في التمرد الإسرائيلي على الولايات المتحدة

في التمرد الإسرائيلي على الولايات المتحدة

ماجد كيالي*

5/4/2023

منذ تشكيلها، باتت إسرائيل، في ظل حكومة بنيامين نتنياهو التي تضم حزب ليكود والأحزاب الدينية، في مواجهة أول أزمة داخلية وخارجية معاً، والمشكلة هذه المرة أن مشكلتها مع الغرب، وبخاصة مع الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي لها منذ إقامتها (1948)، وضامن استقرارها وأمنها وتفوقها، على محيطها، في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية.

طوال تاريخها، ظلت إسرائيل تجد في الولايات المتحدة درعاً واقية تغطّيها سياسياً، وتقدم الدعم لها في مختلف المجالات، وتلبّي نداءها في الحروب بجسور جوية، لكن كل تلك العلاقة بين دولة كبيرة بحجم الولايات المتحدة، أكبر بمئات المرات من إسرائيل، كانت فريدة من نوعها، إذ إن إسرائيل تتصرّف كأنها ولاية من الولايات المتحدة، إن لم تكن أكثر تميزاً عنها، وهذا ينطبق على الولايات المتحدة أيضاً. ولعل ما يؤكد الطابع الفريد لتلك العلاقات، أيضاً، تصرف كل طرف عند الطرف الآخر كأنه في بيته، وتحمل الطرفين الخلافات، والتوترات، التي يخفف منها تفهم الولايات المتحدة لحساسية إسرائيل لأمنها ومصالحها في المنطقة، والتحسب لهشاشة إجماعاتها الداخلية.

في هذا السياق، يمكن فهم التوتر الحالي الحاصل بين حكومة نتنياهو والإدارة الاميركية، على خلفية الغضب الأميركي من محاولات تلك الحكومة تغيير النظام السياسي في إسرائيل، وتقويض السلطة التشريعية (المحكمة العليا)، وإلغاء قانون “فك الارتباط”، وتشريع الاستيطان في الضفة الغربية، وتشكيل ميلشيا “الحرس القومي” بقيادة الوزير المتطرف بن غفير، وإقالة وزير الدفاع، تضاف إلى ذلك تصريحات الوزير المتطرف سموتريتش بمحو بلدة حوارة، ونفي وجود الشعب الفلسطيني.

ومعلوم أن ذلك الغضب تم التعبير عنه بعدم دعوة نتنياهو الى زيارة واشنطن (كما جرت العادة مع كل رئيس حكومة إسرائيلية)، ومطالبته بالتراجع عن طرح التعديلات الدستورية، الأمر الذي دفع نتنياهو للرد بأن “إسرائيل دولة ذات سيادة تتخذ قراراتها بإرادة شعبها، وليس على أساس ضغوط من الخارج بما في ذلك من أفضل الأصدقاء”(28/3/2023). وهو ما كرره الوزير المتطرف بن غفير، بشكل أخر، بقوله: “على بايدن وإدارته أن يفهما أن إسرائيل ليست نجمة أخرى في علم أميركا” (28/3/2023).

وعن ذلك يقول عاموس هرئيل: “الحضيض غير المسبوق الذي أوصلت إليه حكومة نتنياهو الدولة، في أزمة الانقلاب النظامي، جاء…على شكل تصريح للرئيس جو بايدن…أشبه بتدخل أخير لأقارب وأصدقاء لإنقاذ عضو تورط في مشكلة…دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض لن تكون في القريب. هي الإهانة الثانية…التي يتلقاها رئيس الحكومة في الساحة الدولية منذ استكمل تشكيل الائتلاف قبل ثلاثة أشهر. أراد نتنياهو أن يستقبل في زيارات رسمية في دولتين…الولايات المتحدة والإمارات…حدث العكس بالضبط…قوة النقد تذكر بأزمة الضمانات مع إدارة بوش في 1991، في حينه شكلت الأزمة المقدمة لهزيمة رئيس الحكومة في حينه، اسحق شامير، في الانتخابات التي أجريت بعد سنة.”. (“هآرتس”، 31/3)

وكانت علاقات إسرائيل، منذ قيامها، بالولايات المتحدة شهدت عدداً من التوترات، بسبب إدراك إدارة البيت الأبيض إن إسرائيل لا تسهل عليها سياساتها في الشرق الأوسط، أو أنها تتصرف بشكل غير مسؤول بما يهدد أمن إسرائيل، وتالياً استقرار المصالح الاميركية.

حصل ذلك حين أجبرت الولايات المتحدة إسرائيل على الانسحاب من سيناء ومن قطاع غزة (1956)، وإبان عقد اتفاق كامب ديفيد مع مصر (1978)، في ظل إدارة الرئيس كارتر، الذي ضغط على مناحيم بيغن للانسحاب من سيناء وتفكيك المستوطنات منها، وأيضا عندما شنّت الولايات المتحدة الحرب لإخراج الجيش العراقي من الكويت عام 1991 طالبة من إسرائيل التزام الصمت، ما يعني أنها باتت تستغني عنها لصون الاستقرار في المنطقة. وتكرر ذلك حين جلب الرئيس بوش “الأب” اسحق شامير، رئيس وزراء إسرائيل، الى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 رغم معارضته له، وتحت التهديد بوقف ضمانات القروض.

بيد إنه مع مجيء نتنياهو الى رئاسة الحكومة في إسرائيل (في مراحل ثلاث من 2006 إلى الآن) بدا التوتر بين الطرفين أكثر سخونة، وتعقيدا، وأدلجة، من ذي قبل، حصل ذلك بشكل خاص في عهد الرئيس باراك أوباما الذي طالب إسرائيل بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبتفعيل عملية السلام. وهو يحصل اليوم، أيضاً، في ظل إدارة بايدن، الذي كان نائباً للرئيس إبان إدارة أوباما، وكان اصطدم وقتها بالسياسات الإسرائيلية.

وما يفاقم من المشكلة اليوم لدى إدارة بايدن أن حكومة نتنياهو لا تتجرأ على الفلسطينيين، فقط، وإنما حتى على الإسرائيليين، أو نصفهم، كما تتجرأ على السياسات الأميركية في المنطقة، بخاصة في ظرف دولي وإقليمي صعب، إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا واحتلالها جزءاً من أراضيها، وإزاء محاولة كبح محاولات إيران التحول إلى دولة نووية.

فبعد أن قوضت إسرائيل في عهد نتنياهو الأول (1996ـ 1999) اتفاق أوسلو، ومشروع “الشرق الأوسط الجديد”، قامت في عهده الثاني (2009ـ 2021) بتعزيز الاستيطان في القدس والضفة الغربية، وبتشريع قانون إسرائيل كدولة “قومية” للشعب اليهودي (2018)، بما يفيد بتعزيز طابع إسرائيل كدولة يهودية والانتقاص من طابعها كدولة ديموقراطية (نسبة الى مواطنيها)، وبتعزيز مكانة الأحزاب الدينية في المجتمع الإسرائيلي. وها هو في عهده الثالث، مع حكومة متطرفة دينياً وقومياً، يسعى الى إحداث انقلاب في إسرائيل باتجاهين: الانقضاض على السلطة القضائية والاستيلاء على محكمة العدل العليا، وأيضا التحرر من عملية التسوية مع الفلسطينيين، باعتباره أن فلسطين من النهر إلى البحر هي أرض إسرائيل الكاملة، ومن حق اليهود الإسرائيليين الاستيطان فيها، مع تشديد القمع، بتشكيل جهاز ميلشيوي خاص باسم الحرس الوطني، بقيادة الوزير بن غفير.

في هذا الوضع فإن الإدارة الأميركية وجدت نفسها مسؤولة عن وقف التدهور الحاصل، الذي سيؤدي برأيها إلى تغيير طبيعة إسرائيل وفك ارتباطها بالقيم الغربية (الديموقراطية والليبرالية والحداثية). عزز من ذلك تصريحات للوزير المتطرف سموتريتش (وزير المالية والوزير في وزارة الدفاع)، عن محو بلدة حوارة قرب نابلس، ونفي وجود الشعب الفلسطيني، الأمر الذي دفعها الى الربط بين القضيتين، أي التغييرات التي ينوي نتنياهو احداثها في النظام السياسي، وموقفه من الفلسطينيين، وهذا هو الجديد في النهج الذي تتبعه إدارة بايدن.

وقد رصد العديد من المحللين الإسرائيليين هذا التطور لدى الإدارة الأميركية، فبحسب ألون بنكاس فإن “الامتناع عن دعوة نتنياهو إلى واشنطن…دليل يفوق أي توبيخ أو تصريح أميركي…الميزة المهمة للنهج الأميركي أنهم يعتبرون العمليات في إسرائيل شيئاً واحداً وموحداً…لا يوجد فصل بين الجانب الدستوري -السياسي ومحاولة نتنياهو الانقلابية، وبين السياسة تجاه الفلسطينيين…أي بُعد مصمم لتمكين تنفيذ الآخر” (“هآرتس”، 23/3/2023).

وهذا ما أكده بن كاسبت، أيضا، في تقرير قال فيه: “الأميركيون… كانوا واضحين، فظين وحادين: إذا أردتم مواصلة الحديث وتنسيق الاتصالات معنا في موضوع إيران…حان الوقت لتهدئة المناطق. لن نوافق على اللعب المزدوج…إذا كنتم تحتاجون الولايات المتحدة، فتصرفوا كأنكم تحتاجونها. لن نرضى بأن يتفق معكم على أمور في العقبة وفي الليلة نفسها تحرقون حوارة، وبعد ذلك يقول وزير ماليتكم إنه يجب محو القرية” (“معاريف”، 7/3/2023). ويفسر يوآف ليمور ذلك باعتبار “العالم الغربي يصعب عليه التعاون مع حكومة تعد مخربة للديمقراطية” (“اسرائيل اليوم” 13/3). وفي رأي ابراهام بن تسفي، “تتقدم إدارة بايدن بسرعة إلى مواجهة جبهوية مع إسرائيل… جملة كاملة من الأطر موضع الخلاف… تضع علامة استفهام على الصلة القيمية بين الحليفين، وعلى مدى أهمية إسرائيل كذخر استراتيجي مركزي للولايات المتحدة” (“إسرائيل اليوم” 23/3/2023).

 

*تم النشر بالتنسيق مع الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *