قاديروف بالخطأ يفضح المعضلة العنصرية الروسية

قاديروف بالخطأ يفضح المعضلة العنصرية الروسية

عبد الرحمن الشامي

30/9/2023

في الأيام القليلة الماضية ضج الانترنت في روسيا بعد تسجيل فيديو لابن رئيس الشيشان رمضان قاديروف، آدم قاديروف وهو يضرب مواطن روسي بعد حرقه للقرآن الكريم.
المفارقة العجيبة هي ان هذا الفيديو وحد الروس بعد انقسام, اذ ان الروس الذين يقفون ضد الحرب على أوكرانيا صبوا جل اهتمامهم على الفيديو ليصوروا ان هذا هو حال روسيا اليوم يتحكم فيها قاديروف وغيره مستغلين بشكل علني او في الخفاء عنصرية الشعب الروسي وفوقيته على أهالي القوقاز, على الطرف الاخر فأن القنوات الإعلامية التابعة للقوات المحاربة في أوكرانيا ضجت بشكل كبير على ما حصل مهدداً بعضها قاديروف والشيشان علناً بحرب شيشانية ثالثة.

حالة اللاقانون في روسيا

قد يقول قائل ان سبب الضجة التي سببتها هذه الحادثة هو ان الفعل غير قانوني خاصة نقل المتهم من منطقة لأخرى مما يخالف بشكل واضح القوانين الروسية الفيدرالية, لكن الحقيقة ان المخالفات القانونية في روسيا لا تعد ولا تحصى بل ان الجرائم بكافة أنواعها ازدادت بشكل ملحوظ بعد الحرب خاصة بعد ان حصل متعاقدي فاغنر على حريتهم بعد ان كان اغلبهم في الأصل محكوم بسبب جرائم قتل او اغتصاب ليجد نفسه حراً طليقاً بعد 6 اشهر من الخدمة في صفوف فاغنر وبالتالي ازدادت اخبار من نوع ان رجل تحت تأثير الكحول قتل طفل او أمرآه او عجوز مرة بالفأس ومرة أخرى رمياً بالحجارة وغيرها من القضايا
كل هذه القضايا بأبشع صورها من قتل وتعذيب واغتصاب بل حتى قضية قتل متعاقد مع فاغنر قتله بريغوجين بالمطرقة لم تلقى هذا الصدى! إذا المشكلة ليست في مخالفة القانون ولا حجم المخالفة!
المشكلة هي ان الرسالة التي أرسلها قاديروف بقصد او من غير قصد هي ان رجلاً شيشانياً من القوقاز قام بالتعدي بالضرب على مواطن من القومية الروسية وكسر القوانين متحدياً بذلك الدولة من ناحية والمجتمع القومي الروسي من ناحية ثانية.

المعضلة الروسية القومية

وأن بدى الموضوع على انه مبالغة فأن المشاكل القومية في المجتمع الروسي المتفتت أصلا لم تبدأ اليوم بل هي قديمة قدم روسيا نفسها القائمة على الاحتلال والتوسع واجبار الشعوب غير الروسية بالخضوع الى سلطة الروس. بل ان القوانين الروسية نفسها غريبة تجبر مثلا أبناء المناطق البعيدة مثل الشيشان وغيرها على التواجد في العاصمة الروسية لفترة صغيرة والا هم مضطرين على ان يحصلوا على إقامة (نعم إقامة وكأنهم سياح في ما يفترض ان يكون بلدهم ويفترض ان تكون عاصمتهم).
الحرب الروسية على أوكرانيا نفسها حقيقة تفرض معضلة قومية لا يتحدث عنها أحد! مشكلة تعريف الروس أنفسهم لنفسهم كدولة! فهل هي دولة قومية روسية؟ ام انها دولة لكل المواطنين الروس؟ المعضلة تكمن في أن الحرب على أوكرانيا أحد أهدافها المعلن هو” تحرير الروس القابعين تحت رحمة الأوكران” في إشارة واضحة الى القومية السلافية الناطقة باللغة الروسية! مما يعني ان هذا السبب قومي بحت! لكن المشكلة هي ان اغلبية المواطنين الروس ليسوا من القومية السلافية بل ان المناطق السلافية خسائرها في الحرب اقل بكثير من المناطق الغير سلافية وهي سياسة منهجية متعمدة من الحكومة الروسية ليصبح السؤال المهم، لماذا على شخص من قومية البوراتي او البشكيري او التتار او غيرهم ان يموتوا ليحموا القومية الروسية في أوكرانيا؟ والسؤال الاعمق هو ما هي روسيا نفسها؟ هل هي دولة قائمة على أساس قومي حتى يبرر هذا حربها على الأوكران في سبيل حماية الروس كما يدعون؟ ام انها دولة مواطنة تحمي حقوق كل المواطنين بالتساوي وبغض النظر عن قوميتهم؟

القوميين المتطرفين هم من يسيطر على السلاح في روسيا

في الحقيقة من الواضح أن بوتن يستغل النزعة القومية ليشعل نار الحروب التي يستفيد منها هو وطبقة الاوليغارخي التي تحيطه, لا يهتم بوتن كثيراً بهذه النزعة القومية كمبدأ على الرغم من انه يقدم شخصيات قومية متعصبة كثيرة ذات نزعة فاشية من أمثال ألكساندر دوغين الذي يسمى إعلاميا ب فيلسوف بوتن, لكن القوميين هم من يقود وينظم حروب بوتن بالتالي هو مضطر بشكل او بأخر للانصياع لهم وقد رأينا امثلة عديدة عن تفشي العنصرية في صفوف المقاتلين الروس كحركة روستش التي تعلن صراحة انها حركة نازية او دميتري اوتكين المؤسس لحركة فاغنر قبل ان يتم اغتياله والذي يفتخر بانه من النازيين, ومع الحديث عن أوتكين يمكننا العودة لقضية القوقاز لأنه قبل حوالي شهر ونيف حصل خلاف بين حركة فاغنر وقاديروف انتهى بتهديد اوتكين نفسه لقاديروف بحرب شيشانية ثالثة مما يؤكد ان في فكر من يحمل السلاح في روسيا الحرب ضد الشيشان ليست ببعيدة خاصة وان قاديروف على الرغم من خيانته لشعبه ولاصطفافه مع الروس لكن اغلب الروس لم ينسى انه كان يفتخر انه كان يقتل الروس انفسهم فيما مضى.
في النهاية يبدو أن الحرب الروسية على أوكرانيا بالفعل بدأت بفضح التصدعات الموجودة في الإمبراطورية الروسية القائمة على عقلية القرون الوسطى بالاحتلال والهيمنة دون احترام مكونات البلد الواحد واعطائهم نفس الحقوق وهي وصفة لكارثة لن يمنعها وجود بوتن او عدمه فالقوميات التي تم استخدامها حطباً لحرب بوتن دون ان تحصل على اعتراف حقيقي انهم مواطنين يملكون نفس الحقوق التي يملكها الروس لا بد ان يأتي اليوم ويفكرون في حقوقهم عند اول لحظة ضعف! وما انقلاب بريغوجين المسلح على بوتن منا ببعيد.

مقالت هامة للمراجعة :

“شيطنة” أوكرانيا

“داعش” الروسية – تهديد غير مسبوق للبشرية جمعاء