اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود

الحبوب الاوكرانية

د. سعيد سلّام

22/7/2022

استنتاج مختصر:

إذا اعتمدنا على المعلومات المنشورة حول تفاصيل الاتفاقية في صحيفة وول ستريت جورنال، والتفاصيل التي تم الإفصاح عنها حتى الان، يمكن اعتبار هذه الاتفاقية انتصاراً كبيراً للسياسة الخارجية الأوكرانية.

نقاط رئيسية حول الاتفاق:

  • الاتفاق، الذي وقعه ممثلو تركيا والأمم المتحدة وأوكرانيا، يجب أن يوافق عليه مجلس الوزراء وأن يُعلن بالكامل.
  • مدة صلاحية الاتفاق 120 يوماً، يتم تمديدها تلقائيًا إذا لم يشر أي من الطرفين إلى رغبته في إنهائه.
  • صرح ميخائيل بودولاك، مستشار مدير مكتب الرئيس الأوكراني:
  • إن أوكرانيا لن توقع على أي وثائق مع روسيا، وإنما ستوقع اتفاقية مع تركيا والأمم المتحدة، وتتعهد بالتزامات تجاههما، كما توقع روسيا اتفاقية مماثلة مع تركيا والأمم المتحدة؛
  • الاتفاقية لا تتضمن مرافقة السفن الروسية، أو وجود ممثلين في الموانئ الأوكرانية، في حالة أي استفزاز سيكون هناك رد فوري؛
  • يتم إجراء جميع عمليات التفتيش على سفن النقل من قبل مجموعات مشتركة في المياه في حال الضرورة.
  • أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في كلمة اثناء توقيع الاتفاقية عن إنشاء مركز تنسيق مشترك لمراقبة تصدير الحبوب من موانئ أوكرانيا.
  • سيضم المركز ممثلين عن أوكرانيا وروسيا وتركيا والأمم المتحدة. سيوفر هذا المركز الإشراف العام على الامتثال للمبادرة، وسيقومون بإنشاء فرق التفتيش.
  • حدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن مركز التنسيق سيكون في تركيا.
  • بحسب وكالة تاس الروسية، فإن اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود لا تنص على مرافقة عسكرية لسفن الشحن، ويتعهد الطرفان بعدم مهاجمتها.
  • حسب تاس أيضا لن يتم إزالة الألغام بموجب الاتفاقية.
  • لكن ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن أوكرانيا وافقت على إزالة بعض الألغام من موانئها في البحر الأسود. كييف مستعدة لاتخاذ هذه الخطوة كجزء من صفقة تصدير الحبوب الأوكرانية.
  • بالإضافة إلى ذلك، من المخطط إنشاء ممرات آمنة من موانئ أوديسا، تشيرنومورسك ويوجني.
  • بداية سيتم السماح بمغادرة سفن الشحن الموجودة والمحملة بالمواد الغذائية المحاصرة في الموانئ الأوكرانية.
  • هناك ما يقرب من 80 سفينة حاليا، وهذا سيسمح بتسليم حوالي 25 مليون طن من الحبوب إلى الأسواق العالمية في الأسابيع المقبلة بعد إطلاق هذه الآلية.
  • تخضع جميع السفن التجارية المشاركة في هذه المبادرة للتفتيش من قبل فريق تفتيش في الموانئ التي تحددها تركيا عند مدخل / مخرج / من المضيق التركي.
  • سيتم تنفيذ جميع الأنشطة في المياه الإقليمية الأوكرانية تحت سلطة أوكرانيا.
  • لا يجوز للسفن الحربية والطائرات والمركبات الجوية غير المأهولة الاقتراب من الممر الإنساني البحري على مسافة أقرب من المسافة التي اتفق عليها في مركز التنسيق المشترك.
  • لا ينص الاتفاق على أي تخفيف للعقوبات ضد روسيا، على الرغم من حقيقة أن الروس حاولوا مرارًا وتكرارًا الضغط من اجل ربط التوقيع على الاتفاق برفع العقوبات عن القطاع الزراعي الروسي.

والآن الى الشرح المفصل.

المحددات الرئيسية للاتفاقية ليست بسيطة.

أولاً: تقوم أوكرانيا بإزالة الألغام من الممر المائي من موانئها الثلاثة إلى البحر الأسود. في الوقت نفسه، تطالب أوكرانيا بضمانات أمنية بعدم استخدام الممر المزال من الألغام في عمليات الإنزال الروسية. هذا المطلب جيد، لكن هدفه الأساسي ليس في الأمن، بل في تداعياته على السياسة الخارجية. لإنجاز هذه المهمة، ستضع تركيا (أو دولة أخرى في الناتو) سفينتها في منطقة إزالة الألغام. هذا يخلق سابقة لوضع سفن الناتو بالقرب من الشواطئ الأوكرانية. هذا انجاز كبير جدا إذا حدث في المستقبل.

لماذا هذه ليست قضية أمنية؟ السبب الرئيسي لعدم قيام الاتحاد الروسي بهجوم برمائي على ساحل البحر الأسود ليس الألغام، بل لأن المنطقة المائية مسيطر عليها بصواريخ مضادة للسفن. لذلك، حتى لو كان من الممكن القيام بإنزال قوات بحرية، فليس من الواضح تمامًا كيف سيتم دعمه من قبل الأسطول الروسي، وليس لدى روسيا نظام دفاع صاروخي يسمح لها بالعمل بحرية في هذه المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا ليس لديها عدد كافٍ من مشاة البحرية المتاحين، لأنهم جميعًا يشاركون في المعارك.

سيتم اعتبار الممر نفسه منطقة منزوعة السلاح (منطقة وقف إطلاق النار، على وجه الدقة). هذه ليست مشكلة بالنسبة لأوكرانيا، لأنها في الواقع ليس لديها أسطول بحري.

 بالإضافة إلى ذلك، لضمان سلامة الممر المائي من الألغام العائمة، يلزم استخدام كاسحات ألغام في المنطقة. في الغالب يمكن ان تكون تركية – مسؤولية أقل وسابقة أخرى لوجود سفن الناتو بالقرب من الساحل الاوكراني.

ثانيا: سيتم فحص جميع شاحنات الحبوب الفارغة التي ستدخل الموانئ الأوكرانية بحثًا عن أسلحة. ستقوم تركيا، دولة الناتو، بفحص شاحنات الحبوب بحثاً عن أسلحة. يمكن اعتبار هذا إهانة لروسيا.

حسب ما تم نشره من قبل نيويورك تايمز، المعلومات تشير أن التفتيش على ناقلات الحبوب لن يكون في البحر، ولكن مباشرة في الموانئ الأوكرانية من قبل ممثلي الجانب التركي. في حال كان هذا صحيحا، يعد هذا أيضاً خياراً جيداً، لأن الصواريخ الروسية التي تصل إلى ساحل البحر الأسود في أوكرانيا يمكن أن تصيب الموظفين المدنيين والعسكريين الأتراك. لذا على روسيا أن تكون أكثر حذراً في عمليات قصف المدن الأوكرانية وخصوصا التي فيها الموانئ.

ثالثا: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قام تنسيق كل هذه التطورات خلال اللقاء مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في طهران. ضغط بوتين من اجل رفع العقوبات.

حسب المعلومات التي تم تسريبها من لقاء طهران فقد طالب الرئيس الروسي بربط فك الحصار البحري عن الموانئ الأوكرانية برفع العقوبات عن قطاع الزراعة الروسي والسماح بتصدير المحاصيل الروسية والأسمدة، ولكن لم يكن هناك استجابة من قبل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان و جميع الأطراف المشاركة في الاتفاقية.

