الإبادة الجماعية للفلسطينيين في محكمة العدل الدولية، الدلالات والاحتمالات

الإبادة الجماعية للفلسطينيين في محكمة العدل الدولية، الدلالات والاحتمالات

تقدير موقف

حمزة علي

باحث في مركز تقدم للسياسات

10/1/2023

تقديم:

سيتم النظر في الطلب الذي تقدمت به جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية، سعياً إلى جعل المحكمة تعلن الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة بأنه إبادة جماعية، ابتداءً من يوم الخميس 11 يناير في لاهاي.

 ويدلل حجم الاستنفار السياسي والدبلوماسي الإسرائيلي والحملات المنظمة التي تشنها المنظمات الصهيونية في العالم ضد جنوب افريقيا، على المأزق الذي تواجهه إسرائيل، باعتبار مجرد انعقاد المحكمة لتسليط الضوء على جرائم إسرائيل غير المسبوقة تأتي في سياق التحولات في الشارع الأوروبي والعالمي الذي يدين استمرار الحرب والجرائم الفظيعة المرتكبة.

ولم تجد الخارجية الإسرائيلية غير اتهام جنوب أفريقيا “بالتعاون مع منظمة إرهابية” وبكل صفاقة الادعاء بأن المجازر في غزة غير صحيحة.

وعلى الرغم من مشاركة الولايات المتحدة في انتقاد مسعى جنوب افريقيا واعتبار اللجوء إلى محكمة العدل الدولية يعطل جهود السلام وترتيبات وقف الحرب التي تبذلها واشنطن، إلا أن دولا من بينها تركيا والأردن وقطر دعمت القضية وكذلك الجامعة العربية.

وعرضت ماليزيا دعمها لجنوب إفريقيا علنًا، ووصفت وزارة الخارجية الماليزية الإجراءات بأنها “خطوة ملموسة وفي الوقت المناسب نحو المساءلة القانونية عن الفظائع التي ترتكبها إسرائيل”.

 وفي تقريرها المؤلف من 84 صفحة، تستشهد جنوب أفريقيا بالتحريض العنصري الذي يبرر القتل والابادة من قبل كبار المسؤولين الإسرائيليين، بما في ذلك وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي أشار إلى الفلسطينيين في غزة على أنهم “حيوانات بشرية”، بالإضافة إلى استشهاد رئيس الوزراء نتنياهو للفلسطينيين بقصة “أمة العماليق” التي أمر الله بني إسرائيل بإبادتها. كما جاء في التوراة.

تقول بريتوريا إن الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة ينتهك التزاماتها باتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، التي تعرف الإبادة الجماعية بأنها “الأفعال المرتكبة بقصد التدمير، كليًا أو جزئيًا، لمجموعة قومية أو إثنية أو دينية”.

على عكس القضايا السابقة في المحكمة الجنائية الدولية، والتي قاطعتها إسرائيل لأنها لا تعترف بسلطة تلك المحكمة، ليس أمام إسرائيل خيار سوى المثول أمام محكمة العدل الدولية باعتبارها دولة موقعة على اتفاقية الإبادة الجماعية وتخضع لولاية المحكمة الجنائية الدولية. ومحكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قانونية في الأمم المتحدة.

يرسل الجانبان بعضًا من أفضل المحامين إلى لاهاي. وترسل بريتوريا خبير القانون الدولي الجنوب إفريقي جون دوجارد، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي الوقت نفسه، سيمثل إسرائيل في محكمة العدل الدولية المحامي البريطاني مالكولم شو، الخبير في النزاعات الإقليمية.

في السياق أيضا، يثير طرح هذه القضية وبهذا المستوى الرفيع ضررًا محتملاً بسمعة الولايات المتحدة. وكما يقول براين فينوكين من مجموعة الأزمات الدولية “ويخاطر المسؤولون بالوقوع تحت طائلة التواطؤ مع جرائم الإبادة، حيث حصلت إسرائيل على الدعم الأمريكي الكامل لارتكاب جرائم حرب، وتشهد الولايات المتحدة عزلة متزايدة باعتبارها واحدة من الدول القليلة التي وقفت بحزم خلف إسرائيل”.

ما هي التقديرات بشأن المحكمة ؟

حدد الدكتور عمر بارتوف، أستاذ دراسات المحرقة والإبادة الجماعية في جامعة براون، المسار القانوني المحتمل للمضي قدماً، وحذر مسبقا من أن المداولات حول الأسس الموضوعية للقضية قد تستغرق سنوات، بالقول: “إذا قررت محكمة العدل الدولية إصدار أمر قضائي لإسرائيل بوقف العمليات في غزة فإن ذلك سيذهب إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يتمتع بسلطة فرض الأمر القضائي على إسرائيل أو معاقبتها على ارتكابها للجرائم”.

أضاف بارتوف “إذا ما رفضت إسرائيل الالتزام بالقرار، وعطلت الولايات المتحدة التنفيذ باستخدام حق النقض، فإن الإجراءات التنفيذية والعقابية ستتوقف، وستكون الولايات المتحدة في موقف غير مريح وأكثر انكشافًا من ذي قبل، نظرًا لخطورة الاتهام”.

خلاصة:

بصرف النظر عن القرار النهائي واحتمالات تنفيذه من عدمها، فإن مجرد انعقاد المحكمة والتركيز الإعلامي الكبير على مداولاتها والاهتمام بها، يعزز ويضاعف من الحركات العالمية والتحولات في الرأي العام التي تدين حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والجرائم غير المسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام.

كما أن من شأن مداولات المحكمة التي ستطول واستدعاءات أفراد الجرائم المشتبه بهم، ان تضع كل مؤسسة الحرب جنودا وضباطا وسياسيين في موضع المطاردة الدولية وطلبهم للمثول أمام محاكم الدول المختلفة، فقرار محكمة العدل الدولية بشأن حرب الإبادة هو علامة فارقة في النضال من أجل العدالة للفلسطينيين وحقوقهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *