أوكرانيا: تطلعات السلام المفقودة في صراع الإرادات
9\8\2025
في إطار التغطية المستمرة للحرب الروسية على أوكرانيا، قدم الدكتور سعيد سلّام، مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية في Україна، تحليلًا معمقا للوضع الراهن خلال استضافته على قناة “إكسترا نيوز” المصرية.
وأظهرت قراءته للواقع أن ما يتم تداوله من “سيناريوهات سلام” ليس أكثر من مناورات سياسية، بينما تبقى العقبات الحقيقية قائمة، متمثلة في صراع الإرادات والأطماع الجيوسياسية.
في بداية حديثه، فكك الدكتور سلّام الروايات الصحفية، خاصة تلك التي نشرتها صحف أمريكية مثل “وول ستريت جورنال”، حول عرض روسي بوقف الحرب مقابل السيطرة على شرق أوكرانيا. واعتبر هذه الأنباء مجرد “تسريبات كاذبة وسيناريوهات مضللة” تُستخدم لجس نبض الرأي العام الدولي ومراقبة ردود فعل الأطراف المعنية. وأكد أن هذه المحاولات لن تجد أي قبول لدى القيادة الأوكرانية والشعب، الذين يرفضون رفضًا قاطعًا أي مساومة على سيادة أراضيهم.
وأوضح د. سعيد أن هذا الموقف ليس مجرد قرار سياسي، بل هو التزام دستوري وقانوني عميق. فالدستور والقانون الأوكراني يعتبر التنازل عن الأراضي “خيانة عظمى”، وأي تغيير في هذا الشأن يتطلب إجراءات معقدة وطويلة، تشمل تعديلا دستوريا واستفتاءً شعبيًا واسعًا.
وانتقل مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية إلى تحليل طبيعة الحرب الحالية، مؤكدًا أنها أصبحت حرب استنزاف طويلة الأمد تؤثر على كلا الطرفين. ووفقًا لتقديراته، فإن وتيرة التقدم الروسي بطيئة جدًا، لدرجة أن القوات الروسية لم تتمكن من السيطرة على أكثر من 1% من الأراضي الأوكرانية خلال الأشهر الستة الماضية. وبناءً على هذه الوتيرة، قد تحتاج Росія إلى ما بين 180 و250 عامًا لاحتلال كامل أوكرانيا وأكثر من 100 مليون جندي قتيل روسي.
من ناحية أخرى، أكد الدكتور سلّام أن روسيا نفسها لا تستطيع مواصلة هذه الحرب إلى ما لا نهاية. فالحرب تفرض ضغوطًا هائلة على الاقتصاد الروسي، وتتسبب في خسائر بشرية كبيرة، وتؤثر على الديموغرافيا، فضلاً عن تراجع الدعم الشعبي لقرارات القيادة. كل هذه العوامل تجعل قدرة روسيا على الاستمرار في الحرب لسنوات طويلة محل شك، وهو ما يدفعها للبحث عن مخرج من هذه الأزمة، وإن كان بشروطها الخاصة.
شاهد اللقاء كاملًا:
وعند الحديث عن الدور الأمريكي، ركز د. سلّام على التناقضات المرتبطة بشخصية الرئيس Дональд Трамп. وأوضح أن هناك حالة من عدم الثقة لدى الحلفاء الأوروبيين والأوكرانيين تجاه دوافعه، خوفًا من أن يرى في الحرب فرصة لعقد “صفقة تجارية واقتصادية” مع الرئيس بوتين على حساب أوكرانيا، في سعيه للحصول على مكاسب سياسية أو شخصية مثل جائزة نوبل للسلام.
كما لفت إلى أن أي قرار بوقف الدعم العسكري لأوكرانيا لن يضر فقط بمكانة الولايات المتحدة لدى حلفاءها وفي العالم، بل سيؤثر أيضًا على مصالحها الاقتصادية، حيث أن أوروبا تشتري السلاح الأمريكي لإرساله إلى أوكرانيا. وأشار إلى وجود صراع داخلي في الولايات المتحدة بين تيار يتبنى رؤية استراتيجية بعيدة المدى لمكانة أمريكا في العالم، وتيار آخر، يجسده الرئيس ترامب، يميل إلى سياسات الصفقات التجارية والاقتصادية.
في النهاية، حدد الدكتور سعيد سلّام بشكل قاطع العقبة الأساسية التي تقف في وجه أي سلام دائم وشامل، وهي الأطماع التوسعية الروسية. وشدد على أن أي اتفاق سلام حقيقي يجب أن يبدأ بانسحاب القوات الروسية من جميع الأراضي الأوكرانية والعودة إلى الحدود المعترف بها دوليًا لعام 1991. وذكر أن روسيا قد انتهكت بالفعل أربع اتفاقيات سابقة اعترفت فيها بهذه الحدود، مما يجعل من الصعب الوثوق بأي تعهدات مستقبلية.
وفي سياق حديثه عن الأطماع الروسية، أشار إلى تأثير هذه السياسات على التحالفات الإقليمية، مؤكدًا أن سلوك روسيا العدواني لم يؤثر على أوروبا فحسب، بل دفع أيضًا الدول المحيطة، بما في ذلك دول أوراسيا، إلى إعادة تقييم مواقفها الاستراتيجية. وأوضح أن التهديدات التي تطلقها القيادة الروسية باستمرار دفعت هذه الدول إلى إعادة تشكيل تحالفاتها الأمنية مع الولايات المتحدة. وهذا التحول الاستراتيجي يعد نتيجة مباشرة للمخاوف المتزايدة من الأطماع التوسعية الروسية، مما يشير إلى أن سياسات موسكو العدوانية قد أتت بنتائج عكسية، فبدلًا من تعزيز نفوذها، دفعت ببعض حلفائها التقليديين نحو المعسكر الغربي.
واختتم حديثه بالتحذير من أن هذا الصراع ليس مجرد قضية أوكرانية، بل هو تهديد مباشر للقارة الأوروبية بأكملها وللنظام الدولي القائم على احترام سيادة الدول، مؤكدًا أن الموقف الدولي الموحد والقوي هو السبيل الوحيد للتصدي لهذه الأطماع ومنع انهيار أسس السلام والأمن العالمي.