إيجابيات الاتفاقية

  • ستكون أوكرانيا قادرة على تصدير الحبوب. يشتكي المزارعون الآن من أن اسعار الحبوب منخفضة، لأنه لا يوجد مكان لتخزينها، والتصدير عبر القطارات ضئيل جدًا. في حال التوصل الى اتفاق وبدء التصدير عبر البحر سيحصل المزارعون على المال، وسوف تتلقى الدولة الأوكرانية أموال تحتاجها كثيراً.
  • الاتفاقية نفسها تشكل سابقة لعمل الموانئ الأوكرانية خلال زمن الحرب. ما يصلح لتصدير الحبوب يمكن أن يعمل أيضا لصالح اتفاقيات أخرى، بما في ذلك لتوريد الوقود لأوكرانيا، على سبيل المثال.
  • تحل الأمم المتحدة مشكلة الغذاء في بلدان إفريقيا وآسيا. وهذا يقلل من ضغوط السياسة الخارجية على أوكرانيا، في شكل “إنهاء الحرب بأي شروط”، وتخسر روسيا ورقة الضغط هذه على الاقتصاد العالمي.
  • أوكرانيا لا تفقد أسواق تصدير الحبوب التقليدية. هذا مهم جدًا بالنسبة لها الآن، وأيضا في المستقبل ورقة رابحة قوية جدًا.

سلبيات الاتفاقية

  • قد تعمل روسيا على القيام بعملية إنزال لمشات البحرية بواسطة إحدى شاحنات الحبوب، أو يتم استخدام الممر البحري بشكل غير متوقع من قبل قوات إنزال روسية. هناك مثل هذا الاحتمال، لكن ليس من الواضح تمامًا كيف سيتم دعم هذا الانزال من قبل القوات الروسية. لأنه بعد هذا الانزال، سيتم إعادة تلغيم منطقة المياه مرة أخرى، وستبدأ الصواريخ المضادة للسفن في تدمير كل ما تراه. ستكون عملية انتحارية لمرة واحدة من قبل القوات البحرية الروسية. لو كان بإمكانهم الملاحة في المنطقة بحرية لما قاموا بالتخليي عن جزيرة زمييني – الثعبان – والانسحاب منها. لكن لا ينبغي استبعاد هذا الخيار. يجب أن الاهتمام بأمن الساحل، وهذا يمكن أن يصرف قوات إضافية عن اتجاهات أكثر أهمية.
  • ستكون تركيا قادرة على شراء الحبوب التي سرقها الروس في الأراضي المحتلة دون أي مشاكل، لأنه سيكون من المستحيل ببساطة تتبعها في المخزون العام. لكن تركيا في الواقع تشتري هذه الحبوب الان أيضا.
  • تظهر روسيا القدرة على التفاوض. قد يصبح هذا مشكلة في المستقبل. وقد لا يحدث ذلك، لأن هناك عددًا كافيًا من النقاط الأخرى التي ستستمر فيها روسيا في الضغط الاقتصادي والسياسي. وهم قادرين على إحداث خروقات في مكان آخر.

استنتاجات مرحلية

  • أصبحت تركيا لاعباً قوياً في المنطقة، كدولة يمكنها تأمين اتفاقيات معقدة.

هل هذا خيار جيد لأوكرانيا أم لا؟ هذا في نطاق ظهور تركيا كقوة عظمى محلية لوجستية، وأوكرانيا جزء من منطقة نفوذ هذه القوة العظمى.

  • أوكرانيا قادرة على تنظيم الصادرات من البلاد والحصول على الأموال. تزداد تكلفة الحرب أكثر فأكثر ولدى الدولة مشاكل في ميزان المدفوعات يجب حلها. لهذا السبب المال مهم. يمكن للجميع أن يرى ما يحصل مع سعر صرف الهريفنا مقابل الدولار واليورو.
  • إن الضغط على الاقتصاد العالمي، الذي يغرق تدريجياً في الركود، آخذ في التراجع. هذه ميزة إضافية بالنسبة لأوكرانيا، لأنها مستفيدة من هذا الاقتصاد الآن وفي المستقبل، خلال فترة إعادة البناء.
  • بشكل عام، من المعلومات المتوفرة حالياً، فإن إيجابيات هذه الاتفاقية تفوق بكثير سلبياتها. هناك مخاطر، لكن أوكرانيا في حالة حرب وهناك العديد من المخاطر.
  • إذا لم تكن هناك إعاقات إضافية من روسيا ولا توجد معلومات جديدة، فإن هذه المخاطر مقبولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *