبور نهر سيفيرسكي دونيتس، ومع ذلك، فإن جميع نقاط العبور المحتملة تحت سيطرة نيران القوات الأوكرانية. من سيفيرسك، التي لم يبدأ القتال من أجلها بعد، إلى سلافيانسك، أكثر من 30 كيلومترًا، بينما في شمال المدينة لعدة أسابيع لم يتمكن الروس من اختراق خط دفاع بوغوروديشنوي – دولينا – كراسنوبولي.

تواصل المدفعية الأوكرانية تدمير المنشآت العسكرية الروسية في الجزء الخلفي من تجمع القوات الروسية في إيزيوم. حيث تُظهر خريطة NASA FIRMS عددًا كبيرًا من الحرائق الجديدة في محيط إيزيوم (خاصة في شرق المدينة). هذا مرتبط بتزويد القوات الأوكرانية بأنظمة الصواريخ والمدفعية الغربية بعيدة المدى. الآن يمكن للقوات الأوكرانية إطلاق النار بسهولة وفعالية أكبر على خطوط الامداد الأرضية للقوات الروسية، التي تمتد من مدينة بيلغورود في روسيا إلى جنوب اقليم خاركوف، بالإضافة إلى مراكز النقل واللوجستيات الرئيسية في فولشانسك وكوبيانسك وإيزيوم (تكتيك الألف جرح).

توقف التقدم البطيء للقوات الروسية نحو خاركوف، والذي لوحظ لعدة أسابيع. في الأيام الأخيرة، اندلعت أعمال قتالية نشطة بالقرب من قريتي تسوبوفكا وديمنتييفكا. يحاول الروس التقدم على طول الشاطئ الغربي لخزان مياه بيتشينج باتجاه ستاري سالتوف. على الضفة الشرقية، تحتفظ القوات الأوكرانية بموطئ قدم، والقتال مستمر بين بلدتي زاريتشونوي وسوسنوفي بور.

يستمر القتال في منطقة بلدتي أفدييفكا ومارينكا في ضواحي مدينة دونيتسك، لكن منذ بداية الحرب لم يتمكن الجيش الروسي من تحقيق نجاح ملحوظ هنا.

على بعد 40 كيلومترًا جنوب غرب مدينة دونيتسك وعلى بعد بضع كيلومترات جنوب أوغليدار، يحاول الجيش الأوكراني تطوير هجوم موضعي ناجح، استعادت خلاله القوات المسلحة الأوكرانية السيطرة على عدة بلدات في إقليم دونيتسك. خلال الأسبوع الماضي تغيرت السيطرة على بلدة يغوروفكا عدة مرات، وبالنظر إلى عدد الحرائق الكبير، لا يزال القتال مستمراً من أجل السيطرة عليها.

خيرسون تحت الحصار

في اقليم زابوروجيا، وفقًا لبيانات حرائق NASA FIRMS، كانت أكثر النقاط الساخنة هي مثلث مالي شيرباكي – ستيبوفوي – بياتيكاتكي، حيث تم تسجيل عدد كبير من الحرائق، واستمرت الأعمال القتالية النشطة منذ أكثر من أسبوع.

بحسب الإدارة العسكرية الإقليمية في زابوروجيا، فإن القوات الروسية تقوم بإعداد البلدات الأوكرانية التي تسيطر عليها للدفاع الشامل وبناء التحصينات على الطرق الرئيسية.

تجري معارك شرسة على طول محيط إقليم خيرسون، مؤكدة تصريحات القيادة الأوكرانية بشأن التحضير لهجوم مضاد واسع النطاق. لا تزال القوات المسلحة الأوكرانية تسيطر على قرية بوتيمكينو، وتستمر المعارك على فيسوكوبولي. غرب الإقليم استعاد الجيش الأوكراني السيطرة على قرية إيفانوفكا، التي كانت قد انتقلت السيطرة عليها عدة مرات، ويدور القتال الآن في ضواحي قرية أرخانجيلسكوي المجاورة.

النقطة الأكثر سخونة في منطقة خيرسون هي الضفة الشرقية لنهر إنغوليتس في مثلث بيلوجوركا -كوسترومكا – بلاجوداتوفكا، حيث تم تسجيل عشرات نقاط إطلاق النار في المنطقة التي تسيطر عليها القوات الروسية خلال يوم الأحد الماضي وحده. قد تشير كثافة القصف هذه إلى هجوم وشيك للقوات المسلحة الأوكرانية في المنطقة.

يبدو أن القيادة الروسية تشعر بالقلق حيال ذلك – في الأيام الأخيرة، ظهرت معلومات حول نقل تعزيزات كبيرة إلى إقليم خيرسون.

تدور معارك قوية حول سنيغيريفكا، حيث أنشأت القوات الروسية منطقة محصنة قوية، وستسمح السيطرة على هذه المدينة للقوات الأوكرانية بتطوير الهجوم على خيرسون. كما لوحظت العديد من الهجمات المتبادلة في جنوب إقليم خيرسون، حيث تصل المدفعية الأوكرانية إلى زوريفكا وتشرنوبايفكا. سيؤدي تسليم أنظمة المدفعية الغربية بعيدة المدى إلى أن تصبح مدينة خيرسون ضمن مدى استهداف القوات الأوكرانية.

في شمال وغرب خيرسون، تستمر المعارك الشديدة بنجاح متفاوت. تعمل هنا مجموعة من القوات الروسية، تتكون من كتيبة تكتيكية من لواء الحرس 126، ولواء الصواريخ 127، وفوج البندقية الآلي 255. وتتمثل مهمتها الرئيسية في منع الوحدات المتقدمة للقوات الأوكرانية من الاقتراب إلى مدينة خيرسون.

أخيراً، يستحق الانسحاب النهائي للقوات الروسية من جزيرة زمييني – الثعبان ورفع العلم الأوكراني فوقها اهتمامًا خاصًا. يبدو أن ظهور وسائل فعالة لدى القوات الأوكرانية لاستهداف الجزيرة، والتي اعتبرتها القيادة الروسية عنصرًا أساسيًا في التحضير لعمليات الإنزال في منطقة أوديسا، يزيل أخيراً هذا الخطر من جدول الأعمال العسكرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *