Сектор Газа: невичерпне джерело опору
د.ماهر الشريف
16/10/2023
غزة: إبادة جماعية
هو جيب فلسطيني على ساحل البحر الأبيض المتوسط، تبلغ مساحته نحو 361 كيلومتراً مربعاً، ويمتد من نقطة معبر بيت حانون في الشمال إلى معبر رفح في الجنوب على طول نحو 41 كيلومتراً وعرض من 6 إلى 10 كيلومترات. شكّل، خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، كابوساً للجنرال يتسحاق رابين الذي تمنى لو أنه يغرق في البحر بكل من فيه، بينما دفع الجنرال أريئيل شارون، خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، إلى اتخاذ قرار التخلص منه وفرض الحصار الشامل عليه.
سكان القطاع: معظمهم من اللاجئين
إذا كان لمدينة غزة تاريخ طويل، إذ يُعتقد أنها تأسست في حدود سنة 1500 قبل الميلاد، وكانت ممراً للعبور بين مصر وبلاد الشام، فإن قطاع غزة هو تشكيل حديث، نشأ إثر التوقيع على اتفاقية رودس، في شباط/فبراير 1949، بين مصر وإسرائيل، وصار يخضع للإدارة المصرية، وانقسم إلى خمس مناطق: الشمال، مدينة غزة، الوسط، خانيونس ورفح. وكان قد لجأ إليه في الفترة من نيسان/أبريل إلى كانون الأول/ديسمبر 1948 نحو 200 ألف لاجئ من نحو 49 بلدة وقرية دمرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي وهجّرت سكانها، في حين لم يتجاوز عدد السكان الذين سكنوا في منطقة غزة آنذاك ثمانين ألفاً. وقد انتشر هؤلاء اللاجئون في ثمانية مخيمات، تديرها وكالة “الأونروا”، هي: جباليا شمال غزة، وهو أكبرها، والشاطئ في غزة، والنصيرات في الوسطى، والبريج في الوسطى، والمغازي في الوسطى، ودير البلح في الوسطى، وخان يونس في خان يونس، ورفح في رفح. ويقدّر عدد سكان قطاع غزة اليوم بأكثر من مليوني نسمة، يقطنون في بقعة هي من الأعلى كثافة سكانية في العالم، إذ تبلغ الكثافة السكانية في المخيمات 55 ألف نسمة/ كم2، وهي تقريباً ضعف الكثافة في قطاع غزة عموماً، علماً بأن نحو نصف اللاجئين ما زالوا يعيشون داخل المخيمات، التي تعاني مشكلات الفقر والبطالة.
مقاومة القطاع بعد النكبة
منذ نكبة فلسطين وإلى اليوم، مثّل قطاع غزة قاعدة للوطنية الفلسطينية ومنبعاً لمقاومة لا تنضب للاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته المتكررة.
ففي أواخر أيلول/سبتمبر 1948، شهدت مدينة غزة محاولة لإحياء الكيان السياسي الفلسطيني، قامت بها “الهيئة العربية العليا لفلسطين”، بزعامة مفتي القدس محمد أمين الحسيني، عندما شكّلت فيها في 22 من ذلك الشهر “حكومة عموم فلسطين” برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي، التي حظيت بثقة “مؤتمر وطني فلسطيني” عُقد في مدينة غزة في الثلاثين من الشهر نفسه بمشاركة 83 مندوباً، ودعا إلى ضمان استقلال فلسطين ضمن حدودها الانتدابية. بيد أن تلك المحاولة لبعث الكيان الفلسطيني، كانت محكومة بالفشل سلفاً على اعتبار أن الأرض الفلسطينية، التي كان ينبغي على “حكومة عموم فلسطين” أن تمارس سلطتها عليها، كانت خرجت عن نطاق أي سيطرة فلسطينية.
منذ سنة 1953، بدأ اللاجئون الفلسطينيون في قطاع غزة ينتظمون في مجموعات فدائية صغيرة ويقومون بعمليات تسلل إلى أراضيهم على طول الحدود، فكان الجيش الإسرائيلي يرد عليهم بعمليات انتقامية وحشية. ففي 28 آب/ أغسطس 1953، هاجمت وحدة إسرائيلية بقيادة أريئيل شارون مخيم البريج للاجئين في قطاع غزة وقتلت 50 فلسطينياً على الأقل. ورداً على ذلك الهجوم، الذي نُظر إليه باعتباره يرمي إلى تفكيك المخيمات وتمهيد الطريق أمام مشاريع توطين اللاجئين، انطلقت مظاهرة شعبية واسعة من مدرسة البريج الثانوية للاجئين، طالب المتظاهرون خلالها الإدارة المصرية بتكوين حرس وطني فلسطيني يحمي الحدود وبإشاعة الحريات العامة. وفي 28 شباط/فبراير 1955، وبذريعة مقتل أحد الإسرائيليين في مستوطنة “رحوفوت-ديران” جراء نشاط المتسللين الفلسطينيين، قامت وحدة مظلات تابعة للجيش الإسرائيلي بمهاجمة معسكر عسكري مصري قرب محطة سكة الحديد في مدينة غزة، أسفر عن مقتل سبعة عشر جندياً وهم في نومهم، ثم نصبت كميناً لقوة مصرية هرعت لنجدة جنود المعسكر، ما أسفر عن مقتل عدد آخر من الجنود المصريين، ليبلغ عدد ضحايا الجيش المصري 38 قتيلاً ونحو 33 جريحاً.
وقد شكّلت تلك الغارة الإسرائيلية على مواقع الجيش المصري، ثم التظاهرات الشعبية الحاشدة التي شهدها القطاع في الأسبوع الأول من شهر آذار/مارس 1955 لإحباط مشروع توطين 12,000 أسرة من لاجئي القطاع على أراضٍ واقعة شمال غرب صحراء سيناء، منعطفاً في مسار ثورة 22 تموز/ يوليو المصرية ، إذ دفعا الرئيس جمال عبد الناصر إلى عقد صفقة الأسلحة مع تشيكوسلوفاكيا، وكسر احتكار الغرب توريد السلاح إلى دول المنطقة، وإلى اتخاذ قرار تنظيم العمل الفدائي المنطلق من قطاع غزة، وذلك من خلال تشكيل وحدات فدائية فلسطينية، عهد بقيادتها إلى قائد المخابرات الحربية المصرية في قطاع غزة، البكباشي (المقدم) مصطفى حافظ، حملت اسم الكتيبة (141) وألحقت عملياتها، التي انطلقت في أيلول/سبتمبر 1955، بالقوات الإسرائيلية خسائر بشرية فادحة، خلال بضعة أشهر. ولم تتوقف عمليات هذه الكتيبة إلا بعد قيام المخابرات الإسرائيلية باغتيال قائدها في تموز/يوليو 1956.
بغية وقف تسلل الفدائيين الفلسطينيين خلف حدودها، بدأت إسرائيل التخطيط لشن هجوم واسع على مصر، جرى في إطار العدوان الثلاثي الذي أعقب قيام الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس في 26 تموز/يوليو 1956. وفي نطاق ذلك الهجوم، احتلت القوات الإسرائيلية قطاع غزة لمدة أربعة أشهر تقريباً، ما بين 29 تشرين الأول/أكتوبر 1956 و14 آذار/مارس 1957، حين خضعت قيادتها للضغوطات الأميركية والتحذيرات السوفياتية وقررت سحب قواتها من القطاع. وكانت هذه القوات قد ارتكبت، في اليوم الأول لاحتلالها صحراء سيناء وقطاع غزة، مجزرة في قرية كفر قاسم في منطقة المثلث أودت بحياة 49 فلسطينياً كان بينهم عدد من النساء والأطفال، كما قتلت في 3 تشرين الثاني/نوفمبر نحو 275 فلسطينياً في بلدة خان يونس، وقامت عشية وقف المعارك بقتل نحو 110 فلسطينيين آخرين في رفح على الحدود بين غزة ومصر.
مقاومة القطاع بعد سنة 1967
إثر المقاومة المسلحة التي خيضت ضد القوات الإسرائيلية الغازية، راحت تختمر لدى عدد من شبان القطاع من المهنيين والمعلمين، العاملين في غزة أو في دول الخليج، فكرة تشكيل منظمة وطنية فلسطينية مسلحة، برزت نواتها الأولى في الكويت في خريف سنة 1957، وعُرفت في سنة 1959 باسم “حركة التحرير الوطني الفلسطيني” (فتح)، وآذنت، في الأول من كانون الثاني/يناير 1965، بانطلاق الكفاح المسلح الفلسطيني.
غداة عدوان حزيران/يونيو 1967 واحتلال إسرائيل قطاع غزة، وتشكّل حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة بعد انضمام منظمات يسارية وقومية عديدة إلى حركة “فتح”، احتضنت مخيمات القطاع العمل الفدائي المسلح وهو ما عرّضها لعمليات قمع قاسية. فرداً على أعمال المقاومة المسلحة المتصاعدة من القطاع، نظّم أريئيل شارون، قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال آنذاك، حملة عسكرية واسعة هدفت إلى إعادة هيكلة المخيمات، من خلال توسيع الطرق داخلها بما يسمح بمرور الدبابات فيها وتفجير مئات المنازل وتشريد آلاف اللاجئين، ونجحت تلك الحملة في سنة 1971 في الحد من زخم المقاومة المسلحة في القطاع. وفي آب/أغسطس 1973، شارك الوطنيون الفلسطينيون في القطاع، مع الوطنيين في الضفة الغربية والقدس، في تشكيل “الجبهة الوطنية الفلسطينية في الأراضي المحتلة”، بصفتها ذراعاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأفشلوا مؤامرة “السلام الاقتصادي”، التي استندت إلى قيام السلطات الإسرائيلية بمنح الفلسطينيين في الأراضي المحتلة تصاريح للعمل في إسرائيل، بحيث قفز عدد سكان غزة الذين يعملون في الأراضي الإسرائيلية، كعمال أو نوادل أو سائقين أو طباخين أو عمال زراعيين إلى 61,000 في سنة 1973، مقارنة بـ 5,000 في سنة 1968، كما شارك وطنيو القطاع، بعد أعوام، في إفشال مؤامرة “الإدارة الذاتية”.
بعد العدوان الإسرائيلي الواسع على لبنان في صيف سنة 1982، ونجاحه في إخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من هذا البلد، تحوّلت الأراضي المحتلة، وفي القلب منها قطاع غزة، إلى قاعدة لنضال وطني، متعدد الأشكال، تكلل باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي انطلقت شرارتها الأولى من مخيم جباليا في القطاع، حيث جابت شوارع المخيم يوم 9 كانون الأول/ديسمبر 1987 تظاهرة حاشدة، احتجاجاً على مقتل أربعة عمال فلسطينين من غزة عندما صدمت شاحنة عسكرية إسرائيلية سيارتهم وهشّمتها، واستشهد خلال تلك التظاهرة حاتم السيسي إبن السابعة عشرة، بعد أن أُصيب برصاصةٍ في قلبه أطلقها أحد الجنود الإسرائيليين، ثم امتدت التظاهرات والإضرابات إلى جميع أنحاء قطاع غزة، ومنه إلى مدن الضفة الغربية ومخيماتها وقراها، وكذلك إلى مدينة القدس المحتلة. وبعد أيام على انطلاق تلك الانتفاضة، تشكلت في غزة حركة “حماس”، وكانت قد تشكّلت قبلها بأعوام، في القطاع نفسه، حركة “الجهاد الإسلامي”.
القطاع بعد أوسلو
بموجب “اتفاق إعلان المبادئ” في 13 أيلول/سبتمبر 1993، ثم “اتفاق القاهرة” بشأن قطاع غزة ومنطقة أريحا في 4 أيار/مايو 1994، خضع قطاع غزة للحكم الذاتي الفلسطيني. وكان الموقع الأول الذي وصل إليه الرئيس الراحل ياسر عرفات في مطلع شهر تموز/يوليو من ذلك العام بعد 27 عاماً من الغياب القسري. وترافق وصوله، وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية، مع عودة عدد من رجال الأعمال الفلسطينيين الراغبين في إنعاش الاقتصاد وتحويل القطاع، كما قيل، إلى “سنغافورة شرق أوسطية”. بيد أن فشل الرهان على تحوّل سلطة الحكم الذاتي إلى دولة فلسطينية مستقلة، جراء استمرار الاحتلال، بهيكلته الجديدة، وتوسع الاستيطان، وتفاقم شروط معيشة السكان الفلسطينيين، وخصوصاً في قطاع غزة، كل هذا تسبب في اندلاع الانتفاضة الثانية في أواخر أيلول/سبتمبر 2000، التي شهدت قيام القوات الإسرائيلية بإعادة احتلال مدن الضفة الغربية الخاضعة لسلطة الحكم الذاتي في إطار عملية “السور الواقي”، وبتنظيم عمليات اغتيال لقادة المقاومة وكوادرها، وخصوصاً في قطاع غزة، كما شهدت، في المقابل، تصاعد المقاومة الفلسطينية ولجوءها إلى أساليب كفاحية جديدة مثل إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون من القطاع في اتجاه المستوطنات الإسرائيلية.
حصار خانق وحروب إسرائيلية متكررة
في 2 شباط/ فبراير 2004، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون لأول مرة عن خطته الرامية إلى “فك الارتباط” بقطاع غزة، وذلك بعد أن كانت “اللجنة الدولية الرباعية” قد تبنت “خارطة الطريق” الداعية إلى التوصل إلى حل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على مراحل على قاعدة “حل الدولتين”. وكانت خطة شارون تلك تقوم على انسحاب القوات الإسرائيلية من داخل قطاع غزة، وتفكيك المستوطنات الـ 21 التي أقيمت فيه، فضلاً عن 4 مستوطنات صغيرة في شمال الضفة الغربية، والتخلص من عبء ضمان أمن نحو 8000 مستوطن في القطاع، على أن تشرف إسرائيل على الغلاف الخارجي لقطاع غزة من البر والبحر والجو، في إطار “شكل جديد” من الاحتلال، وهو الحصار. أما هدف تلك الخطة السياسي، فكان يتلخص في قطع الطريق على إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفي تكريس احتلال الضفة الغربية والقدس وتوسيع الاستيطان فيهما. وعلى الرغم من المعارضة الشديدة التي واجهتها تلك الخطة من جانب المستوطنيين وعدد من السياسيين، بمن فيهم وزير المالية آنذاك بنيامين نتنياهو الذي استقال من الحكومة احتجاجاً، فإن القوات الإسرائيلية نفذت عملية الإجلاء القسري لمستوطني غزة ما بين 17 و22 آب/أغسطس 2005، ورحل آخر جنودها في 11 أيلول/سبتمبر من ذلك العام عن القطاع.
بعد فوز حركة “حماس” في الانتخابات التشريعية التي جرت في كانون الثاني/يناير 2006، ثم سيطرتها بالقوة المسلحة على قطاع غزة في حزيران/يونيو 2007، أعلنت إسرائيل، في 19 أيلول/سبتمبر من العام نفسه، قطاع غزة “كياناً معادياً”. وبعد مضي نحو عام وثلاثة أشهر، وتحديداً في 27 كانون الأول/ديسمبر 2008، بدأت أولى حروبها الواسعة على القطاع، التي صمدت المقاومة الفلسطينية في وجهها صموداً بطولياً، أعجزها عن تحقيق أهدافها السياسية، وذلك على الرغم من استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال والنساء، وتدمير عدد كبير من المرافق الحيوية في القطاع من طرقات ومنازل ومدارس ومستشفيات ومساجد ومراكز “الأونروا” (انظر ماهر الشريف، “حروب إسرائيل على قطاع غزة: قتل وتدمير من دون تحقيق أهداف سياسية”، موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية)؛ وها نحن اليوم شهوداً على حرب تدميرية جديدة على القطاع، تفوق بوحشيتها كل الحروب السابقة، لكنها ستعجز، بكل تأكيد، كسابقاتها عن تحقيق أهدافها السياسية.