Україна – арабський світ: два роки війни Росії проти України
في 7 مارس 2024، عُقدت طاولة مستديرة حول موضوع: “أوكرانيا – العالم العربي: عامين من الحرب”، خُصصت لتحليل العلاقات بين أوكرانيا والعالم العربي خلال عامين من الحرب الروسية الشاملة ضد أوكرانيا، حيث ناقش المشاركون الوضع الحالي وآفاق تطوير العلاقات بين الطرفين.
أقيم هذا الحدث في قاعة وكالة الانباء الاوكرانية الوطنية “أوكرإينفورم”، في إطار مبادرة مشتركة بين “مركز دراسات الشرق الأوسط” و “مركز الاتصالات الاستراتيجية و أمن المعلومات”، وبمشاركة “مركز الدراسات الاستراتيجية” – “فيجن” و “مركز العلاقات الدولية ودعم السلام والتنمية الفكرية”، و “مجلس الاعلاميين العرب في أوكرانيا”، و بحضور نخبة من الخبراء العرب و الأوكران.
ناقش المشاركون في الحدث الإنجازات التي تم تحقيقها و العوائق أمام تطوير علاقات أوكرانيا مع الدول العربية على مدى عامين من الحرب الروسية على أوكرانيا. وفي هذا السياق، أثيرت تساؤلات حول مدى أهمية العالم العربي بالنسبة لأوكرانيا، وما هي الجهود التي ينبغي أن تبذلها كييف للحفاظ على الدعم الذي تقدمه الدول العربية لأوكرانيا وزيادته.
في سياق المناقشات، تطرق الخبراء أيضا إلى مواضيع مثل:
- * زيارة رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي والوفد الأوكراني إلى المملكة العربية السعودية والتي تمت قبل أيام؛
- * التفاعل النشط لأوكرانيا مع دول الشرق الأوسط؛
- * مشاركة قيادة بعض الدول العربية في عملية إطلاق سراح الاسرى والرهائن الأوكرانيين، مما يدل على الاهتمام الجاد الذي توليه أوكرانيا لهذه المنطقة.
في افتتاح اعمال الطاولة المستديرة، أكد إيغور سيميفولوس، المدير التنفيذي لمركز دراسات الشرق الأوسط، في كلمته الترحيبية، أنه خلال هذه الفترة كانت العلاقات بين أوكرانيا والدول العربية تتمتع بديناميكيات مختلفة – من العزلة إلى المصلحة، ومن الحياد إلى الحياد النشط والمشاركة. وفي الوقت نفسه، لا يسعنا إلا أن نشير إلى أن هذه العلاقات لم تكن أبدا صافية. وقد أصبح هناك نوع من البرود ملحوظا على خلفية الحرب في قطاع غزة. ومع ذلك، لدينا حوار أكثر نشاطا وتفاعلا متزايدا من أي وقت مضى.
وذكر إيغور سولوفي، رئيس مركز الاتصالات الاستراتيجية وأمن المعلومات، أن هذه ليست المرة الأولى التي يعقد فيها المركز فعاليات حول موضوع العالم العربي، وعلى نطاق أوسع، الجنوب العالمي. وهذا أمر مهم لأن موسكو تنظر إلى المجتمعات غير الغربية باعتبارها الحلقة الأضعف في خططها الرامية إلى تعزيز أجندتها العالمية، و تقوم بأنشطتها الإعلامية لزيادة عدد الحلفاء وحثهم على التعاون مع الاتحاد الروسي.
واضاف سولوفي “لهذا السبب نبقي إصبعنا على النبض ونبحث ونتشاور مع الخبراء العرب أنفسهم حول كيفية الاستجابة والرد. لدى المركز أصدقاء يساعدون في إيصال الرسائل الأوكرانية إلى الجمهور العربي. ولا يفوتني أن أشير إلى التعاون الوثيق، لا سيما مع بعض الزملاء الحاضرين هنا، في صياغة ونشر المعلومات للجمهور العربي، وهو ما أعبر لهم عن عظيم امتناني له. إن هذا الحدث يمثل فرصة جيدة لتلخيص نتائج الجهود المشتركة، وآمل أن يزيد من فهمنا لوجهتنا التالية وكيفية مواجهة التأثير الإعلامي الضار لروسيا”.
وأكد على أهمية الأنشطة الإعلامية في مناطق العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، حيث تحاول روسيا الحصول على دعم الدول لمزيد من العمليات العسكرية ضد أوكرانيا.
من ناحيته شدد أولكسندر بوغومولوف، مدير المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية، في كلمته على أصول السياسة التوسعية للاتحاد السوفييتي، واستخدام روسيا لهذه التجربة في الشرق الأوسط، الأمر الذي يزيد من تعقيد العلاقات الأوكرانية العربية. وهناك عقبة أخرى تتمثل في تعقيدات العالم العربي، ومشاكله الخاصة، التي تجعل من الصعب بناء اتصالات وعلاقات عندما تعاني الدول من مشاكل كثيرة.
بشكل عام، جرت المائدة المستديرة في شكل نقاش نشط، تبادل خلالها المشاركون الآراء والخبرات والأفكار والمقترحات بهدف التعرف على الإنجازات خلال عامين من الحرب، والمشاكل المحتملة في مسألة العلاقات بين أوكرانيا والدول العربية، وتطوير خطوات وحلول فعالة لتحسين الحوار السياسي الخارجي في المستقبل.
وكانت القضايا الرئيسية للمناقشة هي:
- * ما مدى واقعية رؤية الدول العربية بين حلفاء أوكرانيا؟
- * ما هي الجهود التي ينبغي بذلها وفي أي اتجاهات للتقريب بين مواقف أوكرانيا ودول العالم العربي؟
- * ما هي سياسة دول العالم العربي تجاه أوكرانيا في السنوات القادمة؟
لخص إيغور سيميفولوس، المدير التنفيذي لمركز دراسات الشرق الأوسط، في كلمته الإنجازات الرئيسية لتعاون أوكرانيا مع العالم العربي. حيث أكد أن معظم الدول العربية تصوت لصالح القرارات المؤيدة لأوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 2014. وتشارك السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة في الاجتماعات المخصصة لصيغة السلام الأوكرانية، والتي تدعمها أيضا الكويت ولبنان وليبيا والمغرب وعمان والصومال وتونس واليمن، وأعربت عن استعدادها للمشاركة في المناقشات والاجتماعات.
و في إطار حديثه عن المؤشرات الاقتصادية اشار أنه خلال العدوان الروسي الشامل قدمت الدول العربية مساعدات إنسانية لأوكرانيا بمبلغ لا يقل عن 620 مليون دولار. وعلى الرغم من محاولات القوات الروسية إغلاق البحر الأسود و قطع طرق الشحن البحري عبره، فإن التعاون الاقتصادي بين أوكرانيا والدول العربية مستمر في النمو. أصبح هذا ملحوظًا في عام 2023، عندما زادت التجارة بين أوكرانيا و الدول العربية بشكل ملحوظ، بعد بعض التراجع في السنة الأولى من الحرب. الأرقام ليست نهائية بعد، لأنه لا توجد إحصائيات لعام 2023 بأكمله حتى الآن، ولكن وفقا للإحصائيات المتداولة بالفعل، فإن إجمالي حجم التجارة بين أوكرانيا والدول العربية بلغ حوالي 7.4 مليار دولار. وأشار سيميفولوس إلى أن واردات النفط والغاز إلى أوكرانيا من الدول العربية زادت بنسبة 14.3% العام الماضي، حيث ارتفع إجمالي واردات أوكرانيا من النفط والغاز من 18.2% إلى 20.5%، رغم أنها لا تتجاوز 400 مليون دولار. الموردين الرئيسيين هم المملكة العربية السعودية والعراق والإمارات العربية المتحدة ومصر وليبيا… الأمر ليس مباشرًا، لكنهم يزودون عبر أوروبا، وهناك بالفعل عقود مبادلة. لكن الحقيقة هي أنه بحلول عام 2023 قامت أوكرانيا بزيادة تجارة النفط والغاز مع الدول العربية.
ومن ناحية أخرى، يعتمد الاستقرار السياسي في العالم العربي إلى حد كبير على استيراد الحبوب الأوكرانية. الشركاء العرب الرئيسيون لأوكرانيا لاستيراد الحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى في عام 2023 هم مصر (2.4 مليون طن) والمملكة العربية السعودية (1.5 مليون طن) والإمارات العربية المتحدة (0.8 مليون طن) وليبيا (0.7 مليون طن) والمغرب ( 0.6 مليون طن).
وأضاف “بالطبع تعاوننا لا يقتصر على هذه الأرقام. تلعب أيضًا العديد من الاتصالات الثقافية والتفاعل البشري وتبادل المعلومات دورًا. على مدى العامين الماضيين، زاد الاهتمام المتبادل، ويكتشف مواطنو الدول العربية بلادنا بأنفسهم. لقد اقتحمنا فضاء المعلومات العربي. لسوء الحظ، ليس في افضل الظروف، ولكن الأمر يعتمد علينا إلى حد ما على مستقبلنا المشترك وتعاوننا”.
و اضاف سيميفولوس: في مايو 2023، دعا الرئيس زيلينسكي جامعة الدول العربية إلى المساعدة في إطلاق سراح الأوكرانيين وتتار القرم الذين تم أسرهم وسجنهم في روسيا. وتلقينا الدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة التي أبدت استعدادها للمساعدة في إطلاق سراح السجناء السياسيين الأوكرانيين. وفي أكتوبر 2023، وقَّعت أوكرانيا والمملكة العربية السعودية إعلانًا مشتركًا تعهدتا فيه بتسهيل إطلاق سراح الاسرى والمبعدين. ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى خروج عملية تبادل الأسرى عن مسارها في وقت سابق من هذا العام. وأيضاً، وفقاً للأمم المتحدة، تم اعادة 1234 طفلاً أوكرانياً تم نقلهم بشكل غير قانوني إلى روسيا من خلال وساطة الدول العربية، وهو ما يمثل للأسف 6٪ فقط من الأطفال المحتجزين قسراً على أراضي روسيا. لكن هذا مهم للغاية من وجهة نظر الجهود الإنسانية التي تبذلها هذه الدول العربية.
و اكد انه “خلال عامين من الحرب، كانت العلاقات بين أوكرانيا والدول العربية تتمتع بديناميكيات مختلفة – من الانعزال إلى الاهتمام الحذر، ومن الحياد إلى الحياد النشط… وبالتالي، مشاركة أكبر في العمليات التي تجري في أوروبا الشرقية. ومع ذلك، لا يمكن القول أنها كانت دائما صافية. وقد برز نوع من الفتور في العلاقات على خلفية الحرب في قطاع غزة. ومع ذلك، لدينا، كما لم يحدث من قبل، حوار نشط وتفاعل متزايد”.
وفي هذا السياق، أفاد أنه خلال عامين من الحرب، كان هناك ما لا يقل عن سبع زيارات رفيعة المستوى لوفود أوكرانية إلى الدول العربية وخمس زيارات على الأقل لممثلين رفيعي المستوى من الدول العربية إلى أوكرانيا.
د. خالد العزي، الأستاذ في الجامعة اللبنانية، من بيروت، في حديثه عن السياسة الإعلامية لأوكرانيا في دول الشرق الأوسط فيما يتعلق بالحرب الروسية، اشار إلى عدم كفاية وعي المجتمع العربي بأوكرانيا وضعف العلاقات الأوكرانية العربية. حيث قال ان علاقات العالم العربي مع أوكرانيا ضعيفة للغاية. العرب ليسوا على دراية كافية بأوكرانيا وثقافتها ولغتها وتقاليدها. لم يفهموا الوضع مع شبه جزيرة القرم، مع الحرب الروسية الأوكرانية. لذلك، من الضروري تعزيز السياسة الإعلامية. ونرى مدى قوة الحرب الدعائية التي مارستها السلطات الروسية في الداخل والخارج على الناس لغسل العقول وإطلاق سردية جديدة تقوم على استعادة الاراضي المسلوبة قديما من الامبراطورية الروسية، و طرح سرديات خاصة بروسيا لا تنطبق على التاريخ من خلال تزوير الحقائق.
