نهاية العولمة؟ أثر الحرب الروسية في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي

The End of Globalization? What Russia’s War in Ukraine Means for the World Economy

مجلة فورين أفيرز الأمريكية

آدم بوسن

  رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي

١٧ آذار (مارس) ٢٠٢٢

يناقش الكاتب في هذا المقال أثر الحرب الروسيّة في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي، مركّزا على مسألة تآكل العولمة والآثار السلبية على النمو والابتكار في الاقتصاد العالمي إضافة إلى أكبر الرابحين والخاسرين من هذه الأزمة، مقدّمًا في الختام توصياته لصانعي القرار الغربيين لمواجهة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب.

عقوبات قاسية

وفقًا للكاتب، طغت العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي خلال الأسابيع المنصرمة؛ فبعد فترة وجيزة من غزو الكرملين لأوكرانيا، بدأ الغرب في الاستيلاء على أصول أغنى الأفراد المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومنع الرحلات الجوية الروسية في مجالها الجوي، وقيّد وصول الاقتصاد الروسي إلى التكنولوجيا المستوردة. الأمر الأكثر دراماتيكية هو أن الولايات المتحدة وحلفاؤها جمدوا الأصول الاحتياطية للبنك المركزي الروسي وعزلوا روسيا ليس فقط عن نظام المدفوعات المالية “سويفت” ولكن أيضًا عن المؤسسات الأساسية للتمويل الدولي، بما في ذلك جميع البنوك الأجنبية وصندوق النقد الدولي. نتيجة لتصرفات الغرب، انهارت قيمة الروبل، وحصل نقص في جميع أنحاء الاقتصاد الروسي، ويبدو أن الحكومة على وشك التخلف عن سداد ديونها بالعملة الأجنبية. أجبر الرأي العام – والخوف من التعرض للعقوبات – الشركات الغربية على الفرار بشكل جماعي من البلاد. وقريبًا، لن تتمكن روسيا من إنتاج الضروريات سواء للدفاع أو للمستهلكين لأنها ستفتقر إلى المكونات الأساسية.

تآكل العولمة

يرى الكاتب بأنّ رد العالم الديمقراطي على عدوان موسكو وجرائم الحرب صحيح، من الناحية الأخلاقية وعلى أسس الأمن القومي. لكن هذه الإجراءات لها عواقب اقتصادية سلبية ستتجاوز الانهيار المالي لروسيا. على مدى السنوات العشرين الماضية، كان هناك اتجاهان يعملان بالفعل على تآكل العولمة في مواجهة مسيرتها التي لا هوادة فيها. أولاً، أقام الشعبويون والقوميون حواجز أمام التجارة الحرة والاستثمار والهجرة وانتشار الأفكار، خاصة في الولايات المتحدة. ثانيًا، شجع تحدي بكين للنظام الاقتصادي الدولي القائم على القواعد والترتيبات الأمنية طويلة الأمد في آسيا الغرب على إقامة حواجز أمام التكامل الاقتصادي الصيني. إن الغزو الروسي والعقوبات الناتجة عنه سيجعلان هذا التآكل أسوأ الآن.

من جهة أخرى، يضيف الكاتب بأن دول أوروبا الوسطى ستدفع ثمنًا باهظًا لاحتمال قطع الغاز الروسي ردا على العقوبات الغربيّة، الذي من شأنه دفع هذه الدول إلى الانكماش والاعتماد على ذاتها. يعتبر الكاتب هذا الأمر هزيمة ذاتية لهذه الدول، إذ يرى بأن العلاقة بين الاعتمادية المتبادلة وفرص نجاح العقوبات الاقتصادية علاقة عكسية، فكلما انكمشت الدولة على ذاتها وحاولت التحلل من أكبر قدر ممكن من الروابط الاقتصادية، كما فعلت موسكو مؤخرًا، ازدادت سهولة حشد عقوبات دولية عليها وفرص نجاحها.

نموّ وابتكار أقلّ

يحاجج الكاتب بأن الغزو الروسي والعقوبات المرافقة له لن تؤدي إلى تغييرات مالية هائلة في الاقتصاد العالمي، إذ أن الاقتصادات الكبرى لا زالت مرتبطة بالدولار والصين نفسها لا زالت مصلحتها تكمن في الحفاظ على علاقة مستقرة، ولو بالحدّ الأدنى، مع الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من استدارتها نحو حلف جديد من الدول الحليفة أو التابعة لها ذات الاقتصاد المنخفض وغير المستقر. لكن من جهة أخرى، يجزم الكتاب بأن العولمة باتت تتآكل بشكل متسارع. فالوباء الذي يفتك بالاقتصاد العالمي منذ ما يربو على العامين، إضافة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، أضرت ولا زالت تضرّ بسلاسل التوريد العالمية، فباتت الاقتصادات العظمى تحاول تأمين هذه السلاسل من خلال خلق فائض منها في الدول الأكثر استقرارًا وتبعية لها، أو من خلال الانكفاء وسحب المزيد منها إلى داخل الدولة، وتجلى هذا خصوصًا فيما فعله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

وفقًا للكاتب، سيؤدي ما سبق، نوعًا ما، إلى شطر العالم إلى شطرين: الولايات المتحدة وحلفائها والصين وحلفائها. هذا بدوره سيؤدي إلى قلّة التنافس بين الشركات الصينية والأمريكية وزيادة التخوّف من زيادة الاستثمارات مما يفضي إلى نموّ أقل وابتكار أقلّ في الاقتصاد العالمي. كما سيزيد هذا الانشطار من تدخل الدولة في الاقتصاد وتوجيهها للشركات متعددة الجنسيات الذي سيرافقه جمود أكثر وفساد أكبر تحت ذريعة المصلحة والأمن القوميين.

الرابحون والخاسرون

يحاجج الكاتب بأن الاتحاد الأوروبي سيكون أكبر الرابحين من هذا الانشطار العالمي. فمنطقة اليورو ستشكل المنطقة الأكثر أمانا للاستثمار، كما أن وحدة الاتحاد الأوروبي ستخلق فرصًا جديدة للنمو. بقيادة المستشار الألماني أولاف شولتز، تعهد كل عضو في الاتحاد الأوروبي تقريبا بالتزام متعدد السنوات لزيادة الإنفاق الدفاعي وزيادة الاستثمار العام في التقليل السريع من اعتماد القارة على الوقود الأحفوري الروسي. ستساعد هذه المبادرات، على وجه الخصوص، منطقة اليورو نفسها. كان أحد الأسباب الرئيسية لأزمة اليورو قبل عقد من الزمن هو الاختلالات بين اقتصادات اليورو الناتجة عن التقشف الألماني. من خلال زيادة الطلب المحلي الألماني، ستكون الدول الأعضاء في جنوب منطقة اليورو قادرة على التخلص من بعض ديونها من خلال زيادة الصادرات بدلاً من الاضطرار إلى خفض الأجور والواردات لتسديد مدفوعاتها. هذا من شأنه أن يعزز قابلية اليورو للبقاء على المدى الطويل، فضلاً عن زيادة جاذبيته للأعضاء الجدد المحتملين في أوروبا الشرقية ومديري الاحتياطيات حول العالم. سيكون اليورو الأقل عرضة للتوترات والمخاوف الداخلية ذا قيمة أعلى وأكثر استقرارا، الأمر الذي سيقلل بدوره التوترات التجارية مع الولايات المتحدة.

على الجانب الآخر، يرى الكاتب بأن دول العالم النامي ستكون الأكثر تضررًا من الغزو الروسي لأوكرانيا. فجائحة كورونا أثبتت أن العالم لا زال منقسمًا اقتصاديًا بين اقتصادات عظمى، كانت أكثر أنانية خلال الجائحة، واقتصادات نامية أثبتت قصورًا ونقصًا في الموثوقية في مواجهتها للجائحة. فما سبق إضافة للغزو الروسي سيدفع بالشركات متعددة الجنسيات إلى تخفيض استثماراتها في الدول النامية مما يفاقم من أزمة هذه الدول أكثر فأكثر.

خاتمة

في الختام، يحاجج الكاتب بأن تآكل العولمة من خلال خلق تحالف منعزل للديمقراطيات قد ينجح في بعض الجوانب الاقتصادية والجيوسياسية، لكن سيفشل أمام التحديات الكونية، كجائحة كورونا وغيرها التي تتطلب تكاتف من الجميع، وأزمة الطاقة المحتملة، إذ سيضطر تحالف الديمقراطيات الليبرالية هذا للتعامل مع دول استبدادية في العالم النامي لتعويض النقص المحتمل حصوله في النفط والغاز من جراء هذا الغزو وعواقبه.

أخيرًا، يوصي الكاتب صانعي القرار الغربيين باتباع مجموعة واسعة من السياسات كالبدء بإنشاء سوق مشتركة بين الديمقراطيات تكون واسعة وعميقة قدر الإمكان، ووضع معايير مشتركة لفحص الاستثمار الخاص عبر الحدود لأسباب تتعلق بالأمن القومي وحقوق الإنسان، وخلق ساحة لعب متساوية نسبيًا بين الحلفاء التي يمكن أن تعزز المنافسة الصحية، والتي من شأنها أن تقلل من أسوأ الآثار الجانبية للقومية الاقتصادية: الفساد، وترسيخ أصحاب المناصب، والهدر. إضافة إلى إنشاء جبهة استثمار عام مستدامة ومتعددة السنوات عبر التحالف الغربي، مما سيقلل من الاختلالات بين الاقتصادات ويزيد العوائد الإجمالية على الاستثمار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *