عنا قماش نكفن فيه أولادنا لكن ما عنا قماش لرفع رايات بيضاء
نبيل السهلي – كاتب وباحث فلسطيني
26\1\2025
تُعتبر المرأة الفلسطينية سر صمود الشعب الفلسطيني وثباته ورمز نصره القادم، فهي أم الأسير والشهيد، وكذلك هي الشهيدة والاسيرة، وأم مالك بارود احدهن؛ وهي فلسطينية والدة لخمسة شهداء سقطوا خلال العدوان الصهيوني على غزة، لتكون أيقونة نساء فلسطين بقولها “عنا قماش نكفن فيه اولادنا لكن ما عنا قماش نرفع فيه رايات بيضاء”.
ثبات غزة
صمد أهل غزة لمدة 471 يوماً رغم الآلام الكبيرة جداً، حيث سقط اكثر من 150 الفاً بين شهيد وجريح ومغيب قسرياً جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وقد أفشل هذا الصمود الاسطوري أهداف العدوان الصهيوني المعلنة وغير المعلنة، وفي مقدمتها خطة الترحيل الى سيناء، وكذلك فشلت خطة الجنرالات فضلاً عن خطة عدم الانسحاب من محور نتساريم ومحور فيلادلفيا، ناهيك عن تلاشي فكرة تحرير “الاسرى الإسرائيليين” بالقوة دون مفاوضات، لتبقى غزة العزة شامخة رغم الدمار المهول الذي طال غالبية المدارس والجامعات ودور العبادة والمتاحف، واقتلاع الاشجار وتجريف البنى التحتية لمنع أهالي غزة من النهوض، لكن شارات التحدي من قبل الغزيين، وخاصة النساء، تؤكد بأن غزة ستنهض من جديد ويعود الصيادون إلى بحرها.

ملفات عديدة تواجه أهالي قطاع غزة للنهوض وفي مقدمتها إعادة الاعمار وتأهيل البنى التحتية والاهم مساعدة أهل غزة بشكل متسارع مالياً وغذائياً، بحيث يشمل كل فرد وأسرة فلسطينية دون أي تمييز، وتلك مسؤولية فلسطينية في الدرجة الأولى، أقصد السلطة الفلسطينية والفصائل المختلفة بغض النظر عن مسمياتها. اضافة الى هيئات المجتمع المدني بمسمياتها العديدة، ومطالبة المنظمات الدولية والدول العربية بتسيير مزيد من المساعدات الغذائية والطبية دون عقبات وايصالها إلى كافة مناطق قطاع غزة وأهله المكلومين.
أعتى الاحتلالات
واجه قطاع غزة احتلالات عدة عبر التاريخ؛ بيد أن الاحتلال الإسرائيلي ومجازره ضد أهل غزة خلال 471 يوما، كان الأشرس والأكثر همجية وفاشية، إذ أمعن الجيش الاسرائيلي في تقتيل الأطفال والشيوخ والنساء، جنباً إلى جنب مع سياسة تدمير ممنهجة للبيوت على رؤوس ساكنيها. لكن يظل الثابت أن قطاع غزة صمد أمام رياح احتلالية عاتية في التاريخ، فبصمود أهله ومقاومتهم رحل المحتلون وبقيت “غزة هاشم”، كما سماها العرب، شامخة. وتاريخ مدينة غزة كما كل فلسطين، تاريخ مجيد حفظته ووعته الأجيال المتلاحقة. فعندما احتل الجيش البريطاني فلسطين في عام 1920 بدأت مرحلة احتلال خاصة، فرض فيها البريطانيون قوانين الطوارئ على أهالي المدن والمناطق الفلسطينية المختلفة، ومن بينهم الغزيون، لتبدأ مرحلة استعمارية طويلة مليئة بالقوانين الأشد عنصرية في التاريخ المعاصر. وعلى الرغم من الانسحاب الإسرائيلي وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية من قطاع غزة في عام 2005 بعد احتلال مديد وبفعل مقاومة وكفاح أهلها، فإن الجيش الإسرائيلي جعل من القطاع سجناً كبيراً لأكثر من مليوني وثلاثمائة ألف فلسطيني، والذين تعرضوا لعمليات القتل والاغتيال والتدمير الممنهج وصولاً إلى عمليات الابادة الجماعية. ورغم صغر مساحة قطاع غزة التي لا تتعدى 365 كم مربع وهشاشة بنيته التحتية، بقى صمود الغزيين كابوساً مزعجاً للاحتلال الإسرائيلي، لذلك لم تكد تمر سنوات دون قيام حملة عسكرية شرسة للاحتلال الإسرائيلي على القطاع تودي بأرواح المئات و الآلاف من المدنيين، وتدمر بنيته التحتية، فضلاً عن تشديد الحصار الاقتصادي الذي يهدف إلى قتل الغزيين ببطىء وبعملية إبادة جماعية مكتملة الأركان.
ملاحقة مجرمي الحرب
لم تكن أمريكا وغالبية النظم الغربية يوما مع حقوق الفلسطينيين رغم عدالتها، بل كانت منحازة إلى تصورات وسياسات إسرائيل، وفي مقدمتها المجازر المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني وتعميم الروايات الصهيونية الزائفة حول احتلال فلسطين وطرد شعبها، وبذلك تعتبر النظم الغربية الداعمة، وفي المقدمة منها أمريكا، شريكة لإسرائيل بعدوانها ومجازرها المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، في وقت توضَّح فيه الانحياز المتدرج للمزاج الشعبي في دول الغرب وكندا واستراليا إلى جانب الحق الفلسطيني، وقد جعلت وسائل التواصل الاجتماعي، التي نقلت حقيقة المجازر وعمليات الإبادة الجماعية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني بالصوت والصورة، جعلت من إسرائيل كيان منبوذ عند الكثيرين من شعوب العالم في مناحي القارات الأربعة، وخاصة شريحة طلاب الجامعات الذين سيستحوذون على أعمال ومناصب هامة في بلدانهم. كل ذلك يتطلب عدم التوقف عن ملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين واقتيادهم إلى المحاكم الدولية لينالوا عقابهم.
سعيد سلّام: ترمب أكثر رئيس أميركي انحيازا لإسرائيل وهذه الأدلة
شارة التحدي
لم يمنع الجرح العميق من رفع الغزيين وخاصة النساء شارة التحدي والنصر والتشبث بالأرض؛ وكان ذلك عاملاً حاسماً للصمود الأسطوري لأهالي قطاع غزة لمدة 471 يوما رغم توحش جيش الاحتلال الإسرائيلي وهمجيته، وهذا ليس بالشيء الجديد، حيث كانت غزة على الدوام أبية مزعجة وعصية على المحتلين منذ الاحتلال البريطاني. إن غزة وشبابها المقاومون مدفوعون بمعاناة شعبهم التي نجمت عن سرقة أراضيهم بالجملة، والتطهير العرقي والإبادة الجماعية المتزايدة؛ لقد حفزتهم عدالة قضية فلسطين والنضال من أجل الحرية والعدالة والتحرير، لذا سيظل أهل غزة باقون ما بقي الزعتر والزيتون، ولتتأكد مقولة الفلسطينية الغزاوية أم مالك بارود “عنا قماش نكفن فيه اولادنا لكن ما عنا قماش نرفع فيه رايات بيضاء”.