الحرب الإسرائيلية – الفلسطينية: لماذا يلتف الغرب حول آخر مستعمرة استيطانية؟
الإعلان الأمريكي عن تحريك حاملة طائرات متطورة على شاطئ المتوسط قرب إسرائيل، لم يكن المرة الأولى التي يتم فيها إرسال سفن أمريكية أو أوروبية لحماية المستعمرين في فلسطين.
في اليوم الثاني من الحرب بين المقاومة الفلسطينية والمستعمرين الإسرائيليين، أمر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس جيرالد آر فورد، الأكثر تطوراً في الترسانة الأمريكية – إلى جانب طاقمها البحري المكون من 5000 فرد – بالإبحار إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، دعما للنظام الاستعماري الاستيطاني العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. وتحمل حاملة الطائرات الامريكية / فورد/ على متنها طائرات مقاتلة ، وطائرات حربية ،ومدمرات وطرادات وأربع مدمرات مع صواريخ موجهة. وسترسل الولايات المتحدة أيضا سفينة يو إس إس نورماندي، وهي ذات نظام صاروخي موجه مسلح بمدافع بحرية، ومدمرات يو إس إس توماس هودنر، ويو إس إس راماج، ويو إس إس كارني، ويو إس إس روزفلت. وأضاف أوستن أن الولايات المتحدة تعمل على تعزيز قواتها الجوية في المنطقة بطائرات اف 35 الأكثر تطوراً في العالم بالإضافة إلى أسراب الطائرات المقاتلة المتواجدة في المنطقة من طراز F-15 وF-16 وA-10…
يشير أوستن إلى القواعد العسكرية الأمريكية المتمركزة في الدول العربية المجاورة، بما في ذلك الأردن والبحرين وقطر والمملكة العربية السعودية. وفي حين أن هذا قد لا يكون أكثر من مجرد استعراض للقوة . لكن إذا اختارت الولايات المتحدة استخدام قاذفاتها ضد الفلسطينيين، فمن غير المرجح أن تعترض الأنظمة العربية أو تستطيع ذلك. وأضاف أوستن أن إدارة بايدن “ستزود قوات الدفاع الإسرائيلية بسرعة بمعدات وموارد إضافية، بما في ذلك الذخائر. وستبدأ المساعدة الأمنية الأولى في التحرك اليوم وستصل في الأيام المقبلة”.
الدفاع عن المستعمرين
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إرسال سفن حربية أمريكية أو أوروبية لحماية المستعمرين في فلسطين. ففي العام 1854، قامت مجموعة من المتعصبين البروتستانت الأمريكيين البيض الذين عرفوا باسم “ديكسون” بتأسيس “مستعمرة الإرسالية الأمريكية” في يافا. وقد قاومهم السكان الفلسطينيون الأصليون، الذين هاجموا مستعمرتهم عام 1858، ما أسفر عن مقتل عدد منهم. ثم أرسلت الولايات المتحدة إلى شواطئ فلسطين الفرقاطة البخارية يو إس إس واباش التي رفعت علمها الأمريكي لمطالبة العثمانيين بمحاكمة القتلة. وقام الألمان بإجراء مماثل بعد عقدين من الزمن دفاعا عن المستعمرين البروتستانت الألمان المتعصبين. خلال الحرب العثمانية الروسية 1877-1878، جاءت السفن الحربية الألمانية إلى شواطئ فلسطين للدفاع عن المستعمرين المتدينين الألمان، المعروفين باسم “فرسان المعبد”، في حال تعرضوا لهجوم. وفي هذه العملية، أجبر القنصل الألماني العثمانيين على الاعتراف بمستعمرات فرسان الهيكل، وهو ما رفضوا القيام به حتى ذلك الحين. وكان فرسان المعبد يأملون في تحويل فلسطين إلى دولة مسيحية بروتستانتية، متوقعين منحها لألمانيا في نهاية الحرب. إلا أنهم أصيبوا بخيبة أمل كبيرة. وبعد ثلاثة عقود، خلال انتفاضة تركيا الفتاة عام 1908 في القسطنطينية، هاجم الفلاحون الفلسطينيون المستعمرات الألمانية. ومرة أخرى، أرسل الألمان سفينة حربية إلى حيفا للدفاع عن المستعمرين فيما لو حدث المزيد من الهجمات.
المعركة الفورية
قبل بضعة أسابيع، وبمناسبة الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر ، نشرت إسرائيل العديد من الوثائق السرية المتبقية حول حربها في العام 1973 مع مصر وسوريا، اللتين شنتا هجوما مفاجئا لتحرير شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان التي تحتلهما إسرائيل. وكشفت آلاف السجلات عن مداولات حكومية، ومشاورات عسكرية سياسية، واجتماعات لجان الكنيست، ومراسلات مع حكومات أجنبية حول سير الحرب. واستجابة للطلبات الإسرائيلية للحصول على الدعم العسكري، نفذت الولايات المتحدة ما يعتبر أكبر عملية نقل أسلحة في تاريخها. وكشف هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي ومستشار الأمن القومي في ذلك الوقت، في مقابلة حديثة مع صحيفة جيروزاليم بوست، عن تفكير الحكومة الأمريكية. وقال “لقد عقدنا العزم منذ البداية على منع النصر العربي”. لقد كنا مقتنعين تماما، منذ اللحظة الأولى، بأننا سنحافظ على الوضع القائم “. وأكد كيسنجر: “لقد بنينا نقاشاتنا المبكرة حول الحرب على أن التفوق العسكري كان لصالح إسرائيل”. وعندما لم يتحقق ذلك، أصبح من الضروري الاستجابة للطلبات الإسرائيلية المحمومة لإعادة الإمداد العسكري. وأضاف : “كانت هناك مشكلتان منفصلتان، المعركة المباشرة، والمعركة طويلة المدى. في المعركة المباشرة، كان على إسرائيل أن توقف تقدم العدو وتبدأ بالهجوم قبل أن يحدث تدخل دبلوماسي أمريكي مجد ، وحثهم على ذلك”. عليهم أن يبدأوا هجوما على بعض الجبهات – وقلنا إننا لن نتحرك ديبلوماسيا إلا بعد نجاح ذلك». وأرسلت لولايات المتحدة على الفور حاملة الطائرات فرانكلين ديلانو روزفلت إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لتنضم إلى حاملة الطائرات الأمريكية إندبندنس، التي كانت متمركزة هناك بالفعل. كما صدرت أوامر لحاملة الطائرات الأمريكية جون إف كينيدي بالانضمام إليهم. وقد تم تعزيزها من خلال الجسر الجوي الأمريكي الضخم للمعدات العسكرية، إلى جانب نصيحة كيسنجر للإسرائيليين حول كيفية مواصلة المعارك، والتأكيد على الدعم الدبلوماسي الأمريكي. وقد تم دعم هذه الجهود من قبل وسائل إعلام أمريكية شديدة العنصرية ومعادية للعرب ومؤيدة لإسرائيل، والتي نشرت بقوة رواية الضحية الإسرائيلية -التي ما تزال مستمرة حتى اليوم – وكانت الدعاية تقول إن مصر وسوريا غزتا إسرائيل نفسها، في حين أنهما في الواقع تقدمتا في الأراضي المصرية والسورية التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967.
التعاطف العنصري
وبالنظر إلى هذه السابقة الناجحة، يأمل الأميركيون أن يتمكنوا الآن من تكرار أداء العام 1973. وبالفعل، فإن وسائل الإعلام الأميركية الداعمة القوية لنظام الفصل العنصري كانت واضحة دون خجل منذ اللحظة التي انتقمت فيها المقاومة الفلسطينية من إسرائيل. ويسيطر على الشبكات نفاقها المعتاد وتعاطفها العنصري مع ضحايا الحرب اليهود الإسرائيليين، بينما تظل صامتة إزاء الضحايا الفلسطينيين.
ومثل سلفه كيسنجر، تعهد وزير الخارجية الأميركي الحالي أنتوني بلينكن في اليوم الأول من الحرب بـ«تعزيز أمن إسرائيل». وشدد كذلك على “دعم الولايات المتحدة الامريكية الثابت لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
هذه الحملة المناهضة للفلسطينيين في الغرب، والتي تشمل أيضا ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، تسير على قدم وساق الآن كما كانت منذ العام 1948. وتظل ملتزمة -مهما حدث- بنفس القدر بدعم المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية وهزيمة السكان الأصليين الفلسطينيين المناهضين للاستعمار.
أعلن لألمان لقادة إسرائيل العنصريين اليهود أن برلين “إلى جانبكم”. ورددت فرنسا نفس المشاعر مؤكدة أنها “تقف إلى جانب إسرائيل والإسرائيليين”، في حين أعلنت بريطانيا أن المملكة المتحدة “تدعم إسرائيل”. وليس من قبيل الصدف أن تكون هذه البلدان إما مستعمرات استيطانية بحد ذاتها، كما هي الولايات المتحدة الامريكية ، أو دول استعمارية أنشأت مستعمرات استيطانية للعنصريين البيض – ناميبيا وتنجانيقا وروديسيا وجنوب أفريقيا والجزائر وتونس وكينيا، على سبيل المثال لا الحصر.- والذين قاتلوا من أجل دعمهم بالكثير من العنف من تسعينيات القرن التاسع عشر إلى ثمانينيات القرن العشرين، عندما قلبتهم مقاومة السكان الأصليين رأسا على عقب في النهاية.
وحتى لا ينسى أحد حقيقة إسرائيل التي تأسست على التفوق العنصري ، وصف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الفلسطينيين في اليوم الثالث للحرب بأنهم “حيوانات بشرية”. وبما أن إسرائيل هي آخر مستعمرة استيطانية في آسيا وأفريقيا، والتي ما تزال تحكمها قوانين ومؤسسات عنصرية، فإن الغرب ينظر إلى بقائها على أنه المعقل الاستعماري الاستيطاني الأخير لأوروبا والولايات المتحدة خارج حدودهما ضد همجية السكان غير الأوروبيين، الذين يقاومون الحكم الاستعماري ويصممون على الإطاحة به. وبينما قد يكون التدخل العسكري الغربي المباشر والمشاركة في الحرب لدعم إسرائيل امرا خطابيا ولأغراض دعائية، إلا أن المشاعر العنصرية التي تقف وراءه حقيقية تماما.
ان هذا الاصطفاف الغربي يهدف إلى منع الفلسطينيين من نيل حريتهم بأي ثمن. ولكن إذا أظهرت الأيام القليلة الماضية أي شيء، فهو أن سعي الفلسطينيين إلى الحرية ومقاومتهم للقمع الاستعماري لا يمكن وقفهما.
* جوزيف سعد: أستاذ السياسة العربية الحديثة والتاريخ الفكري في جامعة كولومبيا بنيويورك. وهو مؤلف العديد من الكتب والمقالات الأكاديمية والصحفية. تشمل مؤلفاته التأثيرات الاستعمارية: صناعة الهوية الوطنية في الأردن، رغبة العرب؛ استمرار القضية الفلسطينية: مقالات عن الصهيونية والفلسطينيين، وقد تُرجمت كتبه ومقالاته إلى عشرات اللغات.
المصدر: