نقاش في التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وسوريا

نقاش في التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وسوريا

ماجد كيالي*

12/2/2023

ثمة أسباب كثيرة تؤكد المشابهة، أو المقارنة، بين الغزو الروسي لأوكرانيا والتدخل العسكري الروسي في سوريا، والتي تقرن فكرة مفادها أن مآل الحرب في أوكرانيا، سيؤثر تماماً في مآل الوجود الروسي في سوريا (منذ أيلول/سبتمبر 2015)، وربما مآل الصراع الجاري في سوريا، منذ أكثر من عشر سنوات، رغم الاختلاف بين طبيعة الصراع في كل من البلدين (أوكرانيا وسوريا)، وموقع كل منهما بالنسبة الى روسيا، واختلاف مواقف الأطراف الدولية والإقليمية ومداخلاتها فيهما.

عموماً لا يجوز التسرع هنا في الاستنتاج أن ذلك التأثير سيحصل بشكل ميكانيكي رغم كل التشابه بين الحالتين، بخاصة أن روسيا هي ذاتها التي تقاتل بجبروتها العسكري، في أوكرانيا وفي سوريا، بل إن ادعاءات روسيا في أوكرانيا تشبه في معظمها الادعاءات التي بنت عليها إرسالها قواتها إلى سوريا، للقتال دفاعاً عن النظام السوري، في مواجهة التمرد الشعبي عليه.

فوق ما تقدم، ففي روسيا ثمة شخص واحد، هو الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يقرر السياسات، ويتخذ القرارات، ويشن الحروب، وهذا ما يحصل في سوريا، أيضاً، التي تحكمها عائلة الأسد منذ أكثر من نصف قرن، فهي التي تتخذ القرارات، وتحدد الخيارات، وترسم السياسات، وتحتكر الموارد، مع ملاحظة التزامن بين مجيء الرئيس بوتين إلى السلطة في روسيا ومجيء الأسد الابن إليها في سوريا.

في أوكرانيا تروج الخطابات السياسية والإعلامية الروسية أن الجيش الروسي يقاتل النازيين أو المتطرفين القوميين، أو أن الأمر يتعلق بحماية الأقلية الروسية في أوكرانيا، مع الادعاء أن أوكرانيا هي جزء من روسيا، وإن الأمر يتعلق بصد التدخل الخارجي، من الناتو ومن الاتحاد الأوروبي ومن الولايات المتحدة، ومن أجل توليد نظام دولي جديد متعدد الأقطاب. مثل تلك الادعاءات موجودة في سوريا، أيضاً، إذ إن الدعاية الروسية تروج أن الجيش الروسي يقاتل في سوريا الإرهابيين (علماً إنه لم يخض أي معركة ضد “داعش” أو حتى ضد “جبهة النصرة” مثلاً)، وأنه يدافع عن مصالح روسيا في سوريا، وعن مكانتها كقطب دولي، ضد الهيمنة الأميركية على العالم.

والمشكلة أن تلك الدعاية تقول إن الجيش الروسي أتى إلى سوريا للدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها، ولكنه في أوكرانيا يفعل عكس ذلك الادعاء، إذ إنه في أوكرانيا يخوض حرباً لتقويض سيادتها وتجزئتها. وبالطبع فإن ادعاءات الطرفين هي ذاتها، كل في مجاله، بمحاربة المتطرفين والإرهابيين، ومواجهة التدخلات الخارجية وحماية الأقليات، كأنها قصة دراسة على يد “شيخ” واحد!

مع ذلك ثمة ميزتان رئيستان في الوضع الأوكراني بالقياس الى الوضع السوري، الأولى، أن ثمة قيادة مركزية لإدارة الشعب الأوكراني، وترتيب مقاومته ضد الغزو الروسي، وهي تقوم بدورها بشكل ناجح ولافت. والثانية، أنه قُيض لأوكرانيا دعمٌ دوليٌ غير مسبوق، سواء لجهة حجم الضغط الموجه على نظام بوتين، أم لجهة إغداق الدعم المادي والعسكري لأوكرانيا، وللجيش الأوكراني، إذ منذ البداية كانت ثمة مضادات طائرات ودبابات ومسيّرات، وهي كلها لعبت دوراً كبيراً في كبح الهجوم الروسي، وفرملته، رغم كل الدمار الذي حصل ورغم تشريد الملايين من الأوكرانيين.

وكما شهدنا، فإن الشعب السوري افتقد الميزتين المذكورتين، أولاً، بحكم افتقاده كياناً سياسياً وطنياً وجامعاً، وقيادة تعبر عنه وتمثله وتدير نضاله لاستعادة حقوقه، في التغيير السياسي، وفي الحرية والكرامة، وذلك بسبب تحريم النظام للسياسة في سوريا منذ أكثر من نصف قرن. وثانياً، بحكم التدخلات الخارجية المضرة التي استنزفته، وأضعفت انتفاضته على النظام، أو أزاحتها عن مقاصدها الأساسية النبيلة، في إقامة نظام يتأسس على حقوق المواطنة وتداول السلطة في نظام ديموقراطي.

وفي ذلك فقد تعرض الشعب السوري لخذلان كبير، من “الأصدقاء”، على الصعيدين العربي والدولي، كما تعرض لانكشاف كبير أمام التدخلات الخارجية لمصلحة النظام من قبل إيران وميليشياتها الطائفية المسلحة، ومن قبل القوات الروسية التي تدخلت منذ ثمانية أعوام، من دون أي اعتراض من الأطراف الدولية المعنية، بل شاهدنا أن تركيا دخلت في نوع من تنسيق مع إيران وروسيا في ثلاثي آستانا، وأن ثمة تفاهماً ولو غير مكتوب بين روسيا والولايات المتحدة، ضمنه ضمان أمن إسرائيل، وإطلاق يدها في الضرب في سوريا.

مع ذلك، فإن مجرد إصرار الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا على عزل النظام السوري، والتشدد في فرض عقوبات عليه، وفقاً لمراسيم “قيصر” و”الكبتاغون”، وتبعاً للتشدد في عزل إيران، لعلاقتها بالحالتين السورية والأوكرانية، ودعمها الجهد العسكري الروسي في أوكرانيا، بالصواريخ والطائرات المسيّرة، يؤكد الربط الدولي بين الحالتين، من دون اي أوهام حول درجة ذلك الربط، ومغازيها، إذ من الواضح أن الغرب يتعامل مع أوكرانيا، والشعب الأوكراني، بطريقة تختلف عن تعامله في سوريا، والشعب السوري، فهنا أمن إسرائيل في أعلى سلم الأولويات.

يستنتج من ذلك أنه لا ينبغي التسرع، أو بناء مراهنات، على الربط بين ما يجري في سوريا وبين ما يجري في أوكرانيا، لأسباب عدة، أهمها: أولاً، ضرورة انتظار مآل الصراع على أوكرانيا، لأنه بناء على ذلك سيتقرر شكل النظام الدولي، ومكانة روسيا فيه، وكيفية تموضع الأطراف الدوليين، وبخاصة الأطراف الإقليميين، أي إيران وتركيا. ثانياً، لا يمكن للسوريين استثمار أي تطور دولي، مهما كانت عوائده لمصلحتهم، من دون أن يصوبوا أوضاعهم، بالتوجه نحو إنشاء كيان سياسي جامع، يعبّر عنهم، ويدير كفاحهم من أجل التغيير السياسي في بلدهم، باتجاه نظام ديموقراطي يكفل الفصل بين السلطات وتداول السلطة، مع الاعتراف بواقع التعددية والتنوع في سوريا كعامل إغناء وتوحيد لها وليس كعامل شقاق وتجزئة بها.

ثالثاً، هذا يتطلب أن يكون القرار الدولي قد نضج باتجاه إيجاد حل للصراع الدامي والمدمر الدائر في سوريا منذ 12 عاماً، وعلى أساس تحقيق التغيير السياسي المنشود، باتجاه الحرية والمواطنة والديموقراطية لكل السوريين.

رابعاً، يتعلق ذلك أيضاً باتجاه دفة السياسة الإسرائيلية، لأنها تقف على رأس سلم الاعتبارات في السياسة الدولية إزاء قضايا الشرق الأوسط، لا سيما بما يتعلق بجوارها السوري.

*نشرت بالتنسيق مع الكاتب

Залишити відповідь

Ваша e-mail адреса не оприлюднюватиметься. Обов’язкові поля позначені *