كييف تراقب بقلق “طوفان الأقصى”: أولوية دعم إسرائيل تهمش أوكرانيا
سامر إلياس
10/10/2023
سارع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لتأكيد دعمه المطلق لإسرائيل، وحقها في الدفاع عن نفسها، عقب إطلاق حركة حماس عملية “طوفان الأقصى” السبت الماضي في وقت تراقب كييف بحذر التطورات، إذ تدرك جيداً أن الدعم الغربي، خصوصاً الأميركي، لأوكرانيا سيتراجع في حال طال أمد العدوان على غزة، ما يحرم زيلينسكي ميزة “الطفل المدلل” الذي يتسابق العالم من أجل إرضائه، ويتحمل قادته انتقاداته الدائمة، ونهمه إلى المزيد الأسلحة المتقدمة والمساعدات المالية.
وتعي أوكرانيا أن دعم إسرائيل يعد أولوية قصوى للإدارة الأميركية، وكييف لا يمكنها أن تنافس تل أبيب على هذا الدعم. ورغم أن أوكرانيا كسبت تعاطفاً دولياً كبيراً، بسبب مقاومتها محاولات روسيا احتلال واقتطاع أجزاء من أراضيها في جنوب وشرق البلاد، ومطالبات من معظم دول العالم لروسيا بالالتزام بالقرارات والقوانين الدولية، فقد هب زيلينسكي ليكون أول المتعاطفين مع إسرائيل، رغم عدم التزام الأخيرة وحكوماتها المتعاقبة بالقرارات الدولية، خصوصاً حل الدولتين، واستمرار احتلالها الأراضي الفلسطينية.
زيلينسكي ينحاز لإسرائيل
وشدد زيلينسكي، السبت الماضي، على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وأنه “يجب ألا يكون للإرهاب مكان في العالم، لأنه دائماً جريمة، ليس فقط ضد بلد معين أو ضحايا الإرهاب في هذا الحدث، ولكن ضد الإنسانية بشكل عام. كل حياة لها قيمة، ونحن ندين جميع أشكال الإرهاب”. وقالت وزارة الخارجية، في بيان في اليوم ذاته، إن “أوكرانيا تدين الهجمات الإرهابية المستمرة على إسرائيل، بما في ذلك الهجمات الصاروخية على المدنيين في القدس وتل أبيب”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تسارع فيها أوكرانيا إلى تحميل الفلسطينيين مسؤولية التصعيد، وتتضامن مع إسرائيل. ففي أغسطس/ آب 2022 أثارت تغريدة للسفير الأوكراني لدى إسرائيل يفغيني كورنيشوك، غضب الكثير من الفلسطينيين والعرب.
الدعم الأوكراني لدولة الاحتلال كان واضحاً
وكتب وقتها: “بصفتي أوكرانياً تتعرض بلاده لهجوم وحشي طويل الأمد من أقرب جار لها، أشعر بتعاطف كبير مع الشعب الإسرائيلي”، مضيفاً: “لقد أصبح الإرهاب والهجمات ضد المدنيين من الروتين اليومي للإسرائيليين والأوكرانيين. علينا أن نضع حداً لهذا. نصلي من أجل السلام، ونأمل إنهاء التصعيد قريباً”.
اللافت أن الدعم الأوكراني غير المحدود لدولة الاحتلال كان واضحاً رغم الخلافات الكبيرة بين الطرفين، على خلفية قرار تل أبيب عدم تزويد كييف بأي أسلحة، خصوصاً في مجال الدفاع الجوي ومنظومات “القبة الحديدية” لمواجهة ضربات الصواريخ والمسيرات الروسية.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2022، قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، إن بلاده لا تستطيع تزويد كييف بأنظمة دفاع جوي بسبب أسرار لا ينبغي أن تقع في الأيدي الخطأ. ورداً على ذلك، قال كورنيشوك، وقتها، إن أوكرانيا طلبت من الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل لتقديم المساعدة العسكرية الموعودة.
زيلينسكي يريد كسب مزيد من التعاطف
انفجار الصراع في غزة وطول مدته سوف يعقد مشكلات بلاده في الحصول على الأسلحة والدعم، نظراً لأن الولايات المتحدة ستوجه قسماً أساسياً من الدعم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي للدفاع عن إسرائيل.
ومعلوم أن خلافات كبيرة نشبت في الكونغرس الأميركي حول حزمات الدعم لأوكرانيا، في ظل أزمة رفع سقف الدين ومخاوف إغلاق المؤسسات الفيدرالية، فيما قال الرئيس الأميركي جو بايدن أخيراً لصحافيين في البيت الأبيض إنه سيلقي “قريباً جداً خطاباً هاماً” يتطرق فيه إلى “المسألة الأوكرانية” و”لماذا من المهم جداً بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائنا أن نحافظ على التزامنا”، وذلك بعدما دعا أعضاء في الكونغرس الأميركي بايدن إلى إبلاغ المجلس بالاستراتيجية تجاه أوكرانيا، والمفاوضات المحتملة مع روسيا لإنهاء النزاع.
ولم يرغب الرئيس الأميركي في تحديد المدة التي ستواصل خلالها الولايات المتحدة تقديم مساعدات عسكرية ومالية لأوكرانيا إذا لم يتبنّ الكونغرس حزمة جديدة طلبها البيت الأبيض.
واكتفى بالإشارة إلى أن واشنطن لديها الوسائل اللازمة لتمويل “الشريحة التالية” من المساعدات، مشيرا إلى أن هناك “طرقا أخرى” لتوفير الأموال، أي من دون المرور بالإجراءات البرلمانية.
لكن تعهدات بايدن هذه قد تصبح قيد المراجعة في حال طال أمد العدوان على غزة، لا سيما أن إسرائيل عمدت منذ اليوم الأول للحرب إلى طلب مساعدات عسكرية، بما في ذلك كشف مسؤولين عسكريين أحدهما إسرائيلي والآخر أميركي، في تصريحات لشبكة “سي أن أن” أن إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة قنابل “ذكية” دقيقة التوجيه وصواريخ اعتراضية إضافية لنظام القبة الحديدية. وبحسب التسريبات فإن الطلب المقدم إلى الأميركيين يشمل “ذخائر الهجوم المباشر المشترك” JDAMs، وهي مجموعة تعمل على تحويل القنابل غير الموجهة إلى سلاح “ذكي” دقيق.
واستخدمت إسرائيل قنابل دقيقة التوجيه لضرب أهداف في غزة من الجو. كما تطلب إسرائيل مزيداً من الصواريخ الاعتراضية لنظام القبة الحديدية. مع العلم أن الولايات المتحدة كانت قد قدمت ملايين الدولارات لتمويل مشروع القبة الحديدية.
ومن المؤكد أن أوكرانيا ستتراجع طوال فترة الحرب في غزة عن كونها أولوية أميركية وغربية، وهو ما كشفت عنه تصريحات مسؤولين غربيين. والتركيز الغربي على دعم إسرائيل يفيد الجانب الروسي، ويصعب مهمة أوكرانيا، مع تعثر هجومها المضاد الذي بدأ قبل أكثر من أربعة أشهر، وانضمام بولندا وسلوفاكيا إلى المجر وبلدان أوروبية أخرى تدعو لوقف تزويد أوكرانيا بالأسلحة، ما يعني دخول كييف مفاوضات سياسية وهي في موقف ضعيف، ما يجبرها على تقديم تنازلات مؤلمة، خصوصاً مع جمود الجبهات في الشتاء المقبل وتضاؤل الأمل في أن تحقق أوكرانيا أي تقدم نوعي.
“قصر نظر” الدبلوماسية الأوكرانية
وبعيداً عن التناقضات المبدئية في الموقف الأوكراني لجهة الترويج على أنها تحارب احتلالاً، في مقابل دعم احتلال آخر، كشف الانحياز الواضح لجانب إسرائيل عن “قصر نظر” في توجهات الدبلوماسية الأوكرانية.
وقال رئيس مكتب زيلينسكي، ميخائيل بودولياك، في بيان أمس الأول الأحد، إن هجوم حركة حماس على إسرائيل هو نتيجة “تدمير الأمن العالمي” الناجم عن الصراع الروسي الأوكراني. ورأى أن السبيل الوحيد لمنع تصعيد الصراعات، مثل ما يحدث بين إسرائيل وفلسطين، يكمن في إضعاف الجانب الروسي في الصراع ضد أوكرانيا.
وبدا أن الدبلوماسية الروسية “المتمرسة” استطاعت التقاط هذا التناقض. وعبرت، في بيان السبت الماضي، عن قلقها إزاء تفاقم الوضع في منطقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، داعية الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى وقف فوري لإطلاق النار.
وأكدت أنها لا ترى إمكانية التوصل إلى حل عسكري للصراع العربي الإسرائيلي، مطالبة بقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل وفقاً لما تم الاتفاق عليه في مفاوضات السلام وقرارات الأمم المتحدة.
روسيا مستفيدة من تشتيت الانتباه الغربي تجاه أوكرانيا
وكثفت “البروباغاندا” الروسية حملاتها لإضعاف الدعم الغربي لأوكرانيا وتحويل الانتباه عن كييف. واتهمت “بروباغاندا” الكرملين الغرب بتجاهل الصراعات في الشرق الأوسط لصالح دعم أوكرانيا. والواضح أن الكرملين يستخدم هجمات “حماس” في إسرائيل لتعزيز العمليات الإعلامية التي تهدف إلى الحد من الدعم والاهتمام الأميركي والغربي بأوكرانيا.
وفي مقابل الموقف الرسمي لكييف، حذر أوليغ سوسكين، مستشار الرئيس الأوكراني الأسبق ليونيد كوتشما، من تحول الاهتمام الغربي عن أوكرانيا، مؤكداً أن الحرب في إسرائيل ستضع حداً للتمويل الأميركي للقوات المسلحة الأوكرانية.
وقال سوسكين، على “تليغرام” أمس الأول الأحد: “لن تحدث أي اختراقات (أثناء الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية). وقد تفاقم الوضع بشكل حاد بسبب الحرب الإسرائيلية الفلسطينية. لا يوجد مال ولن يكون هناك المزيد. ومن الواضح أن كل الأموال ستذهب الآن إلى إسرائيل”. وبحسب سوسكين، فإن الرئيس الأميركي جو بايدن لن يتمكن من تحويل 100 مليار دولار التي تم ذكرها سابقاً إلى أوكرانيا.
ولفت أليكسي بوشكوف، رئيس لجنة مجلس الاتحاد الروسي بشأن سياسة المعلومات والتفاعل مع وسائل الإعلام، إلى أن السلطات الأميركية الآن ستضطر للعمل على جبهتين، الأوكرانية والإسرائيلية.
وكتب بوشكوف، على “تليغرام” الأحد الماضي: “الآن ستعمل الولايات المتحدة على جبهتين: الأوكرانية والإسرائيلية. ولكن مهما حاولوا التصرف في كلا الاتجاهين، فإن أولوية أوكرانيا في السياسة الغربية ستنخفض حتماً”. وأضاف أن القيادة الأميركية يجب أن تشعر بالقلق من احتمال انضمام أزمة حول تايوان إلى الأزمات الحالية.
من جانبه، قال الرئيس البولندي أنجي دودا، في تصريح الأحد الماضي، إن الصراع بين حركة حماس وإسرائيل قد يكون مفيداً لروسيا، التي “تسعى إلى صرف الانتباه” عن المشكلة الأوكرانية، مضيفاً أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد تكون له عواقب سلبية على الاتحاد الأوروبي.
وأعرب عن مخاوفه من أن يتسبب هذا الصراع في موجة جديدة من الهجرة، الأمر الذي من شأنه أن يضع عبئاً إضافياً على حدود الاتحاد الأوروبي وبولندا.
مما لا شك فيه أن روسيا مستفيدة من أي تشتيت للانتباه الغربي تجاه أوكرانيا، كما أنها ستكون في غاية السعادة بتورط واشنطن في أي صراع جديد، يشتت مواردها وقدرتها على دعم أعداء الكرملين، وأولهم النظام في كييف، ويظهر برأي موسكو عدم أهلية الولايات المتحدة لقيادة العالم.
وبدا هذا الموقف واضحاً في تصريح نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، الذي أكد أنه كان الأحرى بأميركا وحلفائها أن “ينشغلوا” بالعمل على “تسوية فلسطينية إسرائيلية” بدلاً من “التدخل” في شؤون روسيا وتقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا.
كما اتهمت الخارجية الروسية الغرب بعرقلة جهود “الرباعية”، المكونة من روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، ما أدى إلى تصعيد العنف، محملة الغرب مسؤولية اندلاع الأعمال الحالية.
وكان لافتاً أن العديد من “المراسلين العسكريين” الروس، الذين يغطون الحرب في أوكرانيا، ركزوا بشكل أساسي على هجمات “حماس” على إسرائيل، الأمر الذي يقول مراقبون غربيون إنه جاء بإيعاز من الكرملين في إطار خطته لتحويل الاهتمام الغربي من أوكرانيا إلى إسرائيل.
ومن المؤكد أنه كلما طالت فترة الحرب في غزة فإن أوكرانيا هي الخاسر الأكبر، بغض النظر عن مواقف زيلينسكي ودبلوماسيتها الساعية إلى إثبات أن أوكرانيا جزء من العالم الغربي.