آفاق استمرار “اتفاقية الحبوب”

الحبوب الاوكرانية

آفاق استمرار “اتفاقية الحبوب”

اعداد مركز “فيجن” للدراسات الاستراتيجية

17/7/2023

جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي، في مقابلة مع شبكة “سي بي إس” الإخبارية، أكد أن تعطيل “اتفاقية الحبوب” سيكلف روسيا ثمناً باهظاً. وردا على سؤال حول ما إذا كانت هناك مؤشرات على استعداد الرئيس الروسي بوتين لمواصلة هذه المبادرة، أشار إلى أنه لا يمكنه التنبؤ بأفعال رئيس الكرملين. وأشار سوليفان إلى أن بوتين غير رأيه مرارًا وتكرارًا بشأن “صفقة الحبوب” في الأشهر الأخيرة.

الحبوب الأوكرانية هي مفتاح النجاة من خطر المجاعة في البلدان الإفريقية! حيث تعتبر أوكرانيا أحد المنتجين الرئيسيين للغذاء في العالم، وبالتالي، ضماناً لمنع أزمة الغذاء العالمية. أنقذت الحبوب الأوكرانية عام 2022 نحو 100 مليون شخص في إفريقيا وآسيا من سوء التغذية. في الوقت ذاته، يتعمد الكرملين إثارة الأزمة الغذائية العالمية لتحقيق أهدافه الخاصة على الصعيد الدولي. حيث يهدد الكرملين بالانسحاب من اتفاقية الحبوب التي تنتهي في 17 تموز/ يوليو

أما إفريقيا فهي كانت، ولا تزال، تعتمد على الإمدادات الغذائية الخارجية الأمر الذي تستغله روسيا لتعزيز نفوذها في القارة السمراء والوصول إلى مواردها الطبيعية الهائلة. ولذا، في حال لم تمدد صفقة الحبوب سيحدق خطر المجاعة بإفريقيا وسيتدفق اللاجئون من المناطق التي ستغرق حتماً في نزاعات وحروب.

تمارس روسيا بنشاط التهديدات غير العسكرية في محاولة لزعزعة استقرار القارات بأكملها، وإثارة المجاعة العالمية الاصطناعية مثال كلاسيكي على تكتيكاتها هذه. في بداية غزوها الشامل لأوكرانيا نفذت روسيا تكتيك حصار صادرات الحبوب الأوكرانية عبر الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود. ثم بذل المجتمع الدولي قصارى جهده لرفع الحصار الروسي البحري في الصيف الماضي. واليوم، تهدد روسيا بالانسحاب من اتفاقية الحبوب. ولا يخفى على أحد أنه في حالة استحالة الإمداد المستمر بالحبوب من أوكرانيا فإن عدداً من البلدان في إفريقيا وآسيا سيواجه المجاعة الشاملة.

بدورها، لا تهتم روسيا إلا بالاستيلاء على الموارد الإفريقية. وشركاتها العسكرية الخاصة التي توجد في عدد من بلدان هذه القارة (مثل السودان، الجزائر، مالي، بوركينا فاسو، جمهورية افريقيا الوسطى… وغيرها) إحدى الطرق للوصول إلى تلك الموارد. من جهته، يقدم الكرملين بانتظام الأسلحة إلى بعض القوى العسكرية والسياسية التي تسعى إلى الاستيلاء على السلطة بالقوة.

ولذلك، تصدير الحبوب الأوكرانية بحراً دون عوائق أمر بالغ الأهمية بالنسبة لجميع دول العالم باستثناء روسيا الاتحادية. ويجب أن يتلقى الكرملين إشارة واضحة إلى عدم مقبولية ممارسة الإرهاب الغذائي الذي يجلب كارثة للبشرية جمعاء.

وقد أعلن الكرملين اليوم عن انسحابه من اتفاقية الحبوب وعدم نيته الاستمرار في تنفيذها، حيث يطالب برفع العقوبات عن بعض البنوك الروسية وإعادة العمل بخط انابيب الامونيا الواصل من مدينة تولياتي الروسية الى مدينة اوديسا، لتصديرها منه.

وأعلن رئيس الدبلوماسية الأوروبية، جوزيب بوريل، قبل اجتماع مع قادة دول أمريكا اللاتينية، إن قرار روسيا بالانسحاب من صفقة الحبوب غير مبرر على الإطلاق وهو استخدام للجوع كسلاح. وأضاف أن الاتحاد الأوروبي سيحل مشكلة توصيل الحبوب الأوكرانية عبر “ممر التضامن” – طريق بري لتصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية. وأكد “يؤسفني جدًا أن أقول إن روسيا اليوم رفضت مواصلة هذه الصفقة. هذا شيء خطير سيخلق الكثير من المشاكل لكثير من الناس حول العالم. من جانبنا، سنفعل كل ما في وسعنا، وعبر “خط التضامن” لجعل الحبوب الأوكرانية في متناول الناس الذين تطعمهم “.

بينما أكد رئيس المجلس الأوروبي، تشارلز ميشيل، ان مبادرة حبوب البحر الأسود مهمة للغاية، خاصة بالنسبة للبلدان الأكثر ضعفا. وأشار إلى أن السياسيين الأوروبيين سيساعدون البلدان في الحصول على الحبوب والأسمدة التي يحتاجونها للمواطنين. واضاف “نحن ندعم بالكامل جميع جهود أنطونيو غوتيريش لضمان عدم انقطاع الإمداد بالحبوب”.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيليينسكي، في مقابلة مع وسائل إعلام أفريقية، أعلن ان أوكرانيا مستعدة لمواصلة “اتفاق الحبوب” بدون روسيا، حيث قال “كان لدينا اتفاقيتان: أوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة؛ واتفاقية أخرى هي روسيا وتركيا والأمم المتحدة. لذلك، عندما تقول روسيا إنها توقف (الصفقة)، فإنها تفسد اتفاقاتها مع الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش ومع الرئيس أردوغان. ليس معنا. لم نبرم أي اتفاقات معهم”.

كما أشار الرئيس الاوكراني إلى أن وزارة الخارجية ستتصل بالأمم المتحدة وتركيا للحصول على إجابة بخصوص استمرار مبادرة الحبوب. ووفقًا لزيلينسكي، ستستمر الشركات المالكة للسفن في توريد الحبوب إذا قامت أوكرانيا وتركيا بتأمين مرور هذه السفن.

الامن الغذائي العالمي

في الختام يمكن تلخيص آفاق استمرار “اتفاقية الحبوب”، انطلاقا من المعلومات المتوفرة حتى اللحظة، كما يلي:

  • تعزز روسيا ابتزازها للعالم بالجوع والازمة الغذائية عبر تعطيل “اتفاق الحبوب”.
  • في ذات الوقت أوكرانيا منفتحة على استمرار “اتفاقية الحبوب”، التي تصب في مصلحة المجتمع الدولي، وتحل المشاكل العالمية للأمن الغذائي.
  • تطالب روسيا بتفضيلات مقابل موافقتها على تمديد “اتفاقية الحبوب”. الهدف من هذه التفضيلات هو التغلب على العزلة الدولية وزيادة قدرتها على مواصلة العدوان على اوكرانيا.
  • في الوقت نفسه، عبر تعطيلها لعمليات تفتيش السفن المحملة بالحبوب، بذلت روسيا جهودًا لشل نشاط ممر الحبوب حتى دون إلغاء الاتفاقية رسميًا.
  • إن انسحاب روسيا من “اتفاقية الحبوب” يعني إهمال مصالح البلدان والشعوب الفقيرة، ولا سيما أفريقيا، التي تتوقع الحصول على الغذاء الضروري بأسعار معقولة.
  • لن تؤدي التنازلات المقدمة إلى الكرملين إلى استقرار عمل ممر الحبوب، ولكنها ستشجع فقط المزيد من المطالب لمراجعة الاتفاقية.
  • تبحث موسكو عن أسباب لرفع معدلات الابتزاز من خلال تعطيل “مبادرة الحبوب”. يمكن أن تتذرع القيادة الروسية بالحادث على جسر كيرتش، الذي حدث اليوم، على الرغم ان تهديداتها سابقة له بأسابيع. وفي الوقت نفسه، تهدد روسيا نفسها أمن “ممر الحبوب” عبر مهاجمة البنية التحتية لميناء أوديسا وجزيرة “الثعبان”.
  • في حالة انسحاب روسيا النهائي من الاتفاقية، تستعد أوكرانيا، مع شركائها، لتنفيذ خيارات وطرق بديلة لتصدير الغذاء.
  • لن يصبح الأمن الحقيقي للشحن التجاري في البحر الأسود ممكنًا إلا بعد تحرير شبه جزيرة القرم المحتلة وتدمير القدرات العسكرية للأسطول الروسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *