لكمات متبادلة من خاركوف إلى خيرسون ومعركة الدونباس تدخل مرحلة حاسمة

إعداد د. سعيد سلّام

15/6/2022

  • سيفيرودونتسك صامدة؛
  • ليستشانسك الحصن الأخير بفضل “طريق الحياة”؛
  • سلافيانسك تستعد؛
  • لكمات متبادلة من خاركوف الى خيرسون؛
  • وموسكو في وضع حرج.

خلال الأيام القليلة الماضية كان هناك تحركات كثيرة على الجبهة العسكرية، لكن بدون تغير كبير للمشهد العام للخارطة العسكرية:

حيث يواصل الجيش الروسي، متكبدا خسائر كبيرة، محاولاته للوصول إلى الحدود الإدارية لإقليم لوغانسك، القتال في شوارع سيفيرودونتسك لا يتوقف، ويتم قصف ليسيتشانسك المجاورة بنيران المدفعية.

في غضون ذلك، يقوم الجيش الروسي بتجميع قواته للسيطرة على سلافيانسك في إقليم دونيتسك، التي أصبحت بالفعل في متناول اليد.

لكن الجيش الأوكراني لا يبقى في موقف دفاعي، ويتقدم ببطء ولكن بثبات في إقليم خيرسون.

على هذه الخلفية، كانت قطاعات أخرى من الجبهة في الظل – فلا الأوكرانيون ولا الروس لديهم إمكانات كافية لعمليات هجومية نشطة على طول بقية خط التماس. يتم الآن تحديد الخطوة التالية، وربما مصير الحرب بأكملها، في دونباس. والقوات الروسية في وضع حرج بسبب إشكاليات تعويض الخسائر الكبيرة.

  • معركة سيفيرودونيتسك

مازالت سيفيرودونتسك مسرحًا لأكثر المعارك شدة ودموية في الحرب منذ أكثر من شهر. على مدى الأسبوعين الماضيين، كان القتال شرسًا في شوارع المدينة – السيطرة على الشوارع والأحياء وحتى المباني الفردية تتغير باستمرار، الخط الأمامي غير مستقر للغاية، كل ساعة تقريبًا يتحول في اتجاه أو آخر …

الجيش الأوكراني يسيطر على المنطقة الصناعية، حيث يقع “مصنع آزوت”، والأحياء المجاورة في الأجزاء الغربية والجنوبية من المدينة. اكتسب الروس موطئ قدم في شمال شرق المدينة، كما أنهم يسيطرون على الجزء المركزي منها؛

على الرغم من التصريحات المتكررة للجانب الروسي حول تطويق القوات الأوكرانية في مصنع آزوت الكيماوي، حيث يوجد أيضا نحو 560 مدني، إلا أن سلطات المدينة وقيادة القوات المسلحة الأوكرانية تدحضها. ويبذل الروس قصارى جهدهم لعزل هذه القوات عن طرق الإمداد التي تتم من لييسيتشانسك عبر نهر سيفيرسكي دونيتس، لذا قامت المدفعية الروسية بتدمير الجسور الثلاثة التي تربط المدينة بالضفة الأخرى للنهر، لكن مصادر خاصة أكدت أن خطوط الامداد العسكري لم تنقطع عن القوات الأوكرانية، وهنا يجب التنويه ان الجانب الروسي يتهم القوات الأوكرانية بتفجير الجسور لمنع القوات الموجودة في المدينة والمدنيين من مغادرتها.

لذا اعتقد ان اليومين أو الثلاثة القادمة ستكون ساخنة جدا في هذه الجبهة ومن غير المستبعد ان يتم محاولة الهجوم من اتجاهات اخرى على وجه الخصوص من اتجاه طريق ليسيتشانسك – باخموت السريع الذي يحاول الروس السيطرة عليه.

يجب ايضا ملاحظة ان المتطوعين الأجانب من “الفيلق الأجنبي” في القوات المسلحة الأوكرانية يقومون بدور نشط في الدفاع عن المدينة أيضا، وتكبدوا خسائر كبيرة حيث أعلن خلال الأيام الماضية عن مقتل 5 جنود بريطانيين من هذا الفيلق.

  • الحصن الأخير – ليسيتشانسك

تتعرض ليسيتشانسك التي تقع على مرتفع ويفصلها نهر سيفرسكي دونيتس عن سيفيرودونيتسك، لنيران المدفعية والراجمات بشكل مستمر، المواطنون هناك يواجهون صعوبات بسبب نقص المياه والاتصالات والغاز والكهرباء والخبز. بسبب الاستهداف المستمر لطريق باخموت – ليسيتشانسك، الذي يتم عبره إيصال الدعم اللوجستي للقوات الأوكرانية والمدنيين، حاليا القتال يدور على بعد 15 كيلومترًا جنوب ليسيتشانسك.

اعتقد ان مدينة ليسيتشانسك ستكون آخر “حصن أوكراني” في إقليم لوغانسك، وبسبب الصعوبة الكبيرة لاحتلال المدينة، فإن القوات الروسية ستقوم بتدمير المدينة بشكل كامل بالمدفعية والطيران، ولن تقوم بدفع قوات المشاة حتى لا تقع فريسة سهلة للقوات الأوكرانية وتكرر معركة سيفيرودونيسك، لذا فان الإدارة العسكرية الأوكرانية تدعو المدنيين الى مغادرة المدينة للسماح للقوات الأوكرانية القيام بمهامهم وكبح تقدم القوات الروسية وكسب الوقت للتحضير للهجوم المضاد.

  • ليسيتشانسك – باخموت – “طريق الحياة”

يواصل الجيش الروسي محاولاته المتكررة لقطع الطريق السريع ليسيتشانسك – باخموت، الذي يُطلق عليه أيضًا “طريق الحياة” بدون نجاح حتى الان. الطريق ما زال تحت سيطرة القوات المسلحة الأوكرانية، ولكن في بعض المناطق يتم استهدافه بنيران المدفعية، مما يجعل التنقل على طول الطريق السريع غير آمن، ووفقًا لبعض التقارير، تمكنت القوات الأوكرانية في الأيام الأخيرة من إبعاد القوات الروسية عن أهم طريق إمداد عسكري ومدني.

لا يزال الوضع في مدينتي غورسكوي و زولوتي صعبًا للغاية بالنسبة للقوات المسلحة الأوكرانية، خاصة بعد انسحابهم من قرية كاميشيفاخا، لكن في ذات الوقت لا تزال قرية توشكوفكا، وهي محطة رئيسية لاستقرار الدفاع الأوكراني في هذه المنطقة، تحت سيطرة الجيش الأوكراني على الأقل جزئيًا. الأمر نفسه ينطبق على قرية اوريخوفو الهامة جدا إلى الشرق من زولوتي، حيث ان السيطرة الكاملة عليها شرط ضروري لمزيد من هجوم القوات المسلحة الروسية.

  • الاقتراب من سلافيانسك

في منطقة سلافيانسك، بعد احتلال ليمان، تراجع الجيش الأوكراني إلى الضفة الغربية لنهر سيفرسكي دونيتس. وإلى الشمال منها، غادرت القوات المسلحة الأوكرانية رأس جسر سفياتوغورسك وتراجعت أيضًا بعد ان فجرت الجسور خلفها، ومن المتوقع ان تشن القوات المسلحة الروسية عملية هجومية على محور سلافيانسك – كراموتورسك من اتجاهين في وقت واحد – من ليمان وإيزيوم – في المستقبل القريب، حيث ان القتال يدور حاليًا حول قرية بوجوروديشن الواقعة على الضفة التي تسيطر عليها أوكرانيا لنهر سيفيرسكي دونيتس، والتي تبتعد 20 كيلومترًا فقط عن سلافيانسك.

تستمر الأعمال القتالية النشطة أيضًا في الغابات إلى الغرب والشرق من مدينة إيزيوم، حيث تستمر القوات المسلحة الأوكرانية بمحاولة التقدم نحو المدينة الرئيسية من أجل معركة دونباس في إقليم خاركيف.

  • لكمات متبادلة من خاركوف إلى خيرسون

في شمال إقليم خاركوف، تحاول وحدات من القوات المسلحة الأوكرانية دفع القوات الروسية بعيدًا قدر الإمكان عن مركز الإقليم والوصول إلى حدود الدولة. الجيش الروسي يقوم بعمليات هجوم مضاد ردا على ذلك، والعديد من البلدات تنتقل من طرف لطرف.

بعد ان تم تحرير قرية ستاري سالتوف، التي تقع على الضفة اليمنى لنهر سيفيرسكي دونيتس وتبعد 30 كيلومترًا من خاركوف، احتلها الجيش الروسي مرة أخرى. وتقوم القوات الروسية ببناء تحصينات على أطراف القرية، وهذا يشير إلى صعوبة الوضع هناك – حيث ان القوات المسلحة الأوكرانية تمكنت في وقت سابق من دفع الجنود الروس إلى الضفة اليسرى لنهر سيفرسكي دونيتس، والآن فقد تم خسارة هذه الإنجازات، حيث خسر الأوكرانيون عدة قرى في الإقليم، في نهاية الأسبوع الماضي، وما زالت المعارك مستمرة من أجل السيطرة على قرية تيرنوفايا، على بعد بضع كيلومترات من الحدود الروسية.

في القطاع الجنوبي من خط المواجهة في منطقتي دونيتسك وزابوروجيا، لا يقوم الطرفان بشن عمليات هجومية نشطة، لكن يشن الروس يوميًا قصفاً مدفعياً على مواقع الجيش الأوكراني وعلى البلدات في المنطقة مما يؤدي إلى مقتل وإصابة مدنيين.

يجب هناك التنويه ان القوات الروسية منذ 3 أيام سحبت قواتها القادرة على القتال من شمال المناطق التي تسيطر عليها في إقليم زابوروجيا، والتي استقدمتها قبلها ب 3 أيام، ونقلتها باتجاه جبهة خيرسون، مع إبقاء 30 دبابة T-62 استقدمتها من المخازن العسكرية، بعد قامت بوضعها في خنادق خاصة بالدبابات على طول الطريق السريع الذي يصل الى مدينة زابوروجيا (مصادر أوكرانية خاصة).

في الشمال الغربي من اقليم خيرسون، المنطقة التي اقامت بها القوات الروسية 3 خطوط دفاع سابقا، تواصل وحدات القوات المسلحة الأوكرانية هجومها المضاد في اتجاه مدينة خيرسون، حيث أعلن رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي شخصياً عن تحرير قرية تافريسكوي، مما يشير الى أهمية هذا الإنجاز.

في الوقت الحالي، تتركز القوى الرئيسية بين قريتي تافريسكوي وتومينا بالكا، حيث تدور أعنف المعارك، لأن مواقع الجيش الروسي مجهزة بالقرب من القرية الثانية.

وفي الشمال الشرقي للإقليم أيضا حققت القوات الأوكرانية حيث لا يوجد خطوط الدفاع محصنة للقوات الروسية، لذا اعتقد ان القوات الروسية ستكون مجبرة على نقل بعض وحداتها الى تلك المنطقة مما سيضعف دفاعاتها في شمال وغرب الإقليم.

على الضفة الشرقية لنهر إنغوليتس ما زال يحتفظ الجيش الأوكراني “برأس جسر – موطئ قدم” بالقرب من قرية دافيدوف برود، لكن ليس لديه بعد الموارد الكافية لتطوير هجوم على نوفايا كاخوفكا، لذا لا يمكن توقع تحرير سريع لإقليم خيرسون، لكن بعد أسابيع سنشهد معارك عنيفة.

  • موسكو في وضع حرج

تتحمل الوحدات المتقدمة في القوات المسلحة الروسية خسائر كبيرة ما يجبر القيادة الروسية على نقل كتائب الاحتياط إلى أوكرانيا بسبب نقص القوة البشرية. تشارك الدفعات الأولى والثانية حاليا في الحرب، بينما يبقى المستوى الثالث عادة في أماكن الانتشار الدائم للوحدة ولا يتم تزويدهما دائمًا بالطاقم الكامل. لهذا ربما سيتعين على القوات الروسية الاعتماد على المجندين الجدد أو جنود الاحتياط الذين تم حشدهم. سيسمح هذا لروسيا بزيادة عدد مجموعاتها القتالية في أوكرانيا، لكن الخسائر الفادحة ستؤدي إلى تدمير كامل نظام تدريب المقاتلين الجدد، بناء على اعتقاد الخبير العسكري الفنلندي ميكو لاكسونن.

ومن وجهة نظر سياسية، فإن قرار إرسال كتائب الاحتياط إلى المعركة أسهل من الإعلان عن التعبئة، ولكن في المستقبل سيكون لهذا تأثير سيء على التجنيد الإجباري، حيث أنه مع التطور السلبي للأحداث، يمكن أن يؤدي إلى انهيار عملية التجنيد.

وفقًا للقائد السابق للقوات الأمريكية في أوروبا، بن هودجز، فإن الإمكانات الهجومية للجيش الروسي قد جفت عمليًا، والأعمال القتالية الحالية في دونباس هي القفزة الأخيرة، بعد ذلك في الأشهر المقبلة لن تتمكن القوات المسلحة الروسية إلا من إدارة حرب المواقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *