الاتفاق السعودي الايراني – تحول تاريخي باتجاه الشرق

الاتفاق السعودي الايراني – تحول تاريخي باتجاه الشرق

وديع أبوهاني
إعلامي فلسطيني

11/3/2023

قراءة في مضامين الاتفاق الايراني السعودي الذي صنع في الصين.

هل يرتقي للاتفاق التاريخي؟

أم أن الاتفاق نوع من التهدئة والهدنة طويلة الأمد تلجأ لها السعودية ارتباطا” بتطورات متسارعة ومتوقعة على ضوء قرع طبول الحرب ضد إيران؟

هل هو اتفاق استراتيجي أم تكتيكي لتأدية أغراض وتحقيق أهداف قريبة ومتوقعة بعد التهديدات الامريكية الاسرائيلية بتوجيه ضربة قاصمة لإيران.

أسئلة وتحليلات كثيرة ومتنوعة علينا تفحصها بدقة وعناية وفق المعطيات المتوفرة.

قبل أيام كنا على وقع اتفاق سعودي ايراني برعاية الصين.

وقع الخبر كان كالصاعة للكثير من المتابعين والمحليين رغم أن الاتفاق سبقته جولات حوار في عدد من دول الاقليم والخليج.
لكن التتويج والاسراع في الاعلان عن مضامينه كان المفاجئ كالزلزال.
خاصة أن الدور الصيني الذي رعا الاتفاق وأعطاه مصداقية وزخم وجدية أكثر من المحاولات واللقاءات التي كانت تتم في العراق ومسقط منذ سنوات .

تطورات دولية و استحقاقات داخلية سعودية وخليجية وفي الإقليم سرعت ان يرى الاتفاق النور.

ربما كل تلك العوامل والقادم منها أسهمت مجتمعة بالاعلان التاريخي عن هذا الاتفاق برعاية صينية.
وأظهرت قدرة الأمير محمد على إتخاذ قرارات مصيرية بددت تقديرات بعض المشككين بتبعية القرار السعودي بالكامل للكوبي الأمريكي .
حجم المؤيدين للاتفاق من دول خليجية وعربية واقليمية لهذا الاتفاق ما يؤكد أهميته وانكعاساته القادمة على مصالح وعلاقات العديد من الدول.
خاصة ما حمله الاتفاق من نقاط مهمة تتعلق بالمراجعة للعلاقات الثنائية المتوترة ما بعد الثورة الايرانية.
والعمل على إعادة بناء جسور الثقة حيث بدأ الاتفاق بالحديث عن إحترام سيادة الدول ولم ينتهي بالشروع بفتح السفارات وتطبيع العلاقات في سقف زمني لا يتعدى الشهرين من تاريخ إعلانه .
الاتفاق سيفتح الطريق للتعاون و لحل المشاكل العالقة بالحوار وعلاقات حسن الجوار.

ماهي انعكاسات هذا الاتفاق وماهي مخاطر اجهاضه؟
وماذا يعني أن تتفق أكبر دولتين في الاقليم (إيران و السعودية) كأهم دولة عربية اسلامية واقتصادية منتجة للنفط؟

أفاق هذا الاتفاق ودلالاته .

أول ما يعني هو عودة الصين بقوة للسوق الخليجي.
وإتجاه السعودية إلى الشرق في تحالفاتها وتحقيق مصالحها الإقتصادية.
كذلك مناخ الاتفاق قد يسرع بوضع حد للاحتراب باليمن و المستمر بقيادة التحالف السعودي منذ ثماني سنوات.
لقد لعبت السعودية دور تاريخي بشيطنة ايران ودعم الحروب ضدها من بوابة الخطاب الطائفي وبخطورة التدخل الايراني في شؤون المنطقة واهدافها التوسعية السياسية والعسكرية والتشييعية.

المتضررين من الاتفاق ورعاته
الولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني.

الصين سبق ان وقعت اتفاقات اقتصادية وغيرها مع دول مهمة في الخليج .
والكويت مثالا” على حجم تلك الاتفاقات طويلة الأمد.
ولا ننسى العديد من الاتفاقات الصينية تمت مع ايران ايضا”.
فالدور الصيني السياسي والاقتصادي هنا ليس بعيدا” عن التنسيق مع روسيا في ظل التقارب ودفئ العلاقات بين روسيا والصين الذي ظهر جليا” اتجاه الحرب الروسية الاوكرانية.

ان ما يجري من توافقات في الاقليم وبرعاية صينية بقدر ما يظهر اننا أمام عالم متعدد الاقطاب يتبلور ومؤشراته واضحة على اكثر من مسار ومساحة جغرافية ،خاصة الساخنة منها.
بقدر ما يحمل معه مروحة من التفاهمات المتوقعة على أكثر من صعيد في عموم منطقتنا العربية والاقليم.
لعل أهم أختبار قريب لثمار التقارب السعودي الايراني الذي استمرت محادثاته وطبخه على نار هادئة منذ أكثر من عامين .
بدأت المباحثات السعودية الإيرانية في العراق مرورا” بمسقط إلى أن توج الاتفاق برعاية القوة الاقتصادية الأولى المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية على مستوى العالم.
حيث سعت الولايات المتحدة الأمريكية وعملت على إبتزاز المملكة العربية السعودية في أكثر من محطة وخاصة في عهد ترامب الرئيس الأمريكي السابق ولم تنتهي بعهد الرئيس الأمريكي الحالي بايدن تحت عنوان انتهاكات حقوق الانسان وموضوع مقتل خاشقجي المعارض السعودي الذي تم تصفيته في السفارة السعودية في تركيا. وكذلك عدم مباركة الادارة الامريكية الجديدة لتولي ولي العهد السعودي الأمير محمد مقاليد السلطة الفعلية في السعودية..
الأمر الذي يؤكد أننا على أبواب مرحلة جديدة لاستعادة علاقات حسن الجوار مع ايران وما تشكله إيران من قوة مادية واقليمية على الصعيد الاقتصادي والعسكري والامني بالنسبة لدول الخليج والأقليم.
ولما لايران من نفوذ يمكن توظيفه لتبريد خطوط التماس والمواجهة بين السعودية واليمن وصولا” لانهاء الحرب المستمرة من ثمانية سنوات بقيادة تحالف على رأسه المملكة العربية السعودية والتي طالت حياة أبرياء وفقراء ودماء اليمنيين.
لا نبالغ في القراءة والتحليل ان هذا الاتفاق السعودي الايراني ربما سيكون فاتحة لمرحلة جديدة في المنطقة إذا ما تم تحصينه وإحترام مضامينه. بل سيساعد على الاستقرار في الاقليم وفي رسم سياسات إقتصادية إتجاه الشرق بعدما كان معظم الاقتصاد العالمي مرتهن للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وخاضع لشروط البنك الدولي عبر الدولار كعملة وحيدة للتعامل التجاري.
أفاق الاتفاق الايراني السعودي ستتضح معالمه أكثر في المرحلة القادمة سواء على صعيد العلاقات مع العراق.
أو باتجاه إستعادة العافية والعلاقة بين السعودية وسوريا بعد الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا مؤخرا” والذي خلف مآسي للشعب السوري. وبما يفتح الطريق لاستعادة معادلة التفاهمات التاريخية( س .س) في لبنان. بين سوريا والسعودية بما يؤدي لحلول ومساعدة لبنان في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف به وعلى صعيد الملف الرئاسي وفشل كل الاطراف في تعبئة الفراغ الدستوري بانتخاب رئيس توافقي غير معادي للسعودية وسوريا.
كل هذه التحولات إءا ما جرت وأثمرت ستستفيد منه قوى المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن والعراق موضوعيا”.
نجاح وتقدم في هذه العلاقة التاريخية الحذرة والتي كانت سائدة منذ عقود بين السعودية وإيران من شأنها ترسيخ مسار جديد للتطورات المتسارعة في عموم المنطقة. الاقليم .
وستمكن المملكة العربية السعودية مجددا” من اعادة لم الشمل العربي وعقد القمة العربية القادمة بنجاح .
وتعمل السعودية بوزنها على تحضير المسرح السياسي العربي لمثل هذا الاستحقاق رغم عدم وجود مؤشرات في مواقف الجامعة العربية مجتمعة حتى اللحظة إتجاه عودة سوريا للحضن العربي في القمة العربية القادمة وفتح صفحة جديدة لحلول للأزمة في سورية والتي خلقت وما زالت تخلق فواجع متتالية للشعب والدولة السورية.
استعادة التضامن العربي وايجاد حل للجرح السوري النازف أحد عناوين الحركة السياسية والدبلوماسية للسعودية
فبقدر ما ستعطي هذه الخطوات ثمارها من النجاح فهي بمثابة تتويج لقيادة مرحلة جديدة لولي العهد السعودي من قبل قوى دولية وعربية وازنة في مواجهة محاولات التشكيك الأمريكية بقدرة الأمير محمد من قيادة المرحلة الجديدة ارتباطا” بخارطة الطريق التي حددها منذ تسلم مسئولياته كولي للعهد في المملكة السعودية والتي أدت للاطاحة بكل معارضي تعيين الملك سليمان لإبنه الأمير محمد ولي للعهد .

مرحلة جديدة في العلاقات السعودية على الصعيد الدولي بدأت بروسيا مرورا” بايران ولن تنتهي بالصين بل ستفتح الطريق أمام الملك الشاب القادم الأمير محمد للانخراط في تكتلات اقتصادية وسياسية نحو الشرق بعد مرحلة طويلة من الارتهان للعلاقة التبعية مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما” بعد مرحلة المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز الذي استطاع استخدام النفط في خدمة القضايا العربية في مطلع السبعينات من القرن الماضي في حرب تشرين عام ١٩٧٣ التي أرعبت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لولا تخاذل السادات حينها وتفريطه بانجازات حرب تشرين ليوظفها بمسار تسووي تطبيعي منذ كمب ديفيد و ما زلنا ندفع ثمن تلك الاتفاق التطبيعية حتى الأن على معظم جبهات المواجهة مع الكيان الغاصب.

الموقف الأمريكي – الإسرئيلي من الاتفاق السعودي – الإيراني.

هذه التحولات المتسارعة في المشهد السياسي والعربي والاقليمي لن يروق ويحظى برضى الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى لمحاصرة التنين الاقتصادي الصيني وتعمل بكل امكانياتها لهزيمة روسيا على جبهة المواجهة المحتدمة بين روسيا واوكرانيا.
وكذلك “اسرائيل” التي كانت تنتظر الجائزة الكبرى للتفاهمات الابراهيمية ستسعى بكل دبلوماسية لاستكمال التطبيع الحار مع المملكة العربية السعودية .

لا نبالغ بالقول أن الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلال الكيان الصهيوني كانت ومازالت تحضر لضربات عسكرية لايران ولمزيد من خطوات تركيع دول الناتو العربي التطبيعي وربطهم بتحالفات عسكرية وامنية إقتصادية ، هما الدولتان الأكثر تضررا” على الصعيد الاستراتيجي من الرعاية والدور الصيني ومن نتائج هذا الاتفاق السعودي الايراني بعدما اتهمت ايران وجرى شيطنتها من قبل دول الخليج ومن حضورها المقاوم للمشروع الامريكي الصهيوني في المنطقة ودعمها لقوى ومحور المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن والعراق .
بل أكثر من ذلك جرت محاولات شيطنة ايران واتهامها بالتشييع في منطقتنا العربية والاسلامية . وتدخلاتها ونفوذها في المنطقة .

لذلك فان الاتفاق السعودي الايراني بقدر ما هو تاريخي واستراتيجي بقدر ما يتطلب تحصينه وبناء جسور الثقة بين أطرافه.
فالولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني العنصري سيعملان على تخريب أي جهد تجميعي وتراكمي عربي يؤدي للتضامن ويحترم سيادة و وحدة الدول وعدم التدخل في شؤونها .
لذلك ليس مستبعد قيام الكيان الصهيوني وبغطاء أمريكي بمحاولة قتل الاتفاق السعودي الايراني وهو في رحم أمه.
عبر توجيه ضربة استباقية لايران.
أو إشغال ساحات مواجهة لاستنزاف السعودية وايران وإعادة خلط الاوراق وتعميم المزيد من الفوضى في المنطقة ،
خاصة أننا أمام حكومة أسرائيلية متطرفة ومتهورة ومتعطشة لتوجيه ضربة لايران ولمواقعها ومعاملها النووية والعسكرية بعدما حققت ايران نجاحات عسكرية برا” وجوا” وفي مدايات الصواريخ العابرة في الفضاء والبحار.

كل هذه التطورات التي تبعث على التفائل على صعيد حلحلة الأزمات العربية في( سوريا واليمن والعراق ولبنان ) ..
ولا يمكن أن يكتب للتفاهمات بين الدول ذات السيادة لها النجاح دون إحترام مصالح وسيادة الدول في عالم يقترب من المتعدد الاقطاب ، ويترسخ مع الانجازات التي يحققها الروس على جبهة المواجهة مع الوكيل الاوكراني الذي يخوض معركة الغرب وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية في محاولة من الولايات المتحدة الامريكية الى ارجاع عقارب الساعة الى الوراء بعد الانجازات التي حققتها روسيا والصين ودول شنغهاي والبريكس من تحالفات ومصالح مشتركة مرشحة للتوسع في السنوات القادمة مما يسمح ويفضي لاعادة بناء نظام عالمي متوازن أكثر عدلا” وأقل ظلما” للدول والشعوب ولحقوق الانسان .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *