حصيلة ستة أشهر من الحرب الروسية ضد اوكرانيا

د. سعيد سلّام

24/8/2022

بعد مرور ستة اشهر من الحرب الروسية الشاملة على أوكرانيا (“العملية الخاصة”) يمكننا بشكل سريع تقييم نتائجها على الطرفين الاوكراني و الروسي.

بشكل عام مضى أكثر من 8 سنوات على بداية الحرب الروسية على أوكرانيا وليس ستة أشهر. حيث انه قبل 24 فبراير 2022، احتلت روسيا شبه جزيرة القرم (7٪ من مساحة أوكرانيا) و دعمت الانفصالين في إقليمي دونيتسك و لوغانسك حيث استطاعوا السيطرة على 54% من اقليم دونيتسك و 60% من اقليم لوغانسك، حيث قُتِلَ آلاف الأوكرانيين خلال هذه الفترة. أي أن القوات الروسية قبل حربها الشاملة الحالية كانت تحتل مع قوات الانفاصاليين (مع شبه جزيرة القرم) ما يقارب من 11-13% من مساحة اوكرانيا.

في الوقت الذي لا تزال القيادة الروسية تحافظ على مستوى عالٍ من الدعم الشعبي بناء على بيانات استطلاعات الرأي في روسيا، رغم تراجع نسبة الدعم لاستمرار “العملية الخاصة” الى نحو 60%، و نفس النسبة تؤيد عقد اتفاق سلام مع اوكرانيا، مما يشير الى ان الشعب الروسي يؤيد النظام في خياراته السياسية و العسكرية بغض النظر ماهي خياراته، تحولت روسيا من بلد في أعلى 20 دولة متقدمة في العالم إلى دولة منبوذة “معزولة سياسيا و اقتصاديا” على المسرح العالمي.

  • توقع كثيرون انتصار روسيا في حربها ضد أوكرانيا في غضون ساعات أو أيام قليلة، لكن موسكو لم تحقق أي من أهدافها خلال ستة أشهر من الحرب؛
  • فشلت خطط “الحرب الخاطفة” الروسية، وأصبحت أوكرانيا أقوى مما كانت عليه قبل بدء العدوان؛
  • استقبل الشعب الأوكراني صباح 24 أغسطس بثقة أكبر من صباح 24 فبراير؛
  • خلال هذه الأشهر الستة، اضطرت روسيا إلى تقليص خططها وأهدافها العسكرية مرارًا وتكرارًا؛
  • أيضا اضطرت روسيا الى تعديل ومراجعة خطابها الإعلامي الذي أظهر التخبط بشكل واضح في شرح أسباب هذه الحرب وأهدافها، إن كان على الصعيد الداخلي أو الخارجي؛
  • أظهرت الحرب عدم مصداقية الاسباب التي روج لها الكرملين حول “الفاشية” في أوكرانيا و “الإبادة الجماعية” للمواطنين في الدونباس، وإضطهاد “الأشخاص الناطقين بالروسية”؛
  • تحول الجيش الأوكراني خلال ستة أشهر الى التسليح الغربي، بالاسلحة التي تستخدمها دول الناتو، في الوقت الذي كانت تُمنَع عنه هذه الاسلحة طوال السنوات السابقة، هذه الاسلحة تتفوق على الاسلحة السوفييتية القديمة و الروسية تكنولوجيا مما سمح للقوات الاوكراني الى معادلة الكفة عسكريا على كثير من الجبهات، على الرغم من تفوق الجيش الروسي عدة و عتادا، و مع زيادة كميات الاسلحة، التي يتم تزويد الجيش الاوكراني بها، وتدريب الجنود في الغرب على أساليب الحرب الجديدة سيحقق التفوق العسكري؛
  • في حين اعتمد الجيش الروسي على حرب قصيرة الأمد لتحقيق الانتصار، لكن بعد ثلاثة أشهر بدأت قواه تتقلص، وبعد ستة أشهر وضع الجيش الروسي متدهور – سواء من حيث المعدات أو قوات المشاة أو نظام القيادة العسكرية، و القوات الروسية تفقد جنودها وقوتها العسكرية ومكانتها في العالم وسمعتها، بعد إنهيار أسطورة “الجيش الثاني في العالم” و “الاسلحة التي ليس لها مثيل”؛
  • تعتبر الحرب التي شنتها روسيا مأساة كبيرة، لكنها في الوقت نفسه قَربت أوكرانيا من أوروبا و الناتو، وتأسس تكتل ضخم داعم أوكرانيا – على مستوى الحكومات والملايين من المواطنين من مختلف البلدان؛
  • في المقابل تم فرض عزلة سياسية على روسيا، التي اصبح جيشها على وشك الانهيار بسبب الخسائر العسكرية، وتراجع اقتصادها بشكل كبير تحت ضغط العقوبات الاقتصادية التي تم فرضها عليها و خروج اكثر من الف شركة عالمية من السوق الروسية ليتحول اقتصادها الى “اقتصاد النجاة تحت العقوبات” في ظل النفقات الهائلة لـ “العملية الخاصة”، والتخلف عن سداد الديون، وفقدان احتكار الطاقة في اوروبا، “انهيار السوق الاستهلاكية” في روسيا بعد تدمير النظام اللوجستي للبلد و عدم نجاعة “الاستيراد الموازي” مما ادى ايضا الى حدوث فراغ تكنولوجي؛
  • حسب الدراسات الواردة من روسيا يتوقع تراجع الدخل القومي الروسي في نهاية العام 2022 بحوالي 10-12% ليعود الى مستوى تسعينيات القرن الماضي (في 2021 كان الدخل القومي 1.67 تريليون دولار – ما يعادل 1.3 % من الدخل العالمي)، و ارتفاع معدلات التضخم الى 17 – 23%، على الرغم ان مستويات التضخم التي تم تسجيلها خلال اشهر الصيف تعتبر منخفضة، الا ان ذلك يعود الى انخفاض اسعار الفواكه و الخضروات و المواد الغذائية المحلية التي لم تستطع روسيا تصديرها بسبب العقوبات، لكن مستويات ارتفاع اسعار باقي المنتجات وصل الى 30 و 50%؛
  • كذلك تم الكشف عن تراجع الصادرات العسكرية 6 مرات، بسبب العقوبات الاقتصادية و الفشل الذريع لهذه الاسلحة في الحرب الروسية على اوكرانيا؛
  • بجميع الأحوال لا يمكن القول ان الأمور سهلة على الجانب الاوكراني، ستكون الأشهر المقبلة من الحرب صعبة، إذ يقوم الجيش الروسي بحشد بقايا قواته الجاهزة للقتال في شرق و جنوب أوكرانيا، حيث يأمل في تحقيق انفراجه لصالحه؛
  • مغامرة بوتين العسكرية في أوكرانيا، دفعت به وروسيا إلى موقع “المنبوذ”، المحروم من الاحترام والمستقبل، حيث تراجعت الاتصالات بين القيادة الروسية والعالم الخارجي الى الحد الادنى، و”التمحور نحو الشرق”، تجاه آسيا وأفريقيا (التبعية للصين، “الصداقة” مع الدول الضعيفة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية)، و تفاقم المواجهة مع الغرب وتصاعد العقوبات ضد السياسيين الروس، مع تزايد الأصوات المعارضة لهذه الحرب الصادرة من داخل روسيا، وحدوث إنشقاق في الكنيسة الأرثوذكسية، بعد ان تحولت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية إلى بنية دعائية قوية في يد الكريملين، واعتبار الايديولوجية الروسية الجديدة موازية “للفاشية الجديدة” /” Z Propaganda “/، استبعاد روسيا من المنظمات الدولية، وتزايد المطالبات من قبل الكونغرس الامريكي لوزير الخارجية و الرئيس جو بايدن، بعد قيام بعض الدول فعليا باعتبار روسيا “دولة داعمة للارهاب”؛
  • مع استمرار و تفاقم عزل روسيا سياسيا، نلاحظ توسع نطاق العقوبات الإقتصادية ضدها، ومنع الوصول إلى “الأبحاث العلمية المتقدمة” وأحدث التقنيات التكتولوجية، إنهاء الاتصالات مع المراكز البحثية الرائدة في العالم والجامعات الكبرى، الاستبعاد من المشاريع العلمية الدولية الكبرى، إنهاء تبادل العلماء والبيانات العلمية والمطبوعات، والطرد من المسابقات الرياضية الدولية، و “إلغاء الثقافة الروسية”؛
  • وبدلاً من إضعاف الناتو، أدت الحرب على أوكرانيا إلى إحياء الحلف واحتمال توسّعِه على حساب السويد وفنلندا اللتين قدمتا طلب الانضمام الى الحلف. وبدلا احداث خلل في وحدة أوروبا والغرب واستعادة مجال هيمنتها في أوروبا اثناء الحقبة السوفيتية، نجد ان الاتحاد الأوروبي يستعيد وحدته السياسية ويعمل بجهد كبير على توحيد جهوده الاقتصادية للتخلص من “ادمان” الطاقة الروسية، وزيادة التقارب مع الولايات المتحدة الامريكية؛
  • في الوقت ذاته فإننا نرى تزايد لحمة الشعب الاوكراني وإيمانه العميق بتحقيق انتصار عسكري، بالإضافة الى زيادة الدعم العالمي لأوكرانيا، ان كان على الصعيد المالي او السياسي والأهم على الصعيد العسكري؛
  • لم يعد هناك المزيد من التمييز والمقاربات المنفصلة للأراضي التي احتلتها روسيا سابقا – القرم، منطقة الدونباس التي يسيطر عليها الانفصاليين؛
  • سوف تسعى القيادة السياسية و العسكرية الى تحرير الـ 20٪ من أراضي أوكرانيا المحتلة في اطار حدود عام 1991 بغض النظر عن “الوضع” الذي فرضته السلطات الروسية، حيث أبطلت هذه الحرب “الإنجازات الدبلوماسية” لموسكو في 2014-2015؛
  • وضعت القيادة السياسية والعسكرية اهدافا واضحة وهي تحرير جميع الأراضي التي تحتلها القوات الروسية، إعادة اللاجئين والمبعدين، وإعادة البناء وتطوير الدولة نحو الأفضل؛
  • ستنتصر أوكرانيا في هذه الحرب، حتى أن المراقبين المتشككين في البداية لم يعودوا يشككون في ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *