أوكرانيا: التغيير في القيادة العسكرية ممر نجاة أمْ هروب من الأزمة؟

أوكرانيا: التغيير في القيادة العسكرية ممر نجاة أمْ هروب من الأزمة؟

خالد العزي

10\2024

قُبلت استقالة قائد الأركان السابق للقوات المسلحة فاليري زالوجني، وتم تعيين الكسندر سيرسكي قائدًا عامًا جديدًا للقوات المسلحة الاوكرانية بتاريخ 8 شباط / فبراير 2024.

 اجتماع عام وسريع بين الرئيس فولوديمير زيلينسكي والقائد السابق لرئاسة الأركان فاليري زالوجني قبلت فيه استقالته بعدما كانت طوال الفترة السابقة مدار جدل وتكهنات حول العلاقة، التي تربط الرجلين في هذه الفترة الصعبة، لاختلاف وجهات النظر بينهما لادارة المرحلة المقبلة من الحرب.

الاختلافات بانت في أيار /مايو الماضي حول الهجوم المعاكس الذي أعلن فيه زالوجني رأيه بوضوح بان أوكرانيا لم تحقق انتصارًا بالهجوم المعاكس كما توقع الكثيرون، والسبب يعود لعدم الوفاء بالوعود من الدول الغربية بتقديم التجهيزات اللوجستية اللازمة والسلاح المطلوب لخوض هذه الحملة التي دخلتها أوكرانيا من أجل إحراج الغرب، الذي كان واضحا بانه يتهرب من مسؤوليته أمام أوكرانيا ويضع عليها شروط تعجيزية. ولم تنتهِ القصة بالتباين الواضح بل استمرت لتطال التعبئة التي اختلفت فيها القيادة العسكرية مع القيادة السياسية، حيث كانت القيادة العسكرية تطالب بتعبئة نصف مليون مقاتل للإستمرار بالدفاع ومنع إحداث تغييرات تذكر على الجبهة بظل الهجمات الروسية المستمرة على المناطق الحدودية الاوكرانية والإعلان أن روسيا تجهز لتعبئة أربعمائة ألف عسكري حتى شهر نيسان /ابريل المقبل .

الاختلاف بين العسكر والسياسة

 لقد باتت الصحافة تعطي تحليلاتها المختلفة لجهة الإقالة بسبب التغيير المستحدث في الحكومة من قبل الرئاسة الاوكرانية وفريق الرئيس، وبين الاستقالة التي أعلن عنها قائد الأركان زالوجني الذي يريد ضخ دماء جديدة في القيادة بعد التعب الذي أنهك الجيش والقادة بسبب الحرب.

بالطبع الرئاسة كانت تشير الى ضرورة تنظيف الجيش من الفساد وهذه الخطوة ليست جديدة، ومنذ العام الماضي تسير بخطوات بعد إقالة وزير الدفاع وتعيين وزير جديد وتغيير في الأجهزة الأمنية والقيادات، ليأتي دور الجيش وقيادته، بعد الفضائح التي كُشفت في وزارة الدفاع، في محاولة للسيطرة على بؤر الفساد ومحاسبة المفسدين.

ولذلك حاولت الرئاسة إعطاء زالوجني مركزاً جديداً للحفاظ عليه وعدم الدخول في صراع، وقد حاولت تسليمه مهمة سكرتير الأمن القومي كي لا تدخل في صراع مع الضباط، ومع حالة زالوجني نفسها التي باتت تشكل للعسكر حالة أمان واطمئنان. وخاصة بعد النجاحات الكبيرة التي تحققت بظل قيادته في الميدان و زادت شعبيته في أوكرانيا الى نسبة ثمانين في المئة في منافسة فعلية للرئيس الأوكراني الحالي .

 قيادة أركان جديدة في أوكرانيا دون خسائر

حاولت الرئاسة الاوكرانية الاختيار بين شخصين للقيادة الجديدة للأركان باعتبارها القيادة الميدانية للجيش، وليس وزير الدفاع أو قائد الجيش او القائد الأعلى للقوات المسلحة، فكانت تحاول إقناع الجنرال كيريل بودانوف، رئيس الاستخبارات الرئيسية في وزارة الدفاع، والجنرال الكسندر سيرسكي، قائد القوات البرية، وكلاهما رفض نتيجة قربهما من زالوجني وثقتهما به، لكن في النهاية تم التوافق على الكسندر سيرسكي قائدًا جديدًا للأركان.

 من هو سيرسكي؟

 ولد ألكسندر سيرسكي في إحدى القرى الروسية في منطقة (كيرجسكي) ضواحي فلاديمير في 26 حزيران /يوليو 1967. درس في مدرسة القيادة العسكرية العليا في موسكو، وفي عام 1993 بدأ الخدمة في الفرقة السادسة للقوات الداخلية (الحرس الوطني لأوكرانيا الآن) في مدينة تشوغويف، بعد ذلك بقي للخدمة في أوكرانيا. يشار إلى أن قائد القوات المسلحة الأوكرانية كان يلقب بـ”الجنرال 200″ بسبب الخسائر الفادحة التي منيت بها قواته أثناء تقدمها على مواقع القوات المسلحة الروسية، وتحت قيادته واصلت القوات المسلحة الأوكرانية تحرير مناطق كثيرة في المحافظات التي احتلتها روسيا وضمتها اليها.

وفي وقت سابق وضعت وزارة الداخلية في الاتحاد الروسي ألكسندر سيرسكي على قائمة المطلوبين كمتهم بالهجوم على جسر القرم، الذي وقع في منتصف حزيران /يوليو 2023، لكن قيادته الميدانية كانت معالمها واضحة في الصمود في مدينتي “باخموت” و “سوليدار”، الذي أشرف بنفسه على القتال من داخل الجبهة ولم يسمح بسقوطها في يد قوات فاغنر التي فرشت الطريق بدماء قواتها.

من هو فاليري زالوجني؟

فاليري زالوجني مواليد 8 حزيران/ يوليو 1973‏ في مدينة نوفغورود فولينسكيي في أوكرانيا، هو قائد عسكري أوكراني وقائد الأركان السابق للقوات الاوكرانية، يحمل رتبة فريق، في العام 2021 تولى منصب القائد العام للقوات المسلحة لأوكرانيا، وهو عضو في مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني ورئيس أركان القوات المسلحة الأوكرانية، تولى سابقا المهام التالية: قائد القوة البرية الأوكرانية، القيادة العملياتية الشمالية اضافة الى مقر العمليات المشتركة للقوات المسلحة الأوكرانية، القيادة العملياتية الغربية، لواء الحرس 51 الميكانيكي، لواء الحرس 24 الميكانيكي. لقد درس القيادة العسكرية لدى فاليري غيراسيموف في الاكاديمية الحربية الروسية في موسكو .

وعن كيفية فشل الهجوم الروسي الموسع ضد أوكرانيا التي شنته موسكو بتاريخ 24شباط /فبراير 2022 عبر خمسة محاور للسيطرة على العاصمة والمدن الجنوبية وإسقاط الدولة يقول فاليري زالوجني في إحدى المقابلات مع الصحافة العالمية: “لقد تمكنت من تحديد الضربة العسكرية الروسية وهذا الاساس في افشال الهجوم وهذه مهمة الاركان بالتوقع لمكان الضربة مما يبطل مفعولها ويحد من تحركاتها، وهذا يعود الى كوني ابن نفس المدرسة الروسية وتعلمت قيادة الأركان في مدارسها العسكرية وتتلمذت على يد قائد الأركان الحالي الذي يدير الهجوم، فاليري غيراسيموف، لذلك نجحت في تحديد خطته وتوجهاته وافشالها”.

وبهذا التغيير في القيادة العسكرية هل بات يمكن للجيش الاوكراني التغلب على ثغراته العسكرية وإقامة تشكيلات جديدة بعد تغيير كل فريق زالوجني؟

 الحلول المقبلة للجبهة العسكرية

 وهنا يطرح السؤال نفسه فهل يتخلى زالوجني طوعيًا عن قيادة العسكر الذي بات يشكل لهم الاب ذو الثقة الكبيرة في استمرارية الحفاظ على الجبهات ومنع انهيارها بظل هذا التغيير وعدم تشكيل صدمة للعسكر المقاتل على الجبهات. في الوقت الذي يشدد الروسي هجماته ضد محاور “افدييفكا” و “كوبيانسك” لفتح ثغرة تمكنه من تحقيق انتصار سريع قبل البدء بالانتخابات الروسية، من اجل دفع الناخب للتصويت للرئيس بوتين كونه الملهم والمنقذ الفعلي لروسيا القيصرية. إذاً أمام فاليري زالوجني خياران لا ثالث لهما، إما البقاء قائد فعلي في الخلف للجيش، وهذا ما يساعد العسكر في الاستمرار بالمواجهة والبقاء بشكل أقوى في الجبهة ومنع الروسي من إحداث اختراقات ميدانية، أو الحل الثاني هو الاستعداد الأوكراني لجولة جديدة من الحرب بظل رئيس قادم، قد يكون الرئيس المنافس للرئيس زيلينسكي و يتابع سير المعركة من خلال الحفاظ على شعبيته العسكرية والسياسية، حيث تدل مراكز الإحصاء الى وصولها حتى 80 بالمئة، بالوقت التي باتت شعبية الرئيس زيلينسكي تتراوح بحدود 60 بالمئة.

 إذاً، القضية باتت واضحة بأن المطلوب إبعاد زالوجني عن المشهد السياسي المنافس للرئاسة بغض النظر عن الاقالة او تقديم الاستقالة لان الموضوع بات معقدًا جدًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *