З Сирії починається «ефект доміно»?
ايغور سيميفولوس
مدير مركز دراسات الشرق الأوسط – كييف
10\12\2024
إننا نشهد اليوم في سوريا عملية فريدة من نوعها – انبثاق أمة سورية جديدة من رماد “الحرب الأهلية” التي استمرت 13 عاما،
يمكننا القول الآن أن نظام عائلة الأسد، الذي حكم سوريا بقبضة حديدة منذ عام 1970، قد سقط بعد ثورة الشعب السوري التي بدأت عام 2011. وهذا تطور مذهل سيكون له بلا شك آثار جيوسياسية قوية على المنطقة بأسرها، وقد يؤدي إلى ما يسمى بـ “تأثير الدومينو”. ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أنه لن يكون هناك سيناريو توسع خارجي في الدول العربية المجاورة، وهو ما يخيفنا به الخبراء والمحللين السياسيين الموالين لروسيا. هناك عدة عوامل تعمل ضد مثل هذا السيناريو.
أولاً، والأكثر أهمية، سئم السوريون من الحرب التي طال أمدها ويريدون أن تنتهي في أقرب وقت ممكن. كما أن الاقتصاد والبنية التحتية المدمرة تتطلب جهوداً كبيرة لإصلاحها، وهو أمر مستحيل في سياق الصراع الدائر. ويدرك القادة السياسيون لقوات المعارضة أن فترة النشوة ستمر بسرعة كبيرة وأنه من دون حكومة انتقالية فعالة، ومعترف بها من قبل العالم، يستحيل إجراء انتخابات جديدة تضمن وجود سلطة شرعية.
وفي الوقت نفسه، يجب إطلاق عملية تفاوض سياسية داخلية واسعة النطاق لتحديد الهيكل الإقليمي المستقبلي لسوريا وإيجاد حلول وسط بين مختلف المجموعات. ولا يخفى على أحد أن لممثلي المجموعات المختلفة مواقف مختلفة من النظام السياسي المستقبلي ودور الدين وحقوق الأقليات – وكلها أمور تتطلب مفاوضات واتفاقات، ويجب التوصل إليها بسرعة. وقد وُضعت بعض الأسس لذلك – وكان أحد العوامل وراء نجاح هيئة تحرير الشام هو الاتفاقات الناجحة التي أبرمها زعيمها أبو محمد الجولاني مع ممثلي المجموعات العرقية والطائفية الأخرى وشيوخ القبائل. وأفترض أن هذا الاتجاه سيستمر في المستقبل.
وانطلاقا من المعطيات الحالية يمكن اعتبار أن سيناريو تفكيك سوريا، مثل انفصال اللاذقية أو المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سوريا، مستبعد.
في مقابلة مع شبكة سي إن إن، حدد الجولاني تحرير سوريا من الوجود الأجنبي كإحدى مهامه. واسمحوا لي أن أذكركم أنه بالإضافة إلى الروس والإيرانيين، تسيطر تركيا وإسرائيل على جزء من الأراضي السورية. وعلاوة على ذلك، فقد اجتاحت هذه الأخيرة الأراضي السورية حرفياً في اليوم الذي سقط فيه نظام بشار الأسد، وأنشأت ما يسمى بـ “المنطقة الأمنية”. من الواضح أن الحل النهائي لمسألة الوجود الأجنبي في سوريا، خاصة عندما يتعلق الأمر بتركيا، لا يمكن أن يتم حله إلا بعد انتخاب حكومة جديدة. ومن الواضح أيضًا أنه لن تعترف أي حكومة سورية مستقبلية بهضبة الجولان، وهي الأراضي السورية التي احتلتها إسرائيل وضمتها إليها، باعتبارها أراضي “الدولة اليهودية”. من الصعب تحديد ما ستكون عليه العملية، ولكن في المرحلة الأولى، من المرجح أن يمتنع الثوار عن المواجهة المباشرة مع إسرائيل.
وتبقى مسألة حزب الله غير مؤكدة. يمكن افتراض أن السوريين سيسعون إلى زيادة إضعاف النفوذ الشيعي في لبنان وإعادة صياغة السياسة اللبنانية بروح “ثورة الأرز” عام 2005.
إيران وروسيا هما الخاسران الرئيسيان في الوقت الراهن.
فقد ذهبت جهود موسكو لتعزيز موقعها الجيوسياسي في الشرق الأوسط أدراج الرياح. وهذه ضربة جيوسياسية مدمرة من المرجح أن تقوض مكانة الكرملين في المنطقة ودليل واضح على عجز روسيا عن الدفاع عن الانظمة التي تدور في فلكها على خلفية الخسائر الفادحة التي تتعرض لها في أوكرانيا. وفي المقابل، خسرت طهران بدورها ما يسمى بالممر الشيعي الذي كانت تعمل على بنائه بعناية منذ عام 2015. وسيكون لهزيمة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني تأثير سلبي كبير على وضع الحرس الثوري الإيراني داخل إيران، الأمر الذي قد يدفع القوى المعتدلة إلى إعادة النظر في دورها داخل البلاد. وقد يؤدي هذا السيناريو إلى انقسام النخب في إيران وبداية نهاية حكم الإسلاميين.