و اكد د. العزي “هنا لم نرى فقط اخطاء العرب بل ايضا أخطاء الاوكرانيين بصورة عامة الذين فشلوا في بناء تحالفات في المنطقة العربية و الشرق الاوسط و آسيا، بسبب عدم وعي أهمية ودور وتأثير دول الشرق الاوسط و افريقيا و امريكا اللاتنية، لأنهم كانوا ينظرون فقط الى منطقة واحدة نقطة واحدة وهي اوروبا، تحت مبرر “اننا نريد التوحد والتكامل مع أوروبا”، و ثقلنا يتجه نحو تحقيق هذا الهدف”.
و تسائل د. العزي “الان بعد الحرب التي شنتها روسيا ضدكم اين دوركم؟ اين تحالفاتهم؟ اين صحفييكم؟ اين دبلوماسيكم؟ اين اعلامكم؟ اين سفاراتكم؟ لهذا كانت العلاقات الأوكرانية – العربية ضعيفة جدا ولا تزال”.
و اكد قائلا: “ندعم ونقف الى جانب اوكرانيا لأننا ضد الاحتلال، وما تمارسه روسيا باتجاه اوكرانيا هي عملية احتلال بكل معنى للكلمة، ونحن في العالم العربي نعاني من احتلال لأرضنا ولا يمكن ان ندعم احتلال ونصرخ في وجه آخر، لان مفهوم الاحتلال واحد، ولا يوجد احتلال قذر واحتلال نظيف … وما يمارسه الاحتلال الروسي هو ابشع شيء يمارس ضد الإنسان والحجر والثقافة واللغة والأرض والعرض، وخاصة بان روسيا لم تعترف ابدا بوجود دولة اسمها اوكرانيا وهذا التوجه بدأ من فترة طويلة لدى القادة الروس”.
و اختتم د. العزي انه يمكن القول بان الاوكرانيون لم يهتموا ابدا بتطوير العلاقات مع الدول العربية، لم يأخذوا بعين الاعتبار الدور العربي والثقافة العربية وطبيعة النمط الحياتي العربي، قدرة الضغط العربي، وعندما وقفنا لندافع عن الحقوق الاوكرانية كان الاوكرانيون بعيدون جدا عن الواقع الدولي. إن المطلوب من اوكرانيا هو بناء دعاية معاكسة لإظهار الحقائق من خلال تجنيد الكوادر الاعلامية والثقافية والدبلوماسية لفتح الابواب امام الصوت الأوكراني كي يصل للخارج، لبناء أفضل العلاقات مع العرب والآسيويين واللاتينيين و الأفارقة، عن طريق الحوار والدبلوماسية وفتح الشاشات وبث الحوارات واللقاءات الهادفة لتطوير العلاقات مع العالم بما فيه العالم العربي.
و ركزت إيرينا سوبوتا، الباحثة في مركز الاتصالات الاستراتيجية وأمن المعلومات، على أدوات وفعالية الدعاية الروسية في العمل مع الجمهور في العالم العربي.
قالت الباحثة: “تكمن فعالية الدعاية الروسية في الشرق الأوسط في الانغماس في السياقات المحلية وتكتيكات المعلومات المختلفة والتقنيات الجديدة من أجل خلق وتطوير روايات لجمهور محدد من أجل التلاعب بعد ذلك بهذا الجمهور في الشرق الأوسط. وتقدم روسيا نفسها كبديل للدول الغربية، وشريك مربح مستعد لإعادة صياغة النظام العالمي لصالح تلك الدول التي تشعر بالظلم”.
و اشارت الباحثة الى ان قناة RT العربية تعتبر ناطقا قويا بلسان الدعاية الروسية. كما يتم إرسال “خبراء” روس إلى وسائل الإعلام العربية. وتمارس موسكو نفوذها على العرب بمساعدة شبكات التواصل الاجتماعي. قام “معهد الحوار الاستراتيجي” بالتحقيق في كيفية نجاح الدعاية الروسية على موقع X (تويتر) مع الجماهير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. على سبيل المثال تم اكتشاف 10 حسابات تضم 359.075 متابعًا. تحتوي هذه الملفات الشخصية على صور رمزية غير فريدة. يمكن تتبع التشابه في “سيرتهم الذاتية”. وتصف “ماريا راسكولنيوف” نفسها بأنها “محررة الخدمة الصحفية لوكالة سبوتنيك الروسية_القسم العربي”. تقدم إيلينا كوسوجوروف نفس المعلومات الشخصية: “محررة قسم الصحافة العربية في وكالة سبوتنيك الروسية_القسم العربي”. لا تشير هذه المجموعة من حسابات تويتر إلى النخبة السياسية في الكرملين وتقتبس منها فحسب، بل تنخرط أيضًا في التضليل الصريح، وتنسيق التغريدات المتطابقة فيما بينها، على سبيل المثال، حول وجود مختبرات بيولوجية غربية في أوكرانيا.
تم تطوير موضوع صراع المعلومات في العالم العربي من قبل د.سعيد سلّام، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية “فيجن”، حيث أوضح أن غالبية الدول العربية قررت البقاء على الحياد في الصراع بين روسيا وأوكرانيا، و في الوقت نفسه تدين الغزو الروسي وتدعم القرارات المؤيدة لأوكرانيا في الأمم المتحدة. ومع ذلك، أشار إلى أنه في المواجهة الدبلوماسية العالمية التي اندلعت حول الحرب الروسية الأوكرانية، تسعى معظم الدول العربية إلى الحفاظ على الحياد. الدول العربية لديها علاقات استراتيجية مع روسيا ويحاولون الحفاظ على هذه العلاقات، على وجه الخصوص، في مجال تجارة المواد الغذائية والتعاون في إطار أوبك بلس، ولا يريدون قطع هذه العلاقات معها. ومن ناحية أخرى فإن الدول العربية لا تريد تدهور علاقاتها مع الغرب والولايات المتحدة. وترى حكومات الدول العربية أن التوازن هو أفضل استراتيجية، لكن التصعيد المستمر سيجبرها في النهاية على تحديد الجانب الذي تقف فيه. وهكذا تجد الدول العربية نفسها في موقف صعب، إذ تحاول الموازنة بين مصالح روسيا والغرب، وكذلك بين احتياجات الأمن الغذائي وأمن الطاقة.
وكانت استراتيجية حرب المعلومات أيضًا جانبًا مهمًا أكد عليه د. سلّام. حيث قال: “منذ بداية العدوان الروسي على أوكرانيا، انقسم الشارع العربي إلى مؤيد لروسيا وآخر مؤيد لأوكرانيا. ومع ذلك، لسوء الحظ، كان الجانب الروسي مستعدًا لحرب المعلومات في العالم العربي، وكان لديه العديد من منصاته الإعلامية باللغة العربية، والتي كانت لسنوات عديدة تستهدف العالم العربي. هناك قنوات تلفزيونية وإذاعات روسية، ناهيك عن عالم شبكات التواصل الاجتماعي، ولم يتمكن الجانب الأوكراني من مخاطبة العالم العربي بالحقائق، لأنه لم يكن جاهزا أو لم يكن مهتما بالتواصل الإعلامي مع العالم العربي. ولكن بفضل الحضور الكبير للقنوات الإخبارية العربية في كييف، ووصول المراسلين العرب، تم نقل العديد من الحقائق. إن تغطيتهم الموضوعية للوضع من على الأرض تصب في صالح الموقف الإيجابي للشارع العربي تجاه أوكرانيا. كما قدم الناشطون و المنظمات العربية في أوكرانيا، مثل مجلس الاعلاميين العرب، ومركز العلاقات الدولية ودعم السلام والتنمية الفكرية، ومركز الدراسات الاستراتيجية “فيجن” مساهمة كبيرة. كذلك يظهر العديد من العرب الأوكرانيون باستمرار كخبراء على الهواء في القنوات الإخبارية العربية، وينشرون كتاباتهم و مقالاتهم الخاصة حول الوضع في أوكرانيا.
ومع ذلك، حتى بعد عامين من الحرب واسعة النطاق، لا تزال العديد من المشاكل دون حل. فأولا، تستمر العديد من وسائل الإعلام العربية في تغطية حرب روسيا ضد أوكرانيا من خلال منظور الصراع الروسي مع الغرب، حيث تُسنِد إلى أوكرانيا دور البيدق. كذلك يتفهم العرب أطروحات الدعاية الروسية حول النضال من أجل عالم عادل متعدد الأقطاب. كذلك لحق الضرر الكبير بسمعة أوكرانيا في العالم العربي بسبب موقفها من القضية الفلسطينية. ثانياً، في الفضاء الإعلامي العربي، يتم تكريس الكثير من الاهتمام لسردية تبرير العدوان من خلال الحديث عن “المخاطر الأمنية” التي تواجه روسيا وحقها في “الدفاع عن النفس”. وفي الوقت نفسه، لا تؤخذ نفس المصالح الأمنية لأوكرانيا بعين الاعتبار. ثالثا، بعض وسائل الإعلام العربية ليست حساسة للتضليل الروسي. جميع تصريحات المسؤولين الروس تؤخذ على محمل الجد، بما في ذلك التقارير الكاذبة من الجبهة التي تمجد الانتصارات الروسية. هذه هي النقاط الرئيسية التي لا يزال يتعين على الجميع القيام بالكثير من العمل عليها.
بدوره، د. محمد زيدية، رئيس المؤسسة الخيرية “مركز العلاقات الدولية ودعم السلام والتنمية الفكرية” لفت انتباه المشاركين في الطاولة المستديرة إلى أهمية فعاليات الجاليات العربية في أوكرانيا، وأوضح أن الجالية السورية في اوكرانيا قد لعبت دورًا نشطًا في دعم أوكرانيا أثناء الحرب، وكذلك في توفير المعلومات الواضحة و الحقيقية للمجتمع العربي حول أوكرانيا.
و أضاف: “الشتات السوري موجود في أوكرانيا منذ فترة طويلة. بعد عام 2011، عندما بدأت الانتفاضة في سوريا، رأينا الدمار، وكان هناك الكثير من اللاجئين، وتم الضغط على شعبنا، لذلك في بداية الحرب، قرر الشتات السوري مساعدة أوكرانيا على الفور. ولذلك فإن مهمتنا الأولى هي إعلام المجتمع العربي، لا يمكننا التأثير على الحكومات، ولكن يمكننا التأكد من أن المعلومات الصحيحة تصل الى المجتمع العربي”.
وخلال المناقشات، ذكر المشاركون رؤى إخبارية مختلفة أحدثت ضجة كبيرة ليس فقط للمجتمع، بل لدول العالم أيضًا.
أعرب سيرغي دانيلوف، نائب مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، عن رأيه في أحد هذه الاحداث قائلا “إذا كان ما كتب في صحيفة وول ستريت جورنال، وتحديداً حول مشاركة الجيش الأوكراني في السودان، صحيحاً، فإن أوكرانيا بدأ يُنظر إليها في الشرق الأوسط كقوة عسكرية خطيرة”. ولذلك، فإن هذا “قد يشير إلى إمكانية زيادة مستوى النفوذ العسكري لأوكرانيا في منطقة الشرق الأوسط وتغييرات في النظرة إليها كقوة عسكرية، إذا صحت المعلومات حول مشاركتها في العمليات العسكرية في السودان”.
بدوره قال د. علاء أبو عامر، مساعد وزير خارجية فلسطين الأسبق، ومدير دائرة أوروبا الشرقية في وزارة الخارجية سابقاً، وأستاذ العلاقات الدولية في عدة جامعات فلسطينية، إن العرب ومنهم الفلسطينيون يعتقدون أن روسيا تواصل خط الاتحاد السوفييتي السابق وهي الوريث السياسي له، في حين أن أوكرانيا وبيلاروسيا ودول أخرى من الاتحاد السوفييتي السابق لا تعتبر في الغالب كذلك. وأشار مع الأسف إلى أن أوكرانيا لا تلعب حتى الآن دورا مهما في المنطقة العربية، على عكس روسيا.
و اضاف ان هناك عتب فلسطيني او عدم ارتياح من تصريحات الرئيس الاوكراني فولوديمير زلينسكي، الذي شبه اوكرانيا باسرائيل وتحدث عن ان اوكرانيا هي بمثابة “اسرائيل العظمى”، وكذلك تشبيهه اوكرانيا في صراعها مع روسيا كحرب اسرائيل مع اعدائها، و الحقيقة هي عكس ما قال، فلسطين و اوكرانيا تخضعان للاحتلال، وحالة فلسطين هي اشبه بحالة اوكرانيا، فالصهاينة يقولون انه لا يوجد ولم توجد فلسطين من قبل، وهذا كذب، و روسيا تقول ان اوكرانيا لم تكن من قبل، بل ان أوكرانيا هي اراض روسية، ولا يوجد شعب اوكراني بل هم روس. هذا اولا. ثانيا، بالمقارنة بين روسيا و اوكرانيا، العرب عامة، والفلسطينيين منهم، يعتقدون ان روسيا اليوم هي الاتحاد السوفيتي السابق، كون روسيا هي وريثه السياسي، وكثير منهم لا يعلم ان اوكرانيا وبيلاروسيا وغيرها كلهم ورثة ذلك الحليف الصديق للعرب. و للأسف لا يوجد دور مؤثر لأوكرانيا في المنطقة العربية بعكس روسيا. السيء ايضا ان معظم وسائل الاعلام الاوكرانية تتخذ منحى مؤيد للصهاينة واسرائيل وموقفا معاديا لفلسطين وهذا غريب.
واختتم قائلا: “نحن بحاجة إلى دخول العرب والأوكرانيين في حوار من أجل تعزيز العلاقات والوصول بها إلى مستوى أعلى”.
اما د. يحيى خربوطلي، الباحث السياسي و الإعلامي، فقد تطرق خلال النقاش إلى موضوع وسائل الإعلام الأوكرانية ودورها في تغطية الأحداث.
و قال “نحن نعتبر أنفسنا أوكرانيين، ونحن جزء من الشعب الأوكراني، بالتالي كل ما يحدث للشعب الأوكراني يمسنا أيضا، لذلك قررنا البقاء في أوكرانيا مع بدء الحرب لكي نشارك الشعب الأوكراني مصيبته كما كان هو يشاركنا أفراحه. كنا نغطي الأحداث عبر الفضائيات العربية والأجنبية قبل بداية الحرب، واستمرينا بتغطيتها على مدى سنتين، وكنا موضوعيين بالتغطية ونقلنا الصورة الحقيقية لما يجري على الأرض وبكل أمانة. نحن نعتبر ما قمنا ونقوم به هو واجب علينا وليس من زاوية تحميل الجميل للشعب الأوكراني والحكومة”.
وعلى وجه الخصوص، أكد د. خربوطلي أنه على الرغم من حجم المساعدات الكبيرة التي تقدمها الدول العربية (المساعدات الإنسانية والوساطة في عمليات تبادل الأسرى والوساطة في وقف الحرب الروسية ضد أوكرانيا)، إلا أن مصادر الأخبار الأوكرانية لا توليها اهتماما كبيرا خلال أوقات البث، وهو ما يعد أيضا أحد عوامل ضعف وعي المجتمع الأوكراني بمساعدات الدول العربية.
و اضاف ان “ما يجري الآن في فلسطين المحتلة وعلى وجه الخصوص في قطاع غزة وما تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي من مجازر وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني والتجويع، نرى أن كل العالم، بما فيهم أكثر من 400 مليون مواطن عربي وأكثر من 1,5 مليار مسلم، أدانوا هذه الجرائم، إلا أوكرانيا لم تعلن عن موقف واضح تدين فيه إسرائيل على ممارساتها. وهذا الموقف أيضا يؤدي إلى إضعاف العلاقات العربية الأوكرانية. نرجو من الجهات المختصة في أوكرانيا أن تعيد النظر في مواقفها بما يتعلق بقضايا ومشاكل الدول العربية لكي نتمكن نحن وبمساعدتكم من تحسين العلاقات الأوكرانية العربية.”
وفي نهاية المائدة المستديرة، تحدثت خبيرتا مركز دراسات الشرق الأوسط أولينا بشينيتشنا وآنا كيشوك عن دور الشباب في هذه القضية، متفهمين التحديات التي تواجه جيل المستقبل. وأكدوا أن الشباب الأوكراني يعمل بالفعل على مواجهة التحديات وتحسين التواصل مع العالم العربي، مما يدل على الاستعداد لتغيير وجهات النظر حول المفاهيم العالمية، وكذلك تحسين العلاقات الأوكرانية العربية والانتقال إلى مستوى جديد من التعاون.
وخلصت الخبيرتان إلى انه “نحن، كشباب، نعيد الآن التفكير في مفهوم أنه لا توجد أوروبا فقط في العالم، ولكن أيضًا مناطق أخرى، بما في ذلك الشرق الأوسط، وهو أمر مهم للغاية بالنسبة لأوكرانيا. يجب علينا أن نؤكد في المجتمع الأوكراني وفي المجتمع العربي على ما يحدث في البلدان من أجل تحسين التواصل، خاصة بالنظر إلى الدعاية الروسية، التي يتعين علينا أن نواجهها”.
الاستنتاجات
من خلال تحليل هذه الآراء الرئيسية، يمكننا أن نستنتج أن الدول العربية تواجه حاليًا تحديات دبلوماسية وإعلامية خطيرة في سياق الحرب الروسية الأوكرانية، وعليها إيجاد توازن بين مصالحها والحقائق الجيوسياسية العالمية. ولابد من تعزيز العلاقات الأوكرانية العربية في كافة الجوانب، وخاصة في المجال الإعلامي، لأن الدعاية الروسية في العالم العربي و الشرق الأوسط تتفوق على السياسة الإعلامية الأوكرانية. ومن المهم أيضا أن ينتهج الجانب الأوكراني سياسة خارجية متوازنة تجاه دول منطقة الشرق الأوسط، فالعرب لديهم قضايا حساسة يجب التعامل معها بشكل متوازن. لكن في ذات الوقت هناك إنجازات دبلوماسية يجب دعمها وتطويرها، خاصة في المجالين الاقتصادي والعسكري.
لمشاهدة تسجيل وقئع الطاولة المستديرة – باللغة الروسية و الاوكرانية (يتم العمل حاليا على وضع الترجمة في الفيديو)
أشكر الدكتور سعيد على جهوده في تغطيته لهذا الحدث، والطرف الأوكراني الذي بادر لهذا اللقاء. بالفعل بدأنا نشعر بأن أوكرانيا بدأت تمنح إهتماما أكبر لعلاقاتها مع الدول العربية، ويبقى علينا نحن العرب في أوكرانيا أن نزيد من جهودنا لكي نكون حلقة وصل بين المجتمع الأوكراني والشعوب العربية ونلعب دورا في تطوير هذه العلاقات. وأتمنى أن يضم اللقاء القادم عدد أكبر من ممثلي الجاليات العربية الأخرى.