أسبرطة جديدة على حدود موسكو

أسبرطة جديدة على حدود موسكو

فراس بورزان*

14/3/2023

عشية الهجوم الروسي على أوكرانيا قال بوتين إن أحد أهداف حملته هو جعل أوكرانيا منزوعة السلاح، لكن بعد قرابة العام من بدء الحرب تبدو أوكرانيا اليوم عكس ما أراد فهي أكثر تسليحاً بأضعاف من ذي قبل. والعامل الحاسم في هذا التحول التزام حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة بدعم أوكرانيا في الدفاع عن نفسها في مواجهة الغزو الروسي لأراضيها، تجسد هذا الدعم بحصول أوكرانيا على إمدادات عسكرية تطور نوعها وحجمها بالتوازي مع مسار الحرب.

فقد وافق الحلف على تزويد أوكرانيا بدبابات قتالية من طراز ليوبارد والتي سبق لألمانيا وبريطانيا التعهد بتزويد أوكرانيا بعدد من هذه الدبابات.

الدبابات الألمانية ستكون الأكثر عدداً لأسباب تتعلق بكفاءتها وملاءمتها لميدان المعركة وأسباب لوجستية أخرى جعلت منها الخيار الأفضل للأوكران، ذلك أن ليوبارد هي الدبابة الأكثر انتشاراً في أوروبا ما يسهل توفير ذخيرة وقطع غيار لها، وقال وزير الدفاع الألماني إن مارس /آذار سيشهد تسليم أوكرانيا الكتيبة الأولى من دبابات ليوبارد.

“بالتوازي مع الإمداد العسكري يتم تدريب آلاف من الجنود والوحدات الأوكرانية في عدد من دول الحلف على المعدات الجديدة وتكتيكات القتال”

على الرغم من أن الدبابات قد حظيت باهتمام كبير، إلا أن حزم الإمدادات العسكرية شملت أيضاً عربات قتالية حديثة من طرازات مختلفة، بالإضافة الى أنظمة دفاع جوي ذات مستويات متنوعة معتمدة من قبل حلف شمال الأطلسي، وستضاف إليها بطاريات باتريوت الأميركية العام المقبل، إلى جانب ذلك زودت أوكرانيا بأنظمة مدفعية مختلفة وقاذفات صواريخ تكتيكية متعددة الاستخدامات، ومن المتوقع حصولها على قنابل ذكية حديثة من طراز GLSDB. بالتوازي مع الإمداد العسكري يتم تدريب آلاف من الجنود والوحدات الأوكرانية في عدد من دول الحلف على المعدات الجديدة وتكتيكات القتال، فقد كشفت القيادة العامة للجيش الأوكراني أن 50 ألف جندي تلقوا تدريبا عسكريا غربيا، كما قدم حلف شمال الأطلسي دعماً استخباراتياً للقوات الأوكرانية ما جعلها مرتبطة بالمنظومة الاستخباراتية للحلف.

ومع الأخذ في الحسبان أن الجيش الأوكراني بدأ منذ 2016 بعمليات إعادة هيكلة وتطوير لأنظمته وبنيته العسكرية وفقًا لمعايير حلف شمال الأطلسي ضمن برنامج الشراكة مع الحلف، لذلك فإن آثار الدعم المقدم تتجاوز تعزيز القدرات القتالية للقوات الأوكرانية في مواجهة الروس إلى تغيير العقيدة العسكرية ونوعية التسليح في الجيش الأوكراني، وهذا من شأنه جعل أوكرانيا تنضم تدريجياً إلى المنظومة العسكرية لحلف شمال الأطلسي، ويعزز حضورها داخل هذه المنظومة أنها باتت تتمتع بجيش كبير ذي خبرة قتالية عملية، المفارقة أن الحرب ساعدت أوكرانيا على اختصار مراحل كي تصل لمستويات التنسيق والانسجام الحالية مع أنظمة حلف شمال الأطلسي في حين أن دولا أخرى احتاجت إلى عقدين للوصول إلى المستوى الذي وصلت له أوكرانيا حاليا.

“تحويل أوكرانيا الى أسبرطة على حدود موسكو لن تكون بالمهمة السهلة وتحتاج سنوات واستثمارات كبيرة، لكن في حال إنجازها سوف تغير قواعد اللعبة بما يتعلق بالأمن الأوروبي”

التحولات السابقة شجعت قطاع الصناعات الدفاعية في دول الحلف لوضع إمكانيات التصنيع العسكري في أوكرانيا على طاولة البحث، فالرئيس التنفيذي لراينميتال عملاق الصناعات الدفاعية الألمانية أشار لدى زيارته إلى كييف إلى إمكانية تصنيع دبابات بانثر القتالية الأكثر تطوراً من ليوبارد وصواريخ لينكس في أوكرانيا بعد انتهاء الحرب، كذلك ناقش مسؤولون تنفيذيون من قطاع الدفاع البريطاني مع المسؤولين الأوكرانيين خطط إقامة مشروعات مشتركة لتصنيع أسلحة ومركبات محليا على اعتبار أن أوكرانيا تمتلك قدرات فنية للتصنيع العسكري ما يرشحها مستقبلاً لأن تكون جزءا من عمليات التصنيع العسكري الغربية. وعلامة على حماس الجانب الأوكراني لهذه الخطط قال سيرهي ماركوفسكي أحد المسؤولين في مؤسسة أوكربورنوبروم الدفاعية المملوكة للدولة الأوكرانية في ندوة استضافها المعهد الملكي للخدمات المتحدة بأن شركته تتطلع إلى تصنيع أسلحة متوافقة مع معايير حلف شمال الأطلسي وأن جزءا من مشاريع التصنيع المشتركة سيكون بالتعاون مع الشركات الدفاعية الغربية.

تحويل أوكرانيا الى أسبرطة على حدود موسكو لن يكون بالمهمة السهلة ويحتاج لسنوات واستثمارات كبيرة، لكن في حال إنجازها سوف تتغير قواعد اللعبة بما يتعلق بالأمن الأوروبي، كما تدرك روسيا أن قطار التحول قد انطلق ولن يكون بوسعها إيقافه إلا إذا حققت نصرا حاسما في الميدان يخرج أوكرانيا من مدار الاهتمام الغربي.

*نشرت بالتنسيق مع الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *