الحيوانات الوحشية والأليفة

الحيوانات الوحشية والأليفة

حاتم استانبولي

كاتب فلسطيني

11/10/2023

عملية طوفان الأقصى كما أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية، والمشاهد التي شاهدها الجميع في بث مباشر من أرض العمليات العسكرية يلاحظ أنها استهدفت البنية التحتية العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في غلاف غزة.

هذه العملية هي حقٌ قانونيٌ مستند للقانون الدولي الذي ينص على حق الشعوب في ممارسة حقهم في الدفاع عن أرضهم ومجابهة المغتصب المحتل.

ردة الفعل “الإسرائيلية” سادها الذهول والاضطراب والتخبط السياسي والإعلامي في الوقت الذي كان المقاومون يسوقون الجنود وقادتهم المأسورين إلى داخل قطاع غزة.

عملية طوفان الأقصى أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة السياسية.

سياسياً: سارع نتنياهو بالاتصال بالبيت الأبيض مرتين خلال ٢٤ ساعة يطلب فيها الدعم السياسي والعسكري والمعنوي في المعركة القائمة وطلب دعمًا دوليًا وتحركًا أمريكيًا في مجلس الأمن لإدانة المقاومة الفلسطينية، ثم قام نتنياهو بالاتصال بكل من رؤساء وزارات بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا بالإضافة إلى الرئيس الأوكراني.

والملفت أنّ نتنياهو لم يحاول الاتصال بالرئيس بوتين والرئيس الصيني بل صدر تصريح من سفيره في بكين ينتقد الموقف الصيني في إشارة إلى أنّ الموقفين الروسي والصيني أشارا إلى أن جوهر الأزمة هو استمرار القضية الفلسطينية مهملة بلا حل سياسي قائم على أساس القرارات الدولية.

بعد الاتصالات صرح نتنياهو أنّ رد فعل الاحتلال سوف يغير وجه الشرق الأوسط، هذا التصريح جاء بعد تصريح وزير الاحتلال الصهيوني أنّ “إسرائيل” تتعامل مع حيوانات وحشية وليس مع بشر واتخذ قرارًا فاشيًا عنصريًا بقطع الماء والكهرباء والطعام عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأوامر بقصف منهجي يُحَوِل فيه بإعادة قطاع غزة إلى العصر الحجري، هذه التصريحات كانت قد حذر فيها كل من لبنان بشكلٍ مباشرٍ وبقية الدول والشعوب العربية بشكلٍ غير مباشر.

العبارات التي أطلقها وزير الاحتلال أنّه يتعامل مع “حيوانات ووحوش”، ويصرح بالقتل العشوائي مستخدمًا فائض القوة الجوية والتسليحية لجيشه المستند إلى القوة الأمريكية والغربية التي باركت هذه الخطوات والتصريحات، وأصدرت بيانًا خماسيًا (الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا) تؤكد فيه دعمها للإجراءات العنصرية والفاشية لحكومة نتنياهو ووزير دفاعه.

على ما يبدو أنّ نتنياهو وزمرته الفاشية سوقت موقفها أن حسم الصراع في الشرق الأوسط يبدأ بتصفية المقاومة الفلسطينية، ومن بعدها اللبنانية، وهي الطريق لإسقاط سوريا وتقسيمها وإحتواء إيران وتفتيتها وإعادة تركيبها، ومدخل لإعلان أنّ الدولة اليهودية ستكون من البحر إلى النهر، وهذا يعني ترحيل جماعي للفلسطينيين، هذا ليس تحليل بل هو واقعٌ أعلن عنه نتنياهو بالطلب من شعبنا في غزة للرحيل، هذا الشعب المحاصر الذي لا يوجد له منفذ للرحيل سوى مصر والضفة، وليس لها منفذ إلى الأردن ومن الممكن إلى سوريا، شعبنا في الداخل المحتل سيخير إما أن يكونوا مواطنين من الدرجة ( الحيوانية) حسب التصنيف النازي للفوهر هتلر أو يرحلوا.

هذه المواقف المعلنة لـ نتنياهو ووزير دفاعه ومن قبلهم لوزير أمنه المتطرف “بن غفير” ووزير ماليته “سموتريش” جميعها تعبر عن الجوهر العنصري الفاشي لهذا الكيان المدعوم من الخماسية وهي مواقف تستند إلى بعد ديني وعرقي لا تستثني أحدًا من العرب إن كانوا ملوك ورؤساء وأمراء وشعوب.

السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هذا الموقف الأمريكي الغربي الأعمى في إطلاق الدعم اللامحدود للاحتلال وِجرائمه ومَواقِفِهِ العنصرية الفاشية المعلنة؟

الجواب: إنّ عملية طوفان الأقصى ونتائجها الآنية والاستراتيجية وضعت وجود هذا الكيان الصهيوني في مهب الريح الذي يعني أنّ المنظومة التي تم بناؤها على مدى أكثر من مائة عام أصبحت في مهب الريح، وهذا يفتح الباب واسعًا للمنظومة الجديدة القائمة على أساس التعددية الثقافية والعرقية والاقتصادية لتنتصر وتفرض إيقاعها.

سقوط الكيان الصهيوني في “إسرائيل” يعني خسارة المركز المقرر في الحركة الصهيونية، وسقوط منظومة الحركة الصهيونية في كل الدول والنظم السياسية والإعلامية والعسكرية التي تعمل من أجل “إسرائيل” واستمرار وجودها.

لكل هذا يفهم الموقف السريع الذي اتخذه البيت الأبيض بإرسال أقوى وأحدث حاملة طائرات (جيرالد فورد) ومنظومة حمايتها من سفن ومدمرات إلى منطقة البحر المتوسط.

وهذا يطرح سؤالًا آخرًا: هل غزة ومقاومتها بهذه القوة يتطلب استحضار كل هذه القوة العسكرية الأمريكية لمجابهتها؟

بالطبع الجواب: لا بل هناك إعادة تقييم أمريكي للوضع العالمي وأنّ حسم الصراع في منطقة الشرق الأوسط وتنظيفها من “الحيوانات الوحشية” بغض النظر عن جنسيتهم ومواقعهم، هي الطريق لحسم الصراع في أوكرانيا وبحر الصين، والتخلص من “الحيوانات الوحشية” الصفراء والسلافية.

الوضع الدولي في حالةٍ مائعةٍ ومواجهة متعددة المستويات والاتجاهات والمركز الرأسمالي الإمبريالي يفقد مواقع قوته ونفوذه السياسي والاقتصادي، والقوى الصاعدة تتقدم مسرعةً ببطءٍ في إعادة تشكيل العالم الجديد، والقضية الفلسطينية عادت لتصبح المعيار للعدالة الإنسانية وتكشف الموقف اللاأخلاقي للمنظومة الرأسمالية الإمبريالية الغربية، التي حاولت منذ عقود لفرض رؤيتها وثقافتها وسياستها الاقتصادية والمالية التي تعتمد سرقة مدخرات الشعوب وإعادتها لهم على شكل قروض تتعامل فيها بصورة انتقائية لفرض وقائع سياسية جوهرها خضوع المنظمة السياسية في كل بلد وموقع لسياسات مراكز رأس المال الإمبريالي الذي يتحكم فيه رأس المال الصهيوني.

معركة طوفان الأقصى سَرَعَت في كشف الموقف المعلن لجوهر الصهيونية وكيانها، وأنّه لا يوجد عربي ومسلم ومسيحي من المحيط إلى الخليج مستثنى من تصنيف “الحيوانية والوحشية” التي أطلقها وزير دفاع جيش الكيان الصهيوني، ولكن هنالك “حيوانات وحشية” وهنالك أليفة، ولكنها معرضة في أي وقت لتصنيفها وحشية إذا ما اعترضت أو قاومت حتى لو بالكلمة وتصفيتها بعدة طرقٍ ووسائل حسب متطلبات المصلحة الصهيونية.

لكل هذا فإنّ معركة الشعب الفلسطيني هي ليست دفاعًا عن الفلسطينيين في غزة ومقاومتها أو حماس وكتائبها، بل هي دفاع عن القضية الفلسطينية بكل رموزها المعنوية والسيادية، والمقاومة بدءًا من القدس ورام الله وكل المدن والبلدات الفلسطينية التي ستجد نفسها مهجرة إلى الأردن وسورية ولبنان في إعادة لجريمة نكبة ال٤٨ـ

طوفان الأقصى هي معركة دفاع عن الأردن وشعبه، ودفاعًا عن مصر وعروبتها، وسوريا ولبنان ومقاومته وشعبه بكل أطيافه، وخاصة المسيحيين الذين شاهدوا كيف قام المستوطنون بالاعتداء على مقدساتهم والبصق على صليبهم من قبل المتدينين اليهود وكيف يطالبون أطفالهم ممارسة البصق على الصليب.

لذلك فإنّ قرار إعلان الحرب على الشعب الفلسطيني هو بالجوهر إعلان حرب على كل ما هو عربي إسلامي مسيحي باعتبارهم “حيوانات وحشية” والأليفة منها من الممكن في أي لحظة أن يتحول إلى وحش، وهذا يتطلب أن تكون الدولة اليهودية دولة مقتصرة على اليهود فقط، هذا ما يعنيه كل من نتنياهو وكل من وزير دفاعِهِ وأمنه وماليته.

الجوهر أنّ العقيدة الصهيونية وباعتراف رموزها، ترى العرب بغض النظر عن ديانتهم مسيحية أو مسلمة، هم إما أليفين يجب الحفاظ عليهم بإطعامهم وتذكيرهم بكل فترة “بِحَيوانِيتِهِم”، أو “حيوانات وحشية” إذا ما قاوموا فهذا يتطلب قتلهم وقتل سلالاتهم لأنّ مقاومتهم سوف تورث لأجيالِهم.

لهذا فإنّ الطرق التي اتبعت سابقًا للقضاء على المقاومين بغض النظر عن موقعهم السياسي أو دينهم إسلامي أو مسيحي لم تجدي؛ لهذا يتطلب تدخلاً لإجراء عملية استئصال كاملة لكي يقضي على المقاومة ومُلهِميها ورمزيتها.

ولهذا تم أخذ قرار إعلان الحرب على المقاومة ويجب أخذه بصورةٍ جدية وأنّه فعلٌ يتم التحضير والتنفيذ له، وعلى مراحل للاستفراد بكل حلقة على حدة وأخذ مباركة أمريكية وخماسية وهي حرب موجهة بالجوهر إلى روسيا والصين إذا ما نظرنا لها بِالمنظور الشامل.

والجميع من المحيط إلى الخليج سيطاله نتائج هذه الحرب إن كانوا “حيوانات وحشية أو أليفة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *