قراءة في قرار محكمة العدل الدولية 

قراءة في قرار محكمة العدل الدولية 

حاتم استانبولي

كاتب فلسطيني

29/1/2024

جاء قرار محكمة العدل الدولية بموافقة ١٥ عشر قاضيا من ١٧ عشر قاضيا.

القرار تضمن مجموعة من الإجراءات الفورية الاحترازية، التي يجب على حكومة الاحتلال الإسرائيلي الإحلالي أن تقوم فورياً باتخاذها لوقف القتل والمجازر، التي تراها المحكمة هي مؤشرات لارتكاب جرائم ابادة جماعية حسب البند الثاني من اتفاقية الإبادة الجماعية التي أقرت عام في ديسمبر ١٩٤٨.

المدخل القانوني لاتخاذ القرار هو تأكيد المحكمة أن الفلسطينيين في غزة ينطبق عليها البند الثاني من الاتفاقية، بمعنى أنها جماعة قومية يُتطلب حمايتها من الابادة الجماعية التي تُرتكب بحقها وهذا يتطلب حماية.

عند التدقيق في الخمس نقاط التي ترد تحت البند الثاني من الاتفاقية، التي تطرقت الى قتل  أعضاء الجماعة وإلحاق الأذى الخطير الجسدي والروحي، وكذلك اخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد منها التدمير المادي الكلي أو الجزئي، كما إذا قامت بِتدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة وآخرها نقل جماعة قسرا الى جماعة اخرى.

معظم هذه النقاط التي تندرج في البند الثاني تنطبق على ممارسات الحكومة الإسرائيلية ومُشرعيها وقضاتها ومحاكمها العسكرية والمدنية ومحكمة العدل العليا وجيشها، الذي ينفذ هذه الإجراءات من قتل وتدمير وإعدام ميداني وحراسة اعتداءات المستوطنين وحرمان سكان غزة من الماء والكهرباء والطعام وقصف المستشفيات وعدم تأمين ظروف صحية انسانية للحوامل وقتل عائلات بكاملها بغرض الإرهاب، ودفع المواطنين الفلسطينيين لِلخوف والهرب من بيوتهم وجعل غزة منطقة جغرافية لا يمكن العيش فيها، ناهيك عن التدمير الممنهج للمؤسسات التعليمية والصحية والبنية التحتية.

كل هذه الأعمال العدوانية الإجرامية والإرهابية التي تمارسها كل مؤسسات دولة الاحتلال الإحلالي الإسرائيلي، والتي تبث على الهواء مباشرة، دفعت محكمة العدل الدولية لاتخاذ هذا القرار بالرغم من الضغوط الهائلة التي تعرضت لها كمحكمة وقضاة.

السؤال المهم: كيف يجب النظر إلى قرار محكمة العدل؟

أولا: مجرد قبول المحكمة دعوى جنوب دولة جنوب افريقيا تحت عنوان وقف الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة و رفض الطلب الاسرائيلي يعتبر انتصارا قانونيا يضع اسرائيل وممارساتها تحت المجهر القانوني، وهذا يؤسس الى الملاحقة الجنائية للأفراد الذين مارسوا هذه الإبادة ويرغم الدول الموقعة على الاتفاقية بالالتزام بقرار المحكمة والتوقف عن كل الإجراءات التي من الممكن أن تشجع الاحتلال الإسرائيلي على الاستمرار في ممارسة هذه الجرائم.

ثانيا: ضرورة النظر لقرار المحكمة بشكل شامل وما يحمل من دلالات قانونية وسياسية وأخلاقية والدفع بمطالبة الدول والحكومات على تنفيذها.

وفي هذا السياق فإن الحكومة المصرية وجامعة الدول العربية والحكومات يجب أن تستند لقرار المحكمة في كسر الحصار المفروض على غزة بلا تردد و دحض الحجج الإسرائيلية التي قدمت للمحكمة على أن مصر هي التي تتحمل مسؤولية الحصار على غزة.

دولة الجزائر، العضو المراقب في مجلس الأمن، عليها واجب الدعوة لعقد جلسة لمجلس الامن من اجل وضع القرار موضع التنفيذ وهذا التنفيذ يتطلب قرار عاجل من مجلس الأمن بوقف العدوان على غزة، وفي هذا السياق فإن طلب وقف إطلاق النار، بالمعنى القانوني، يكون بين دول متحاربة وهذا لا يتوافق مع ما يجري في غزة التي تشهد عدوانا ممنهج شامل يحقق كل شروط الإبادة الجماعية.

السلطة الفلسطينية يجب أن تفعل مؤسساتها السياسية والقانونية وسفاراتها من أجل مطالبة الدول الموقعة على اتفاقية منع الإبادة للضغط من أجل وقف العدوان، والاهم فإن الجلسات القادمة للمحكمة تَتَطَلب من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بأن تقوم بتقديم الوثائق القانونية التي توضح الممارسات المنهجية السياسية والقانونية والعسكرية والثقافية التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني الإحلالي.

هذا القرار الذي يحمل الصفة القانونية، اذا ما اضفنا له قرار المحكمة السابق حول الجدار الفصل العنصري، يجب أن ينظر لهما أن العدالة لفلسطين كسبت جولة في المعركة القانونية الدولية التي تكتسب أهمية في إطار الصراع الشامل ما بين العدالة الإنسانية وأعدائها.

هذا القرار له أهمية قانونية في ملاحقة الدول والسياسيين الذي يغطون جرائم الاحتلال الإحلالي الصهيوني الاسرائيلي.

هذا القرار يرفع الضغط الأمريكي على الدول وحكوماتها ويعطيها مبررات قانونية من أجل تنفيذ بنوده وهو المعيار القانوني الذي يجب أن تستند عليه الحكومات في مواجهة الضغط السياسي الأمريكي البريطاني.

هذا القرار يفرض على المحاميين العرب والفلسطينيين برفع دعوى تجريم لقادة إسرائيل أمام المحاكم  لعدم استقبالهم، كما يفتح الابواب لإعادة النظر في اتفاقيات التطبيع  من خلال البرلمانات والمؤسسات القانونية والسياسية.

هذا القرار يفرض وقف التعاون مع حكومة الاحتلال ووقف كل المشاريع التي تستهدف دعم عدوانه اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، وخاصة ما يتعلق من مشاريع تنموية أو لوجستية مطروحة.

هذا القرار يتطلب من الصحافيين الفلسطينيين والعرب والمؤسسات الاعلامية، بمساعدة القانونيين لتوثيق قانوني لِلجرائم بكافة أشكالها ووسائلها وأدواتها، من أجل تعزيز إجراءات الدعوى في محكمة العدل التي ما زالت تنظر في الدعوى، والقرار الاجرائي الفوري الذي اتخذ يعتبر قرارا اوليا بقبول الدعوى والنظر بها وفي هذا السياق فإن الضغط الشعبي على الحكومات للانضمام لدعوى جنوب افريقيا يعزز ويوسع المواجهة القانونية الدولية لجرائم الإبادة والفصل العنصري التي ترتكبها حكومة الاحتلال ومحاكمها وجيشها وبرلمانها ومستوطنيه.

إن المواجهة بين العدالة الانسانية وأعدائها يتوجب فضح وكشف بشاعة و إجرامية الممارسات العدوانية الإسرائيلية ليتضح أهمية تحقيق العدالة الإنسانية للفلسطينيين.

Залишити відповідь

Ваша e-mail адреса не оприлюднюватиметься. Обов’язкові поля позначені *